«كابيللو نيرو»

أخذت البارونة «شيليا» تبكي … فاقترب منها «تختخ» قائلًا: أرجو أن تُساعدينا على استعادة «لوزة».

قالت البارونة من بين دموعها: كيف؟! إنني على استعدادٍ لعمل أي شيء في العالم لاستعادتها … ولكنك تقول إنها خُطفت! فلماذا خطفوها؟ إذا كانوا يريدون مالًا فسأدفع لهم أي مبلغ.

ردَّ «تختخ»: لا وقت لأشرح لك كل شيء … ولكن الحكاية متعلِّقة بصندوقٍ كان «كلب البحر» قد أعطاه لي لأُسلِّمه لشخصٍ يُدعى «ماريو»، وهذا الصندوق ضاع ولا أعرف أين هو الآن … و«ماريو» لا يُصدِّق أنه ضاع … وهناك شخصٌ آخر يُدعى «ستافرو» يُريد الحصول على الصندوق أيضًا … وكلٌّ منهما له عصابة قوية … وقد قام «ستافرو» بخطف «لوزة» لأنه يعتقد أنني سأُسلِّم الصندوق ﻟ «ماريو».

البارونة: إنه شيء غريب! … فماذا في هذا الصندوق؟

تختخ: شيء مهرَّب له قيمة كبيرة.

شيليا: لنتصل بالبوليس!

تختخ: لن نتصل به الآن … سأقول لك على الوقت المناسب للاتصال به.

شيليا: وكيف أُساعدكم؟

تختخ: أُريد أن آخذ القارب البخاري … والكلاب الثلاثة ومدرِّبها.

شيليا: خذ ما تشاء.

والتفت «تختخ» إلى الأصدقاء وقال: ستبقى «نوسة» هنا مع البارونة لنتصل بها عندما نشاء … وسيأتي معي «محب» و«عاطف».

وصاحت «شيليا» تطلب «ميشيل» مدرِّب الكلاب الذي حضر على الفور، وكتب «تختخ» رقم تليفون القصر، ثم قال للبارونة: إنني ذاهب إلى قصر «كابيللو نيرو» حيث أعتقد أن «لوزة» موجودة، فإذا لم نتصل بك أو نعُد حتى الصباح؛ فاتصلي بالبوليس واطلبي منه مهاجمة القصر.

وأسرع الأصدقاء يُغادرون القصر إلى الزورق ومعهم الكلاب الثلاثة المتوحِّشة ومدرِّبها … وقبل أن يركب «تختخ» الزورق أسرع إلى الحديقة حيث أحضر الصندوق والفأس، ثم قفز معهم وصاح بالسائق: إلى جزيرة «مورانو» أولًا!

قال «محب»: جزيرة «مورانو»! … لماذا؟

تختخ: لقد فكَّرتُ في خطةٍ أرجو أن تنجح. إننا نُريد أن نجمع العصابتَين في مكانٍ واحد، بعيدًا بما يكفي لمغادرة المدينة قبل أن يلحقوا بنا.

وأخذ الزورق يشق طريقه بسرعة هائلة عبر القناة الكبيرة في الظلام، في حين كانت المدينة ما تزال تحتفل بالمهرجان برغم أن الساعة قد تجاوزت منتصف الليل.

كانت جزيرة «مورانو» تقع شمال المدينة … جزيرة صغيرة اشتُهرت بصنع أنواع من البلَّور الملوَّن يُسمَّى باسمها … وتبعد عن «فينسيا» بحوالي ساعةٍ بالزورق السريع.

وجلس الأصدقاء بأعصاب متوتِّرةٍ يُفكِّرون في المغامرة المقبلة … وقبعت الكلاب الثلاثة في قاع الزورق تُهمهم في وحشية، ومُدرِّبها يُمسك بها في انتظار تعليمات «تختخ».

خرج الزورق من المدينة وأخذ يجري في اتجاه جزيرة «مورانو»، وأصوات الاحتفال تبتعد شيئًا فشيئًا … ومضت نحو ساعةٍ وظهرت الجزيرة الصغيرة في وسط البحر، ثم اقترب الزورق منها ووقف … وقفز «تختخ» إلى صخرةٍ واضحةٍ في أول الجزيرة، وبجوارها حفَر حفرةً بسرعة، ثم وضع الصندوق وترك الفأس بجواره.

وعاد إلى الزورق … وعاد الزورق يشق طريقه مرةً أخرى إلى «فينسيا» … وأخذ «تختخ» يشرح للأصدقاء ما سيحدث فقال: عندما نصل إلى الشاطئ سأتصل بعصابة «ماريو» تليفونيًّا وأُخبرهم أن الصندوق في جزيرة «مورانو» … وأصِف لهم مكانه … ثم نذهب إلى قصر «كابيللو نيرو» حيث توجد «لوزة». سأدخل أنا إلى القصر أولًا وأتفاهم مع «ستافرو» ليُطلق سراح «لوزة»، وأقول له على مكان الصندوق … فإذا عُدت لكم ومعي «لوزة» … فسننصرف معًا … أمَّا إذا تغيَّبت أكثر من نصف ساعة فعليكم بالهجوم ومعكم الكلاب الثلاثة.

وبعد ساعة كان الزورق يقترب من «فينسيا» … مرةً أخرى، فقال «تختخ»: البرجو … بريستو.

ثم قال بالعربية: طلبتُ منه الذهاب إلى فندقٍ بسرعة.

ووقف الزورق أمام أحد الفنادق … وأسرع «تختخ» إلى التليفون حيث تحدَّث مع «ماريو» وشرح له مكان الصندوق.

وعاد «تختخ» إلى الزورق وقال للسائق: «كابيللو نيرو» … بريستو.

وأسرع القارب بهم يشق القنوات حتى وقف بجوار قصرٍ قديم مظلم … ووقف الأصدقاء الثلاثة ينظرون إليه في رهبة. كان قلعةً حصينةً من القرون الوسطى … ولا تظهر منه بارقةُ ضوءٍ واحدة.

قال «عاطف»: كيف تقتحم هذا القصر؟! إنه قلعة لا يمكن اقتحامها!

تختخ: لا تنسَ أن «لوزة» موجودة هنا.

ثم قفز «تختخ» إلى الرصيف وقال للصديقَين: بحسب اتفاقنا إذا لم أعُد بعد نصف ساعة فاهجموا، ولتقفوا بعيدًا حتى لا يراكم أحد.

وسار «تختخ» وهو لا يدري من سيُقابل … وكيف يصل إلى مكان «لوزة» … وهل هي موجودة حقًّا أو لا؟ وهل يراه أفراد العصابة الآن؟ وهل يُصدِّقه «ستافرو» أم لا يُصدِّقه؟

كان باب القصر كأكثر المباني في «فينسيا» يفتح على المياه مرتفعًا عنها ببضع درجات … فصعد «تختخ» درجات القصر متمهِّلًا وهو يُفكِّر، ثم دخل إلى الردهة الواسعة المظلمة … وأخذ يسير في الظلام مادًّا يدَيه أمامه حتى لا يصطدم بشيء … وعندما وصل إلى نهاية الردهة اصطدمت يداه بحائط، فسار بجواره وهو يتحسَّسه، حتى وجد بابًا مفتوحًا فدخل وهو مندهش … وفجأةً أُضيء نور قوي وسمع ضحكةً وصوتًا يقول: أنت!

عرف «تختخ» أن المتحدِّث هو «ستافرو»، وفتح عينَيه ببطء … وفي الضوء الباهر وجد «ستافرو» يجلس إلى مائدةٍ ضخمةٍ قديمة، وبجواره رجاله وقد بدا على وجوههم الشر والقسوة.

قال «ستافرو»: هل جئتَ بالصندوق معك؟

تختخ: هل «لوزة» هنا؟

ستافرو: إنني الذي يسأل ولستَ أنت … هل جئتَ بالصندوق معك؟

تختخ: لن أُجيب حتى تُجيب أنت.

ستافرو: إن «لوزة» هنا طبعًا.

تختخ: أطلِق سراحها فورًا!

ضحك «ستافرو» وأخذ يُترجم الحديث إلى الإيطالية لأعوانه … على حين أخذ «تختخ» يتلفَّت حوله في الصالة الواسعة التي دخلها … لم يكن هناك أثرٌ لصديقته الصغيرة، وكانت الأبواب الضخمة التي تفتح على الصالة مغلقة كلها بالترابيس الكبيرة ولا أثر ﻟ «لوزة».

عاد «ستافرو» إلى الحديث قائلًا: كيف وصلتَ إلى هنا؟

تختخ: أحد أفراد عصابة «ماريو» شاهدكم وأنتم تخطفون «لوزة»، وقال ﻟ «ماريو» … واستطعت أن ألتقط كلمة «كابيللو نيرو»، وعرفتُ أنها اسم هذا القصر.

ستافرو: وهل أعطيتَ الصندوق ﻟ «ماريو»؟

تختخ: لو كنتُ أعطيتُه الصندوق لما حضرتُ إلى هنا.

ستافرو: لقد حاول «ماريو» الهجوم علينا وأخذ «لوزة»، ولكننا استطعنا طرده هو ورجاله.

تختخ: متى حدث هذا؟

ستافرو: منذ نحو ساعتَين.

تختخ: لقد وعدتُ «ماريو» أن أُعطيه الصندوق إذا استطاع تخليص «لوزة» من يدك.

ضحك «ستافرو» في سخريةٍ وقال: وهل تظن أن «ماريو» يستطيع هزيمتي؟! إنه طفل بالنسبة لي!

تختخ: والآن هل تُطلق سراح «لوزة»؟

ستافرو: الصندوق أولًا!

تختخ: سوف أدلك على مكانه.

ستافرو: إذا خدعتني فسوف أنتقم منكم جميعًا، ولن أكتفي بالفتاة وحدها.

تختخ: إنني لا أخدعك، وستجد الصندوق حيث أُحدِّد مكانه، ولكن عليك أن تُطلق سراح «لوزة» أولًا.

ستافرو: لن أُطلق سراحها … ولا أنت ستُغادر هذا المكان حتى أحصل على الصندوق أولًا … وليس مكانه فقط.

أدرك «تختخ» أن «ستافرو» أدهى ممَّا يتصوَّر … وأخذ يُفكِّر سريعًا؛ فلو مضت نصف الساعة فسوف يُهاجم الأصدقاء القصر … ولن يستطيعوا التغلُّب على هؤلاء الرجال المسلَّحين … ومن الأفضل أن يُوافق؛ فسوف يُغادر «ستافرو» القصر … وقبل أن يكتشف حقيقة الصندوق يكون قد استطاع تخليص «لوزة» … وترك القصر الرهيب.

قال «تختخ»: سأقول لكَ على مكان الصندوق … ولكن يجب أن تتحرَّك سريعًا فإنني أخشى أن تكون عصابة «ماريو» قد تبعتني وأنا أُخفيه هناك … وقد تكون الآن في الطريق إليه.

قفز «ستافرو» من مكانه وصاح: أين الصندوق؟!

ردَّ «تختخ»: إنه في جزيرة «مورانو»، ستجد صخرةً كبيرةً قُرب مرسى القوارب، وستجد بجوارها الفأس التي استخدمتها في الحفر … وستجد الصندوق في حفرةٍ تحت الفأس.

أخذ «ستافرو» يُصدر تعليماته إلى رجاله بسرعة، فوقفوا جميعًا وقد شهروا مسدَّساتهم، وقال «ستافرو»: ستبقى هنا في حراسة رجلَين، وسأذهب إلى هناك، فإذا كانت هناك أية خدعة؛ فسأنتقم وسيكون انتقامي هائلًا ومروِّعًا!

أسرع «ستافرو» ومعه رجاله إلى الخارج … على حين وقف رجلان يحرسان «تختخ»، وأخذت أصوات أقدام رجال العصابة تدق بلاط القصر القديم … ثم تتلاشى تدريجيًّا، وكان ذهن «تختخ» يعمل بسرعة … ويرجو أن يكون «محب» و«عاطف» قد نفَّذا تعليماته، وابتعدا بالزورق عن القصر حتى لا يراهم «ستافرو» فتنقلب خطته رأسًا على عقب … وتُصبح كارثة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤