جميل بن معمر العذري وحبيبته بثينة

خرجت بثينة يومًا وكانت النساء إذ ذاك يتزينَّ ويجتمعن ويدنو بعضهن لبعض ويبدون للرجال في كل عيد، فجاء جميل فوقف على بثينة وأختها أم الحسين في نساء من بني الأحب فرأى منهن منظرًا لطيفًا فقعد معهن ثم انصرف وكان معه فتيان من بني الأحب، فعلم أن القوم قد عرفوا في نظره حب بثينة ووجدوا عليه، فراح وهو يقول:

عجل الفراق وليتهُ لم يعجل
وجرت بوادر دمعِك المتهللِ
طربًا وشاقك ما لقيت ولم تخف
بين الحبيب غداة برقة مجولِ
وعرفت أنك حين رحت ولم يكن
بعد اليقين وليس ذاك بمشكلِ
لن تستطيع إلى بثينة رجعةً
بعد التفرق دون عام مقبلِ

ثم قال فيها بيتين من قصيدة يصفها بها:

هي البدر حسنًا والنساء كواكب
وشتان ما بين الكواكب والبدرِ
لقد فُضِّلت بثنٌ على الناس مثل ما
على ألف شهر فُضِّلت ليلة القدرِ

فلما سمعت بثينة بهذه الأبيات حلفت بالله أن لا يأتيها على خلوة إلا خرجت إليه وأنها لن تتوارى منه، فكان يأتيها عند غفلات الرجال فيتحدث معها ومع أخوتها، فنمى إلى رجالها ذلك وكانوا قومًا غيارى فرصدوه وعزموا على قتله، فجاء على ناقته الصهباء إلى بثينة وأم الحسين فأخذا يحدثانه، فنظر إليهما وأنشد:

لقد ظن هذا القلب أن ليس لاقيًا
سليمى ولا أم الحسين لحين
فليت رجالًا فيك قد نذروا دمي
وهموا بقتلي يا بثين لقوني

فبينما هو على تلك الحال إذ وثب عليه القوم فأطلق عنان الناقة فخرجت من بينهم كالسهم ونجا من ظبا سيوفهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤