دموع «شيليا»

أخذ «تختخ» ينظر إلى الرجلَين وهو يستمع إلى أي صوت يدل على مكان «لوزة» في هذا القصر المتسع … وقرَّر أن يُجري تجرِبةً صغيرة، فتقدَّم سائرًا في اتجاه إحدى الغرف … وحدث ما توقعه، فقد أسرع أحد الرجلَين يقف أمام أحد الأبواب الضخمة كأنه يحمي شيئًا داخله، فأدرك «تختخ» أن «لوزة» خلف هذا الباب، وأحسَّ ببعض الاطمئنان.

مضت دقائق وأدرك «تختخ» أن مدة نصف الساعة التي اتفق عليها مع الأصدقاء ليهجموا بعدها قد أوشكت على الانتهاء … وأخذ يقترب من أحد الأعمدة ليختفي خلفه في الوقت المناسب … فقد كان أحد الرجلَين يُوجِّه إليه مسدَّسه.

مضت لحظات صامتة … ثم سمع «تختخ» أصواتًا تأتي من مدخل القصر … أصوات أقدام خفيفة … ولكنها ليست أقدامًا بشرية … وسمع الرجلان الأصواتَ أيضًا، وأخذ أحدهما ينظر إلى الآخر … ثم تقدَّم أحدهما وقد مدَّ يده بمسدَّسه إلى الأمام … وارتفع صوت الأقدام العجيبة … وكان «تختخ» يُدرك جيدًا أنها أقدام الكلاب الثلاثة المتوحِّشة … وزاد ارتفاع الأصوات … ثم فجأةً اندفعت الكلاب الثلاثة داخلةً كالعاصفة … وكالبرق قفز «تختخ» خلف العمود الذي اختاره … وفي نفس اللحظة أطلق عليه الرجل مسدَّسه فأصاب العمود … وقفز أحد الكلاب على الرجل قبل أن يتمكَّن من إطلاق مسدَّسه … وقفز الكلبان الآخران على الرجل الثاني … ثم شاهد «تختخ» الصديقَين «محب» و«عاطف» يدخلان، وقد أمسك كلٌّ منهما بقطعة من الخشب كسلاح للهجوم … ثم ظهر مدرِّب الكلاب … وقائد القارب … وكلٌّ منهما يُمسك قطعة خشب، ولكن الكلاب كانت قد قامت بواجبها خير قيام … فقد أسقطت الرجلَين على الأرض وأخذت تنهشهما في وحشية، وهما يصيحان في ارتياع!

خرج «تختخ» … من مخبئه خلف العمود، وأشار للمدرب وقائد الزورق أن يُمسكا بالمسدَّسين اللذين سقطا … فأسرع الرجلان يُنفِّذان تعليماته، ثم قال ﻟ «محب» و«عاطف»: خلف الباب الضخم «لوزة»!

وأسرع الأصدقاء الثلاثة يفتحون الترابيس الكبيرة، ثم دخلوا الغرفة وأضاءوا النور … كانت «لوزة» نائمةً على فراش صغير في ركن الغرفة الواسعة، وقد ربطها «ستافرو» … إلى الفراش، وكمَّم فمها.

أسرع الثلاثة إلى صديقتهم الصغيرة يفكون رباطها، فارتمت في أحضانهم باكيةً وهي تقول: «تختخ» و«عاطف» و«محب» … لقد كِدتُ أموت من الرعب!

قال «تختخ»: هيَّا سريعًا … إننا ما زالنا في خطر.

عادوا مرةً أخرى إلى الصالة الواسعة … كان عضوَا العصابة جالسَين على الأرض، وقد بدا على وجهَيهما الرعب الشديد، وكانت الكلاب تنبح بشدة وتُحاول معاودة الهجوم لولا مدرِّبها الذي كان يمنعها.

أشار «تختخ» لرجلَي العصابة ليدخلا إلى الغرفة، فقاما مسرعَين ودخلا، ولم يكن هناك مخرجٌ من الغرفة إلا بابها، فأغلقه «تختخ» عليهما، أمَّا نوافذها فكانت مشبكةً بالقضبان.

تلفَّت «تختخ» حوله حتى وجد جهاز تليفون … فأسرع يتصل بقصر البارونة التي ردَّت عليه فقال لها: أرجو أن تتصلي بالبوليس الآن … قولي لهم إن في إمكانهم القبض على بعض أفراد عصابة «كلب البحر» على جزيرة «مورانو». فلْيُسرع رجال البوليس إلى هناك …

صاحت البارونة: ماذا حدث ﻟ «لوزة»؟!

تختخ: لقد أطلقنا سراحها … إنها معنا الآن …

البارونة: دعها تتحدَّث معي!

تختخ: ليس الآن … أعطيني «نوسة».

قالت «نوسة» بصوت مرتجف: هل وجدتم «لوزة»؟

تختخ: نعم، إنها معنا … والآن عليكِ أن تُعدي حقائبنا كلها والحقي بنا على محطة السكة الحديد.

نوسة: هل نُسافر الآن؟

تختخ: نعم في أول قطار يغادر «فينسيا» … فنحن لا ندري ماذا يحدث؛ فقد تكتشف العصابات أننا ضحكنا عليهما فيُطاردوننا معًا … ومن الأفضل أن نُغادر «فينسيا» سريعًا!

قال «تختخ» لمدرِّب الكلاب وهو يشد على يده مشيرًا إلى الكلاب: «كوني … مولتوبيني»، ثم قال للأصدقاء: «كوني» يعني كلب … و«مولتوبيني» يعني عظيم.

قال «عاطف» مبتسمًا: أنت «مولتوبيني» جدًّا.

وضحك الأصدقاء لأول مرة في تلك الليلة … والتفت «تختخ» إلى قائد الزورق قائلًا: «ستاسيوني سنترال!»

وأوضح للأصدقاء المعنى قائلًا: معناها … محطة السكة الحديد الرئيسية.

وأسرع الجميع يُغادرون قصر «الكابيللو نيرو» الرهيب، وقفزوا إلى الزورق الذي انطلق بهم إلى محطة السكة الحديد.

ذهب «تختخ» إلى شباك التذاكر … وعرف أنَّ هناك قطارًا يُغادر «فينسيا» بعد نصف ساعة متجهًا إلى «ميلانو»، فقطع التذاكر … ووقف يتحدَّث إلى الأصدقاء في انتظار حضور البارونة و«نوسة» … وبعد لحظاتٍ وصلتَا … وأسرعت البارونة تحتضن «لوزة» … وهي تبكي وتبتسم في نفس الوقت … وصعد الجميع إلى القطار … وأصرَّت البارونة أن تصعد معهم لوداعهم، وقالت ﻟ «تختخ»: لقد أبلغتُ البوليس … وقد اهتمُّوا جدًّا بالحكاية كلها … خاصةً أن الصندوق الذي تبحث عنه العصابة عند البوليس.

صاح «تختخ» في دهشة: صندوق «كلب البحر»؟!

البارونة: نعم … لقد وجده قبطان السفينة ولم يستطِع قراءة العنوان؛ فقد سقطت عليه بعض المياه فأزالته. وفتح البوليس الصندوق ووجده ممتلئًا بالجواهر المسروقة من أماكن كثيرة … وكمية من المخدرات … وكان في انتظار حضور صاحب الصندوق للقبض عليه.

ابتسم «تختخ» ابتسامةً مرهقةً وهو يقول: كيف غاب عنَّا أن نسأل البوليس من أول يوم؟

عاطف: في هذه الحالة لم نكن نخوض هذه المغامرة الظريفة.

لوزة: مغامرة ظريفة لأنك لم تقَع في أيدي هذه العصابة المخيفة.

عاطف: حظي سيئ … أو ربما لأن العصابة تخافني فمن المؤكَّد أنني كنتُ سأهزمها وحدي.

وضحك الأصدقاء مرةً أخرى … ودقَّ جرس القطار، فقامت البارونة «شيليا» تُقبِّلهم جميعًا وتطلب منهم العودة لزيارتها مرةً أخرى.

ونزلت البارونة إلى الرصيف وأخرجت منديلها الأبيض تُلوِّح به مودِّعة … وتحرَّك القطار … ووقف الأصدقاء الخمسة في النافذة يُشيرون لها. وشيئًا فشيئًا غابت «شيليا» الطيبة عن أنظارهم … وغاب منديلها الأبيض في الظلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤