الفصل الأول

مقدمة قصيرة جدًّا عن الأرض

الخطر: الطبيعة في أوج نشاطها

اعتدنا أن نشاهد على شاشات التليفزيون أنقاض المدن التي ضربتها الزلازل، أو آلاف اللاجئين المذعورين الهاربين من ويلات انفجار بركاني جديد، حتى إن تلك المشاهد لم تَعُدْ تثير دهشتنا أو مخاوفنا؛ نظرًا لأننا بمنأًى عن تلك الكوارث مكانًا، ولأننا نفتقر إلى التعاطف الحقيقي مع من تحلُّ بهم. ترى الغالبيةُ العظمى من السكان الذين حالفهم الحظ بالعيش في المناطق المزدهرة في أوروبا وأمريكا الشمالية وأوقيانوسيا؛ الكوارثَ الطبيعية الكبرى على أنها أحداث سريعة الزوال تحدث في أراضٍ غريبة بعيدة جدًّا، مع أنهم هم أنفسهم ليسوا بمنأًى تامٍّ عن التعرُّض لتلك الكوارث. إنها تثير قدرًا من الاهتمام لدى هؤلاء الأفراد، لكنه اهتمام نادرًا ما يكون له تأثير على واقعٍ يوميٍّ يكترث فيه الناس لوقوع جريمة قتْل في مسلسل شهير أو لإحراز فريق كرة القدم المحلي فوزًا، أكثر كثيرًا مما يكترثون لوفاة ٥٠ ألف فرد في أحد الانهيارات الطينية في فنزويلا. اللافت للنظر أن مثل هذا الموقف تجده سائدًا في مناطق في البلدان المتقدمة المعرَّضة هي الأخرى لوقوع الثورات البركانية والزلازل. تَحَدَّثْ إلى أحد سكان مدينة ماموث في كاليفورنيا حول خطر عودة بركان مدينتهم إلى الحياة مرة أخرى، أو إلى أحد سكان مدينة ممفيس بولاية تينيسي حول احتمالات تعرُّض المدينة لزلزال هائل يسويها بالأرض، ومن المرجَّح أن يهز كتفيه ويخبرك أن لديه أمورًا أكثر إلحاحًا عليه أن يشغل باله بها. والتفسير الوحيد هو أن هؤلاء يعيشون حالة من الإنكار؛ فهم يدركون تمامًا أن كارثة مروعة ستحدث يومًا ما، لكنهم لا يَقْبلون حقيقة أنها قد تحدث لهم أو لأحفادهم.

عندما نتحدث عن الكوارث الطبيعية على نطاق عالمي، ستجد هذا السلوك سائدًا في كل مكان؛ في أوساط الحكومات الوطنية، والوكالات الدولية، والتكتلات التجارية المتعددة الجنسيات، وجزء كبير من المجتمع العلمي. لكن هناك بعض الأسباب تدعو للتفاؤل، وقد بدأ هذا السلوك في التغير في جانب واحد على الأقل؛ فقد صار الجميع الآن على علم بالخطر الذي يحدق بالأرض من ارتطامها بكويكب أو بمُذَنَّب، والسباق جارٍ من أجل تحديد جميع الكويكبات التي تقترب من الأرض والتي لديها القدرة على إبادة جنسنا البشري. وبفضل الأفلام الوثائقية التليفزيونية التي تحظى بدعاية واسعة النطاق، والتي تُعرض في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، بدأت التهديدات المتفاقمة للانفجارات البركانية الهائلة وموجات تسونامي العملاقة تصل الآن إلى جمهور أكبر بكثير من المجموعات المحدودة من العلماء الذين يعملون على هذه الظواهر. على وجه التحديد، كفلت التغطيةُ الإعلامية الشاملة لتسونامي آسيا عام ٢٠٠٤ استيعابَ العالم وتقديرَه لتلك الظاهرة وقدرتها على إحداث الدمار والخسائر في الأرواح على نطاق واسع، حتى صار ذلك معلومًا لدى القاصي والداني. واستجابةً لذلك، تسعى حكومة المملكة المتحدة إلى تشكيل لجنة علمية دولية لتقييم الأخطار الطبيعية المحتملة على هذا النطاق، وهناك خطط بلغت من التطور مبلغًا في وضع نُظُم إنذارٍ بأمواج تسونامي في كلٍّ من المحيطَين الهندي والأطلسي.

الواقع أن كوكب الأرض مكان هشٌّ للغاية؛ مما يجعله محفوفًا بالمخاطر؛ فهو صخرة صغيرة تندفع بعنف وسرعة عبر الفضاء، تدمره الحركات العنيفة لقشرته، فضلًا عن تعرُّضه لتغيُّرات مناخية هائلة بسبب تغيُّر ظروفه الجيوفيزيائية والمدارية. وبعد مُضي ١٠ آلاف عام فحسب على نهاية العصر الجليدي، يشهد كوكب الأرض أعلى درجات حرارة عرفها تاريخ الأرض الحديث. وفي الوقت نفسه يزيد الانفجار السكاني واستنزاف الموارد البيئية كثيرًا من تعرُّض المجتمع الحديث للكوارث الطبيعية مثل الزلازل، وأمواج تسونامي، والفيضانات، وثورات البراكين. في هذا الفصل التمهيدي، سنتناول الأخطار الحالية المحدقة بهذا الكوكب ومَن يعيشون عليه تمهيدًا للنظر في الأخطار المستقبلية الأشد وطأة.

كوكب الأرض هو الكوكب الأكثر نشاطًا في نظامنا الشمسي، وهذا النشاط هو الذي حبانا بمجالنا المغناطيسي الواقي، وغلافنا الجوي، ومحيطاتنا، وأخيرًا حياتنا. لكن الميزات الجيوفيزيائية التي تجعل الأرض تهب الحياة وتحافظ عليها هي نفسها التي تجعلها محفوفة بالمخاطر. على سبيل المثال، البراكين المذهلة التي ساعدت في وقت مبكر من تاريخ كوكبنا على تكوين الغلاف الجوي والمحيطات هي نفسها التي أبادت خلال القرون الثلاثة الماضية رُبع مليون شخص، وألحقت إصابات بأعداد لا حصر لها. في الوقت نفسه، الأمطار التي تغذي الأنهار وتوفر لنا مياه الشُّرب التي نحتاج إليها للبقاء على قيد الحياة قد دمَّرت مساحات شاسعة من الكوكب عن طريق الفيضانات التي بلغت معدلات هائلة في السنوات الأخيرة. ففي أي سنة منذ ١٩٩٠، قُتل نحو ٢٠ ألف شخص وتضرر عشرات الملايين بسبب الفيضانات الجارفة، وفي عام ١٩٩٨ ألحقت فيضانات نهرية كبرى في الصين وبنجلاديش أضرارًا بمئات الملايين من السكان. ويمكنني أن أستمر على المنوال نفسه وأتحدث عن عدد الأشخاص الذين استمتعوا بتساقط الثلوج في بدايتها والذين سرعان ما فقدوا حياتهم عندما تحوَّل الأمر إلى انهيار جليدي، أو كيف يمكن لنسيم خفيف يحرك الزوارق بخفة على سطح الأمواج أن ينقلب سريعًا إلى ريح عاتية تسفر عن دمار بالغ؛ لكني أعتقد أن الصورة قد اتضحت. توفر لنا الطبيعة كل احتياجاتنا، لكن يجب أن نتوخى بالغ الحذر من تقلباتها السريعة.

كوكب الأرض: نبذة تاريخية مختصرة

الكوارث الجيوفيزيائية العالمية الكبرى التي تنتظرنا في المستقبل ليست سوى ظواهر طبيعية عادية في صورة أشد وطأة؛ لذلك فإنه كي نفهم طبيعة تلك الكوارث، لا بد أن نعرف شيئًا عن الأرض وكيفية عملها. وهنا سأمر سريعًا على ٤٫٦ مليارات عام من تاريخ الأرض، وأعرض أثناء ذلك الخصائص التي تجعل عالمنا محفوفًا بالمخاطر إلى هذا الحد، وتجعل مستقبلنا عرضة للزوال هكذا. في البداية، يجدر بنا أحيانًا التفكير في مدى قِدَم الأرض، وأن نقدِّر فكرة أن كوننا لم نشهد كارثة طبيعية بعينها من قبلُ لا يعني أنها لم تقع قط، ولا يعني أنها لن تقع مرة أخرى. كوكب الأرض موغِلٌ في القدم إلى حدٍّ يؤكد لنا أنه ما من شيء يخرج من جعبة الطبيعة إلا وقد شهدته الأرض من قبل. ولأعطيَ القارئ انطباعًا حقيقيًّا حول مدى قِدَم كوكب الأرض مقارنةً بقِدَم الجنس البشري، لعلِّي ألجأ مرة أخرى إلى تشبيهٍ استخدمته من قبل: تخيل مُجْمَل تاريخ الأرض ممثلًا بفريق من العدَّائين يتبارَوْن في سباق ١٥٠٠ متر مؤلف من ثلاث دورات ونصف الدورة. في الدورة الأولى تجد كوكبنا عبارة عن قِفار قاحلة تضربها الكويكبات وتنفجر فيها البراكين. وخلال الدورة الثانية يبدأ الكوكب يبرد؛ ما يسمح بتكوُّن المحيطات وظهور أبسط أشكال الحياة. أما الفترة الجيولوجية المعروفة باسم العصر الكمبري، الذي يحدد الظهور الفعلي لأشكال الحياة المختلفة، فلن تبدأ إلا بعد أن يدق الجرس ويندفع المتسابقون في آخر دورة من السباق. وبينما هم يتبارَوْن للوصول إلى خط النهاية تظهر الديناصورات ثم تندثر حين لا يكون بين متقدمي السباق وخط النهاية سوى ٢٥ مترًا. أين نحن؟ حسنًا، لم يظهر أسلافنا الأوائل إلا في آخر جزء من الثانية من السباق، حين يلامس الفائزُ المنهكُ القوى شريط النهاية.

منذ ظهرت أُولى الكائنات الوحيدة الخلية قبل مليارات السنين — وسط مزيج كيميائي ملتهب وغلاف جوي مهلِك — كانت مظاهر الحياة تشق طريقها بصعوبة بالغة من أجل البقاء والتطور في وجه ظواهر جيوفيزيائية ربما تحمل الهلاك. واليوم لم يتغير شيء من هذا، ربما باستثناء تكرار حدوث الكوارث العالمية، وكثيرون على سطح هذا الكوكب لا يزالون يواجهون تهديدًا يوميًّا لحياتهم، وصحتهم، ومعاشهم بسبب بركان أو زلزال أو فيضان أو عاصفة. إن الأخطار الطبيعية التي ضربت الجنس البشري في الماضي — والتي تشكل تهديدًا متزايدًا في المستقبل — لها جذور تمتد إلى أكثر من أربعة مليارات عام إلى وقت تكوُّن النظام الشمسي وتشكُّل الأرض من قرص من الحطام يدور حول الشمس التي كانت في طور التكوين. وكوكب الأرض، مثله مثل الكواكب الشقيقة، يمكن أن يُنظر إليه باعتباره أحد الفائزين بالجائزة الكبرى في مسابقة اليانصيب؛ واحدًا من قطع الحطام الفضائي التسع التي نجحت من بين تريليونات الأجرام الأصلية في النمو والبقاء، في حين أبيدت البقية في اصطدامات مذهلة بعضها ببعض، أو اكتسحتها القلة المحظوظة الأكبر حجمًا بفعل مجالات جاذبيتها الأقوى والأشد تأثيرًا. وعملية الاكتساح تلك — والمعروفة باسم «التنامي» — تضمَّنت كوكب الأرض والكواكب الأخرى حيث زادت كُتَلها عن طريق الاصطدام مع غيرها من الصخور الأصغر حجمًا، وهي عملية بالغة القوة اكتملت — لحسن حظنا — في الغالب قبل نحو ٤ مليارات سنة. بعد ذلك الحين، أصبح النظام الشمسي أقل فوضوية بكثير؛ حيث تضاءل كثيرًا الحطام المندفع هنا وهناك، وأصبحت تأثيراته على الكواكب أقل انتشارًا. ومع ذلك، وقعت تصادمات كبرى بين الأرض وكلٍّ من «الكويكبات» و«المُذَنَّبات» — وهي أجرام صخرية وجليدية صخرية نجت من عملية الإبادة الشاملة التي تعرَّضت لها الأجرام السماوية في فجر تاريخ النظام الشمسي — مثلما يتضح من السجل الجيولوجي للكوكب. وكما سنتناول في الفصل الخامس، فإن تلك التصادمات كانت السبب وراء عدد من حالات الانقراض الجماعي على مدى نصف المليار سنة الماضي، بما في ذلك انقراض الديناصورات. وعلاوةً على ذلك فإن خطر ارتطام الكويكبات والمذنبات بكوكبنا لا يزال قائمًا، وقد حدد العلماء أكثر من ٧١٨ كويكبًا أطلقوا عليها اسم «الكويكبات ذات الخطورة المحتملة»، وربما يكون خطرها وشيكًا للغاية. ومن بين تلك الكويكبات جِرم اكتُشِف حديثًا يُدعى «أبوفيس» (وهو ما يمثل نذير شؤم؛ إذ إن هذا هو الاسم اليوناني للإله المصري أبيب أي «المدمِّر»)، وسوف يمر داخل مدارات أقمار اتصالاتنا الاصطناعية في ١٣ أبريل عام ٢٠٢٩.

كان كوكب الأرض في بداية تكوُّنه أقرب في الشبه إلى أسوأ صورة تخيلناها للجحيم منه إلى الكوكب الأزرق الخلاب الذي نراه اليوم؛ فالحرارة الهائلة الناتجة من الاصطدامات — جنبًا إلى جنب مع الحرارة الناتجة عن التركيزات العالية للعناصر المشعة في باطن الأرض — كانت كفيلة بتغطية سطح الأرض بالكامل بمحيط متموِّج من الصهارة (الصخور المنصهرة) التي ربما يبلغ عمقها ٤٠٠ كيلومتر. ربما تشابهت درجات الحرارة في ذلك الوقت مع درجات حرارة عدد من النجوم الأكثر برودة؛ ربما اقتربت من ٥٠٠٠ درجة مئوية. وحتمًا حين التقت الصخور المنصهرة ببرودة الفضاء القارسة، فقدت حرارتها بسرعة؛ وهو ما جعل الطبقات العليا من الصهارة تُكوِّن قشرة رقيقة. ومع أن التيارات الدائمة التموُّج في المنطقة المنصهرة الواقعة أسفل تلك القشرة مباشرةً تسببت مرارًا وتكرارًا في تصدعها، ثم انزلاقها مرة أخرى داخل تلك الدوامة المضطربة، فإنه قبل ٢٫٧ مليار سنة تمكَّنت قشرة أكثر استقرارًا وأطول أمدًا من التكوُّن واكتساب سُمْك أكبر تدريجيًّا. واستمرت «تيارات الحَمْل» تتحرك داخل الصخر الساخن المنصهر جزئيًّا أسفل تلك القشرة، فتنقل الحرارة من المصادر المشعة في باطن الكوكب إلى القشرة الخارجية الصلبة المتنامية، ومنها تنطلق الحرارة إلى الفضاء. وبسبب الحركة المضطربة لتلك التيارات، لم تكن الطبقة الخارجية للأرض قط كتلة واحدة متماسكة، بل تألفت من صفائح صخرية منفصلة يتحرك بعضها بالتناسب مع بعضٍ بفعل تيارات الحمل البطيئة الحركة.

أثناء تكوُّن القشرة، كانت هناك تغييرات كبيرة تحدث أيضًا في باطن الأرض. كانت العناصر الأثقل وزنًا — لا سيما الحديد والنيكل — تغوص شيئًا فشيئًا بفعل الجاذبية نحو مركز الأرض لتشكِّل اللب المعدني للكوكب. وفي مركز هذا اللب المعدني تشكلت كرة مكونة في معظمها من الحديد الصُّلب والنيكل، لكن ظروف الضغط ودرجة الحرارة في الجزء الخارجي من هذا اللب المعدني كانت من القوة بحيث أبقت على انصهار تلك الكرة. ولكونها سائلًا فقد دارت هي الأخرى تأثرًا بدوران الأرض؛ ما أدَّى إلى ظهور مجال مغناطيسي يحمي الحياة على سطح الكوكب عن طريق منع الإشعاع الضار الآتي من الفضاء، ويوفر لنا وسيلة موثوقًا بها للملاحة بدونها كان سيصعب على أسلافنا الأوائل القيام برحلاتهم الاستكشافية والعودة إلى ديارهم مرة أخرى.

على مدار الملياري عام الماضيين أو نحو ذلك، هدأ الوضع كثيرًا على الكوكب، ولم تتغير كثيرًا بنيته أو العمليات الجيوفيزيائية التي تجري داخله وعلى سطحه. وباطن الأرض يتألف من بنية ثلاثية؛ أولًا: قشرة مكونة من معادن منخفضة الكثافة — سيليكات في الأغلب — داخلة في تركيب الصخور التي تشكَّلت بفعل البراكين، والترسب، والدفن. ثانيًا: «وشاح» منصهر جزئيًّا يتكون من معادن أعلى كثافة (سيليكات هي الأخرى). ثالثًا: لب من الحديد والنيكل مع بعض الشوائب. في نهاية المطاف تنشأ المخاطر التي تصيب باستمرارٍ مجتمعنا من حاجة الكوكب إلى التخلص من الحرارة التي تتولد داخله باستمرارٍ بسبب انحلال العناصر المشعة. وكما حدث في بداية تاريخ الأرض، تُحمَل هذه الحرارة نحو سطح الأرض بواسطة تيارات الحمل الحراري الموجودة داخل الوشاح. وهذه التيارات بدورها تشكل القوى المحركة التي تدفع الصفائح الصخرية الكبيرة عبر سطح الكوكب، ويقوم عليها مفهوم «الصفائح التكتونية» الذي يستخدمه الجيوفيزيائيون لوضع إطار لكيفية عمل الأرض جيولوجيًّا.

إن الحركات النسبية للصفائح نفسها — التي تكوِّن القشرة والجزء العلوي الجامد من الوشاح (ويُعرفان معًا باسم الغلاف الصخري) — ترتبط بدورها ارتباطًا مباشرًا بالمخاطر الجيولوجية الكبرى، كالزلازل والبراكين التي تتركز في المقام الأول على طول حدود الصفائح. وهنا نجد عددًا من التفاعلات المحتملة. قد تحتك صفيحتان إحداهما بالأخرى احتكاكًا عنيفًا؛ مما يتسبب في تراكم الضغط وإطلاقه دوريًّا عبر الزلازل المدمرة. ومن الأمثلة على حدود الصفائح «المحافِظة» هذه صدع سان أندرياس الذي يفصل غرب كاليفورنيا عن بقية الولايات المتحدة، وصدع شمال الأناضول في تركيا، الذي تولد عن آخر تحركاته زلزال كبير عام ١٩٩٩. وقد يحدث بدلًا من ذلك أن تصطدم صفيحتان اصطدامًا مباشرًا. فإذا كانت كلتا الصفيحتين تحمل قارات تتألف من صخور جرانيتية منخفضة الكثافة — كما هي الحال مع الصفيحة الهندية والصفيحة الأوراسية — فنتيجة هذا التصادم ظهور سلسلة جبلية مرتفعة — في هذه الحالة جبال الهيمالايا — وفي الوقت نفسه تولُّد زلازل كبرى كالزلزال الذي دمَّر إقليم بهوج الهندي في يناير ٢٠٠١. أما إذا اصطدمت صفيحة محيطية مكونة من البازلت الكثيف بصفيحة قارية منخفضة الكثافة، فسوف تندس الصفيحة المحيطية في الأسفل مرتدَّة إلى داخل وشاح الحمل الحراري. ومع انزلاق إحدى الصفيحتين أسفل الأخرى (وهي عملية تُعرف باسم الاندساس)، تنشأ أشد الزلازل وطأةً في العالم. ومن بين تلك الزلازل زلزال تشيلي عام ١٩٦٠، وزلزال ألاسكا عام ١٩٦٤، ومؤخرًا زلزال سومطرة (إندونيسيا) عام ٢٠٠٤؛ وكلها أثارت موجات تسونامي مدمرة. وظاهرة الاندساس تحدث باستمرار في جميع أنحاء الدول المطلة على المحيط الهادي، ما يؤدي إلى وجود قدر كبير من النشاط الزلزالي في ألاسكا، واليابان، وتايوان، والفلبين، وتشيلي، وأماكن أخرى في المنطقة المحيطة بالمحيط الهادي. وهذا النوع من حدود الصفائح الهدامة — سُمي بذلك لأنه يدمر إحدى الصفيحتين المتصادمتين — يحتوي أيضًا أعدادًا كبيرة من البراكين النشطة. ومع أن آليات تكوُّن الصهارة في هذه المناطق تكون معقدة أحيانًا، فهي في نهاية المطاف نتيجة لعملية الاندساس، فضلًا عن أنها تتأثر كثيرًا بالذوبان الجزئي للصفيحة المندسة أثناء الضغط عليها إلى مستويات أكثر سخونة في الوشاح. ترتفع الصهارة الجديدة المتكونة بهذه الطريقة لأن كثافتها أقل نسبيًّا من كثافة الصخور المحيطة بها؛ فتشق طريقها إلى سطح الأرض في صورة براكين تكون عادةً متفجرة وشديدة الخطورة. وهناك سلاسل من مئات البراكين النشطة والهامدة تحيط بالمحيط الهادي مكوِّنة حلقة النار الأسطورية، بينما يقبع البعض الآخر فوق مناطق الاندساس في البحر الكاريبي وإندونيسيا. والواقع أن كل الثورات البركانية الكبرى والمهلكة تقع في تلك المناطق، وقد وقعت كوارث بركانية حديثة في بيناتوبو (الفلبين) عام ١٩٩١، وفي رابول (بابوا غينيا الجديدة) عام ١٩٩٤، ومونتسيرات (جزر الأنتيل الصغرى ومنطقة البحر الكاريبي) منذ عام ١٩٩٥ حتى وقت كتابة هذه السطور.

للتعويض عن استهلاك بعض مواد الصفيحة، لا بد من تكوُّن صخور جديدة لتأخذ مكانها. ويحدث هذا فيما يُسَمَّى بحدود الصفيحة البنَّاءة، التي ترتفع على طولها الصهارة الجديدة من داخل الوشاح، ثم تتصلب، وتدفع الصفيحتين إحداهما بعيدًا عن الأخرى. يحدث هذا أسفل المحيطات على طول شبكةٍ مساحتُها أربعون ألف كيلومتر من الارتفاعات الطبوغرافية الخطية المعروفة باسم «نظام حيد وسط المحيط»، حيث يوازن الغلاف الصخري المتكوِّن حديثًا ما يُفقد من الوشاح عند الحدود الهدامة. ويمر جزء كبير من نظام حيد وسط المحيط تحت منتصف المحيط الأطلسي، ويتوسط أيسلندا فاصلًا بين الصفائح الأوراسية والأفريقية في الشرق عن صفائح الأمريكتين الشمالية والجنوبية في الغرب. وهنا أيضًا تقع براكين وزلازل، لكن الثورات البركانية يغلب عليها الاعتدال نسبيًّا، بينما تكون ثورات الزلازل محدودة الأثر. تتحرك الصفائح حركة مستمرة مدفوعةً بتيارات الحمل الحراري في الوشاح، وبمعدل يوازي تقريبًا معدل نمو الأظافر، وهو ما يغير باستمرار مظهر كوكبنا، ويضمن أنه بمرور الزمن تنال كل بقعة فيه حصتها العادلة من الزلازل والثورات البركانية.

الأرض الخطرة

بينما ترتبط الزلازل والثورات البركانية بكيفية قيام كوكبنا بنشاطه جيولوجيًّا، فإن الأخطار الجيوفيزيائية الأخرى تعتمد أكثر على العمليات التي تحدث في الغلاف الجوي للأرض. فبدلًا من الحرارة التي تأتي من باطن الأرض، يتأثر طقس كوكبنا في عمله بالطاقة القادمة من الشمس. وأقرب نجم إلينا هو السبب الرئيسي — إلى جانب دوران الأرض والتبادل المستمر للطاقة والمياه مع المحيطات — في حدوث الأعاصير المدارية والفيضانات التي تحصد الأرواح والممتلكات حصدًا، لا سيما في البلدان النامية. غير أن هناك ظواهر طبيعية فتَّاكة أخرى مركبة المنشأ وليس من السهل تصنيفها؛ فأمواج البحر العملاقة المعروفة باسم تسونامي (أو التي تُسَمَّى أحيانًا خطأً باسم «موجات المد»)، على سبيل المثال، يمكن أن تتشكل بعدة طرق مختلفة؛ في الأغلب بسبب الزلازل التي تحدث تحت سطح البحر، وأيضًا بسبب الانهيارات الأرضية في المحيط، والثورات البركانية التي تضرب الجزر والسواحل. بالمثل، تحدث العديد من الانهيارات الأرضية نتيجة تعاون بين الجيولوجيا والأحوال الجوية؛ إذ يتسبب هطول الأمطار الغزيرة في زعزعة استقرار المنحدرات الضعيفة أصلًا. ومع أنه لا يزال هناك كمٌّ هائل من المعلومات التي لا نعرفها بعدُ عن الأخطار الطبيعية وأسبابها وخصائصها، فإن مقدار ما نعرفه الآن بلغ حدًّا موسوعيًّا؛ وإذا رغبت في الاطِّلاع عليه فعليك الرجوع إلى المجلدات الكبرى الموثوق بها التي تركز كليًّا على مخاطر بعينها. وسوف أقتصر هنا على استعراض السمات الرئيسية للأخطار الطبيعية الكبرى استعراضًا أتمنى ألا يكون أوسع نطاقًا مما ينبغي، قبل أن أوضح أثرها الحالي والمستقبلي على مجتمعنا من منظور معين.

في أي مكان وأي وقت، تعطي الأرض وغلافها الجوي انطباعًا بأنهما مستقران وآمنان. غير أن هذه فكرة خاطئة تمامًا في ظل تعرُّض كوكب الأرض لنحو ١٤٠٠ زلزال يوميًّا، وثورة بركانية واحدة أسبوعيًّا. وكل سنة تتعرض المناطق الاستوائية إلى ما يصل إلى ٤٠ زوبعةً، وإعصارًا استوائيًّا، وإعصارًا حلزونيًّا، بينما تحدث الفيضانات والانهيارات الأرضية في كل مكان بأعداد تفوق الحصر.

fig1
شكل ١-١: خريطة توضح صفائح الأرض مع بيان مواقع الكوارث الطبيعية التي وقعت مؤخرًا؛ تتوافق مواقع العديد من الكوارث الطبيعية مع الحدود الصفائحية.1
fig2
شكل ١-٢: يتكون الغلاف الصخري — الغلاف الخارجي الصُّلب للأرض — عند حيود وسط المحيط، ويتلاشى في مناطق الاندساس.1

مما لا شك فيه أن الفيضانات هي أشد المخاطر الطبيعية، وذلك من حيث عدد المتضررين الذي يبلغ ١٠٠ مليون شخص في السنة على أقل تقدير، وهو وضع من المرجَّح أن يستمر في ضوء المؤشرات المستقبلية بارتفاع مستويات سطح البحر وازدياد حدة هطول الأمطار. لا تفرق فيضانات النهر بين بلد وآخر على أساس ما تمتلكه من ثروة أو مكانة؛ فقد تفاقم ضررها في البلدان المتقدمة والنامية على حدٍّ سواء في شتى بقاع الأرض في السنوات الأخيرة. فمتى تساقط المطر غزيرًا أو بلا انقطاع، فلن يمر وقت طويل قبل أن تعجز مستجمعات الأنهار عن احتواء الجريان السطحي للماء، فتبدأ المياه في الانتشار عبر السهول الفيضية وخارجها. والواقع أن كثافة هطول الأمطار قد تبلغ معدلات مذهلة، ومن ذلك ما حدث عام ١٩٧٠ حيث كان نحو ٤ سنتيمترات من المطر يسقط في ستين ثانية فقط على جزيرة جوادلوب الكاريبية الفرنسية، وهو رقم قياسي عالمي. وعلى جزيرة فرنسية أخرى — جزيرة ريونيون في المحيط الهندي — تسبب أحد الأعاصير الحلزونية المارة بها في سقوط ما يقارب مترين من الأمطار خلال أربع وعشرين ساعة فحسب، وذلك في شهر مارس عام ١٩٥٢. ومع زيادة ازدحام سهول الفيضانات في جميع أنحاء العالم، زادت الخسائر في الأرواح والأضرار في الممتلكات نتيجة فيضانات الأنهار زيادةً هائلة. في ربيع عام ١٩٩٣، فاض نهرا المسيسيبي وميزوري فأغرقا تسع ولايات في الغرب الأوسط من الولايات المتحدة، ودمَّرا ٥٠ ألف منزل، وخلَّفا وراءهما أضرارًا بلغ مجموعها ٢٠ مليار دولار أمريكي. وفي خريف عام ٢٠٠٠، شهدت مناطق كثيرة من المملكة المتحدة فيضانات عارمة؛ حيث هطلت الأمطار بغزارة لم تشهدها البلاد منذ أكثر من ٣٠٠ عام، وكذا غرقت معظم أوروبا الوسطى أسفل مياه الفيضانات التي بلغت معدلات قياسية في صيف ٢٠٠٢. وتظل فيضانات الأنهار مصدر تهديد كبير في الصين؛ فقد تسببت في وفاة أكثر من خمسة ملايين شخص على مدى ١٥٠ عامًا مضت. أما بنجلاديش فأسوأ حالًا؛ إذ يغمر الماء ثلثَي مساحتها إما بسبب مياه الفيضانات التي تنهمر من نهر الجانج الكبير، أو بسبب المدود العاصفية الناشئة عن الأعاصير الحلزونية التي تصب ما تحمله من مياه من خليج البنغال داخل البلاد. تحصد الفيضانات الساحلية الناشئة عن العواصف في الأغلب أرواحًا تفوق أي كارثة طبيعية أخرى، حيث لقي نحو ٣٠٠ ألف شخص حتفهم في بنجلاديش عام ١٩٧٠، و١٥ ألف شخص في ولاية أوريسا شمال شرق الهند عام ١٩٩٩.

تشكل العواصف واحدةً من أكثر الأخطار الطبيعية تدميرًا بسبب قدرتها على إحداث الفيضانات، وأيضًا بسبب السرعة الهائلة للرياح المصاحبة لها. وعلاوةً على ذلك، وبسبب شيوعها في عددٍ من أكثر مناطق العالم ثراءً، فهي مسئولة عن وقوع بعض الكوارث الطبيعية الأكثر تكلفة على الإطلاق. تضرب الأعاصير المدارية سنويًّا منطقة البحر الكاريبي، ومنطقة الخليج، والولايات الجنوبية من الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، في حين تزداد معاناة المملكة المتحدة وأوروبا القارية يومًا بعد يوم من العواصف الشتوية العاتية. في عام ١٩٩٢، اكتسح إعصار أندرو جنوب ميامي في واحدةٍ من أكثر الكوارث الطبيعية كلفة في تاريخ الولايات المتحدة؛ إذ أسفر عن وقوع خسائر بلغت ٣٢ مليار دولار أمريكي. وصلت سرعة الرياح المصاحبة لتلك العاصفة العاتية التي ضربت المدينة إلى ٣٠٠ كيلومتر في الساعة، وأبادت ٣٠٠ ألف مبنًى أو ألحقت بها ضررًا، وشرَّدَت ١٥٠ ألف شخص. وسجلت مواسم الأعاصير الأطلسية عامَي ٢٠٠٤ و٢٠٠٥ نشاطًا غير عادي؛ حيث ضربت ولايةَ فلوريدا ستةُ أعاصيرَ على مدى اثني عشر شهرًا فقط. أيضًا شهد موسم ٢٠٠٥ إعصار كاترينا، الذي تجاوز بكثيرٍ إعصار أندرو في قوَّته التدميرية؛ إذ أسفر عن مقتل الآلاف، في حين ترك ٨٠ بالمائة من مدينة نيو أورليانز غارقًا في مياه فيضاناتٍ وصل ارتفاعها إلى ٧ أمتار. ولا تقتصر العواصف المدمرة على المناطق المدارية؛ فالرياح التي تبلغ قوَّتها قوة الإعصار تحدث أيضًا مع أحوال الطقس ذات الضغط المنخفض عند خطوط العرض الوسطى. ولن ينسى الكثيرون من سكان جنوب إنجلترا «العاصفة الكبرى» التي ضربت بلادهم في شهر أكتوبر من عام ١٩٨٧، فأسفرت عن سقوط ملايين الأشجار بسبب الرياح التي كاد متوسط سرعتها يتساوى مع قوة الإعصار. وفي الآونة الأخيرة، وتحديدًا في عام ١٩٩٩، عانت فرنسا من محنة مماثلة؛ حيث ضربتها العاصفة الشتوية «لوثار»، وشقت طريقها عبر شمال البلاد. وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، تتعرض مناطق الغرب الأوسط من الولايات المتحدة في كل عام لهجمة وحشية من الأعاصير، عبارة عن رياح دوارة شديدة وقوية تتشكل أثناء هبوب العواصف الرعدية في منطقة التقاء الهواء البارد الجاف القادم من الشمال، والهواء الدافئ الرطب القادم من المناطق المدارية. لا يمكن لأي مبنًى من صنع الإنسان أن يصمد أمام رياح يصل متوسط سرعتها إلى ٥٠٠ كيلومتر في الساعة، وعادةً ما يكون الضرر على طول مسار الإعصار هائلًا. مع أن الأعاصير القُمعية نادرًا ما تكون فتَّاكة مثل الزوابع، فإن ما يقرب من ١٥٠ إعصارًا قُمعيًّا خلال بضعة أيام فقط من شهر أبريل عام ١٩٧٤ أودت بحياة ما يزيد على ٣٠٠ شخص في ولايات كنتاكي، وتينيسي، وألاباما، وولايات أخرى مجاورة.

من بين ما يُسَمَّى بالمخاطر الجيولوجية — التي تشمل الزلازل والثورات البركانية والانهيارات الأرضية — فإن مما لا شك فيه أن الزلازل هي الأشد تدميرًا. في كل عام يقع نحو ٣٠٠٠ زلزال تصل قوته إلى ٦ درجات على مقياس ريختر المعروف، وهي قوة كبيرة بما يكفي لتسبب الكثير من الأضرار في الأرواح والممتلكات، خاصةً عندما تضرب المناطق السكانية غير المهيَّأة والمشيَّدة على أسس واهنة في البلدان النامية. وكما ذكرنا سابقًا، تقتصر معظم الزلازل الكبرى على مناطق بعينها تقع فوق حدود الصفائح. في السنوات الأخيرة، أسفرت التحركات المفاجئة لصدع سان أندرياس في ولاية كاليفورنيا عن زلزالَين كبيرَين أحدهما وقع في سان فرانسيسكو (١٩٨٩)، والآخر في جنوب كاليفورنيا (١٩٩٤)، وقد تسبب الزلزال الثاني في خسائر بلغت قيمتها ٣٥ مليار دولار، وهي الكارثة الطبيعية الأكثر تكلفةً في تاريخ الولايات المتحدة. بعد عام واحد، ضرب زلزال بلغت قوَّته ٧٫٢ درجات على مقياس ريختر الحدَّ الغربي لصفيحة المحيط الهادي، ودمَّر مدينة كوبي اليابانية؛ ما أسفر عن مقتل ٦٠٠٠ شخص ووقوع خسائر اقتصادية بلغ مجموعها ١٥٠ مليار دولار أمريكي؛ وهي الكارثة الطبيعية الأكثر تكلفة على الإطلاق. وبعد أربع سنوات من فاجعة كوبي، انزلق صدع شمال الأناضول إلى شرقي إسطنبول، فأسفر عن وقوع زلزال مدمر أتى على مدينة إزميت والمناطق السكنية المجاورة، وأودى بحياة أكثر من ١٧٠٠٠ شخص. وفي السادس والعشرين من شهر ديسمبر عام ٢٠٠٣، ضرب زلزال متوسط (بلغت قوَّته ٦٫٦ درجات على مقياس ريختر) مدينة بام التاريخية في جنوب إيران فسوَّاها بالأرض موديًا بحياة ٢٦٠٠٠ شخص، وبعدها بعام واحد ضرب زلزال عنيف بقوة ٩٫١٥ درجات على مقياس ريختر الساحل الغربي لجزيرة سومطرة؛ مما أسفر عن تسونامي آسيا المدمر. إلا أن الزلازل الكبيرة قد تحدث أيضًا في أماكن بعيدة عن حدود الصفائح، وقد شهدتها مناطق شمال أوروبا وشرقي الولايات المتحدة الأمريكية، وهي ليست من المناطق المعرضة لأخطار زلزالية كبيرة. وآخِر هذه الزلازل الداخلية (التي تقع داخل الصفيحة نفسها على عكس التي تقع في الحد الفاصل بين الصفائح) دمَّر إقليم بهوج في ولاية جوجارات الهندية في يناير ٢٠٠١؛ حيث أتى بالكامل على ٤٠٠ ألف مبنًى، وأودى بحياة ما يقرب من ١٠٠ ألف شخص. وهناك حقيقة بَدَهِية يقولها مهندسو الزلازل؛ وهي أن المبانيَ لا الزلازل هي التي تودي بحياة الأفراد. وهذه هي الحال بلا شك، ويمكن أن نقلل كثيرًا من الخسائر في الممتلكات والأرواح لو أننا فعَّلنا قوانين البناء والتزمنا بها. ومع ذلك فالزلازل هي الأخرى مُهْلِكة نظرًا لما تسببه من انهيارات أرضية نتيجة اهتزاز الأرض، ولما ينتج عنها من موجات تسونامي. وتنشأ موجات تسونامي عندما يتسبب أحد الزلازل في الحال في دفع مساحة كبيرة من أرض قاع البحر إلى الأعلى — ربما مترًا أو نحو ذلك — فيندفع الماء المُزاح بقوة إلى الخارج على شكل سلسلة أمواج. وعندما تدخل هذه الأمواج منطقة مياه ضحلة يزداد ارتفاعها — تصل في بعض الأحيان إلى ٣٠ مترًا أو أكثر — وتصطدم بالمناطق الساحلية بقوة بالغة. في عام ١٩٩٨، أُبيدت مدينة سيسانو والقرى المجاورة لها على الساحل الشمالي لبابوا غينيا الجديدة، ولقي ٣٠٠٠ شخص من سكانها حتفهم إما غرقًا وإما تقاذفتهم الأمواج بقوة هائلة حتى قتلتهم، وذلك حين ضربتها موجات تسونامي بلغ ارتفاعها ١٧ مترًا في غضون دقائق من وقوع زلزال داخل البحر.

fig3
شكل ١-٣: أنقاض مبنًى وحيدٍ هو كل ما تبقى من مدينة لام باكارانج في تايلاند في أعقاب تسونامي المحيط الهندي المدمِّر في السادس والعشرين من ديسمبر عام ٢٠٠٤.2

تختلف تقديرات عدد البراكين النشطة، ولكن عددها لا يقل عن ١٥٠٠ بركان وربما يزيد عن ٣٠٠٠ بركان. في كل عام يثور نحو ٥٠ بركانًا بعضها — مثل بركان كيلوا في هاواي أو بركان سترومبولي في إيطاليا — يكاد يكون نشطًا باستمرار. ومع ذلك فهناك براكين أخرى هامدة منذ قرون أو في بعض الحالات منذ آلاف السنين، وهذا النوع هو الأكثر تدميرًا. وتَحْدُث أعنف البراكين عند حدود الصفائح الهدَّامة؛ حيث تبيد إحدى الصفيحتين الأخرى. ونادرًا ما يسفر ثوران هذه البراكين عن تدفقات هادئة من الحمم البركانية الحمراء، بل تطلق في الأغلب أعمدة هائلة من الرماد والحطام إلى مسافة تبلغ ٢٠ كيلومترًا أو أكثر داخل الغلاف الجوي. والرماد البركاني الذي تحمله الرياح فوق مناطق شاسعة يمكن أن يكون مدمرًا للغاية؛ إذ يعيق حركة السفر، ويتلف المحاصيل الزراعية، ويسمم الثروة الحيوانية، ويلوث موارد المياه. إن سقوط طبقة سُمكُها ٣٠ سنتيمترًا أو نحو ذلك من الرماد الرطب يكفي لانهيار السقوف، في حين أن العنصر الدقيق المكوِّن للرماد الجاف قد يسبب مشكلات في التنفس، ويصيب بأمراض مثل السُّحار السيليسي (أحد الأمراض الرئوية). قد يصل عمق الرماد المتراكم على مقربة من أحد البراكين الثائرة إلى عدة أمتار، وهو ما يكفي لدفن مبانٍ من طابق واحد. هكذا كان مصير قطاع كبير من بلدة رابول في جزيرة بريطانيا الجديدة (بابوا غينيا الجديدة) أثناء ثوران البركانَين التوءمَين فولكان وتافورفور عام ١٩٩٤. وعلى مدار سنوات بعد ثوران بركان بيناتوبو في الفلبين عام ١٩٩١، ظلت الطبقة السميكة من الرواسب الناجمة عن الحطام البركاني مصدرًا للتدفقات الطينية كلما مرَّ إعصار مداري وأسقط حمولته من المطر على المنطقة. وبعد مُضي ما يقرب من عَقد من الزمان، كان الطين المتدفق من البركان لا يزال يسد الأنهار، ويغرق المدن والأراضيَ الزراعية، ويُتلِف مصائد الأسماك والشعاب المرجانية. وغريبٌ بعض الشيء أن التدفقات الطينية تُعد هي الأخرى من أكثر الأسباب التي تودي بحياة الأشخاص في المناطق التي تنشط بها البراكين؛ ففي عام ١٩٨٥، حدثت ثورة طفيفة في بركان نيفادو ديل رويز في كولومبيا مارَّةً بمنطقة الجليد والثلوج، فأطلقت العنان لسيل من الطين لا يتناسب على الإطلاق مع حجم ثورة البركان، وهبط ذلك السيل على الوديان ليُفرِغ البركان ويدفن بلدة أرميرو ومعها ٢٣ ألفًا من سكانها.

جدير بالذكر أن المقذوفات البركانية أكثر ترويعًا وتدميرًا من التدفقات الطينية البركانية. وهذه المقذوفات التي تضارع قوَّتها قوَّة الأعاصير والتي تتكون من غازٍ متوهج، وشظايا حمم منصهرة، وكتل صخرية قد يساوي حجمها أحيانًا حجم بيت كامل، لديها القدرة على أن تمحوَ أي شيء في طريقها. في عام ١٩٠٢، وفي أسوأ كارثة بركانية شهدها القرن العشرون، تدفقت المقذوفات البركانية من بركان مونت بيليه في جزيرة مارتينيك بالبحر الكاريبي لتبيد بلدة سانت بيير وكأنها ضُربت بقنبلة نووية؛ ففي غضون بضع دقائق لم ينجُ من سكان البلدة البالغ عددهم ٢٩ ألف نسمة تقريبًا سوى أربعة ناجين فقط. ولا يتوقف خطر البراكين عند هذا الحد؛ فسقوط كتل الصخور المنهارة من جوانب تلك البراكين قد تسفر عن حدوث موجات تسونامي هائلة، في حين أن بإمكان الأبخرة السامة أن تقتل آلاف البشر والحيوانات، وهو ما حدث بالفعل. أما الغازات البركانية التي تتصاعد إلى طبقة الستراتوسفير، ومن هناك تنتقل إلى سائر الكوكب، فقد غيرت المناخ، وتسببت في سوء الأحوال الجوية، وأتلفت المحاصيل، وسببت مشكلات صحية في النصف الآخر من العالم. وعلى صعيد أوسع نطاقًا، يمكن للانفجارات البركانية الهائلة أن تؤثر علينا جميعًا؛ وذلك عن طريق إغراق الكوكب كله في «شتاء بركاني» قارس البرودة وإتلاف المحاصيل في جميع أنحاء العالم.

fig4
شكل ١-٤: أطلال سانت بيير (جزيرة المارتينيك) بعد ثورة بركان جبل بيليه عام ١٩٠٢ التي لم ينجُ منها سوى أربعة من سكان مدينة سانت بيير.3

من بين جميع الأخطار الجيولوجية، ربما تحظى الانهيارات الأرضية بقدرٍ من الاهتمام أقل مما تستحق؛ ربما بسبب كونها عادةً نتيجةً لمخاطر أخرى، مثل وقوع زلزال أو طوفان؛ ومن ثَمَّ فالخسائر في الممتلكات والأرواح الناجمة عنها تُدرَج ضمن إجمالي الخسائر التي تَسبب فيها الحدث الأساسي. ومع ذلك قد تكون الانهيارات الأرضية مدمرةً للغاية، سواءٌ وقعت فُرادى أو مع غيرها. في عام ١٥٥٦، ضرب زلزال كبير مقاطعة شنشي الصينية، فهز الأرض بقوة إلى الحد الذي انهارت معه أسطح عددٍ لا يُحصى من المنازل الكهفية، ليُحتجز بداخلها أكثر من ٨٠٠ ألف شخص (وفقًا للسجلات الرسمية). وفي عام ١٩٧٠ تسبب زلزال آخر في سقوط قمة جبل نيفادوس هواسكاران في جبال الأنديز البيروفية بالكامل لتسقط على البلدات الواقعة أسفله، وتوديَ بحياة ١٨ ألف شخص في أربع دقائق فقط، وتمحوَ أي أثر لوجودهم على وجه الأرض. والأمطار الغزيرة أيضًا يمكن أن تكون عاملًا مؤثرًا للغاية في إحداث انهيارات أرضية؛ فعندما تسبب إعصار ميتش في هطول أمطار وصلت غزارتها إلى ٦٠ سنتيمترًا على أمريكا الوسطى في ٣٦ ساعة عام ١٩٩٨، فإنه تسبب في تحريك أكثر من مليون انهيار أرضي في هندوراس وحدها؛ مما أدى إلى قطع الطرق، ودفن الأراضي الزراعية، وتدمير المجتمعات السكنية.

أما التهديد الأخير — ولعلَّه الأشد — لحياة الناس ومعاشهم فلا يأتي من داخل الأرض، بل من الخارج. فمع أن القصف المستمر لكوكبنا بواسطة أجزاء كبيرة من الحطام الفضائي قد انتهى قبل مليارات السنين، فغنه لا يزال خطر الكويكبات والمذنبات قائمًا، ويتزايد أخذه على محمل الجد يومًا بعد يوم. وتشير التقديرات الأخيرة إلى أن نحو ألف كويكب بأقطار تتراوح بين كيلومتر وأكثر لديها مدارات حول الشمس تقترب من مدار الأرض أو تتقاطع معه؛ مما يجعل الاصطدام أمرًا محتملًا في مرحلةٍ ما في المستقبل، وتشمل هذه المجموعة العديد من الأجرام التي يبلغ قطرها كيلومترَين وأكثر. إذا ضرب جِرم بهذا الحجم كوكبَنا، فسيؤدي إلى دخولنا في «شتاء كوني»؛ وذلك بسبب الغبار الذي سيتصاعد إلى طبقة الستراتوسفير ويحجب الإشعاع الشمسي، وربما يقضي هذا على رُبع سكان الأرض أو نحو ذلك. لقد تجدَّد الاهتمام بخطر اصطدام الأرض بجِرم فضائي نتيجة حدثين علميين مهمين شهدهما العقد الماضي؛ أولًا: العثور على حفرة اصطدام كبرى في تشيككسولوب قبالة شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك، وهذه الحفرة يُنظر إليها الآن على أنها السبب الرئيسي وراء الإبادة الجماعية العالمية التي شهدتها نهاية العصر الطباشيري. وثانيًا: التصادمات المذهلة عام ١٩٩٤ لشظايا المذنب شوميكر-ليفي مع كوكب المشتري. فأقل ما يقال عن صور ذلك الاصطدام التي انطلقت في جميع أنحاء العالم موضحة آثار الاصطدام التي تفوق في حجمها حجم كوكبنا أنها كانت مربكة، وقد أثارت تلك الصور تساؤلًا في العديد من الدوائر؛ ماذا لو كانت الأرض مكان المشتري؟

نحن والأخطار الطبيعية

إذا لم تكن على علم سابق بحجم الخطر اليومي الذي تفرضه الطبيعة علينا، فإنني آمل أن يكون لديك الآن التقدير الكافي للإمكانات التدميرية للكوارث الطبيعية التي كُتب على الكثيرين من سكان كوكبنا أن يواجهوها على أساس شبه يومي. تقدِّر شركة إعادة التأمين ميونيخ ري — التي تولي هذه الظواهر اهتمامًا بالغًا لأسبابٍ لا تخفى على أحد — أن نحو ١٥ مليون شخص لقُوا حتفهم في الألفية الماضية بسبب الكوارث الطبيعية، وأكثر من ٣٫٥ ملايين شخص في القرن الأخير وحده. وفي نهاية الألفية الثانية بعد الميلاد بلغت كلفة تلك الكوارث على الاقتصاد العالمي مستويات غير مسبوقة، وفي عام ١٩٩٩ تسببت العواصف والفيضانات في أوروبا والهند وجنوب شرق آسيا، إلى جانب الزلازل العنيفة في تركيا وتايوان، والانهيارات الأرضية المدمرة في فنزويلا، في مصرع ٧٥ ألف شخص، ووقوع خسائر اقتصادية قيمتها ١٠٠ مليار دولار أمريكي. وفي عام ٢٠٠٤، جاءت الإحصاءات أكثر إحباطًا؛ نظرًا لوقوع كارثة تسونامي في المحيط الهندي، إلى جانب الزلازل التي شهدتها المغرب واليابان، والعواصف التي لم يسبق لها مثيل في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، والفيضانات التي اجتاحت آسيا؛ إذ أسفرت كل هذه الكوارث عن وفاة ثُلث مليون شخص، ووقوع خسائر اقتصادية بلغت ١٤٥ مليار دولار أمريكي.

وقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين كلٌّ على حدة معاناة نحو مليار شخص بسبب الكوارث الطبيعية. وللأسف فإنه ما من دليل على تضاؤل تبعات تلك الكوارث على المجتمعات البشرية نتيجة التطورات التي شهدتها آليات التنبؤ، وتظل نتيجة الصراع مع الجانب المظلم من الطبيعة بمنأًى عن الحَسم. ومع أننا صرنا نعرف الكثير الآن عن الأخطار الطبيعية، وعن الآليات التي تقف وراءها، وتبعاتها الوخيمة في بعض الأحيان، فإن أي فائدة من هذه المعرفة تتلاشى جزئيًّا على الأقل بسبب ازدياد تعرُّض قطاعات كبيرة من سكان الأرض لتلك الأخطار. ويتمثل السبب الرئيسي وراء ذلك في الزيادة الهائلة في تعداد سكان العالم الذي تضاعف بين عامَي ١٩٦٠ و٢٠٠٠. ومعظم هذه الزيادة كان من نصيب البلدان النامية الفقيرة؛ حيث الكثير منها أكثر عرضة لمجموعة كاملة من الأخطار الطبيعية. وعلاوةً على ذلك، فقد أسفر الصراع على المجال الحيوي عن تزايد استغلال الأراضي الحدية، مثل سفوح الجبال، والسهول الفيضية، والمناطق الساحلية في الزراعة والسكن. ولا شك أن هذه المناطق يتهددها خطر كبير، وأنها أكثر عرضة على التتالي للانهيارات الأرضية، والفيضانات، والمدود العاصفية، وموجات تسونامي.

وهناك عامل رئيسي آخر وراء زيادة التعرُّض لتلك الأخطار في السنوات الأخيرة، ألا وهو التحول نحو التحضر والتمدن في أكثر المناطق عرضة للخطر في العالم النامي. في عام ٢٠٠٧، وللمرة الأولى على الإطلاق، سيزداد عدد من يعيشون في بيئات حضرية عن هؤلاء الذين يعيشون في المناطق الريفية؛ حيث يتكدس الكثيرون في مدن كبرى أُسِيءَ اختيار مواقعها وشُيِّدت على أسس واهنة في ظل زيادة عدد السكان عن ٨ ملايين نسمة. قبل أربعين عامًا كانت نيويورك ولندن تتصدران قائمة المدن الأعلى كثافة سكانية؛ حيث بلغ تعداد السكان فيهما ١٢ مليونًا و٨٫٧ ملايين نسمة بالترتيب. ومع ذلك فمن المتوقَّع أنه في عام ٢٠١٥ ستحتل مدن مثل مومباي (بومباي سابقًا، الهند)، ودكا (بنجلاديش)، وجاكارتا (إندونيسيا)، ومكسيكو سيتي المراكزَ العشرة الأولى (الجدول ١-١) حيث التجمعات البشرية الهائلة التي يقترب تعدادها من ٢٠ مليون نسمة أو أكثر، والتي هي الأكثر عرضة لويلات العواصف والفيضانات والزلازل. يقع ٩٦٪ من بين إجمالي الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية والتدهور البيئي في البلدان النامية، ولا يوجد حاليًّا أي احتمال لانخفاض هذه النسبة، بل الواقع يشهد أن الوضع قد يزداد سوءًا؛ ففي ظل تكدُّس أعداد السكان في الأماكن المتداعية والمعرضة لأخطار كبيرة (معظمها في مواقع ساحلية معرضة لأخطار الزلازل، وموجات تسونامي، والعواصف، والفيضانات الساحلية)، لن يمر وقت طويل قبل أن نشهد أول سلسلة من الكوارث الكبرى وسقوط ضحايا يتجاوز عددهم مليون نسمة.
جدول ١-١: المدن العشر المتوقَّع أن تكون الأعلى من حيث الكثافة السكانية عام ٢٠١٥ (المصدر: الأمم المتحدة).
المدينة عدد السكان (مقدرًا بالمليون نسمة)
طوكيو (اليابان) ٣٦٫٣
مومباي (الهند) ٢٢٫٦
نيودلهي (الهند) ٢٠٫٩
مكسيكو سيتي (المكسيك) ٢٠٫٦
ساو باولو (البرازيل) ٢٠٫٠
نيويورك (الولايات المتحدة الأمريكية) ١٩٫٧
دكا (بنجلاديش) ١٧٫٩
جاكارتا (إندونيسيا) ١٧٫٥
لاجوس (نيجيريا) ١٧٫٠
كالكوتا (الهند) ١٦٫٨

لا شك أن الصورة التي رسمتُها هنا صورة قاتمة، لكن الواقع قد يكون أسوأ من ذلك؛ فالزيادة المستقبلية في تعداد السكان وزيادة التعرُّض للأخطار سوف تحدث على خلفية تغيُّر هائل في المناخ لم يشهده كوكبنا ربما منذ ١٠ آلاف سنة. ما زلنا نجهل تحديدًا التبعات الخطيرة لظاهرة الاحترار السريع والمتوقَّع على مدى المائة عام القادمة، لكن أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (٢٠٠١) تنبأ بحدوث ارتفاعات في مستوى سطح البحر قد تتجاوز ٨٠ سنتيمترًا. وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى زيادة وقوع المدود العاصفية، وأمواج تسونامي، وزيادة مستوى تآكل السواحل في مناطق بعينها، وأيضًا زيادة تبعات تلك الكوارث. ومن بين تبعات ارتفاع درجة الحرارة التي قد تزيد عن ٦ درجات مئوية بحلول نهاية القرن وقوعُ أحداث غير مألوفة في حالة الجو، مثل الزوابع، والأعاصير القُمعية، والفيضانات، وأعداد أكبر من الانهيارات الأرضية في المناطق الجبلية، وأخيرًا المزيد من الثورات البركانية (انظر الفصل التالي).

هل العالم الذي نعرفه على شفا النهاية إذنْ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف سيحدث ذلك؟ هل سنلهث وراء المياه بعد قرن من الآن في عالم يزداد جفافًا؟ أم سنحتشد حول عدد قليل من العِصِي المشتعلة في محاولةٍ بائسة للابتعاد عن البرد القارس للشتاء الكوني؟ سوف نتعرض لمثل هذه الاحتمالات بمزيد من التفصيل في الفصل التالي.

حقائق جديرة بالتفكُّر

  • كانت الأرض في فجر تاريخها مكسوَّة بمحيطٍ من الصهارة درجةُ حرارته — ٥٠٠٠ درجة مئوية — شبيهة بدرجة حرارة عدد من أكثر النجوم برودة.

  • تتحرك الصفائح التكتونية لكوكب الأرض بالمعدل نفسه الذي تنمو به أظافرنا.

  • عدد الزلازل التي تضرب كوكبنا يوميًّا يبلغ نحو ١٤٠٠ زلزال.

  • هناك نحو ٣٠٠٠ أو أكثر من البراكين النشطة أو التي يُحتمل أن تنشط، يثور منها نحو خمسين بركانًا كل عام.

  • تتعرض المناطق الاستوائية سنويًّا لنحو ٤٠ أو أكثر من الزوابع، والأعاصير الاستوائية، والأعاصير الحلزونية.

  • في عام ١٥٥٦، أسفر زلزالٌ واحد في مقاطعة شنشي الصينية عن وفاة أكثر من ٨٠٠ ألف شخص.

  • وقعت ١٥ مليون حالة وفاة على الأقل في الألفية الماضية بسبب الكوارث الطبيعية.

  • ٩٦٪ من إجمالي الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية والتدهور البيئي تحدث الآن في البلدان النامية.

هوامش

(1) Apocalypse, Cassell, 1999.
(2) Tiziana Rossetto.
(3) © Mary Evans Picture Library.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤