شيء في السنارة

أحسَّ «تختخ» فجأة أن سنارته ثقيلة … حاول جذبها إلى أعلى ولكنه لم يستطع … ولاحظ «عاطف» المجهود الذي يبذله «تختخ»، فقال له: ما هذا؟

تختخ: لا أدري … إن السنارة ثقيلة جدًّا …

عاطف: لعلها اشتبكت بالصخور!

تختخ: لو اشتبكت بالصخور لما تحركت. ولكن ثمةَ شيئًا ثقيلًا معلقًا بها!

لوزة: لا بُدَّ أنها سمكة ضخمة.

تختخ: ربما … ولكنها بطيئة إلى حد ما … إن السمك الكبير يجذب السنارة ويُسرع بالهرب.

وأخذ «تختخ» يحاول إخراج السنارة عبثًا … كانت أثقل من أن تصعد فقال: سأنزل لأرى!

ثم خلع قميصه وقفز إلى الماء … كان «تختخ» سبَّاحًا ماهرًا … وسرعان ما وصل إلى حيث كانت السنارة، ثم غطس … وظلَّ غاطسًا نحو نصف دقيقة ثم صعد … وعاد مرة أخرى للغطس … وغاب الفترة نفسها ثم عاود الصعود، واتَّجه سابحًا بسرعة نحو الأصدقاء، ثم قفز إلى الشاطئ … واقترب من الأصدقاء … كان واضحًا أنَّ ما عثر عليه شيء غير عادي؛ فقد كان يبدو عليه الاهتمام الشديد.

قال «تختخ»: سأذهب لاستدعاء الضابط «مجدي». ودون أن ينتظر إجابة، أسرع يجرى وهو يقول: لا تَدَعُوا أحدًا يقترب من السنارة!

ظلَّ «تختخ» يجري حتى وصل إلى شاطئ الفندق، وأخذ ينظر في المياه، ولكن الضابط «مجدي» لم يكن موجودًا … وتلفَّت حوله … ولكن «مجدي» كان قد اختفى.

أسرع «تختخ» يقطع الشاطئ جريًا … ناظرًا إلى كل مظلة وفجأة وجد الرجل الذي تحدث معه النقيب «مجدي» … إنه الرائد «خيري»! ولم يكن «تختخ» يعرف اسمه المستعار … ولم يتردد «تختخ» … أسرع إليه، ودون استئذان جلس بجانبه … كان متعبًا من الغطس والجري … وأنفاسه تتلاحق، ونظر إليه «خيري» مندهشًا، فأشار له «تختخ» بأصبعه يطلب منه الانتظار حتى يستردَّ أنفاسه، ثم قال له: إنني أعرف أنك الرائد «خيري»!

وبدا الذهول على وجه الرجل وقال: من أنت؟

رد «تختخ»: إنني «توفيق» … ألم يحدثك النقيب «مجدي» عني؟

خيري: لا …

تختخ: إنه صديقي، وأعرف أنه ينزل في الفندق باسم «عادل مكرم» المحامي … وأنكما تطاردان عصابة لتهريب المخدِّرات!

بدا الاطمئنان على وجه «خيري»، وقال: هل تبحث عنه؟

تختخ: نعم … لقد عثرت على شيء ربما يهمه … أقصد يهمكما!

خيري: ما هو؟

تختخ: تعالَ معي … هل تلبس «المايوه»؟

خيري: نعم … تحت ثيابي.

تختخ: إذن تعال معي فورًا!

وأسرعا معًا … ووصلا إلى حيث كان «عاطف» و«نوسة» و«لوزة» و«زنجر» يقفون عند الصخور … وخلع الرائد «خيري» ثيابه … وقفز هو و«تختخ» إلى المياه، وسبحا حتى مكان السنارة ثم غطسا … وظهرا … ثم غطسا مرة ثانية … وثالثة … ثم صعد «تختخ» إلى الشاطئ، وقطع خيط السنارة، وعاد إلى الماء، وغطس هو والرائد «خيري» …

كان الأصدقاء الثلاثة «عاطف» و«نوسة» و«لوزة» يرقبون ما يحدث وهم في غاية الدهشة … وقالت «لوزة»: ما هي الحكاية بالضبط؟!

ردت «نوسة»: أعتقد أنها خاصة بحكاية المهربين … لعل «تختخ» قد عثر على شيء هام خاص بهذا الموضوع.

عاطف: هذا هو التفسير الوحيد المعقول.

وصعد «خيري» و«تختخ» إلى الشاطئ وتحدثا قليلًا، ثم تقدَّم «خيري» من الأصدقاء الثلاثة، حيث صافحهم بعد أن قدَّمهم إليه «تختخ»، وقال وهو يودِّعهم: سيشرح لكم «توفيق» ما حدث … وأرجو أن يظل سرًّا بيننا.

غادرهم الرائد «خيري» مُسرعًا وهو يتلفَّت حوله … وجلس «تختخ» لحظات صامتًا، ثم قال: هيَّا بنا الآن … إن «محب» وحده، وسوف أروي لكم كل ما حدث أمامه بدلًا من أن أرويَه مرتين.

وعادوا إلى الخيمة … ووجدوا «محب» مستلقيًا يقرأ كتابًا … ولم يكد يراهم حتى قال: ماذا حدث؟! لقد عدتم مبكرين، وأيديكم فارغة.

ردت «نوسة»: إن أيديَنا ليست فارغة … لقد عدنا بقصة يبدو أنها مُشوِّقة!

ابتسم «عاطف»، وقال: يبدو أننا سنتغدى اليوم بقصة دسمة بدلًا من السمك.

بدا الاهتمام على «محب» وقال: إننا نستطيع أن نجد السمك كل يوم، ولكن القصص الدسمة ليست بهذه البساطة!

تختخ: سأروي لك كلَّ ما حدث … المهم، كيف حالك الآن؟

محب: مثل الحديد … لقد تلاشت آثار البرد بعد الراحة الإجبارية.

تختخ: إليك الحكاية … إنك تذكر الرجل الغريب ذا النظارة السوداء الذي كنت أطارده!

محب: الذي ذهبت خلفه إلى سوق «سيدي عبد الرحمن»؟

تختخ: بالضبط … لقد عرفت الرجل!

بدا الاهتمام على وجه «محب»، وقال: من هو؟!

تختخ: إنه النقيب «مجدي» الذي اشتركنا معه في لغز «الحقيبة الدبلوماسية»!

ابتسم «محب» قائلًا: إذن ليس عضوًا في عصابة كما كنت تتصور …

تختخ: لا … إنه ضابط شرطة … وقد جاء هو وزميل له يُدعى الرائد «خيري» لمطاردة عصابة من مُهرِّبي المخدرات … وحتى لا تأخذ العصابة حذرها، فقد نزلا تحت اسمين مستعارين في فندق «سيدي عبد الرحمن» … ومعهما رجل ثالث يقوم بدور الشحاذ بجوار ضريح «سيدي عبد الرحمن» …

محب: مدهش!

تختخ: وقد تعارفنا بعد أن اصطدمتُ به تحت الماء … وعرفتُ مهمته ثم افترقنا … وذهبت لاستئناف صيد السمك … ووجدتُ سنارتي قد علِقت بشيء ثقيل …

وسكت «تختخ» لحظات وأحاطت به وجوه المغامرين الأربعة تستمع بانتباه … ولاحظ «زنجر» ما يحدث، فانضم إلى حلقة المستمعين وأخذ يهز ذيله.

عاد «تختخ» يقول: وتصورت في البداية أنه سمكة كبيرة … ولكنه لم يكن يتحرك … والسمكة عندما تتعلق بالسنارة قد تتوقف فترة … ولكن ليس طويلًا … ولم تكن صخرة عالقة بالأرض لأنَّها كانت تتحرك قليلًا … وهكذا نزلت لأرى …

وتوقف «تختخ» وزاد اهتمام الأصدقاء، وعاد يقول: وتحت الماء فوجئت بما وجدت، إنه كيس من النايلون السميك، مصنوع على شكل ماسورة مدببة الطرف كالصاروخ. كيس ضخم يزيد وزنه على عشرين كيلوجرامًا … ظننته في المياه المعتمة قنبلة ولكنها مُغلَّفة بالبلاستيك … وتحسسته وتأكدت أنه ليس قنبلة؛ فهو طري ومُغطًّى بطبقة من الشحم.

وأسرعت «لوزة» تسأل: وماذا استنتجت؟

رد «تختخ»: في البداية لم أستنتج شيئًا على الإطلاق … ولكن فجأة تذكرت عصابة المهربين التي يطاردها الضابطان، وتصورت أنَّ من الممكن أن يكون كيس مخدِّرات!

محب: معقول جدًّا …

تختخ: وأسرعتُ أبحث عن النقيب «مجدي» … ولكنني لم أجده ووجدت الرائد «خيري» ولم أتردد … قدمتُ له نفسي، وأوضحت له أنني أعرفه … ثم رويتُ له ما حدث … فجاء معي مُسرعًا … وغطسنا معًا … وعندما شاهد الكيس تحت الماء برغم الظلام وتحسسه بيده وافقَ فورًا على تصوُّري … إنه فعلًا كيس من المخدِّرات!

لوزة: ولماذا لم تخرجوه من الماء؟

تختخ: المسألة يا «لوزة» في غاية البساطة … أولًا: أن الضابطين لا يريدان كشف شخصيتهما … ثانيًا: أن عصابة المهربين إذا عرفت أن أحد أكياس المخدِّرات قد ضُبط فسوف تأخذ حذرها … ولهذا تركناه حيث هو بعد أن ربطناه بخيط السنارة إلى إحدى الصخور حتى لا يتحرك من مكانه.

عاطف: هذا يوضِّح لماذا قطعت خيط السنارة!

نوسة: ولكن هناك احتمال أن يذهب أحد رجال العصابة ويأخذ الكيس!

تختخ: هذا ما نتمنى حدوثه.

محب: كيف؟!

تختخ: إن الضابط «مجدي» يجلس في غرفته في الفندق، وعلى عينيه نظارة مكبرة يراقب بها الشاطئ كله … ومن المؤكد أنه شاهد ما حدث، وإذا لم يكن قد شاهده فإن الرائد «خيري» سيُخبره … وسوف يراقب مكان الكيس جيدًا … فإذا نزل شخص هناك وصعد به دون أن يبلغ الشرطة عنه فهو بالتأكيد من رجال العصابة!

نوسة: ولكن قد ينزلون لإحضاره ليلًا بعد أن يهبط الظلام!

تختخ: أنتِ مغامِرة ممتازة، فهذا ما توقَّعه الرائد «خيري» بالضبط، وقد قال لي إنه والنقيب «مجدي» سوف يقومان بالرقابة ليلًا قريبًا من المكان، وعنده أمل كبير أن يقبضا على المُهرِّب الليلة … وعن طريقه يمكن الوصول إلى باقي العصابة …

عاطف: إنها صدفة مدهشة أن يعلق هذا الكيس بسنارتك يا «تختخ» …

تختخ: لو لم أكن قد عرفت شخصية الضابط «مجدي» لأخرجت الكيس إلى الشاطئ ولعرفتْ عصابة التهريب كل شيء … ولضاعت إلى الأبد فرصة مراقبة العصابة سرًّا!

لوزة: للأسف، إن المغامرة انتهت بأسرع مما كنا نتوقع.

تختخ: إنها لم تنتهِ بعد … بل يمكن أن يُقال إنها بدأت فقط … فقد لا تحاول العصابة إخراج الكيس … ثم هناك شيء آخر …

وانتبه الأصدقاء، وقالت «نوسة»: ما هو؟

تختخ: شكل الكيس … إن الرائد «خيري» الذي اشترك في القبض على عصابات كثيرة للتهريب يقول إنه لم يرَ مثل هذا الكيس من قبل مطلقًا … إنه كما قلت لكم يشبه الصاروخ!

لوزة: وماذا يعني هذا الشكل؟

تختخ: هذا ما يُحيِّر الرائد «خيري»، وما ستكشف عنه الأيام المقبلة إذا وقعت عصابة المهربين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤