المفكر الكبير

بابتسامةٍ خبيثة، قدَّمتُه: هو المفكر والكاتب والأكاديمي المخضرَم، فلان الفلاني. ذكرتُ حسناته، وقائمةً طويلة من كتاباته وإسهاماته، ذيَّلتُها بدراسةٍ مهمة تركت بصمةً في أصول الفكر والعمل النقدي. وقدَّم ضيفي الآخر عرضًا مُستفيضًا لهذه الدراسة، رغم صدورها منذ سنوات طويلة، ولم ينسَ أن يذكُر أنه رغم كتابة المؤلف لها في رَيْعان شبابه، فإنها كانت تُنبئ بحضورٍ مهم لعقلٍ مُستنير.

انتهت الحلقة، وصافَحني المفكر بشدة وهو يعدل عدسات نظاراته التي أصبحت الآن أكثر سُمكًا، وخلع عنه سماعات الاستديو، وأعاد سماعاته الخاصة إلى موضعها.

أعطيته مظروف مكافأة الاستضافة وأنا أهمس في أذنه أن يشحذ ذاكرته ويُراجع سنوات فكره الأولى ليتذكَّر وجهي، حينما كنت طالبًا لديه. نعم، كان وجهي أكثر نحافةً بفعل الفقر وامتصاص تلك الليالي الطويلة التي سهرت فيها على ضوء غرفتي اليتيم الأصفر، وأنا أكتب له دراساته مقابل عشرين جنيهًا.

استمع إليَّ بثغرٍ مفتوح، فأخبرته بسخرية، وأنا أنظر إلى مظروفه الراقد على راحته، أنني لن أنسى تلك الفرحة حينما كافأني بمائة جنيه إضافية عن دراسته الضخمة التي خطَت به أُولى خطوات المجد. ترك الاستديو مُتعرقًا، وعُدتُ أنا لكرسي المُضيف منفوخَ الصدر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤