ذو الرمة وعصمة بن عبد الملك

قال عصمة بن عبد الملك: ركبت مع ذي الرمة وسرنا حتى أشرفنا على بيوت الحي وإذا ببيت مية ناحية فعزمت ذا الرمة فعرضن النساء إلى مية، وجئنا فدنونا وسلمنا ثم قعدنا نتحدث، فإذا هي جارية أملود، واردة الشعر، بيضاء يغمرها صفرة، وعليها ثوب أصفر وطاق أخضر، فقلن: أنشدنا يا ذا الرمة، فقال: أنشدهن يا عصمة، فأنشدتهنَّ:

نظرت إلى أظعان مي كأنها
ذرى النخل أو أثل تميل ذوائبه
فأعربت العينان والصدر كاتمٌ
بمغرورق نمت عليه سواكبه
بكى وامق حال الفراق ولم يحل
حوائلها أسرارها ومعائبه

فقالت ظريفة منهنَّ: لكن الآن فليحل، فنظرت إليَّ مية متكرهة، ثم مضيت في القصيدة حتى انتهيت إلى قوله:

إذا سرحت من حب مي سوارح
على القلب وافته جميعًا غرائبه

فقالت الظريفة: قتلته قاتلك الله، قالت مية: ما أصحبه وهنيئًا له. فتنفس ذو الرمة تنفسًا ظننت معه أن فؤاده قد انصدع، ومضيت فيها حتى انتهيت إلى قوله:

وقد حلفت بالله مية ما الذي
أقول لها إلا الذي أنا كاذبه
إذن فرماني الله من حيث لا أرى
ولا زال في أرضي عدوٌّ أحاربه

فالتفتت إليه، فقالت: خف عواقب الله، ومضيت في القصيدة حتى انتهيت إلى قوله:

إذا راجعتك القول مية أو بدا
لك الوجه منها أو نضا الثوب سالبه
فيا لك من خدٍّ أثيلٍ ومنطقٍ
رخيمٍ ومن خلقٍ تعلل جاذبه

فقالت الظريفة: أما هذه فقد راجعتك وقد بدا لك الوجه منها، فمن لك بأن ينصف الدرع سالبه؟ فالتفتت ميَّة إليها فقالت: قاتلك الله ما أنكر ما تجيبين به، ثم تحدثن ساعة، فقالت الظريفة للنساء: إن لهذين شأنًا. ثم سارت بنا، فلما وصلنا الأبيات دخلت بذي الرمة، فلبثت أنتظر فإذا به قادمًا ومعه قلائد لطيفة حلَّى بها نصل سيفه، فسألته عنها، فقال: هي منها والله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤