الفصل الأول

الفلسفة اليونانية
فلسفة مصرية مسروقة

(١) تعاليم نظم الأسرار المصرية تصل إلى بلدان أخرى قبل أن تصل إلى أثينا بقرون طويلة

يروي التاريخ أن فيثاغورس عاد إلى جزيرة ساموس — مهبط رأسه — بعد أن تلقَّى ثقافته في مصر، وأسس في بلدته مذهبه الديني لفترة قصيرة، هاجر بعدها إلى كروتون (٥٤٠ق.م.) في جنوب إيطاليا؛ حيث تعاظم شأن مذهبه — بدرجة كبيرة — إلى أن تم طرده نهائيًّا من ذلك البلد. وقيل لنا أيضًا إن طاليس (٦٤٠ق.م.) الذي تلقى — هو الآخر — تعليمه في مصر، هو ورفيقه أنكسماندر وأناكسيمانز، كانوا جميعًا من مواطني أيونيا في آسيا الوسطى التي كانت قلعة من قلاع مدارس نظم الأسرار المصرية؛ حيث واصلوا طقوسهم وتعاليمهم هناك (انظر: ١٩٥، ٢٠٥)، وقيل لنا — بالمثل — إن أكزينوفان (٥٧٦ق.م.) وبارمينيديس وزينو ومليسوس كانوا أيضًا من مواطني أيونيا وهاجروا إلى إيليا في إيطاليا، واستقروا هناك ونشروا تعاليم نظم الأسرار المصرية.

وبلغنا — بالمثل — أن هيرقليطس (٥۳۰ق.م.) وأمبيدوقليس وأنكساجوراس وديمقريطس كانوا أيضًا من مواطني أيونيا، وعنوا بأمور الطبيعيات؛ لذلك فإننا، حين نتعقب مسار ما سُمِّي الفلسفة اليونانية نجد أن تلامذة أيونيا عادوا إلى موطنهم الأصلي بعد أن تلقَّوا تعليمهم على أيدي الكهنة المصريين؛ هذا بينما هاجر البعض الآخر إلى أنحاء أخرى من إيطاليا؛ حيث استقروا هناك.

ومن ثَم يوضح لنا التاريخ أن البلدان المجاورة لمصر ألِفت — جميعها — نظم الأسرار المصرية قبل أثينا بقرون طويلة، البلد الذي حكم بالإعدام على سقراط عام ٣٩٩ق.م. (انظر [۲]، ص۱۱۲، ۱۲۷، ۱۷۰، ۱۷۲).١ مما اضطر أفلاطون وأرسطو إلى الهرب من أثينا إنقاذًا لحياتهما. وسبب ذلك أن الفلسفة كانت أمرًا غريبًا أجنبيًّا غير معروف لديهم، ولهذا السبب نفسه يحق لنا أن نتوقع أن يبادر الأيونيون أو الإيطاليون بادعاء أنهم أصحاب فلسفة نظرًا لاقترانها بهم قبل الأثينيين بزمن طويل، خاصة وأن الأثينيين كانوا دائمًا ألد أعدائهم إلى أن غزا الإسكندر مصر، وهي الغزوة التي يسَّرت لأرسطو فرصة الوصول إلى مكتبة الإسكندرية دون عائق.

لم يبذل الأيونيون أو الإيطاليون أي محاولة لادعاء أنهم أصحاب الفلسفة، لأنهم يعرفون تمامًا أن المصريين هم أصحابها الحقيقيون. ومن ناحية أخرى، فإن تلامذة أرسطو الأثينيين اضطلعوا، بعد وفاته، ودون سندٍ من الدولة، بوضع مؤلف عن تاريخ الفلسفة، والتي كانت معروفة آنذاك باسم «سوفيا» أو حكمة المصريين، الأمر الذي كان سائدًا وتقليدًا متَّبعًا في العالم القديم. ونظرًا لأن هذا المصنَّف الدراسي قد وضعه تلامذة ينتمون إلى مدرسة أرسطو؛ فقد جرت العادة في مرحلة تالية من التاريخ على تسميته — خطأً — الفلسفة اليونانية، على الرغم من حقيقة أن اليونانيين القدماء كانوا ألد أعدائها وأشد مضطهديها، ودأبوا — عن عمد — على التعامل معها باعتبارها بدعة أجنبية. ولهذا السبب نقول إن ما يُسمَّى الفلسفة اليونانية إنما هو فلسفة مصرية مسروقة انتشرت أول الأمر في أيونيا ثم منها إلى إيطاليا وبعدها إلى أثينا. ويجب أن نتذكر أنه خلال هذه الفترة البعيدة من التاريخ اليوناني؛ أعني الفترة الممتدة من حياة طاليس إلى حياة أرسطو (٦٤٠ق.م. إلى ۳۲۲ق.م.) لم يكن الأيونيون مواطنين يونانيين، بل كانوا بداية رعايا مصريين، ثم بعد ذلك رعايا للفرس (انظر [۲]، ص۳۷، ٤٦، ٥٨، ٦٦، ۸۳، ۱۱۲، ۱۲۷، ۱۷۰، ۱۷۲، وانظر [۳]، ص٣٤، ۳۹، ٤٥، ٥٣. وانظر [٤]، ص١٥، ۱۳، ۲۱، وانظر [۱]، ص١٥٧، ١٩٥، ٢٠٠).

(وإن عرضًا موجزًا لتاريخ الإمبراطورية المصرية القديمة من شأنه أن يوضح لنا — أيضًا — أن آسيا الوسطى أو أيونيا كانت هي الأرض القديمة للحيثيين، ولم يكن لهؤلاء اسم آخر غير هذا في الزمن القديم).

ويروي لنا كل من ديودور، ومانيتو، أحد كبار الكهنة المصريين، أنه تم العثور على نصبين في العرابة المدفونة Nysa Arabia أحدهما للإلهة إيزيس والثاني للإله أوزيريس. ومنقوش على الثاني قول الإله إنه قاد جيشًا عبر الهند إلى منابع نهر الدانوب حتى وصل إلى مشارف المحيط. معنى هذا — بطبيعة الحال — أن الإمبراطورية المصرية — خلال فترة زمنية باكرة جدًّا — لم تكن تشمل فقط جزر بحر إيجة وأيونيا، بل امتدت حتى الأطراف البعيدة من الشرق.
وعلمنا أيضًا أن سنوسرت الأول من الأسرة الثانية عشرة (حوالي ۱۹۰۰ق.م.) غزا كل المنطقة المطلة على الساحل الشرقي للهند إلى ما وراء نهر الجانجز وحتى المحيط الشرقي. وقيل أيضًا إن غزواته شملت مجموعة جزر كيكلاديس٢ وجزءًا واسعًا من أوروبا.

ثانيًا، تؤكد رسائل تل العمارنة، التي تم العثور عليها في الحكومية للملك المصري إخناتون، أن الإمبراطورية المصرية امتدت حتى غرب آسيا وسوريا وفلسطين، وأن سلطان مصر ظل — على مدى قرون عدة — صاحب السيادة والقوة الأعظم في العالم القديم، وكان هذا في الأسرة الثامنة عشرة أي حوالي ١٥٠٠ق.م.

وعرفنا أيضًا أنه خلال حكم تحوتمس الثالث امتد سلطان مصر، وتجاوز ساحل فلسطين ليشمل — جنوبًا — المنطقة الممتدة من النوبة وحتى آسيا الشمالية.

(٢) شكوك مطلَقة في تأليف مذاهب فردية مستقلة

كلما حاول المرء قراءة تاريخ الفلسفة اليونانية القديمة يكتشف غيابًا كاملًا لمعلومات جوهرية عن الحياة الباكرة، وعن ثقافة النشأة الأولى لمن يُسمَّون فلاسفة اليونان بدءًا من طاليس وحتى أرسطو. ولن نجد كاتبًا أو مؤرخًا واحدًا يعترف بأنه يعرف أي شيء عن تعليمهم في مطلع حياتهم. وإنما كل ما يقال لنا بشأنهم عبارة عن: (أ) تاريخ ومحل ميلاد مشكوك فيهما، (ب) مذاهبهم ومعتقداتهم، ولكن بقي العالم كله يتساءل في دهشة من هم؟ ومن أين تلقَّوا تعليمهم؟ ومن المتوقع — بطبيعة الحال — أن رجالًا احتلوا مكانة المعلمين بين أقاربهم وأصدقائهم وأقرانهم لا بد وأن يكونوا ذائعي الصيت ومعروفين جيدًا، ليس فقط بين ذويهم وأقرانهم، بل وبين المجتمع كله. ولكن الأمر على العكس من ذلك؛ إذ إننا نجد رجالًا جديرين بأن يحتلوا مكانهم وسط أول معلمي الفلسفة في التاريخ، والذين شبُّوا وترعرعوا من الطفولة إلى سن الرجولة، وعلَّموا تلاميذ لهم، يقدمهم لنا التاريخ باعتبارهم غير معروفين، ولا نجد أي آثار تحدثنا عن حياتهم المنزلية أو الاجتماعية أو التعليمية في باكر حياتهم وفي سن نشأتهم.

وهذا أمر لا يصدقه عقل، ومع هذا فهو الواقع؛ إذ إن تاريخ الفلسفة اليونانية قدَّم للعالم عددًا من الرجال لا يُعرَف عن حياة كل منهم سوى أقل القليل وربما لا شيء على الإطلاق، ولكنه يتوقع أن يسلم العالم بأنهم المؤلفون الحقيقيون الذين صاغوا المبادئ الفلسفية المنسوبة إليهم.

ونظرًا لغياب الدليل الأساسي يتردد العالم في الاعتراف بهم على هذا النحو، ذلك لأن حقيقة الفلسفة اليونانية بأكملها تشير إلى اتجاه مغاير تمامًا.

إن كتاب «الطبيعة» الذي يحمل عنوان Peri Physeos أي «عن الطبيعة» هو العنوان المشترك الذي ألَّف عنه التلاميذ اليونانيون القدماء المعنيون بالطبيعة. ويقال إن أقدم نسخة يرجع تاريخها إلى القرن السادس ق.م.، وهو قول يشير — عادة — إلى البقية المتخلفة عن كتاب الطبيعة تحت اسم الشذرات Fragments (انظر [۳]، ص٦٢) ونحن لا نعتقد أن التلاميذ من المريدين المبتدئين الحقيقيين وضعوا كتابًا عن «الطبيعة» نظرًا لتعارض هذا مع قواعد نظم الأسرار المصرية التي اقترنت بها المدارس الفلسفية، والتزمت بقواعد سلوك هذه النظم في أعمالها. لقد كانت مصر محور جماع الحكمة القديمة، وانتشرت منها المعارف الدينية والفلسفية والعلمية إلى الأقطار الأخرى، عن طريق الأعضاء الجدد المنتمين إلى هذه النظم. وظلت هذه التعاليم — على مدى أجيال وقرون — في صورة تراث وتقليد، إلى أن غزا الإسكندر الأكبر مصر، وبدأت حركة أرسطو ومدرسته في جمع التعاليم المصرية، ثم الزعم بأنها فلسفة يونانية (انظر[١٢]، ص١٦).
نتيجة لذلك، فإن كتاب «عن الطبيعة» (Per Physeos) غير ذي قيمة، هذا إذا كان له قيمة أصلًا، كمصدر معتمد لعمليات التأليف، ذلك لأن التاريخ لا يذكر سوى أربعة أسماء باعتبارهم مؤلفين له، وهم؛ أنكسماندر، وهيراقليطس، وبارمينيديس وأنكساجوراس، ويطلب — بعد ذلك — من العالم أن يقر بأنهم أصحاب الحق الذين أبدعوا تأليف الفلسفة، لا لشيء إلا لأن ثيوفراستوس وسكستوس وبروقلوس وسمبليكوس، وهم من تلامذة الإسكندرية، قد احتفظوا، حسبما قيل، ببقايا أو مقطوعات قليلة منه، والتي تحمل اسم الشذرات. وإذا كان كتاب «عن الطبيعة» هو معيار التأليف في الفلسفة اليونانية فإنه سيقصر — تمامًا — عن تحقيق هدفه، ما دمنا، وأننا إزاء زعم يقول إن أربعة فلاسفة فقط هم الذين ألَّفوه، ولديهم بعض البقايا المتخلفة عن أعمالهم. وحسب هذه الفكرة، فإن جميع الفلاسفة الآخرين الذين لم يكتبوا تحت أي عنوان «عن الطبيعة» وليس لديهم بقايا أو شذرات منه لم يكتبوا في الفلسفة اليونانية، وهذا هو قياس الخلف الذي يقودنا إليه كتاب «عن الطبيعة».
لقد كانت مدارس الفلسفة الكلدانية واليونانية والفارسية جزءًا من نظام الأسرار المصري القديم، وكانت هذه المدارس تُدار سرًّا حسب أوامر المحفل الأعظم أو الأوزيرياكا٣  Osiriaca الذي أصبحت تعاليمه شائعة ومطبَّقة في جميع المدارس، ونظرًا للالتزام بمتطلبات السرية كان محظورًا — تمامًا — كتابة أو نشر التعاليم، ومن ثَم فإن المريدين الجدد الذين حققوا نجاحات في ممارساتهم وتثقيفهم وارتقوا إلى مرتبة السيد أو المعلم كانوا يحجمون عن نشر تعاليم نظم الأسرار المصرية أو الفلسفة.

ونتيجة لذلك، فإن أي نشر أو ترويج للفلسفة لا يمكن أن يصدر مباشرة عن الفلاسفة الأصليين أنفسهم، وإنما عن أحد طريقين إما عن طريق أصدقاء مقربين إليهم يعرفون آراءهم، كما هو الحال بالنسبة إلى كل من فيثاغورس أو سقراط، أو عن طريق أشخاص مهتمين سجلوا تعاليمهم الفلسفية التي أضحت رأيًا شائعًا وتقليدًا رائجًا. ومن ثَم لا عجب أن يلجأ التاريخ، بسبب غياب التأليف الأصلي، إلى حيلة قبول رأي أرسطو باعتباره المرجع الأوحد المحدد وجهة إبداع الفلسفة اليونانية (انظر مقدمة ١٣). ولهذا السبب تحيط شكوك هامة وكثيرة بما يُسمَّى الإبداع اليوناني للفلسفة (انظر [٣]، ص٣٥، ۳۹، ٤٧، ٥٣، ٦٢، ۷۹، ۲۱۰، ۲۱۱، ٦٢٧؛ وانظر [١٢]، ص١٦؛ وانظر ثيوفراستوس ومقدمة (١٣)).

(٣) وقائع التأريخ الزمني لفلاسفة اليونان تخمين محض

لا يذكر التاريخ شيئًا عن الحياة الباكرة لفلاسفة اليونان وتثقيفهم. ولا يصدق هذا فقط على الفلاسفة السابقين على سقراط، بل وعلى سقراط نفسه وأفلاطون وأرسطو الذين يظهرون في التاريخ بعد أن بلغوا الثامنة عشرة، ويبدءون في التعليم وهم في سن الأربعين.

وكانوا — كمجموعة من الرجال — أشخاصًا غير مرغوب فيهم من قِبَل الدولة personae non gratae؛ ومن ثَم كانوا موضع اضطهاد مما اضطرهم إلى التخفي والعمل سرًّا. ولم يحتفظوا — بسبب هذه الظروف — بتسجيلات عن أنشطتهم، وذلك بهدف إخفاء هويتهم. وعقب غزو الإسكندر الأكبر مصر والاستيلاء على المكتبة الملكية في الإسكندرية ونهبها، بدأ تنفيذ خطة أرسطو في اغتصاب الفلسفة المصرية بأيدي أعضاء مؤسسته: ثيوفراستوس وأندرونيكوس الروديسي وإيوديموس، الذين وجدوا أنفسهم على الفور في مواجهة مشكلة وضع تأريخ زمني لمراحل تاريخ الفلسفة (انظر مقدمة (۲)، ص۱۳).

واشتمل هذا الجهد على قدر كبير من التخمين لتحديد تواريخ ميلاد الفلاسفة الذين لم يكن الجمهور يعرف عنهم سوى القليل جدًّا. وحدث منذ القرن الثالث ق.م. (٢٧٤–١٩٤ق. م.) أن عمد أراتوستين الرواقي إلى وضع تأريخ زمني لفلاسفة اليونان. كذلك خلال القرن الثاني (١٤٠ق.م.) وضع أبوللودوروس تأريخًا آخر، وتواصلت هذه الجهود خلال القرن الأول ق.م. (٦٠–٧٠ق.م.)؛ إذ وضع أندرونيكوس الرئيس الحادي عشر للمدرسة المشائية تأريخًا زمنيًّا آخر.

واستمرت هذه المشكلة طوال القرون الأولى، وانتقلت إلى عصرنا الحاضر، ذلك لأننا نجد جميع الكُتَّاب المحدثين، فيما يبدو، الذين يؤلفون في موضوع الفلسفة اليونانية، عاجزين عن الاتفاق بشأن التواريخ الخاصة بميلاد ونشأة الفلاسفة. ويبدو أن الاستثناء الوحيد يتعلق بالفلاسفة الأثينيين الثلاثة؛ أعني سقراط وأفلاطون وأرسطو؛ إذ من المعتقد أن تاريخ ميلاد كل منهم مؤكد، وثمة اتفاق عام بين المؤرخين بشأنهم. بيد أننا إذا ما تطرقنا إلى الفلاسفة السابقين على سقراط تواجهنا حالة من التشوش والخلط وعدم اليقين. ولعل أمثلة قليلة تكفي شاهدًا على حالة البلبلة والشك فيما يتعلق بطبيعة التأريخ الزمني للفلاسفة اليونانيين.

  • (١)
    يحدد ديوجين لايريتوس تاريخ ميلاد طاليس من ٦٤٠ق.م. بينما نجد وليام تيرنر في كتابه «تاريخ الفلسفة» يحدد التاريخ في ٦٢٠ق.م. ويذكر فرانك ثيلي Thilly أنه ٦٢٤ق.م. ويعود به إي كي روجرز إلى فترة باكرة في القرن السادس ق.م. ويذكر دبليو جي تينيمان أنه ٦٠٠ق.م.
  • (٢)
    يحدد ديوجين لايريتيوس تاريخ ميلاد أناكسيمانز بأنه ٥٤٦ق.م. هذا بينما يحدده دبليو فندلبراند W. Windelbrand بأنه في القرن السادس ق.م. ويذكر فرانك ثيلي أنه ٥٨٨ق.م. بينما نجد هذا التاريخ عند بي دي ألكسندر هو ٥٦٠ق. م، وعند إي كي روجرز القرن السادس ق.م.
  • (٣)

    يعتقد ديوجين — صادقًا — أن بارمينيديس مولود في عام ٥٠٠ق.م. بينما نجد كلًّا من فوللار وثيلي وروجرز يسقطون تاريخ الميلاد لأنه، على حد قولهم، غير معروف.

  • (٤)

    يحدد تسلر تاريخ ميلاد أكزينوفان بأنه ٥٧٦ق.م. بينما يحدده ديوجين ٥٧٠ق.م. ويصرح غالبية المؤرخين الآخرين أن تاريخ ميلاده غير معروف.

  • (٥)

    ولا يعرف ديوجين تاريخ ميلاد زينو، ويقول عنه إنه شبَّ خلال الفترة ٤٦٤–٤٦٠ق.م. بينما يحدد وليام تيرنر تاريخ الميلاد بأنه ٤٩٠ق.م. شأنه — في هذا — شأن فرانك ثيلي وبي دي ألكسندر، هذا بينما يصرح كلٌّ من أ. ك. روجرز، وو. ح. تينيمان بأنه غير معروف.

  • (٦)

    وعند الحديث عن هيرقليطس يقدم تسلر الافتراضات التالية؛ إذ يقول: إذا كان قد توفي عام ٤٧٥ق.م. وافترضنا أنه قد بلغ الستين من العمر وقت الوفاة فلا بد وأن يكون مولودًا في عام ٥٣٥ق.م. وبالمثل يفترض ديوجين أنه شبَّ فيما بين عامي ٥٠٤ و٥٠٠ق.م. هذا بينما يحدد وليام تيرنر تاريخ ميلاده بأنه ٥٣٠ق.م. ويحدده وندلبراند ٥٣٦ق.م. ويذكر كل من فوللر وتينيمان أنه شبَّ عام ٥٠٠ق.م.

  • (٧)

    وفي معرض الحديث عن فيثاغورس نجد تسلر، الذي لا يعرف تاريخ ميلاده، يفترض أنه وُلِد فيما بين عامي ٥٨٠ و٥٧٠ق.م. هذا بينما يفترض ديوجين، بدوره، أنه وُلِد بين عامي ٥٨٢ و٥٠٠ق.م. ويذكر وليام تيرنر وفوللر وروجرز وتينيمان أن تاريخ ميلاده غير معروف.

  • (٨)

    أما عن أمبيدوقليس فإن ديوجين يحدد تاريخ ميلاده بأنه ٤٨٤ق.م. هذا بينما يحدده كل من تيرنر ووندلبراند وفوللر، وبي دي ألكسندر وتينيمان بأنه ٤٩٠ق.م. ويصرح كل من أ. ك. روجرز وآخرين بأنه غير معروف.

  • (٩)

    وفي معرض الحديث عن أنكساجوراس، فإن كلًّا من تسلر وديوجين يحدد تاريخ ميلاده بأنه ٥٠٠ق.م. ويتفق معهما كل من وليام تيرنر، وأ. ج. فوللر، وفرانك ثيلي. بينما يحدده ألكسندر ٤٥٠ق.م. ويصرح أ. ك. روجرز وآخرون بأنه غير معروف.

  • (١٠)

    وعند الحديث عن ليوكيبوس يكاد يجمع المؤرخون — عن بكرة أبيهم — على أنه لم يكن موجودًا.

  • (١١)

    أما سقراط (٤٦٩–۳۹۹ق.م.) وأفلاطون (٤٢٧–٣٤٧ق.م.) وأرسطو (٣٨٤–٣٢٢ق.م.) فهم الفلاسفة الثلاثة الوحيدون الذين نعرف أن تواريخ ميلادهم ووفاتهم لم تكن محل تخمين بين المؤرخين، غير أن سبب هذا الإجماع ربما يرجع إلى أنهم كانوا أثينيين، وأدانتهم — قضائيًّا — حكومة أثينا التي تحرت عنهم — بطبيعة الحال — واحتفظت بسجل عن حالاتهم (انظر [٤]، ص١٠٤).

ملحوظة

يجب ألا يغيب عن البال في ضوء الدراسات المقارنة السابقة عن التأريخ الزمني للفلاسفة اليونانيين ما يلي:

  • (أ)

    تباين التواريخ بسبب التخمين.

  • (ب)

    الفلاسفة السابقون على سقراط غير معروفين لأنهم أجانب أو غرباء على حكومة أثينا، وربما لم يكن لهم وجود.

  • (جـ)

    يلزم عن هذا أن كلًّا من الفلاسفة السابقين على سقراط، علاوة أيضًا على سقراط وأفلاطون وأرسطو، قد اضطهدتهم حكومة أثينا بسبب إدخال مذاهب أجنبية إلى أثينا.

  • (د)

    بناء على هذه الحقائق لا يسعنا النظر إلى أي زعم جاء بعد ذلك على لسان اليونان بادعاء ملكية أو تأليف هذه المذاهب ذاتها التي نبذوها واضطهدوها، وإنما يتعيَّن النظر إليها باعتبارها بالضرورة اغتصابًا.

(٤) تصنيف تاريخ الفلسفة اليونانية كان خطة أرسطو ونفَّذتها مدرسته

عندما قرر أرسطو تأليف مصنَّف عن تاريخ الفلسفة اليونانية، فإنه عرض — بالضرورة — رغبته هذه على تلميذيه ثيوفراستوس وإيوديموس، ذلك لأنه لم يكد يفرغ من كتابه «الميتافيزيقا» حتى تبعه ثيوفراستوس بنشر ثمانية عشر كتابًا عن مذاهب الطبيعيين. وبالمثل بعد أن نشر ثيوفراستوس كتابه «مذاهب الطبيعيين» قدم إيوديموس تواريخ مستقلة لكل من الحساب والهندسة والفلك وفقه الإلهيات، وكانت هذه بداية مذهلة بسبب ضخامة عدد الكتب العلمية، واتساع نطاق الموضوعات التي عالجتها هذه الكتب، وآثار هذا الوضع، عن صواب، شكوك العالم، حين تساءل عن مصدر هذه المؤلفات العلمية.

وحيث إن ثيوفراستوس وإيوديموس كانا، في الوقت نفسه، من تلامذة أرسطو، ونظرًا لأن غزو الإسكندر الأكبر لمصر جعل المكتبة الملكية في الإسكندرية تحت أيدي اليونانيين لأغراض البحث، إذن لا مناص من أن نتوقع أن الرجال الثلاثة، وهم أرسطو الصديق الحميم للإسكندر، وثيوفراستوس وإيوديموس، لم يعكفوا فقط على البحث والتنقيب في كتب مكتبة الإسكندرية، وإنما لا بد — أيضًا — أنهم استعانوا بكتبٍ يسَّرت لهم فرص مواكبة بعضهم بعضًا على نحو متقارب دون فارق زمني في إصدار المؤلفات العلمية. (انظر [۳]، ص١٥٨-١٥٩). وطبيعي أن كانت هذه الكتب، التي استعانوا بها، كانت إما غنيمة حرب استولوا عليها من المكتبة أو مؤلفات صنَّفوها هم (لاحظ أن مؤلفات أرسطو تكشف عن العلامات الدالة على كتابة الهوامش، وأنثيوقراستوس وإيوديموس كانا، في الوقت نفسه، تلميذين من تلامذة مدرسة أرسطو) (انظر [٣]، ص۱۲۷).

ولعل من الملائم أن نذكر هنا أسماء تلامذة أرسطو الذين شاركوا بقسطٍ نشط دعَّم الحركة تجاه تأليف تاريخ للفلسفة اليونانية.

  • (أ)

    ثيوفراستوس الليسبوسي (۳۷۱–٢٨٦.ق.م.) الذي خلف أرسطو رئيسًا للمدرسة المشائية، ويقال، كما ذكرنا في موضع آخر، أنه ألَّف ثمانية عشر كتابًا عن مذاهب الطبيعيين، من هم هؤلاء الطبيعيون؟ مصريون أم يونانيون؟ يكفي أن نتأمل هذين السؤالين.

  • (ب)

    إيوديموس الروديسي، معاصر لثيوفراستوس، وحضر معه أيضًا مدرسة أرسطو، ويقال إنه ألَّف في تاريخ الحساب والهندسة والفلك والإلهيات على نحو ما ذكرنا آنفًا. فما هو مصدر معلوماته عن تواريخ العلوم، والتي لا بد لها لكي تنشأ وتتطور من أن تستغرق آلاف السنين من تاريخ أي أمة؟ مصر أم اليونان؟ يكفي أن نتأمل هذا.

  • (جـ)

    أندرونيك الروديسي، وهو من الكُتَّاب التلفيقيين في مدرسة أرسطو، والمشرف على تحرير كتبه (۷۰ق.م.).

والملاحظ أن مؤلفات هؤلاء الرجال، وكذا كتاب «الميتافيزيقا» لأرسطو قد احتوت على موجز نقدي لمذاهب جميع الفلاسفة السابقين. وتؤلِّف هذه الكتب — على ما يبدو — نواة تصنيف ما سُمِّي تاريخ الفلاسفة اليونانية (انظر [٢]، المقدمة، وص٧–١٤).

وكانت الخطوة التالية هي تنظيم رابطة سُمِّيت «الدراسة العلمية لكتابات أرسطو»، وأعضاء هذه الرابطة هم ثيوفراستوس وأندرونيك. وكان كلاهما على علاقة وثيقة بمدرسة أرسطو، وتركزت مهمة هذه الرابطة في تحديد هوى الأدب ومذاهب الفلسفة مع ذكر اسم المؤلف المزعوم لكل منها. وفي سبيل استكمال هذا العمل عمدت الرابطة إلى تشجيع خريجي مدرسة أرسطو وأصدقاء المدرسة للمشاركة في عمل بحث عن مؤلفات أرسطو وكتابة تعليقات عليها.

علاوة على هذا، شجعت الرابطة العلمية — كذلك — إجراء بحث لاستعادة ما سُمِّي «الشذرات» أو بقايا كتاب قيل إنه كان موجودًا يومًا، وهو الكتاب الذي يحمل عنوانًا مشتركًا «عن الطبيعة Peri Physeos».

ونلاحظ هنا — مرة أخرى — أن أولئك الذين اضطلعوا بمهمة البحث في كتاب «عن الطبيعة» أو بقاياه هم خريجو مدرسة أرسطو وأصدقاء المدرسة، غير أن جهودهم لتأكيد حقيقة التأليف باءت بالفشل.

  • (أ)

    لم يجد ثيوفراست سوى سطرين اثنين من كتاب «عن الطبيعة»، والذي قيل — افتراضًا — إن مؤلفه أنكسماندر.

  • (ب)

    قيل إن سكستوس وبروقلوس — في القرن الخامس الميلادي — وسمبليكوس — في القرن السادس الميلادي — قد عثروا على نسخة من كتاب «عن الطبيعة» الذي من المفترض أن مؤلفه هو بارمينيديس.

  • (جـ)

    علاوة على ما سبق اقترن اسم سمبليكوس — أيضًا — بنسخة أخرى من كتاب «عن الطبيعة» الذي من المفترض أن مؤلفه هو انكساجوراس.

وما أكثر ما قيل عن كتاب «عن الطبيعة» و«الشذرات»، وما أكثر ما قيل عن محاولات «الرابطة العلمية» من أجل دراسة مؤلفات أرسطو، وقد فشلت جميعها لعدم توافر دليل يثبت وجود الكتاب كما أوضحنا في موضع آخر.

وإن استعادة نسختين وسطرين من كتاب «عن الطبيعة» ليس برهانًا على أن فلاسفة اليونان ألَّفوا كتابَ «عن الطبيعة»، أو حتى إن الأسماء المنسوب إليها الكتاب هم — فعلًا وحقًّا — مؤلفوه الأصليون. ولعل الواضح — يقينًا — أن هدف الرابطة العلمية هو أن تدق على طبلة أرسطو، وترقص على ذات اللحن. فقد كانت فكرة أرسطو هي تأليف كتاب عن تاريخ الفلسفة، وكانت مدرسة أرسطو وخريجوها هم الذين أنجزوا الفكرة حسبما قيل لنا.

١  الرقم الأول دال على المرجع حسب التسلسل المثبَت في نهاية الكتاب، والأرقام التالية دالة على الصفحات. (المترجم)
٢  جزر كيكلاديس Cyclades مجموعة جزر يونانية، مساحتها أكثر من ألف ميل مربع، وتقع جنوب بحر إريجه، وعاصمتها هيرموبوليس في جزيرة سيروس. (المترجم)
٣  الأوزيرياكا أو الأوزيرية، وتعني مقر المحفل الأعظم القيادي لجميع المحافل أو المعابد التابعة له داخل وخارج مصر. ويشبه حديثًا — على سبيل القياس — دار البابوية أو دار الإمامة الكبرى الذي يقوم بدور التنظيم والتوجيه والإفتاء والإدارة، ويضم أكبر فقهاء ومعلمي نظم الأسرار المصرية العارفين بالعلوم والفنون والرموز. ومثل هذا النظام يتجاوز الطابع المحلي، ويؤمن بعالمية الرسالة. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤