الخاتمة

عشرة آلاف عام مرَّت
ومليار دمعة ذرفها الإنسان
غير أنه بالأسباب قد جَهِل
والآن تنتهي سيادة الإنسان للعالم.
من أغنية «في عام ٢٥٢٥» (ثنائي الروك الأمريكي زيجر وإيفانز)

إن الانفراد بالنفس للتأمل في عواقب الاحترار العالمي، أو اقتراب العصر الجليدي القادم، أو توقيت الانفجار البركاني الهائل القادم، أو الاصطدام بأحد الكويكبات؛ قد يولِّد لدينا قلقًا عابرًا. إلا أن التفكر الجماعي في الأخطار المستقبلية التي تهدد كوكبنا وجنسنا البشري كفيل تمامًا بأن يصيبنا بنوبات اكتئاب حاد. دعني ألخص موقفنا الحالي؛ نحن الآن في خضم دورة من الاحترار ستؤدي بالتأكيد خلال المائة سنة القادمة إلى تغييرات جيوفيزيائية واجتماعية واقتصادية هائلة من شأنها أن تكون وبالًا على الجميع. وفي الوقت نفسه يتأرجح كوكبنا على حافة العصر الجليدي القادم، الذي قد يحل قبل أوانه بسبب الاحترار العالمي، ولكن من المرجح أن يبدأ في غضون العشرة آلاف سنة المقبلة حتى وإن لم نساهم نحن في ذلك. وهناك كويكبات تبلغ من الحجم ما يكفي للقضاء على رُبع الجنس البشري لا تزال تندفع بسرعة عبر مدار الأرض دون أن نرصدها، بينما لا يدري أحد متى سنكتشف المُذَنَّب الكبير التاليَ المتجه نحونا. أعطتنا كارثة تسونامي المحيط الهندي لمحة عن مدى التأثير المفزع للطبيعة على عالمنا الذي لا يزداد إلا ازدحامًا، حتى إن موجة تسونامي العملاقة القادمة أو الانفجار البركاني الهائل المقبل سيؤدي كلٌّ منهما حتمًا إلى وفاة الملايين وإحداث اضطراب هائل في مجتمعنا العالمي المتقدم المزعوم. وقد بلغت بنيتنا الاقتصادية والاجتماعية مبلغًا من الترابط والتشابك نتيجته أن زلزالًا واحدًا يضرب اليابان كفيل بأن يؤديَ إلى كارثة اقتصادية عالمية. وهناك توجهات أخرى أيضًا من شأنها أن تُنهيَ العالم الذي نعرفه، وذلك خلال القرن الحالي. ومع أن عدد سكان كوكب الأرض لا يزال في ازدياد، فقد بدأ معدل تلك الزيادة يتباطأ عام ١٩٦٨، وسوف يصل العدد أقصاه مقاربًا ٩ مليارات نسمة — أي ما يعادل مرة ونصف مرة ما عليه الحال اليوم — وذلك نحو سنة ٢٠٧٠. وبعد ذلك سوف يبدأ العدد في الانخفاض، فيصل إلى ٨٫٤ مليارات نسمة بعد ذلك في غضون ٣٠ عامًا فقط. وبالرغم مما يلقاه هذا المنحى من ترحيب، فستكون نتيجته قطاعًا من السكان المسنِّين ومستقبلًا يسوده الشَّيْب. بحلول نهاية هذا القرن، سوف تكون هناك نسبة استثنائية تقدَّر بنحو ٥٠ بالمائة تقريبًا من سكان اليابان وأوروبا الغربية عند سن الستين أو فوقها، وسوف يكون ثُلث سكان الكوكب بالكامل قد تجاوزوا هذه السن. وفي عالم تزداد فيه هيمنة المسنين على الشباب، يعتقد البعض أن الصراعات بين الأجيال سوف تطغى على المشهد السياسي.

لن يكون مستقبل أحفادنا حافلًا بكبار السن فحسب، بل سيكون مملًّا قاحلًا. في واحدة من كبرى حالات الانقراض الجماعي في التاريخ، تتسبب أنشطتنا الحالية على وجه كوكب الأرض في إبادة ما بين ٣٠٠٠ و٣٠ ألفًا من أنواع الكائنات الحية سنويًّا، من مجموعٍ لا يتعدى ١٠ ملايين نوع. قد يكون ثُلث النباتات المزهرة معرَّضًا للخطر، في حين أن ما بين ٢٥ و٥٠ بالمائة من جميع أنواع الحيوانات قد يختفي قبل مطلع القرن الجديد. ومع تزايد هلاك أنواع الكائنات الحية، سرعان ما ستتخذ الحشرات والأعشاب الضارة والأمراض أماكنها لتعيش جنبًا إلى جنب مع الجنس البشري. فبدلًا من عالم تعيش فيه الغوريلا، والباندا، وطيور الجنة، والشعاب المرجانية، سيُضطر أحفادنا إلى أن يعيشوا في عالم ليس به إلا الفئران، والصراصير، والحسك، والقراص. وعلاوةً على ذلك، فالتنوع البيولوجي هش للغاية — خاضع باطِّراد لتأثير التطور — لدرجة أن استعادته لحالته الأولى قد تستغرق ٥ ملايين سنة أو أكثر. وفي غضون ذلك، سنكون قد ورطنا ما يقدَّر بنحو ٥٠٠ تريليون نسمة من الأجيال القادمة في حياة كئيبة وكوكب خالٍ من الحياة بوجهٍ عام، وذلك من منظور التنوع. وعلى القدر نفسه من الأهمية، فإننا بالفعل صرنا وكأننا أرباب لهذا الكون نتدخل في التطور نفسه وفي كل الاحتمالات المستقبلية للحياة على كوكب الأرض. فعن طريق إبادتنا لهذا الكمِّ الهائل من الأنواع التي توجد اليوم، ندمر الكثير من المادة الخام التي تلزم عملية التطور، ونقلل كثيرًا من قدرة هذا الكوكب على توليد الأنواع التي من المفترض أن تحيا في المستقبل. فيما يتعلق بملايين الأنواع على مر العصور الجيولوجية، حانت بالفعل نهاية العالم، والأنشطة التي يمارسها الإنسان اليوم تؤكد أن العديد من أشكال الحياة التي نشاركها الحياة على كوكبنا اليوم ستلقى المصير نفسه قريبًا.

يبدو إذنْ أن الصورة التي أرسمها الآن للمستقبل لا تزداد إلا سوءًا. سيكون كوكب يسكنه كبار سنٍّ ربما يفتقرون إلى الدينامية والابتكار اللذين كانا في الماضي، ويخوضون معركة مع تغير المناخ وعواقبه وما تلاه من اضطرابات اقتصادية وسياسية واجتماعية، ويناضلون — ربما بعد فوات الأوان — لتصحيح الأخطاء البيئية التي ارتكبناها — نحن أسلافهم. بطريقة أو بأخرى، وفي ضوء ما أسلفنا لا يبدو أن سيناريو اقتراب نهاية العالم الذي رسمه براندون كارتر محض خيال. وهناك آخرون قد وصلوا إلى استنتاج مفاده أنه قريبًا سيصل الأمر إلى ذروةٍ مأساوية؛ فقد تنبأ أندرس يوهانسن وديدييه سورنيت من جامعة كاليفورنيا مؤخرًا — في ضوء اتجاهات مؤشرات السكان والمؤشرات الاقتصادية والمالية — أن نوعًا من التحوُّل المفاجئ إلى «نظام» جديد سوف يقع خلال خمسين عامًا أو نحو ذلك، وأن طبيعة ذلك النظام تظل غير مؤكدة أو واضحة، ولكن من غير المحتمل أن تَسُرَّنا.

ربما يكون الخبر السارُّ الوحيد الذي قد يُستقى من هذه النظرة المختصرة على نهاية العالم الذي نعرفه هو أنه مع أن هذا سيحدث — وقريبًا — يبدو أنه قد تأكدت لنا نجاة جنسنا البشري، في الوقت الراهن على الأقل. وإذا نحينا جانبًا إمكانية اصطدام كبير لمُذَنَّب أو كويكب كالذي تسبب في اندثار الديناصورات قبل ٦٥ مليون سنة — والذي لا يحدث إلا كل ١٠٠ مليون سنة أو نحو ذلك — فمن المستبعد جدًّا في المستقبل القريب أن يأتيَ شيء آخر ليمحوَ من الوجود الجنس البشري عن بكرة أبيه وقد تجاوز عدد البشر ٦٫٥ مليارات نسمة. بل إن فكرة استبدال عالم قائظ الحرارة أو قارس البرودة بالعالم المألوف لنا كثيرًا الآن قد لا تبدو مخيفة في أعين من سيكون من ذريتنا في قلب ذلك العالم الجديد. ومهما يكن فالجنس البشري يتمتع بقدرة هائلة على التكيف مع الظروف المحيطة، ويمكننا التأقلم مع الأوضاع الجديدة بشيء من الثبات. وما من شك في أن «عوالم» مألوفة قد انتهت عدة مرات من قبل، وسوف يشهد بذلك شخص تجاوز عمره المائة عام وُلد ونشأ عندما كانت الملكة فيكتوريا تتربع على عرش المملكة المتحدة، وعاش حتى شهد هبوط الإنسان على سطح القمر. ومع ذلك فالخطر يكمن في أن يصير العالم الذي سيعيش فيه أبناؤنا ومَن بعدهم عالمًا مليئًا بالنضال والصراع مع احتمال ضئيل — وربما القليل من الحماس — لتحقيق تقدم كما كانت الحال في العصر الفيكتوري. الواقع أنه لن يكون مستغربًا تمامًا إذا لم يكن هناك — في وقتٍ ما في المستقبل، حين تغرق المدن الساحلية الكبرى تحت الأمواج أو تحت صفائح الجليد — إجماع آراء بشأن حدوث قدرٍ كبير من التقدم.

مع أني حاولت في هذه الصفحات استقراء الاتجاهات والأفكار الحالية لاستخلاص ودراسة سيناريوهات تبعث على الكآبة لمستقبل كوكبنا وجنسنا البشري، فلا شك لديَّ — إلى حدٍّ ما على الأقل — أنك معذور الآن إن اتهمتني بضيق الخيال. وعلى كل حال، فإنني نادرًا ما تجاوزت في نظرتي إلى المستقبل بضع عشرات آلاف من السنين، غير أن شمسنا ستواصل غمر كوكبنا بالدفء الذي يهب الحياة مدة ٥ مليارات سنة أخرى أو أكثر. ومن يدري كيف ستكون حال الإنسان العاقل والأنواع التي تتطور منه على مدار تلك المدة الطويلة. قد يتلقى جنسنا البشري والأجيال التي تأتي بعده في المستقبل ضربة قاصمة على المدى القصير، لكن لو تعلمنا رعاية بيئتنا بدلًا من استغلالها، سواء هنا على الأرض — قبل أن تبتلعها الشمس في نهاية المطاف — أو ربما لاحقًا في النظام الشمسي والمجرة وما بعدها، حينها سيكون لدينا الإمكانية لنصبح أي شيءٍ والوقت لنفعل أي شيء تقريبًا. ولعل الوقت المناسب للبدء قد حان الآن.

الملحق (أ)

الجدول الزمني للأخطار: يبين وتيرة تكرار الظواهر الخطرة

الملحق (ب)

الجدول الزمني الجيولوجي للأرض: يبين أهم الأحداث الواردة في هذا الكتاب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤