مسعدة بن وائلة ورملة بنت أثيلة

صادف مسعدة بن وائلة الصادمي فتاة حسناء قادمة لتملأ جرة من الماء، فقالت له: هل لك أن تكفيني كلفة التعب؟ قال: وما تطلبين؟ قالت: ملء هذه الجرة، وأعطته إياها، فلما ملأها وهمت أن تتناولها منه شمرت عن زندين كالبللور حسنًا ونورًا، ثم تناولت القربة فانكشف البرقع عن وجهها كأنما تعير الشمس منه ضياء، فوقع في قلبه حب مكين لها، فشكا إلى صديق له وسأله عن اسم الجارية، فقال: هي رملة بنت أثيلة، وأعلمه بمكانها، فكان يمضي في كل يوم فيقف حتى يراها فيشكو إليها ما عنده من الحب حتى داخلها من العشق ما داخله، فعلم أهلها بذلك فحجبوها عنه، فخرج حزينًا خائفًا، فرأى حمامات على أراكة ينُحن، فهاجت بلابله وأنشد:

دعت فوق أغصان من الأيك موهنًا
مطوقة ورقاء في إثر آلف
فهاجت مفاعيل الهوى إذ ترنمت
وشبت ضرام الشوق بين المعاطف

ثم أظلم الظلام فسمع قائلًا يقول:

ولا شيء بعد اليوم إلا تعلة
من الطيف أو تلقى بها منزلًا قفرا

فهاج قلقه وسار، فإذا براعٍ يقول:

كفى بالليالي مخلقات لجدة
وبالموت قطَّاعًا حبال القرائنِ

فلما سمع هذا البيت خرَّ مغشيًّا عليه، فحملوه إلى بيته، فلما أفاق أنشد يقول:

يا راعي الضان قد ألقيت لي كمدًا
يبقى ويقلقني يا راعي الضانِ
نعيت نفسي إلى روحي فكيف إذا
أبقى ونفسي في أثناء أكفاني
لو كنت تعلم ما أسررت في كبدي
بكيت مما تراه اليوم أبكاني

فلم يزل يردده حتى مات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤