الخطر … من فوق!

على الفور أدرك «عثمان» ما يجري حولهم … طائرة مُقاتلة تهاجمهم بالصواريخ أو القنابل ولم يكن الأمر بحاجة إلى تبادل أيِّ مشاورات مع بقية رفاقه …

في نفس اللحظة ارتمى «أحمد» و«عثمان» بعيدًا عن مكانيهما في الوقت الذي انهال عليهم من الطائرة سيل من الرصاص وأمسك «أحمد» مسدَّسه وصوبه نحو الطائرة البعيدة وأطلقه ولكن الرصاصات كلها طاشت … وقفزت «إلهام» و«زبيدة» خارج الخيمة بسبب صوت الانفجار، وعلى الفور اندفعتا نحو شاحنتهما، وكان «قيس» قد سبقهما إلى الاستيقاظ، وفي سرعة محمومة أخرج الثلاثة الصواريخ المحمولة على الكتف وصوَّبوها نحو الطائرة المهاجمة التي اقتربت كثيرًا …

واندفع «سالم» وزملاؤه، وقد أدهشتْهم المفاجأة فصرخ «أحمد» فيهم: احتموا خلف الصخور.

وعلى الفور ألقى الأربعة بأنفسهم خلف أقرب صخرة، في نفس اللحظة التي أطلقت الطائرة فيها قنبلتين انفجرتا بصوت مُدوٍّ …

وصوَّبت «زبيدة» سلاحها بدقة وأطلقتْه، وانطلق الصاروخ يشق الفضاء نحو الطائرة، ولكن قائد الطائرة كان ماهرًا فتحاشاه بسرعة، واستدار ليُطلق سيلًا من الرصاص نحو «زبيدة» التي تدحرجت فوق الأرض لتحتمي بإحدى الصخور.

وأدركت «إلهام» أنهم لن يستطيعوا إصابة الطائرة وهي على ذلك الارتفاع، وعلى الفور نهضت كاشفة نفسها للطائرة في السهل الفسيح، وصاح «قيس» في «إلهام» بدهشة: ماذا تفعلين يا «إلهام»؟! إنك تعرضين نفسك لرصاصهم وقنابلهم …

ولكن «إلهام» لم تلتفت إلى «قيس»، وكما توقعت؛ فقد اقتربت الطائرة بشدة من سفح التل، وقبل أن تطلق رصاصها وقنابلها، وفي وقت واحد انطلقت رصاصات «أحمد» و«عثمان» نحوها، وفي نفس اللحظة استعدَّت «إلهام» وصوبت صاروخًا وهي تدرك أنه أملها الوحيد في النجاة، وأنها لو فشلت فسوف تكون نهايتها بقنابل الطائرة ورصاصها.

وانطلق الصاروخ من مدفع «إلهام» يشق الهواء، وفي نفس اللحظة ألقت بنفسها على الأرض بعيدًا لتتحاشى القنبلة التي سقطت مكانها … ودوَّى الانفجاران في وقت واحد … انفجرت القنبلة التي أسقطتها الطائرة على الأرض بدون أن تُصيب أحدًا … وانفجرت الطائرة المهاجمة عندما اصطدم الصاروخ بها وانحدَرَت مُحترقة أسفل التل نحو الوادي البعيد … نهض الشياطين باسِمِين وهم يرفعون أيديهم بعلامة النصر … لم تكن هناك خسائر من جانبهم … وقال «عثمان» وهو ينفضُ التراب عن ملابسه: إنهم يصرُّون على مهاجمتنا في الأوقات غير المناسبة.

قال «أحمد» مفكرًا: لا بد أنه يكمن خلف هؤلاء المهاجمين قوة سياسية كبيرة جدًّا حتى تمتلك مثل هذه الطائرة المهاجمة …

إلهام: تُرى بماذا سيُهاجموننا المرة القادمة؟

وانتبهوا جميعًا على الصوت الغاضب الذي جاء من خلفهم وهو يقول: من أنتم؟ وماذا تفعلون هنا؟

التفت الشياطين بدهشة … كان المتحدث هو «سالم» وقد وقف يعلو وجهه الغضب الشديد وحوله رفاقه تبدو في عيونهم دهشة عظيمة لما حدث. قال «أحمد» بهدوء: إننا مُتسابقون مثلكم تمامًا.

هتف «سالم» محتجًّا: وهل يحمل المتسابقون صواريخ ومسدسات؟!

سادت لحظة صمت متوتِّرة، وتبادل الشياطين خلالها النظرات في هدوء، لم يكن هناك بدٌّ من الاعتراف بحقيقة مهمَّتهم برغم تعليمات رقم «صفر» …

وفي هدوء قال «أحمد»: في الحقيقة نحن مجموعة من الزملاء تتبع إحدى المنظمات العربية ومهمتها حمايتك في هذا السباق.

زادت حدة الغضب في عيني «سالم» وقال: إنني لستُ طفلًا حتى أحتاج إلى حماية من أحد … لقد أخبرت الجميع بأنني لا أحتاج هذه الحماية …

عثمان: لا داعيَ لهذا الغضب أيها الصديق العربي … إنك على أيِّ حال لا يمكنك أن تنكر أننا استطعنا إنقاذك ورفاقك ثلاث مرات من الموت حتى الآن!

قال «سالم» بدهشة: إذن فأنتم الذين فجَّرتم السيارة الملغومة!

أحمد: نعم … وفجَّرنا هذه الطائرة التي هاجمتكم منذ قليل.

عثمان: بالإضافة إلى تدخلنا أثناء استراحتكم على الطريق وأنقذناك من محاولة للاغتيال بالرصاص وأنت لا تدري شيئًا عما يدور حولك.

اتسعت الدهشة في عيني «سالم»، وتلفَّتَ حوله في توتر، وقالت «إلهام» برفق: ها أنت ترى أن الأخطار تُحيط بك فعلًا كما توقع من أرادوا حمايتك.

أحمد: وسيكون أفضل لنا ولك لو سمحت لنا باصطحابك خلال فترة السباق لحمايتك من أيِّ خطر يهددك وحتى يمكننا التصرف بسرعة …

قال «ممدوح» رفيق «سالم» محتجًّا: إننا لسنا بحاجة إلى حماية أحد …

وأبرز مسدسًا من سترته وهو يقول: إذا ما حاول أحد مهاجمتنا مرة أخرى فسوف نتصدى له بأنفسنا … إننا لم نعتدْ على طلب المعونة من أحد …

سالم: نعم … إننا لا نريد من أحد أن يقول إننا فُزنا بالسباق بمساعدة أي مخلوق … أما تلك المحاوَلات الغبية لاغتيالي فأنا لا ألتَفِت إليها … وسأعرف كيف أواجه هؤلاء المجرمين إذا ما حاولوا الهجوم مرةً أخرى …

وأشار إلى رفاقه قائلًا: هيا حُلُّوا الخيمة … سوف نغادر هذا المكان ونواصل سباقنا …

وعلى الفور شرع رفاقه في حل الخيمة التي أصابتها بعض الشظايا، وقالت «إلهام» وهي تراقبهم في صمت: إن «سالم» يصرُّ على زيادة مهمتنا تعقيدًا … ما العمل الآن؟!

قال «عثمان» بحدة: لقد جئنا لحمايته ولن نتخلَّى عن مهمَّتنا مهما حدث.

زبيدة: وهل سنَحميه رغمًا عنه؟! إنني لا أشك في أنه سيتعمَّد تضليلنا حتى يهرب من حمايتنا له.

لمعت عينا «أحمد» وهو يقول: في هذه الحالة لن يكون أمامنا سوى تصرُّف وحيد … إننا لن نتبع سيارة «سالم» من قرب بل سنتبعها على مسافة بعيدة.

قالت «زبيدة» محتجة: ولكن ماذا يحدث إذا تعرضت سيارة «سالم» للهجوم مرة أخرى؟

رد «أحمد» بغموض: في هذه الحالة سأكون أنا معهم لحمايتهم!

تطلع بقية الشياطين الأربعة في دهشة إلى «أحمد»، وقبل أن يحتج أحدهم قال: ليس أمامنا غير هذه الوسيلة … سوف أختبئ في سيارتهم الثانية بصندوقها حتى يُمكنني التدخل في الوقت المناسب، وسوف أحمل بعض القنابل ومدفعًا رشاشًا للدفاع عن أفراد الفريق العربي … وإذا ما احتجتُ لأي مساعدة فسوف أطلبها منكم باللاسلكي وأُحدِّد موقعنا …

ولم يكن أمام الشياطين غير الموافَقة، وسرعان ما تسلح «أحمد» بعدد من القنابل اليدوية ومدفع رشاش ممتلئ بالذخيرة وجهاز اللاسلكي الصغير الوحيد الذي يملكه الشياطين …

وكان أعضاء الفريق العربي قد انتهوا من جمع أشيائهم ووضعوها في السيارة الكبيرة … وتأهَّبت سيارتا الفريق للحركة … ثم دارت محركات السيارتين وانطلقتا من مكانهما بالاتجاه الهابط للتل … وفي خفة وسرعة اندفع «أحمد» خلف السيارة الثانية الكبيرة وتعلَّق بها من الخلف، وبحركة بارعة ألقى بنفسه فوق سطحها قبل أن تختفي السيارة في الظلام وعيون الشياطين الأربعة تراقبها في صمت، وقد تعلَّقت قلوبهم ﺑ «أحمد» في قلق شديد وهم لا يدرون نوع الخطر القادم الذي سيواجهه وحده …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤