المصيدة

تسلَّم «تختخ» رسالة «باولو» في مساء اليوم التالي. قرأها ثم جلس مع الأصدقاء يُناقشون الخطة التي سيُنفِّذونها للقبض على «كلب البحر».

فقال «عاطف»: إنكم متفائلون جدًّا … كيف تتصوَّرون أنه من السهل القبض على هذا المهرِّب الخطير الذي لم يستطِع رجال الشرطة في كثير من بلاد العالم القبض عليه؟!

ردَّ «تختخ»: إنني أعتمد على المفاجأة؛ ﻓ «كلب البحر» لا يتصوَّر أنني كشفتُ حقيقته … وسوف يأتي ليسخر مني كالعادة، ويطلب أن أراقب «مارسيل» الذي لا علاقة له بالعصابة نهائيًّا … وسوف أتظاهر بأنني صدَّقته حتى لا يشك في شيء.

محب: وما هو دورنا بالضبط؟

تختخ: إنني أعرف الآن أين يجلس «كلب البحر» عندما أتحدَّث معه، وسوف أُحدِّد لكم الأماكن التي ستختفون فيها … وعندما أقول له: «إلى اللقاء في فينسيا»، تكون هذه إشارةً مني لكم بالهجوم عليه … فسوف يقف بعد هذه الجملة لينصرف.

نوسة: وهل نهجم عليه بأيدينا ونضربه؟! … إنه أقوى منا، وسوف يكون من السهل عليه هزيمتنا.

تختخ: لن تشتركي أنتِ ولا «لوزة» في هذه المعركة … ستقفان للمراقبة … فإذا اقترب أي إنسانٍ فعليكما تحذيرنا … أمَّا «محب» و«عاطف» فسوف يُمسكان بطرف الشبكة الموضوعة فوق البضائع هناك … وعندما يقف «كلب البحر» فعليهما أن يُلقيا عليه الشبكة … وعندما يرتبك نتيجةً للمفاجأة نهجم عليه لشد وثاقه، وتكميم فمه … وقد جهَّزت كل شيء هناك.

•••

كانت الليلة الأخيرة على السفينة ليلةً صاخبة … فقد أقام الربَّان حفلًا للمسافرين … وأخذت الموسيقى تصدح على السطح … وبينما كان الركَّاب جميعًا يرتدون أفخر ثيابهم لحضور الحفل … كان «تختخ» والأصدقاء يضعون اللمسات الأخيرة في خطة الإيقاع ﺑ «كلب البحر».

وجلس الأصدقاء صامتين … ينظرون في ساعاتهم … لقد كانوا بعيدين عن الوطن، وليس لهم مُعين … مُقبلين على صراعٍ مخيفٍ مع رجلٍ رهيب … وكان صوت الموسيقى، وضجيج المحرِّكات والركَّاب يصل إليهم … حيث يجلسون … ولكنهم كانوا يُفكِّرون في شيءٍ واحد … معركتهم المقبلة.

وقرب منتصف الليل تحرَّك المغامرون الخمسة صاعدين إلى سطح السفينة، وكان الحفل مُقامًا على السطح الخلفي للسفينة … وكان موعدهم على السطح الأمامي عند المقدمة، حيث اعتاد «كلب البحر» الالتقاء ﺑ «تختخ».

وعندما أصبحوا قريبين من السطح، انفصلت «لوزة» و«نوسة»، فوقفت الأولى في الممر الأيمن للسفينة … ووقفت الثانية في الممر الأيسر … وأخذتا تتظاهران بالنظر إلى البحر.

وتقدَّم «محب» و«عاطف» إلى حيث أشار «تختخ» في محاذاة صناديق البضائع الضخمة، بجوار الشبكة الكبيرة، أمَّا «تختخ» فقد انسحب عائدًا في انتظار حضور «كلب البحر».

في منتصف الليل تمامًا سمع الأصدقاء صوت خطواتٍ خفيفة كخطوات القط … وشاهدوا على الضوء الخفيف شبحًا ضخمًا لرجل يتقدَّم في الظلام، ثم انزوى بجوار الصناديق … ولم تمضِ لحظات حتى ظهر «تختخ»، ووقف في مكانه المعتاد، وسمع «كلب البحر» يقول له: هذه آخر ليلةٍ على السفينة … ولن أراك بعد ذلك … إلا في «فينسيا».

قال «تختخ» بصوتٍ هادئٍ كأنه لا يعرف شيئًا، ولا يشك في شيء: إننا لم نتقدَّم كثيرًا في العثور على «كلب البحر»، وكنت أودُّ أن أُساعدك في القبض عليه.

سمع «تختخ» كما سمع «محب» و«عاطف» ضحكة «كلب البحر» الساخرة في الظلام، وهو يقول: إن حكاية «كلب البحر» حكاية معقَّدة … وصعبة … وحافلة بالمخاطر … وعندما تُقابل المفتش «سامي» قُل له أن يبحث عن «كلب بحر» آخر.

ادَّعى «تختخ» أنه لم يفهم شيئًا، وقال: لا أفهم ماذا تقصد!

ردَّ «كلب البحر»: ليس من المهم أن تفهم الآن، وكما وعدتك ستكون هناك مفاجأةٌ في انتظارك عندما تصل إلى «فينسيا». المهم الآن أنني سأُسلِّمك الطرد الذي يجب أن تُحافظ عليه جيدًا … ثم تذهب إلى كوبري «الريالتو» … وهو أقدم كوبري في «فينسيا»، وبجواره تمامًا على الضفة اليسرى محل «جراتسي» لبيع أدوات الصيد، اسأل عن «ماريو»، وأعطه الطرد، وقل له كلمة «كابيللو نيرو»، وسوف يُعطيك مكافأةً طيبة.

قال «تختخ»: إنها أسماءٌ كثيرة، ولا أظنني سأحفظها كلها.

ضحك «كلب البحر» قائلًا: كنتُ أعلم هذا؛ فكتبت لك ورقةً ملصقةً على الطرد، بها كل الأسماء والعناوين.

تختخ: لا شيء آخر؟

كلب البحر: لا شيء آخر.

جاءت اللحظة الحاسمة ووقف «تختخ» قائلًا: إلى اللقاء في «فينسيا».

وقبل أن يرد «كلب البحر» كان «تختخ» قد تظاهر بالانصراف، فوقف «كلب البحر» لينصرف هو الآخر، وفي هذه اللحظة انقضَّ «محب» و«عاطف» وهما يسحبان طرف الشبكة الثقيلة ثم ألقياها عليها … كانت المفاجأة كاملةً ﻟ «كلب البحر» فشُلَّت حركته، وفي اللحظة نفسها كان الأصدقاء الثلاثة يقفزون عليه كالشياطين، ويُحيطونه بالشبكة الثقيلة، وتحت ضغط الشبكة والأصدقاء الثلاثة سقط «كلب البحر» على ظهر السفينة بشدة، وارتطم رأسه بصندوقٍ صدمةً عنيفة، فتمدَّد على الأرض ساكنًا كالجثة الهامدة.

قال «عاطف»: يبدو أنه قد مات!

مال «تختخ» على صدر «كلب البحر»، وأخذ يستمع، فوجد قلبه يدق.

فقال: إنه حي … ولحسن الحظ أنه أُغمي عليه وإلا كانت معركةً عنيفة … هيَّا نربطه، ونُكمِّم فمه!

وأخذ الأصدقاء يعملون بسرعة … وبينما هم منهمكون في عملهم إذا ﺑ «لوزة» تحضر مسرعةً قائلة: هناك ناس يقتربون!

قال «محب»: هيا لنواريه خلف هذا الصندوق بسرعة … وليذهب «عاطف» مع «لوزة» لإبعاد القادمين عن مكانه بأي طريقة.

أسرع «عاطف» و«لوزة» في حين جلس «تختخ» و«محب» في الظلام، وقد تسارعت أنفاسهما، خوفًا من حدوث أي شيءٍ يُفسد الخطة.

وبعد قليلٍ ظهر رجل وزوجته يسيران ويتحدثان، ومرَّا بجوار «تختخ» و«محب» اللذين حبسا أنفاسهما؛ حتى لا يسمعهما أحد … ولحسن الحظ سمعا الرجل يقول لزوجته: تعالَي نذهب إلى الحفلة … فإنني أُريد أن أشرب شيئًا.

وانصرفا … وسرعان ما انضمَّت «لوزة» و«عاطف» إلى «محب» و«تختخ»، وقاموا جميعًا بربط «كلب البحر» وتكميمه جيدًا … ثم ألقوا عليه الشبكة حتى أخفوه تمامًا … ثم أسرعوا إلى «نوسة»، وذهبوا جميعًا إلى الحفل كأن لم يحدث شيء على الإطلاق.

•••

ظلَّ «تختخ» و«محب» يقظَين طول الليل، وهما يتسمَّعان في انتظار أن يحدث شيء … ولكن الليل انقضى في هدوء … وما كاد أول خيط من الضوء يظهر حتى صعد «تختخ» إلى ظهر السفينة، واطمأن على وجود «كلب البحر» مكانه … وكانت السفينة تقترب من «فينسيا» فانضمَّ الأصدقاء إلى «تختخ» وأخذوا يتحدَّثون … كان أهم سؤال يشغلهم هو: هل حضر المفتش «سامي»؟

وفجأةً سمعوا صوت صياحٍ على مقدمة السفينة … وأخذ رجالٌ يجرون، فأدرك الأصدقاء أن بعض البحَّارة قد اكتشفوا وجود «كلب البحر»، وبدا كل شيءٍ كأنه سينتهي بكارثة … فلم يكن المفتش «سامي» قد ظهر على الرصيف بعد.

قالت «نوسة» في صوت حزين: ماذا نفعل الآن؟!

وفي هذه اللحظة الحاسمة سمعوا أحب صوت يمكن أن يسمعوه على الإطلاق … صوت المفتش «سامي» يرد: ماذا تفعلون في أي شيء؟!

وارتمت «لوزة» على صدر المفتش الذي قال: ماذا هناك؟! لماذا أرسلتم في استدعائي؟!

قال «تختخ»: كيف حضرت؟ إننا لم نرَك على الرصيف!

ردَّ المفتش: لقد ركبتُ قاربًا لأصل إليكم على ظهر السفينة ومعي بعض رجال الشرطة الإيطاليين … فقد كنت في غاية القلق.

وبسرعة روى «تختخ» للمفتش «سامي» ما حدث … وأسرعوا جميعًا ومعهم رجال الشرطة الإيطاليون إلى مقدمة السفينة، وكان البحَّارة يفكون وثاق «كلب البحر» الذي لم يكد يرى رجال الشرطة حتى حاول القفز إلى البحر … ولكنهم أطبقوا عليه بعد إشارةٍ من المفتش «سامي» …

•••

بينما كان الناس على ظهر السفينة وفي الميناء لا حديث لهم إلا القبض على المهرِّب الخطير … كان المفتش «سامي» و«تختخ» وبعض رجال الشرطة الإيطاليين قد نزلوا إلى بطن السفينة حيث وجدوا المفتش «باولو» أسيرًا موثقًا في قُمرة «كلب البحر».

ولم يُصدِّق «باولو» ما رواه له زملاؤه، وأخذ ينظر إلى «تختخ» في إعجاب، ثم مدَّ يده له مهنِّئًا.

•••

وعلى رصيف الميناء وقف المفتش يُودِّع الأصدقاء، وكانت معه البارونة «شيليا» التي أصرَّت على دعوة الأصدقاء للنزول في قصرها الكبير.

وبينما كان «باولو» يهم بالانصراف قال ﻟ «تختخ»: خذوا حذركم … إن عصابة «كلب البحر» لا بد ستنتقم.

•••

ماذا يحدث في «فينسيا» بعد إلقاء القبض على «كلب البحر»؟ وبعد أن نشرت الجرائد الإيطالية قصة القبض عليه كاملة؟

هل تنتقم عصابة «كلب البحر»؟

إن هذا هو موضوع اللغز القادم … لغز المدينة العائمة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤