البارونة «شيليا»

وقف «تختخ» في الظلام ينتظر «باولو»، ولم يطُل انتظاره طويلًا؛ فقد سمع صوتًا يقول في سخرية: كادت العصابة أن تفتك بك اليوم …

ردَّ «تختخ»: لقد وقعتُ في المصيدة بسذاجة.

ضحك «باولو» في الظلام قائلًا: ألم أقل لك ألَّا تتصرَّف وحدك؟ … وإن عليك أن تسمع تعليماتي …

تختخ: آسف جدًّا … ولكن مقابلتي للرجل «المشلول» يسير على قدمَيه جعلتني أندفع خلفه … لقد ظننت أنه «كلب البحر» فطاردته …

عاد «باولو» إلى الضحك قائلًا: هل تظن أن «كلب البحر» مهرِّب ساذج؟! إنه أخطر وأدهى مهرِّب … ولا يمكن أن يقع في يدك أو في يد أي إنسان آخر بهذه البساطة!

وتوقَّف قليلًا، ثم عاد يقول: لقد حيَّر أعظم رجال الشرطة في العالم، ولن يقع إلا عندما أُريد! …

تختخ: ولماذا تتركه يقوم بجرائمه، ما دمت تستطيع أن تضعه بين يدَي العدالة؟

باولو: لم تنضج الخطة بعد … إن عمل رجل الشرطة يحتاج إلى صبرٍ طويل، وضبط أعصاب … وسوف تجد أن خطتي ستنجح تمامًا، وستكون مفاجأةً لك … وللمفتش «سامي» الذي أرسلك.

تختخ: إن ما لم أفهمه حتى الآن هو لماذا لا تدعني أراك؟!

باولو: لقد قلتُ لكَ من قبلُ إن دواعي الأمن والاحتياطات تستدعي أن أظلَّ مختفيًا، وقد صدق ظني … واتضح أنكَ يمكن أن تقع بسهولة، كما وقعتَ اليوم، فكيف أتركك تعرفني، وقد تُخطئ كما أخطأت … وتُعرِّض خطتي للإخفاق؟!

تختخ: آسف مرةً أخرى … لكن ما هي خطتك القادمة؟

باولو: أُريدك أن تُنفِّذ ما أقوله جيدًا … إن معكم خمس حقائب، لكل واحد منكم حقيبة … أليس كذلك؟

تختخ: تمامًا.

باولو: إنني أُريد منكم أخذ رسالة مني إلى شرطة «فينسيا» … إنها ليست رسالةً صغيرة … إنها طرد به أدلة، ستُؤدِّي إلى القبض على «كلب البحر»، وسوف أحصل على هذه الأدلة غدًا … وإذا اكتشف «كلب البحر» ضياعها فسوف يقلب السفينة رأسًا على عقب للبحث عنها … ولكنه بالطبع لن يشكَّ فيكم مطلقًا … وعليكم أن تضعوها في إحدى حقائبكم.

تختخ: هذا معقولٌ جدًّا.

باولو: وعندما تصلون إلى «فينسيا» تذهبون إلى العنوان الذي سأكتبه لكم … وتُسلِّمون الطرد … وسوف يتمكَّن رجال الشرطة من القبض على «كلب البحر» … هل فهمت؟

تختخ: طبعًا.

باولو: لا تنسَ أن تُنفِّذ كل كلمة قلتُها لك … إنكَ ستُعاون فعلًا في القبض على «كلب البحر».

تختخ: ألم تكتشف شخصيته حتى الآن؟

باولو: إنه كما تعرف مجهول الشكل … مجهول الاسم … ولكني حصلت على بصمات قد تكون له … وبعض قطع من الملابس … وأشياء أخرى سوف يتمكَّن رجال الشرطة في إيطاليا عن طريقها من معرفة شخصيته والقبض عليه.

تختخ: وهل أستمر في مراقبة «مارسيل»؟

باولو: طبعًا … عليك بمراقبته غدًا طول النهار … وليلًا حتى الوصول إلى «فينسيا» … إنني أشكُّ فيه، ولكني لستُ متأكِّدًا … وقد تستطيع بذكائك أن تصل إلى أدلةٍ مهمَّة.

تختخ: لقد فهمتُ كل شيء.

باولو: إلى اللقاء في «فينسيا» … وسوف تُقابلني هناك.

تختخ: كيف؟

باولو: سوف أتصل بك.

وأحسَّ «تختخ» أن الحديث انتهى … فقال وهو يتحرَّك للانصراف: إلى اللقاء.

وردَّ «باولو»: إلى اللقاء في «فينسيا».

تحرَّك «تختخ» سريعًا، ومرَّ بالجانب الأيمن من السفينة … وهو يرجو أن يُنفِّذ الأصدقاء خطته … ووصل إلى قُمرته وجلس في انتظار عودة الأصدقاء … ولم تمضِ دقائق حتى وصلوا جميعًا.

قال «تختخ» في اهتمام: هل نفَّذتم الخطة؟

ردَّ «محب»: ليس تمامًا.

تختخ: كيف؟

محب: لقد سار بسرعةٍ جدًّا … ولم يكن في إمكاننا أن ننظر إليه حتى لا يشك فينا، كما قلتَ لنا … ولكننا استطعنا تتبُّع خطواته حتى وصل إلى صف القُمرات التي ينزل في إحداها، ولم نستطِع متابعته حتى لا ننكشف.

تختخ: ألم تعرفوا أين ينزل؟

محب: لقد حصرنا شبهتنا في ثلاث قُمرات … ولا بد أنه ينزل في إحداها.

تختخ: عظيمٌ جدًّا … لقد أدَّيتم مهمَّتكم.

محب: وماذا فعلتَ أنت؟

تختخ: لقد كُلِّفنا بمهمَّةٍ عظيمةٍ سنقوم بها، وعن طريقها سوف يتمكَّن رجال الشرطة في إيطاليا من القبض على «كلب البحر».

وانصرف الأصدقاء كلٌّ إلى فراشه.

في صباح اليوم التالي ذهب «تختخ» إلى الغرفة المخصَّصة للبيع في السفينة، واشترى بطاريةً كهربائيةً صغيرة، ثم اتجه إلى قُمرات الدرجة الأولى حيث ينزل «مارسيل» … وبينما هو يتسكَّع في الممر في انتظار ظهور «مارسيل»، ظهرت سيدة عجوز طلبت منه أن يُساعدها في اجتياز الممر إلى قُمرتها … وسعد «تختخ» بأنه سيقوم بهذا الواجب الإنساني، وفي الوقت نفسه يُؤدِّي واجبه في مراقبة «مارسيل». وكانت قُمرة السيدة العجوز هي القمرة التالية لقُمرة «مارسيل»، ففتح «تختخ» الباب، وساعدها على الدخول … وبدأ ينسحب إلى الخارج … ولكن السيدة العجوز قالت له بالإنجليزية: هل تستطيع أن تبقى قليلًا؟ أُريد أن أُقدِّم لكَ شيئًا تشربه.

شكرها «تختخ»، ولم يجِد بأسًا في الانتظار بعض الوقت معها.

قالت السيدة: إنني أطوف بالعالم وحيدة … وأُحب التعرُّف بالناس في كل مكان أذهب إليه … فمن أنت؟

قال «تختخ»: اسمي «توفيق» … وأُسافر مع أربعة من الأصدقاء في رحلة إلى «فينسيا» … ومنها إلى «ميلانو» لزيارة عمي هناك.

السيدة: وهل كل أصدقائك في مثل سنك؟

تختخ: إن الباقين أصغر مني سنًّا … فأنا أكبرهم.

السيدة: وتُسافرون وحدكم؟

تختخ: نعم … فنحن من هواة الرحلات والمغامرات.

السيدة: شيء مدهش تمامًا! … فأنا أيضًا أُحب الرحلات والمغامرات … وسوف أقضي في «فينسيا» بعض الوقت … فإذا كان هناك فرصةٌ فتعالَوا لزيارتي، فإنني أسكن في قصرٍ كبيرٍ وحدي، أتمنَّى أن أجد من يؤنس وحشتي.

تختخ: سيُسعدنا ذلك حقًّا … ولكني لم أعرف بعدُ اسمك.

ضحكت السيدة العجوز وهي تُقدِّم له علبةً من عصير الأناناس قائلة: آسفة جدًّا … لم أُقدِّم لكَ نفسي بعد … اسمي «شيليا» … وأحمل لقبًا قديمًا هو لقب «بارونة» … ولي عدة بيوت في بعض البلاد حيث أنزل كلما رحلت.

تختخ: إنها حياةٌ جميلةٌ تلك التي تتمتعين بها يا سيدتي البارونة.

السيدة: إن أصدقائي يُنادونني «شيليا» فقط … فنادني به؛ فقد أصبحتَ صديقي، وأرجو أن تقبلوا ضيافتي عندما نصل إلى «فينسيا».

تختخ: شكرًا لكرمك العظيم.

أخرجتْ «شيليا» من حقيبة يدها «كارتًا» وقدَّمته ﻟ «تختخ» قائلة: هذا هو عنواني …

أخذ «تختخ» «الكارت» فوضعه في جيبه، ثم شكر «البارونة»، وخرج وهو في غاية السعادة …

وجد الأصدقاء على ظهر السفينة يتفرَّجون على شواطئ البحر «الأدرياتيكي» الذي دخلته السفينة … وعلى جانب شِبه الجزيرة الإيطالية التي يُشبه شكلها الحذاء على الخريطة، وكانت الجبال تبدو من بعيدٍ وقد تنوَّعت ألوانها، وكأنها في استعراض الأزياء.

قال «تختخ» ﻟ «محب» هامسًا: اسمع يا «محب» … إن أمامنا الليلة مغامرة تحتاج إلى قوة عضلاتكَ ومرونة جسمك، وسنعدُّ لها من الآن.

محب: وكيف تكون المغامرة؟ هل هي معركة؟

تختخ: أرجو ألَّا تصل إلى معركة.

محب: وما هو المطلوب مني بالضبط؟

تختخ: أولًا: تُحدِّد لي القُمرات الثلاث التي تتصوَّر أن «باولو» في إحداها … ثانيًا: نُحاول دخول هذه القُمرات الثلاث … فإذا لم نتمكَّن فسيأتي الجزء الخطير من المغامرة.

وسكت «تختخ» قليلًا، ثم عاد يقول: سنبحث عن قطعة حبلٍ طويلةٍ وقوية تستطيع أن تتحمَّل ثقلك، وستتدلَّى بواسطة هذا الحبل لتنظر من خلال النوافذ الثلاث لترى «باولو» … إنني أُريد أن أراه.

محب: ولكن لماذا كل هذا من أجل رؤية «باولو»، وسوف تراه عندما نصل إلى «فينسيا» كما وعدك؟!

تختخ: من المهم جدًّا أن أراه قبل أن نصل إلى «فينسيا». ونزل الصديقان إلى القُمرات الثلاث التي حدَّدها «محب»، ولم يتردَّد «تختخ» في مدِّ يده ومحاولة فتحها.

ودُهش «محب»، ولكن «تختخ» كان جادًّا وصارمًا … وعندما انفتح أول باب، أطلَّت سيدة تسأل عن الطارق، فاعتذر لها «تختخ» وانسحب … وكذلك فعل في القُمرة الثانية عندما أطلَّ طفل وسأل عمَّا يطلب. وعندما حاول «تختخ» فتح القُمرة الثالثة وجد بابها مغلقًا، فقال ﻟ «محب»: هذه هي قُمرة «باولو» التي سنُحاول الليلة النظر إليها من خلال الكُوَّة الزجاجية؛ أي نافذة القُمرة المستديرة …

وصعد الصديقان إلى السطح مرةً أخرى، ووجدا كثيرًا من قِطع الحبال التي تصلح للغرض، فقام «تختخ» بربط واحدٍ منها في أحد الأعمدة الحديدية فوق كُوَّة القُمرة مباشرة، ثم عادا إلى بقية الأصدقاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤