سباق الموت!

قال رقم «صفر»: أنتم تعلمون أنَّ البرازيل دولة كبيرة المساحة، وهي تتميز بأنها دولة غابات … فهي تقع في تلك المنطقة المدارية المطيرة؛ حيث تسقط الأمطار طوال العام فتنمو الغابات المتشابكة الكثيفة؛ حيث تعتبر غابات البرازيل أكثف بقعة غابات استوائية في العالم ولا تزال أغلب مناطقها مجهولة … فحتى الآن لم تطأ قدم بشرية هذه المناطق؛ لصعوبة جوها وأرضها ولنباتاتها الكثيفة والمخاطر العديدة التي تعترض من يحاول اختراق هذه الغابات سواء من حيواناتها أو حشراتها أو مخاطرة التيه وسط تلك الغابات اللانهائية التي تحُول كثافة بعضها دون شعاع الشمس حتى لا يصل إلى أرضها أبدًا … لكثافة أشجارها ومزروعاتها التي تُكوِّن ما يشبه السقف الذي يُغطي هذه الغابات … وبسبب تلك الطبيعة القاسية الصعبة للغابات البرازيلية فقد فشلت أغلب المجهودات التي بُذلَت لشق بعض الطرق داخل هذه الغابات لارتيادها والاستفادة من مزروعاتها ونباتاتها وأخشابها … وظلت هذه الغابات حتى وقتنا الحالي عالمًا مجهولًا شديد الغموض والخطورة لا يعيش فيه سوى سكان هذه الغابات البدائيين الذين لا يدرون شيئًا عما يدور في العالم خارج غاباتهم. فهم يعيشون على الصيد بالرماح والحراب، وحياتهم كلها كفاح ضد الطبيعة القاسية حولهم …

تساءل «أحمد»: هل سيقام سباق يخترق هذه الغابات؟

رد رقم «صفر»: ليس بالضبط … إن أحدًا لا يجرؤ على اختراق هذه الغابات … إن هناك سباقًا … بالفِعل يُعتبر من أحدث السباقات العالمية فهو يقام للمرة الأولى هذا العام … وهذا السباق سيَنطلِق من العاصمة البرازيلية «برازيليا»، ثم يخترق أمريكا الجنوبية بالعرض ليسير موازيًا للغابات البرازيلية وأحراشها ولا يجتاز هذه الأحراش إلا في بقعة لا تتجاوز مائة كيلومتر قبل أن يجتاز الحدود إلى «بيرو» حيث الطبيعة الجبلية، وينتهي السباق في «ليما» عاصمة «بيرو» بمسافة تصل إلى عشرة آلاف كيلومتر من الطرق الوعرة على حافة الغابات وحدود الأنهار والأرض الطينية والرطبة ومختلف أنواع الحشرات والحيوانات. إنه سباق الموت بحقٍّ كما أُطلِق عليه … إن هذا السباق تنظمه إحدى شركات شق الغابات في «البرازيل» بهدف لفت أنظار العالم إلى الثروات الطبيعية في غابات «البرازيل» من أجل المساهمة في اختراق هذه الغابات وإخضاعها للإنسان.

وصمت رقم «صفر» لحظة، وسمع الشياطين صوت أوراق يُقلبها أمامه، وجاء صوته يقول: إن أحدث المعلومات المتوافرة تقول بأن هذا السباق نظرًا لخطورته الشديدة لن يشترك فيه أكثر من مائة متسابق أغلبهم من أبطال العالم في سباقات السيارات … وإن كان هذا السباق يتطلب ما هو أكثر من ذلك … إن من شروط هذا السباق ألا يشترك مُتسابق وحده في سيارته، بل يشترك معه مساعد، وأن تكون هناك سيارة معاونة لسيارة السباق لتحمل الإطارات الاحتياطية والوقود وكافة مستلزمات الإصلاح للسيارة التي تَتبعها حتى يمكنها المعاونة والتدخل في أسرع وقت. كما أنه من غير المسموح استعانة المتسابقين بأجهزة اتصال لا سلكية. فسوف يتم تزويد المتسابقين بخرائط تدلهم على طريق السباق، بالإضافة إلى وجود علامات إرشادية طوال الطريق.

إلهام: وكم تبلغ مراحل هذا السباق؟

وجاء رد رقم «صفر» مفاجئًا: إن السباق كله مرحلة واحدة.

تصاعدت آهات الدهشة من الشياطين، كانوا يعلمون أن أي سباق عالَمي من سباقات المسافات الطويلة تَزيد مراحله على عشرة مراحل، وأحيانًا تصل إلى الثلاثين، والتي يستغلها المتسابقون في إراحة سياراتهم والكشف عليها بالإضافة إلى حُصولهم على قسط من الراحة.

قال «أحمد»: ولكن هذا جنون … كيف يستمرُّ السباق لأيام عديدة بلا راحة للمتسابقين.

جاء رد رقم «صفر» هادئًا: لقد أراد مُنظِّمو السباق أن يكون في مثل عنف وخطورة وقسوة الغابات البرازيلية … إنه سباق الموت كما أخبرتكم.

سادت لحظات صمت قصيرة والشياطين يفكرون فيما قاله رقم «صفر» … وقطع رقم «صفر» خواطرهم قائلًا: سوف تشترك مجموعة من الشياطين في هذا السباق، ولقد تمَّ إدراج أسمائها ضمن المشتركين في السباق الذي سيَبدأ في الغد … وسوف تكون مهمَّة هذه المجموعة هي حماية أحد المتسابقين من الاغتيال.

تلاقت أبصار الشياطين، لقد وضحت مهمتهم أخيرًا … ولعل هذا ما قصده رقم «صفر» بأنهم سوف يشتركون في السباق ولن يشتركوا في نفس الوقت … إن مهمَّتهم لن تكون الفوز بالسباق والحصول على جائزته، بل حماية أحد المتسابقين، وهذا يعني أنهم غير مُشتركين في السباق، برغم اشتراكهم الفعلي.

قال رقم «صفر»: إن هناك ابن أحد الشخصيات العريقة الهامة في عالَمنا العربي … إنه شابٌّ في مثل سنِّكم تقريبًا، ولنُطلِق عليه اسم «سالم» … وهذا الشاب يَهوى مثل هذه السباقات الخطرة، فهو شاب مقدام جريء تلقَّى علومه في أفضل الجامعات الأوروبية، وقد ضايقه ألا يشترك أي عربي في سباق الموت، فصمم على الاشتراك في هذا السباق الخطر برغم المعلومات التي وصلتنا، والتي تفيد أنه سيتعرض للاغتيال في هذا السباق … إننا لا ندري مَن الذي سيُحاول اغتياله، ولا ما هي الوسيلة، ولكن سيكون ذلك سهلًا بلا شك خلال مرحلة السباق الطويلة … هذا إن لم تواجهه الأخطار الحقيقية خلال السباق الرهيب … ولكن من المؤكد أن تعرُّض «سالم» للاغتيال يرجع إلى مواقف والده المسئول العربي الكبير في وجه الاستعمار الذي غادر المنطقة العربية للأبد، وعندما حاول العودة من خلال احتكارات اقتصادية وقف هذا المسئول العربي في وجه هذه الاحتكارات التي تُريد لعالَمنا العربي العودة إلى عصر الاستعمار والسيطرة الأجنبية على مقدراته وخيراته … ومن هنا فإن محاولة اغتيال «سالم» المقبلة ليست إلا محاولة لتحطيم والده وعقابه على موقفه المتشدِّد، وحتى تكون رسالة للآخرين كي لا يأخذوا نفس الموقف. ومن أجل هذا يجب حماية «سالم» طوال فترة السباق الذي سيَستغرِق عشرة أيام وإنهائه سالمًا.

قالت «إلهام»: ولكن الخطر قد يأتي من خارج السباق … إن تلك المنطقة التي سيتم فيها السباق منطقة خطرة مليئة بالحشرات المميتة والحيوانات المتوحِّشة.

رقم «صفر»: لقد حاول البعض إقناع «سالم» بذلك ولكنه رفض، وقال إنه ليس أقلَّ شجاعة من المشتركين في هذا السباق … كما أنه يريد رفع اسم بلاده واسم العرب عاليًا باشتراكه في هذا السباق، وربما يكون الحظ حليفه فيفوز به.

قال «خالد» برنَّة إعجاب: إنه فتى شجاع حقًّا … كان أولى به أن يكون واحدًا من الشياطين.

على الفور خفت الإضاءة في القاعة، وظهر فوق الشاشة الكبيرة صورة ملأتها لشاب لم يتعد الثانية والعشرين من عمره ذي ملامح عربية قوية بشَعر قصير، وعينين سوداوين واسعتين، وفكٍّ قوي يدل على العزم والصلابة، وأنف صلب، وجبهة عريضة … وكان بالعينَين بريق لا ينبعث إلا من روح وثَّابة جريئة.

وجاء صوت رقم «صفر»: هذا هو «سالم».

وتلاشَت ملامح الصورة تدريجيًّا وعادت إضاءة القاعة كما كانت، وقال رقم «صفر»: سوف تُسافر المجموعة المكونة من «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» و«زبيدة» و«قيس» إلى العاصمة البرازيلية خلال ساعتَين، وهناك خمسة مقاعد محجوزة لهم على أول طائرة إلى «البرازيل» … أما الباقون فإن هناك مهمَّة أخرى تنتظرهم … هل هناك أية أسئلة؟

أحمد: ما هو طراز السيارة التي سنَدخل بها السباق؟ وأين هي؟

أجاب رقم «صفر» وهو يَنهض من مكانه: سوف تجدون إجابة عن كل هذه الأسئلة في «برازيليا» … إن كل شيء مُعَدٌّ هناك منذ وقت وسوف يسهل لكم كافة الأمور هناك أحد أعضاء المنظمة … وستجدون جوازات سفركم وبها تأشيرات دخول «البرازيل» في الغرفة الرئيسية …

واختفى رقم «صفر» … وعلى الفور تحرَّكت مجموعة الشياطين المكلَّفة بالمهمة خارج الكهف، فلم يكن هناك أي وقت لإضاعته فأسرعوا للحصول على جوازات سفرهم. وبالخارج كانت هناك إحدى سيارات الشياطين السريعة التي اتجهت بهم إلى أقرب مطار … وفي الوقت المناسب كانوا يأخذون أماكنهم في قلب الطائرة الضخمة التي علتْ بهم وسط حشد من الركاب من مختلف الجنسيات، وقد غرق الشياطين الخمسة في مهمَّتهم القادمة … التي كانت تحيط بها الأخطار من كل جانب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤