مفاجأة كاملة

تناول الأصدقاء غداء شهيًّا من السمك … وأخذوا يتبادلون الضحكات وقد أحسوا بالسعادة والانتعاش … ثم قال «تختخ»: سأمضي ناحية الفندق لعلني أجد الرجل مرة أخرى.

محب: اسمع يا «تختخ»، إننا لا نسمح لك بالاشتباك مع رجل لمجرد أنك تشتبه في أنك تعرفه … إنك تُعرِّض نفسك للخطر!

تختخ: وأعرضكم أيضًا؟

محب: طبعًا … وبخاصة أننا بعيدون عن مصر وعن المفتش «سامي»، وقد نجد أنفسنا قد وقعنا في صراع لا نعرف مداه.

تختخ: معك كل الحق.

محب: إنك تعرف طبعًا أني لا أخاف أحدًا … ولكن هناك حدودًا لكل شيء!

سكت «تختخ»، وقالت «نوسة» حتى تعيد الصفاء إلى الأصدقاء: ألا نلعب دور «شِطْرنج» بدلًا من هذه المناقشة؟

تحمس «تختخ» جدًّا للفكرة، فقد كان يريد أن ينسى هذا الرجل الذي يكاد يُفسد عليه وعلى الأصدقاء رحلتهم.

دارت معركة الشِّطْرنج بين «محب» و«تختخ»، وكالعادة، ارتفع التصفيق لكل لعبة جيدة … واستغرق دور الشِّطْرنج أكثر من ساعة … وانتصر «محب» في النهاية برغم البرد الذي كان يعانيه.

وقضى الأصدقاء أمسية هادئة داخل الخيمة … فقد هبَّتِ الريح بعد الظهر، وارتفعت الأمواج في البحر، ولم يكن في إمكانهم الذهاب إلى الشاطئ ولا البقاء خارج الخيمة … فقد كانت الرياح تحمل الرمال بسرعة رهيبة تجعلها كالدبابيس إذا أصابت جلد إنسان … حتى «زنجر» دخل الخيمة هو الآخر.

ومضت ليلة ثانية، وفي الصباح خرج الأصدقاء مبكرين لصيد السمك مرة أخرى … ولكنهم ما كادوا يتقدمون من الشاطئ حتى قابلوا الرجل ذا النظارة، ووجد «تختخ» نفسه دون أن يدريَ يترك الأصدقاء ويتابع الرجل … وطلب من الأصدقاء أن يسبقوه إلى مكان الصيد.

كان «تختخ» متأكدًا أنه رأى هذا الرجل من قبل … برغم لونه الذي غيَّرته الشمس … والمايوه والنظارة السوداء … وهكذا مضى خلفه، متظاهرًا أنه يعبث في المياه بقدميه، ولكن عينيه كانتا تتبعان الرجل الذي اتَّجه إلى الفندق مباشرة، ودخل من الباب الكبير المطل على البحر.

توقف «تختخ» قليلًا يفكر، ثم سأل نفسه: لنفرض أنني عرفت هذا الرجل، فماذا يهمُّ؟ لقد جئت هنا للراحة لا للمغامرة … فإذا اتَّضح أنه لصٌّ مثلًا … هل أضيِّع إجازتي في مطاردته … وبخاصة في هذا المكان البعيد؟! إن هذا قد يعرِّض المغامرين للخطر كما قال «محب» … سأعود وأقول للأصدقاء إنني أخطأت، وإنني لم أرَ هذا الرجل من قبل!

واستدار ليعود، فرأى الرجل يخرج من الفندق، ثم يتجه إلى المياه، ويُلقي نفسَه فيها … عاود الفضول «تختخ» برغم القرار الذي اتَّخذه بالعودة، فاقترب من شاطئ الفندق، حيث تناثرت المظلات … وبسرعة خلع قميصه الذي كان يرتديه فوق المايوه، ووضعه فوق كرسيٍّ قريب … ثم ألقى بنفسه في الماء هو الآخر.

كان يعلم أن النزول ممنوع في هذه المنطقة لغير نزلاء الفندق … ولكنه لم يهتم … كان فضوله في التعرف على الرجل أقوى من أي شعور آخر … وغطس «تختخ» طويلًا ثم ظهر وسط مجموعة من المستحمين … ولاحظ على الفور أنهم من الأجانب … وكانوا جميعًا يضحكون في مرح … ولم يكن بينهم الوجه الأسمر الذي يبحث عنه.

أخذ «تختخ» يسبح هنا وهناك باحثًا عن الرجل، ثم نسي لِلَحظاتٍ المهمةَ التي أتى من أجلها، فقد كانت المياه زرقاء ممتعة … وأخذ يعوم ويغطس في سعادة ونشوة … وغطس مرة، وإذا به يصطدم بشخص تحت الماء! وأسرع كلٌّ منهما بالصعود … وكم كانت دهشة «تختخ» عندما وجد الوجه الأسمر الذي حضر للبحث عنه أمامه! كان هو الشخص الذي اصطدم به … وتذكَّره على الفور … وكانت مفاجأة ﻟ «تختخ»، حتى إنه شرب كمية من ماء البحر، واتسعت عيناه عن آخرهما. وفي الوقت نفسه بدت في عيني الرجل نظرة تنمُّ عن التَّعارف، لقد عرف هو الآخر «تختخ» وتبادلا النظرات … وأدار الرجل وجهه وقال: لا تنادِني باسمي … تعالَ نسبح بعيدًا عن الناس!

وأخذا يسبحان و«تختخ» في حالة ذهول، وبعد فترة قال الرجل: لقد عرفتَني؟!

تختخ: طبعًا … أنت «النقيب مجدي» من إدارة البحث الجنائي؟

قال «مجدي»: وأنت «توفيق» … أحد المغامرين الخمسة … لقد التقينا في مغامرة «الحقيبة الدبلوماسية».

تختخ: بالضبط … وكان أول لقاء لنا في مكتب المفتش «سامي»، عندما كنت تحدِّثه عن «الدهل»!

مجدي: وماذا تفعل هنا؟

تختخ: مجرد إجازة مع بقية المغامرين.

ابتسم «مجدي» قائلًا: صدفة طيبة … والآن اسمع …

وبدت ملامح الجِدِّ والخطورة على وجه «مجدي»، وقال: إنني هنا في مهمة رسمية سرية، وأنزل في الفندق باسم «عادل مكرم» المحامي … وأرجو أن تلاحظ ذلك باستمرار حتى لا تنكشف شخصيتي.

قال «تختخ»: طبعًا، وسوف أُبلغ بقية المغامرين …

مجدي: لقد جئتُ للكشف عن عصابةٍ كبيرة لتهريبِ المُخدِّرات … وقد تأكَّدنا بواسطةِ تَحرِّياتٍ واسعةِ النطاق أن هذه العصابة تتَّخِذ شاطئ «سيدي عبد الرحمن» مَقرًّا لتهريب هذه السموم … ولكنها عصابةٌ في منتهى الحذر، وحتى الآن لم أصل إلى شيء.

تختخ: وكيف يتم التهريب؟!

مجدي: عن طريق البحر … هناك قوارب بخارية تُحضر المخدِّرات من «بيروت»، ثم تلقيها في البحر قرب الشاطئ حيث تقوم قوارب صغيرة بنقلها إلى البر!

تختخ: ولماذا لا تقطعون الطريق على القوارب القادمة من «بيروت»؟

مجدي: لقد فعلنا ذلك مرارًا … ومع ذلك استمر تدفُّق المخدِّرات على مصر. فقررنا وقف حملات التفتيش في عُرْض البحر … والكشف عن العصابة نفسها!

تختخ: وهل أنت وحدك؟!

مجدي: معي الرائد «خيري» من قوة مكافحة المخدرات، ونحن نعمل بالتعاون مع حرس الحدود … وأنا و«خيري» نتظاهر بأن كلًّا منَّا لا يعرف الآخر؛ زيادةً في الحيطة والحذر، وهناك مُخبِر من رجالنا في مكان قريب!

وعرف «تختخ» أن الرجل الثالث هو الشحاذ.

قال «مجدي»: هل تنزلون في الفندق؟

تختخ: لا … إننا ننزل في خيمة أحضرناها معنا.

(وأشار إلى حيث كانت الخيمة تبدو كنقطة سوداء على الشاطئ.)

مجدي: إلى اللقاء إذن.

تختخ: هل نستطيع أن نساعد بشيء؟

مجدي: حتى الآن لا … ولكن إذا احتجنا لشيء فسوف نتصل بكم.

تختخ: إلى اللقاء، فسوف أذهب لصيد السمك.

وغطس «تختخ» وابتعد … ثم عامَ حتى الشاطئ، وأخذ قميصه وأسرع يلحق ﺑ «عاطف» و«نوسة» و«لوزة» و«زنجر»، حيث كانوا يقفون عند إحدى الصخور، وقد بدءوا محاولة الصيد.

كانت «لوزة» كالمعتاد مهتمةً بمعرفة نتائج تحريات «تختخ»، فلم تكد تراه حتى صاحت: ماذا وراءك؟

وكالمعتاد أيضًا تدخَّل «عاطف» قائلًا: ليس وراءه سوى البحر.

وقالت «نوسة» — وهي أكثر المغامرين الخمسة قراءة: إن هذه الجملة تُذكِّرني بخطبة «طارق بن زياد» عندما عبر مضيق جبل طارق الذي سُمي باسمه … لقد أحرق القائد العربي العظيم سُفُنَه حتى لا يفكر رجالُه في التقهْقُر، ثم قال في خطبته المشهورة: «العدو أمامكم والبحر من ورائكم» … وهكذا حارب الجيش حتى انتصر.

قال «تختخ»: إن ما ورائي أغرب مما كان وراء «طارق بن زياد»!

نوسة: لا أفهم!

تختخ: إنه رجل تعرفونه جميعًا؟

نوسة: نحن؟!

تختخ: نعم … أنتم!

لوزة: أحد رجال العصابات التي اصطدمنا بها؟

تختخ: لن أقول لكم شيئًا، حاولوا أن تعرفوا!

عاطف: دعك من اللفِّ والدوران … ولنقل إننا «غُلب حمارنا» كما يقول المثل البلدي … من هو؟!

تختخ: إنه النقيب «مجدي» من إدارة البحث الجنائي! وضحك «عاطف» بصوت مرتفع، ثم قال: هذا الرجل الذي أضعت وقتك تتبعه وتستريب فيه، وتعتقد أنه من رجال العصابات!

تختخ: على كل حال لقد كشفت حقيقته.

نوسة: وهل قلت له إنك كنت تتبعه؟

تختخ: لا … لم يكن هناك داع.

لوزة: وماذا يفعل هنا؟

تختخ: إنه مكلَّف بمهمة هو وزميلان آخران في «سيدي عبد الرحمن» … إن كميات كبيرة من المخدرات تتدفق على مصر من هذا المكان … وحتى الآن لم يضعوا أيديَهم على المهربين؛ لهذا فهو ينزل في الفندق هو وزميله الرائد «خيري»، تحت اسمين مستعارين، فالتحريات تؤكد أن بعض المهربين ينزلون فيه.

لوزة: وهل لنا دور؟

تختخ: حتى الآن لا … ولكن النقيب «مجدي» وعد بالاتصال بنا إذا احتاج إلينا.

وكفُّوا عن الحديث وانهمكوا في الصيد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤