هارون الرشيد والبنت العربية

رُوي أن أمير المؤمنين هارون الرشيد مرَّ في بعض الأيام وبصحبته جعفر البرمكي، وإذا هو بعدة بنات يستقين الماء، فعرج عليهن يريد الشرب وإذا إحداهن التفتت إليهن وأنشدت تقول:

قولي لطيفك ينثني
عن مضجعي وقت المنام
كي أستريح وتنطفي
نارٌ تؤجج في العظام
دنف تقلبهُ الأكفُّ
على بساط من سقام
أما أنا فكما علمت
فهل لوصلك من دوام

فأعجب أمير المؤمنين ملاحتها وفصاحتها وقال لها: يا بنت الكرام، أهذا من مقولك أم من منقولك؟ قالت: من مقولي، قال: إذا كان كلامك صحيحًا فأمسكي المعنى وغيّري القافية، فأنشدت تقول:

قولي لطيفك ينثني
عن مضجعي وقت الوسن
كي أستريح وتنطفي
نار تؤجج في البدن
دنفٌ تقلبهُ الأكف
على بساط من شجن
أما أنا فكما علمت
فهل لوصلك من ثمن

فقال لها: والآخر مسروق، قالت: بل كلامي، فقال: إن كان كلامك أيضًا فأمسكي المعنى وغيّري القافية، فجعلت تقول:

قولي لطيفك ينثني
عن مضجعي وقت الرقاد
كي أستريح وتنطفي
نار تؤجج في الفؤاد
دنفٌ تقلبهُ الأكف
على بساط من سهاد
أما أنا فكما علمت
فهل لوصلك من سداد

فقال لها: والآخر مسروق، قالت: بل كلامي، فقال لها: إن كان كذلك فأمسكي المعنى وغيّري القافية، فقالت:

قولي لطيفك ينثني
عن مضجعي وقت الهجوع
كي أستريح وتنطفي
نار تؤَجج في الضلوع
دنفٌ تقلبهُ الأكف
على بساط من دموع
أما أنا فكما علمت
فهل لوصلك من رجوع

فقال لها أمير المؤمنين: من أي هذا الحي؟ قالت: من أوسطه بيتًا وأعلاه عمودًا، فعلم أمير المؤمنين أنها بنت كبير الحي. ثم قالت له: وأنت من أي رعاة الخيل؟ فقال: من أعلاها شجرة وأينعها ثمرة. فقبَّلت الأرض وقالت: أيدك الله يا أمير المؤمنين، ودعت له ثم انصرفت مع بنات العرب. فقال الخليفة لجعفر: لا بد من زواجها، فتوجه جعفر إلى أبيها وقال له: إن أمير المؤمنين يريد ابنتك، فقال: حبًّا وكرامة تهدى جارية إلى حضرة مولانا أمير المؤمنين، ثم جهزها وحملها إليهِ فكانت من أعز نسائه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤