أبو عثيرة الخياط وأبو محمد الدمشقي

قال أبو محمد الدمشقي: مررت ذات ليلة أيام فتنة المستعين والقمر يزهر بأحياء الشام، فإذا أنا بشيخ جليل موشح في إزار أحمر، فقلت له: ما اسمك الكريم؟ قال: أبو عثيرة الخياط، شهدت حروب ابن زبيدة كلها وحاربت الفتيان في غاية كل ميدان، واعترف لي كل فاتك، وأذعن لي كل شاطر، ونزلت تلك الدار عشرين سنة وأومأ إلى سجن بغداد. ثم تنفس الصعداء وأنشد:

لي فؤادٌ مستهام
وجفون لا تنامُ
ودموع آخر الدهر
على عيني سجامُ
وحبيب كلما خاطبته
قال سلامُ
فإذا ما قلت زرني
قال لي ذاك حرامُ

ثم بكى، فلما أفاق قلت: ما يبكيك؟ قال: وكيف لا أبكي ولي حبيب بالبصرة علقته وهو ابن سبع عشرة سنة، ثم غبت عنه ثلاثًا وثلاثين سنة، فلما عيل صبري خرجت إلى البصرة فطفت شوارعها حتى رأيته، فما رأيت وجهًا أحسن منظرًا ولا أزهى منه، ثم أنشأ يقول:

مردد في كمده
معذب في سهده
خلا به السقم فما
أسرعه في جسده
يرحمه لما بدا
من ضره ذو حسده

ثم ودَّعني ومضى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤