فوق الأمواج

في المساء وصلتْ إلى «تختخ» الرسالة المعتادة من «باولو»؛ لمقابلته في منتصف الليل … فقال ﻟ «محب»: إنها فرصتك أن تنزل على الحبل وتنظر إلى القُمرة، و«باولو» غير موجود.

محب: ولماذا سأنظر فيها ما دام ليس موجودًا؟!

تختخ: بصراحةٍ يا «محب» … إن في ذهني فكرةً غريبةً أُريد أن أتأكَّد منها … وكل ما أطلبه منك أن ترى جيدًا ماذا في داخل قُمرة «باولو».

وقبل منتصف الليل، صعد «تختخ» و«محب» إلى ظهر السفينة، ومعهما «عاطف»، بعد أن شرح له «تختخ» ما يفعله … كان عليه أن يُراقب؛ حتى لا يفاجِئ أحدٌ «محب» في أثناء مهمَّته.

وفي منتصف الليل تمامًا كان «تختخ» يتجه مسرعًا إلى مقدمة السفينة، في حين كان «محب» يُمسك بالحبل، ويتدلَّى بجانب السفينة محاولًا ضبط توازنه حتى يكون بجانب القُمرة … وكانت الريح تهبُّ بشدة، والأمواج مرتفعة، والسفينة تهتز، كما هي غالبًا في بحر «الأدرياتيك» … وأخذ ينزل تدريجيًّا، وكلما اقترب من نافذة القُمرة تناثر عليه رذاذ الماء، حتى إذا أصبح في محاذاتها تمامًا، نظر بحذرٍ من خلال النافذة الزجاجية، ولكن النور كان مطفأً … فأخرج البطارية التي أعطاه إياها «تختخ»، وأطلق شعاعًا من النور داخل القُمرة، وأخذ يتطلَّع جيدًا إلى كل شيءٍ فيها.

في هذه الأثناء كان «تختخ» يقف في الظلام يتحدَّث إلى «باولو» الذي قال له: عليكَ الليلة أن تعدَّ الحقيبة التي سنضع فيها الطرد … ولا داعي لإخبار أصدقائك عنه … إنها مسألةٌ في غاية السرية.

قال «تختخ»: تأكَّد أن كل شيءٍ سيمضي على ما يرام.

باولو: ستكون لك جائزة ممتازة.

تختخ: شكرًا لك.

كادت المقابلة أن تنتهي، لولا أن «تختخ» أراد أن يكسب بعض الوقت حتى يُتيح ﻟ «محب» أطول فرصة ممكنة، فقال ﻟ «باولو»: لقد أوشكت الرحلة أن تنتهي بدون أن نفعل شيئًا … فلم نعثر على «كلب البحر» … ولم نخطُ خطوةً نحو التعرُّف عليه.

باولو: لقد تمَّت أشياء كثيرة في هذه الفترة، وقد قلتُ لك إن هناك مفاجأةً في انتظارك، عندما تصل إلى «فينسيا». وعلى كل حال … استمرَّ في مراقبة «مارسيل».

انتهت المقابلة … وأسرع «تختخ» إلى قُمرته، وهو يرجو أن يجد «محب» قد عاد … وعندما وجد النور مضاءً أدرك أن «محب» في القُمرة، فدخل مسرعًا، وكان «محب» يجلس وبجواره «عاطف»، فقال «تختخ» متعجلًا: ماذا وجدت؟

محب: وجدتُ آخر ما كنتُ أتوقعه! … رجلًا موثق اليدَين والقدمَين … وعلى فمه شريط لاصق يمنعه من الكلام.

قفز «تختخ» عندما سمع هذا الكلام قائلًا: هذا ما توقَّعتُه! … هذا ما توقَّعتُه!

محب: ما الذي توقعتَه؟

تختخ: أن هذا الرجل هو المفتش «باولو»!

محب: غير معقول!

تختخ: بل هو المعقول الوحيد!

محب: ولكن كيف؟! ومن الذي تُقابله إذن؟

تختخ: إنني أُقابل «كلب البحر» … إنه المهرِّب الدولي الخطير الذي لم يرَه أحد! … وقد استطاع «كلب البحر» أن يعرف شخصية «باولو»، وأن يوقعه في فخ، ويتقمَّص شخصيته … ثم قام بهذه التمثيلية ليُقنعني أنه «باولو».

محب: غير ممكن!

تختخ: بل هذا هو الممكن الوحيد … وقد كنتُ أشكُّ فيه من أول لحظة، ولكني لم أكن متأكِّدًا … شككتُ فيه عندما أصرَّ على أن يبقى مختفيًا طول الوقت … شككتُ فيه عندما طلب منِّي مراقبة «مارسيل» الذي لا علاقة له بشيء … شككت فيه أكثر عندما طلب منِّي الابتعاد عن الرجل «المشلول»، وهو عضو في عصابته، وتأكَّدتُ عندما أوقعني في فخِّ مخزن الآثار، ثم أنقذني حتى يُبعد عن ذهني أي شك، والآن أصبحتُ متأكِّدًا تمامًا.

محب: ما هي خطتك؟

تختخ: إنه يحاول أن يُهرِّب شيئًا عن طريقنا، وسوف نتظاهر بأننا نُصدِّقه حتى نصل إلى «فينسيا» … وفي «فينسيا» سيكون المفتش «سامي» في انتظارنا، وسنتركه يقبض على «كلب البحر» الحقيقي، ويُنقذ «باولو».

عاطف: يا لك من داهية!

تختخ: يا لك من ولدٍ ظريف!

محب: ولكن كيف نتعرَّف على «كلب البحر» وسط كل هؤلاء الركَّاب؟

تختخ: سيقع في يدنا غدًا ليلًا!

محب: إنك تحلم!

تختخ: لا بأس من أن نحلم أحيانًا.

محب: وما هي خطتك؟

تختخ: سيُقابلني «باولو» غدًا ليلًا؛ ليُعطيني الطرد الذي يُريد توصيله إلى «فينسيا» … وستكونون معي جميعًا على مقدمة السفينة عندما يصل، وهناك شبكة كبيرة تُستعمل في تغطية الصناديق والسيارات، سنُلقيها عليه، ثم نقفز عليه جميعًا، ونشد وثاقه … ونُسلِّمه كالطرد إلى المفتش «سامي».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤