المأزق!

اندفع «أحمد» نحو سيارة الفريق العربي، وقفَزَ مِن السيارة ومعه «عثمان» واندفعا نحو السيارة وقد أصابهما قلقٌ عظيم خشية إصابة «سالم» أو رفيقه … ولكن الاثنين خرَجا من سيارتهما سالمين تعلو وجهَيهما دهشة عظيمة.

تقدم «أحمد» و«عثمان» من الشابَّين العربيين، وقال «أحمد»: هل أصابكما شيء؟

سالم: لا … الحمد لله … يبدو أن هذه السيارة كانت مَلغومة … إنَّ قوة انفجارها يقطع بذلك.

تبادَلَ «عثمان» و«أحمد» نظرةً خَفية، وقال «عثمان»: وما الداعي لوجود سيارة ملغومة، ولماذا حاولت مُهاجمة سيارتكما؟!

لم يرد «سالم» وارتسمَت علامات التفكير العميق فوق وجهه … كان من الواضح أنه لا يريد الاعتراف لأحد بأن هناك محاولة اغتيال ضده … كما كان من الواضح أيضًا أنه لم ينتبه إلى الصاروخ الذي انطلق من سيارة الشياطين وفجَّر السيارة المهاجمة في اللحظة المناسبة.

راقب «عثمان» السيارة المتفجِّرة التي تحوَّلت إلى شظايا محترقة وقال: يبدو أن شيئًا ما قد أصاب السيارة فانفجرَت قبل اصطدامها بسيارتكما …!

وقال «أحمد» ﻟ «سالم»: هل تحتاج ورفيقك لأي مساعدة؟

ربَّت «سالم» على كتفِ «أحمد» شاكرًا وهو يقول: سوف نكون مَدينين لكما إن عاونتمانا في إخراج السيارة من الشق الصخري.

وتقدَّم الأربعة نحو السيارة، وتعاونوا في رفعها حتى استطاعوا تخليص عجلاتها من الشق. ولوَّح «سالم» ورفيقه «ممدوح» ﻟ «أحمد» و«عثمان» قبل أن يَنطلقا بسيارتهما … ومن الخلف انطلق «أحمد» و«عثمان» بسيارتهما على مسافة قريبة.

قال «أحمد» ﻟ «عثمان»: لقد كان استنتاجنا في محلِّه … لو تأخَّرْنا أقل من ثانية لكانت النتيجة مُؤسِفة.

عثمان: حمدًا لله … إن هذا يُؤكِّد أن أعداءنا قد أعدُّوا عدَّتهم للتخلُّص من «سالم» مبكرًا … وقبل الوصول إلى الغابات والأحراش وهذا يتطلَّب منَّا أن نكون في قمة يقظتنا منذ هذه اللحظة.

هزَّ «أحمد» رأسه موافقًا … ولم يَحدُث ما يُعكِّر السير خلال الساعات القليلة التالية … وأوشكت الشمس على المَغيب فألقى «أحمد» نظرة إلى مؤشِّر البنزين وقال: لم يتبقَّ من البنزين إلا ما يكفي خمسين كيلومترًا.

عثمان: سأُرسل رسالةً إلى بقية الشياطين أُخبرُهم بموقعنا ليلحقوا بنا ويُزوِّدونا بالبنزين.

أحمد: لا بدَّ أنهم شاهدوا السيارة المُنفجِرة وخمنوا ما حدث.

أرسل «عثمان» رسالة لا سِلكية إلى بقية الشياطين وحدَّد فيها موقع سيارتهما بالتقريب … وما لبثت سيارة «سالم» و«ممدوح» أن توقَّفَت على جانب الطريق في بقعة نبتت بها بعض الأشجار غير الكثيفة … وتجاوزت سيارة الشياطين سيارة الفريق العربي بأكثر من خمسمائة متر ثمَّ توقَّفت في بُقعة مشابهة …

وكان الليل قد حلَّ وساد الظلام المكان فغادر «أحمد» و«عثمان» السيارة، وأمسك «عثمان» بنظارة مُعظِّمة تَرى في الظلام بالأشعة تحت الحمراء فشاهد «سالم» وهو يَكشِف غطاء سيارته ويقوم بتبريدها.

قال «أحمد» وهو يَنظُر في ساعته: لن تصل سيارة الشياطين قبل ساعة، وكذلك السيارة الأخرى المعاونة للفريق العربي … سوف أكون قريبًا من «سالم» ورفيقه لحمايتهما عند حدوث أي خطر.

هزَّ «عثمان» رأسه موافقًا، وناول «أحمد» مسدسًا سريع الطلقات به كاتم للصوت وهو يقول: سأظل أرقبكم بالنظارة المقربة، وسأتدخَّل عند الحاجة لأي معاونة.

انطلق «أحمد» بمسدسه مخترقًا الأشجار المظلمة التي بدتْ كالأشباح في الطريق … واقترب من «سالم» و«ممدوح» دون أن يلاحظاه، وتوقف على مسافة خمسين مترًا منهما خلف إحدى الأشجار العريضة وسمع «سالم» يقول: ستصل سيارتنا المعاوِنة خلال خمسين دقيقة.

ممدوح: ما رأيك في التخييم هنا بعد فحص السيارة وتزويدها بالوقود؟

اعترض «سالم» قائلًا: لا … إن هذا سيُضيِّع علينا وقتًا طويلًا … سوف نَنطلِق بسيارتنا مرة أخرى هذا المساء.

تطلَّع «ممدوح» حوله قائلًا: ولكن الطريق بدأ ينحدر ويصبح أكثر وعورة … من الخطر السير في هذا الطريق ليلًا بلا إضاءة كافية.

قال «سالم» بصوت يَمتلئ ثقة: وما فائدة اشتراكنا في السباق إذا لم يكن لمواجهة الأخطار؟

وساد الصمت بعد عبارة «سالم» … وكمش «أحمد» في مكانه مترقبًا … ومرت الدقائق بطيئة متمهلة …

وفجأة أحس «أحمد» بالخطر … كان إحساسًا داخليًّا كأنما دقت بداخله ساعة مُنبهة تعمل إذا ما اقترب الخطر … وكان «أحمد» لكثرة ما جابهَ من أخطار يعرف أن حاسته السادسة صحيحة تمامًا، وأنها لطالما أنقذته من المخاطر …

تلفَّت «أحمد» حوله وقد تيقظت كل حواسه … ولكنه لم يشاهد في الظلام ما يريبه ولمحت عينا «أحمد» الحادتان شيئًا يتحرَّك خلف إحدى الأشجار البعيدة … وحدق «أحمد» في الظلام وخُيِّل إليه أنه لمح ما يُشبه ماسورة بندقية تبرز من خلف الشجرة البعيدة، وعلى الفور أخرج «أحمد» مسدَّسه وصوبه نحو البندقية البعيدة، وما إن أطلَّ صاحب البندقية برأسه وكتفه وهو يصوب بندقيته نحو صدر «سالم» حتى أطلق «أحمد» مسدسه، وعلى الفور سمع آهة ألم مكتومة تصدر من خلف الشجرة البعيدة … وانطلق «أحمد» نحو الشجرة فوصلها خلال ثوانٍ قليلة ولكنه لم يجد أحدًا هناك بل وجد آثار دماء ساخنة …

ووصل «عثمان» لاهثًا إلى مكان «أحمد» وهو يتساءل: هل أمسكت به؟ … لقد لمحته بنظارتي ولكنك أصبتَه في الوقت المناسب …

أحمد: إنه في مكان ما قريب من هنا … علينا أن نعثر عليه؟

وفجأة دار محرِّك سيارة قريب، وانطلقت سيارة كانت مختفية في الظلام وانطلقت مبتعدة عنهما … وعلى الفور صوب «أحمد» مسدَّسه نحو السيارة وأخذ يطلق عدة رصاصات متتالية، ولكن أيًّا منها لم تصب السيارة بسبب الظلام.

عثمان: دعنا نَعُد إلى سيارتنا … أعتقد أنهما سيكتفون بما نالهم هذه الليلة على أيدينا.

وعاد «عثمان» و«أحمد» إلى سيارتهما … وفي الناحية الأخرى كان «سالم» و«ممدوح» يتسامران ويضحكان بدون أن يَدريا بالخطر الذي كان محدقًا بهما منذ وقت قليل.

ووصلت سيارة الشياطين ومن خلفهما سيارة الفريق العربي المعاونة … وشرعت سيارة الشياطين في التزوُّد بالوقود، وراح «قيس» يفحص موتور السيارة وتوصيلاتها في الوقت الذي راح «أحمد» و«عثمان» يقصان على زملائهم ما صادفاه من هجوم.

إلهام: لقد لمحْنا السيارة المنفجرة.

زبيدة: وعلينا ألا نجعل «سالم» ورفيقه يغيبان عن بصرنا.

ومن الخلف بدأت سيارة «سالم» تدور مرة أخرى وخلفها السيارة المعاونة … وتحركت السيارتان لتتجاوزا سيارة الشياطين.

وعلى الفور استقلَّ «أحمد» و«عثمان» سيارتهما وانطلقا بها، ومن الخلف انطلقت سيارة «قيس» و«زبيدة» و«إلهام» في تتابع محموم …

كان الطريق قد بدأ يصير منحدرًا صعبًا تتخلَّله الصخور الحادة في بعض جوانبه على حين ظهرت التلال البعيدة في الظلام كأشباح هائلة تطبق على المكان وتضفي عليه جوًّا من الرهبة والغموض، واستمرت سيارة «سالم» في طريقها تفرش الأرض الصخرية الوعرة بأنوارها الكاشفة العالية مما سهل للشياطين متابعتها من مسافة قريبة.

وبدأت السيارات الأربع تصعد طريقًا جبليًّا عاليًا يلتفُّ كالثعبان حول جسم الجبل صاعدًا إلى التلال الأخرى القريبة … وكانت سيارة «سالم» تَنطلِق بسرعة كبيرة مخيفة فهتفت «زبيدة» في غضب: إن هذا الشاب متهوِّر تمامًا! ما العمل الآن إذا انحرفت سيارته أو اصطدمت بالصخور وسقطت من فوق الطريق إلى الهوة الفسيحة؟

إلهام: لا تَشغلي بالك بذلك … إن هذا الشاب يبدو أشبه بالشياطين في جرأتهم وشجاعتهم … ولا أظن أنك ستخشين على أي من الشياطين القيادة في مثل هذا الطريق، لقد صادفنا ما هو أكثر خطورة منه آلاف المرات في سويسرا والهند وغيرهما.

ظلت «زبيدة» صامتة، وبالفعل فقد أظهر «سالم» مهارة بالغة في قيادة سيارته في المنحدرات المخيفة حتى إن «أحمد» قال بإعجاب: إنَّ هذا الفتى سائق بارع وجريء!

وما لبث الطريق الصخري أن انتهى إلى ربوة تلٍّ عالية تشرف على الوادي البعيد من أسفل وقد ظهرت بعض النجوم الشاحبة ألقت ظلًّا من الضوء في الليلة المعتمة بلا قمر …

كانت قد مضت ساعات من السير في الليل، وأوشك الوقود على النفاد مرة أخرى، فقال «عثمان» ﻟ «أحمد»: أعتقد أن «سالم» سيخلد إلى الراحة خلال دقائق قليلة.

وبالفعل فقبل أن تمضيَ خمس دقائق توقفت سيارة الفريق العربي في منطقة مكشوفة، وبدأ أفرادها في إقامة خيمة واسعة بجوارها.

وأوقف «أحمد» سيارته قريبًا منهما وأشار لسيارة الشياطين الأخرى فتوقفَت خلفه تمامًا، وقفز «قيس» و«زبيدة» و«إلهام» من السيارة؛ فقال «أحمد»: سوف نُخيِّم هنا أيضًا … لقد اختار «سالم» منطقة جيدة للتخييم فهي مكشوفة من كل الجهات وسيسهل رد أي اعتداء أو هجوم يأتي من أي جانب.

وشرعت «زبيدة» و«إلهام» في إقامة خيمة، وبعد دقائق انتهوا منها وجلسوا لتناول العشاء وعيونهم لا تَغفل عن الفريق العربي الذي جلس أفراده لتناول العشاء أيضًا … وانتهى الشياطين من تناول عشائهم؛ فقال «قيس»: سوف نُقسم أفرادنا إلى فريقَين للحراسة إلى الصباح.

عثمان: سأسهَر أنا و«أحمد» أولًا … وسوف نوقظكم بعد ثلاث ساعات لتسلم نوبتكم في الحراسة.

دلفت «إلهام» و«زبيدة» إلى داخل الخيمة للنوم، على حين فضل «قيس» النوم في مقعد السيارة الدافئ الكبير، وجلس «أحمد» و«عثمان» فوق صخرة كبيرة بجوارهما وقد تسلح كلٌّ منهما بمسدس كاتم للصوت أخفاه في سُترته … أما «سالم» ورفاقه فقد ناموا جميعًا داخل الخيمة التي أقاموها دون أن يبدو عليهم ما يُقلقهم.

وكانت الطبيعة حول الشيطانين «أحمد» و«عثمان» جميلة تُغري بالاسترخاء والنوم اللذيذ، وما لبث «عثمان» أن تثاءب وهو يقول: يا له من جو ساكن هادئ يُغري بالنوم!

قال «أحمد» باسمًا: يُمكنك النوم بجواري … وإذا حدث أي شيء فإنني …

قاطعه «عثمان» ضاحكًا: إنني لستُ بحاجة إلى من يوقظني عندما تشتعل المعارك.

وتمدَّد فوق الأرض الصخرية وهو يراقب السماء المرصعة بالنجوم … وتثاءب مرة أخرى، وما كاد يغمض عينيه حتى قفز من مكانه بشدة على صوت الانفجار الذي دوَّى حوله ورج المكان رجًّا … ومن فوق بدتْ طائرة صغيرة مُهاجمة وهي تنقضُّ نحو التل المكشوف لتطلق صاروخها الثاني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤