فقاعة الهواء

يتناول بجرعةٍ واحدة كوبَ الفوار. تُداعب فقاعاته أنفه، فيتمنَّى استمرار دغدغاتها بعض الوقت؛ لتخفِّف حدة ضِيقه. تُفاجئه نوبة تسريح لغازات فمه، فيشعر بقليل من التحسن.

«كان عليَّ مقاوَمة إغراء تلك الأصناف الدسمة، والانصياع لنصيحة الطبيب.» هكذا وبَّخ نفسه، رغم يقينه بعودته لمُجاراة ضعفه الأول.

يُلقي النظرة الأخيرة على مظهره، فيسعد بنجاحه في عقد حزام بنطاله أضيق بثقبَين، ليقلِّل محيط كرشه المُتدلي بقدر الإمكان، لكنه لم يستطع التمادي في طموحاته مع إلحاح صراع أمعائه، فترك سترته مفتوحة؛ لعلها تهدأ.

بخطواتٍ مُتراخية، يتَّجه إلى القاعة. يتمنَّى لو يتخلَّص من ثقل غازاته نوبةً واحدة. يستقبله أحد المنظِّمين، ويدلُّه على طاولته التي يتفاجأ بجهله معظم وجوه ساكنيها، فيلعن المنظِّمين لهذا الفخ.

يُتابع، بحقدٍ محبوس كغازاته، ذلك الرابض فوق منصَّة سطوته وهو يتبختر في خطواته كطاووس، يُصافح كبار المدعوِّين ويُصاحبهم لطاولته، فيما يكتفي بتحيةٍ باردة له، فيتأسَّى لعرَّابٍ كان يومًا خادمًا مُطيعًا، يقدِّم فروض نفاقه. «يا لَغبائه حينما نصَّبه نائبًا له!» تَمْتم لشيطانه.

يهمز لجاره بأناقة مُضيفه التي أصبحت موضع نميمة في صالونات الصحافيين، ويتساءل، ببراءةٍ مصطنَعة، عن أي نوع من صبغات الشعر يستخدمها، غامزًا له بأنه لاحَظ انخفاضًا في مستوى ذراعه اليسرى، ربما كان سببه ثقل ساعته الذهبية المُهداة له في زيارته الأخيرة لدولة النفط السخيَّة في عطاياها «لأصدقائها».

يتمنَّى لو كان بسطوته فيُطلِق أسراب هداهده بين الطاولات، ليُشيعوا بين مُريديه كيف أن الصحيفة المرموقة انخفض عدد قارئيها بعد «طلاقه» لها، وأن موقعه المؤسس حديثًا تعدَّاها في مؤشر «أليكسا»، وكيف أن الغربال الجديد يحاول جاهدًا شدَّ سير العمل، حتى إنه اضطرَّ إلى رفع الرواتب لضمان الولاء.

تُلِح عليه أمعاؤه المُثقَلة، فيتناول جرعة فوار أخرى. تمنَّى لو يصبح، مثل فقاعات دوائه، خفيفًا وشفَّافًا، فيرتفع إلى ذلك النجم الساطع على شاشاته الفضائية؛ ليُزيح مُنافسيه. يتذكَّر صِباه؛ حينما كان يستمتع بلعبة الفقاعات، وخاصةً عندما كانت تنفجر في وجوه أصدقائه. لم يكن يعلم حينها أن عملية التنظيف تعتمد، أيضًا، على الفقاعات وقدرتها على فصل الأوساخ عن سطح الملابس. ربما احتاج أن يكون إحدى تلك الفقاعات؛ ليُطهر القاعة من نفاقها.

تُغلَق الأنوار، ويهدأ الصخب. تُنار شاشةٌ كبيرة، ويبدأ المُضيف سرد نجاحاته خلال العام الذي ربض فيه على قمة مؤسسته، وعدد مُراسليه ونجوم السياسة الساطعين على صفحات جريدته. تنفجر فقاعاته، وتتحرَّر معدته، ويتخفَّف في خطواته فور انطفاء الشاشة، وهو يُسارع بمصافَحة نجم الحفل، وتحلُّ ابتسامةٌ عريضة على وجهه أثناء نوبات التصوير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤