«زنجر» يجد شيئًا

عندما تجاوزت الساعة الثالثة صباحًا ولم يعد «تختخ» إلى الخيمة، أحسَّ «محب» بقلق عظيم … فقد كان هو الحارس في تلك الساعة، وكان يجلس أمام الخيمة وحيدًا وبجواره «زنجر» ينبح بين الحين والحين … وكأنه يتساءل عن غياب صاحبه.

فكر «محب» فيما يجب أن يفعله، ثم دخل الخيمة التي كانت مقسمة إلى قسمين؛ أحدهما ﻟ «نوسة» و«لوزة»، والآخر ﻟ «عاطف» و«محب» و«تختخ». وجد «عاطف» نائمًا تمامًا، فأخذ ينظر إليه ويفكر … هل يوقظه … أو يذهب وحده للبحث عن «تختخ»!

كانت المشكلة أنه لا يعرف مكان الصيد بالتحديد، ولا يمكن أن يصل إليه في الظلام وحده … ولا بد من «عاطف» أو «لوزة» أو «نوسة» معه ليصل إلى هناك، وهكذا انحنى على «عاطف» وأخذ يهزُّه برفق قائلًا: «عاطف» … «عاطف»!

وانتبه «عاطف» ونظر إلى «محب» منزعجًا، فقال «محب»: لا تخَفْ فلم يحدث شيء … ولكن «تختخ» لم يعُدْ حتى الآن … وأعتقد أننا يجب أن نخرج للبحث عنه.

أفاق «عاطف» تمامًا، وجلس ثم وقف قائلًا: كم الساعة الآن؟

محب: قريبة من الثالثة بعد منتصف الليل؟

عاطف: لقد تأخَّر جدًّا … سألبس ثيابي وننطلق فورًا!

بعد دقائق أغلق الصديقان باب الخيمة، وأخذا «زنجر» ثم انطلقا في اتِّجاه الصخور البعيدة حيث مكان الصيد.

كان الظلام شديد الكثافة حتى إنهم كانوا يسيرون بحذر شديد، وشقُّوا طريقَهم ببطء على الرمال حتى تجاوزوا الفندق، ووصلوا إلى الصخور … وفجأة، على ضوء شديد من كشافين قويين، سمِعا صوتًا يقول في الظلام: قفْ عندك. لا تتحرك! وذهل الصديقان، على حين هَمْهَم «زنجر» بقوة، ثم قفز إلى الأمام … ولكن في هذه اللحظة سمع الصديقان صوتًا يقول: إنهما ليسا من المهربين … إنهما من زملاء «توفيق» … وأدرك «محب» الحقيقة بسرعة فصاح ﺑ «زنجر» قبل أن يشتبك مع حاملي البطاريتين: «زنجر» … قف!

وتوقَّف «زنجر» وقال «محب»: النقيب «مجدي»؟!

ردَّ الضابط: نعم … لقد ظنناكُما من المهربين … لماذا جئتما إلى هنا؟!

محب: إننا نبحث عن «تختخ» … أقصد «توفيق».

مجدي: وما الذي أتى به إلى هنا؟!

محب: لقد طافت بذهنه فكرة، وتركَنَا وحضر إلى هنا لمقابلتكما … ولم يعد بعد ذلك.

مجدي: متى حدث هذا؟

محب: ساعة الغروب … أو بعدها بقليل.

مجدي: شيء مدهش … لقد حضرنا هنا في العاشرة تقريبًا … ولم نرَ أحدًا على الإطلاق!

صمت «محب» … وأخذ ينظر حوله في الظلام مفكرًا لا يدري ماذا يفعل أو يقول، وفي هذه اللحظة سمع «زنجر» يزوم في ضيق … ثم أحسَّ به يتحرك في الظلام فقال: «زنجر»!

والتفت الجميع إلى الكلب الذي لم يكن يبدو منه في الظلام سوى عينيه اللامعتين، وقال «محب»: أعتقد أن «زنجر» … عنده ما يفعله!

وأخرج «محب» بطاريته وأضاءها، ولم يكد يفعل ذلك حتى اندفع «زنجر» جاريًا نحو الصخور، وتبعه الجميع على ضوء الكشافات … أخذ «زنجر» يقفز برشاقة فوق الصخور الضخمة … وخلفه الضابطان و«محب» و«عاطف» يحاولون اللحاق به، وبعد لحظات اختفى «زنجر» بين الصخور … وأخذت أضواء الكشافات تبحث عنه، ثم سمعوا صوت نباحه القصير المتقطع … واتَّجهوا جميعًا إلى مصدر الصوت … وعلى ضوء الكشافات شاهدوا «تختخ» مستلقيًا بين الصخور مبتلَّ الملابس. وقد بدا عليه الإعياء الشديد.

أسرع «محب» بالقفز داخل الصخرة المجوفة التي اختفى فيها «تختخ»، وخلفه قفز «عاطف»، ثم النقيب «مجدي» والرائد «خيري»، وأخذوا يعملون على إفاقة «تختخ» بالتنفُّس الصناعي. ومضت لحظات متوترة، ثم أخذ «تختخ» يفتح عينيه وينظر حوله.

تم نقل «تختخ» سريعًا إلى الخيمة، وقام الضابطان بلفِّه بالبطاطين الثقيلة، وسقَوْه الشاي الساخن حتى استعاد قوته، وأخذ يروي لهم ما حدث … وكانت «نوسة» و«لوزة» قد استيقظتا، وجلس الجميع حول «تختخ» يستمعون إليه في انتباه، وبعد أن انتهى من روايته، قال النقيب «مجدي»: شيء مدهش … إننا كنا قريبين من المكان جدًّا ولم نرَ أحدًا!

تختخ: لأنكما تصورتما أن المهربين سيأتون من ناحية البر، ولكنهم جاءوا من ناحية البحر!

قال الرائد «خيري»: لقد ناقشنا هذه النقطة … وتصوَّرنا أنهم حتى لو حضروا من البحر فسوف يحاولون سحب المخدِّرات إلى البر!

تختخ: لقد حضروا من البحر … وعادوا إليه، وهذا شيء مدهش حقًّا.

قال النقيب «مجدي»: للأسف، إنهم الآن عرفوا أنهم مراقبون، وسوف يكونون أكثر حذرًا!

أحسَّ «تختخ» بالضيق من هذا التعليق؛ فهذا يعني أنه كان السبب في تحذير المهربين، واحمرَّ وجهه وهو يقول: آسف جدًّا إذا كنت قد أفسدت خططكما في مراقبة المهربين.

ردَّ «مجدي» وقد أحسَّ أنه ضايق «تختخ»: لا أقصد أن أُحمِّلك أي مسئولية، لقد حاولت أن تؤديَ خدمة لنا … ونحن على كل حال سوف نستمر في المراقبة، وسنضع في اعتبارنا أنهم مهرِّبون على درجة كبيرة من الخطورة؛ لأنهم يستخدمون أجهزة الغوص … وليس من الصعب تتبع هذه الأجهزة، وسوف نرسل إلى زملائنا في البحث الجنائي لمعرفة المحلات التي باعت هذه الأجهزة؛ فقد نعرف من اشتراها. ونضع يدنا على أول الخيط في عملية التهريب الغامضة … وعلى كل حال ربما اعتبروا وجودك مجرد صدفة!

لم يقتنع «تختخ» كثيرًا بهذا التبرير الذي قدَّمه «مجدي»، فقد أحسَّ بينه وبين نفسه بأنه ارتكب خطأً كبيرًا بتدخُّله في عمل الضابطين.

وغادر الضابطان الخيمة … والفجر يتسلل إلى شاطئ «سيدي عبد الرحمن»، واستغرق «تختخ» و«محب» في نوم عميق، على حين خرج بقية الأصدقاء يتمشَّوْن على الشاطئ الذي لم يستيقظ بعد.

قالت «لوزة»: أليس من الممكن ألا يكون المهربون قد أخذوا الكيس من الماء لأي سبب؟!

رد «عاطف»: هل تظنين أنهم كانوا يتنزهون تحت الماء؟! … من المؤكد أنهم أخذوا الكيس.

قالت «نوسة»: ما المانع أن نذهب الآن إلى المكان للبحث؟

لوزة: إن المياه عميقة في هذا المكان، ويلزم أن يكون معنا «مايوهات» للنزول إلى الماء.

قال «عاطف»: سأذهب جريًا لإحضار «المايوه» وأعود إليكما.

وسارت «نوسة» و«لوزة» … وخلفهما «زنجر» يتأملان البحر الذي ارتفعت أمواجه، والشمس التي بدأت أشعتها الحمراء تملأ الأفق قبل أن تظهر … وكان «زنجر» يجري على الشاطئ يمارس هوايته في مطاردة الكابوريا الصغيرة الصفراء التي تعيش في جحورها الصغيرة في الرمال.

ولحق بهما «عاطف» بعد قليل، وأسرعوا تحت إلحاح «لوزة» التي كانت شديدة اللهفة … فلو صحَّ أن الكيس ما زال في مكانه، فهذا يعني أن الذين اشتبكوا مع «تختخ» لم يكونوا من المهربين … وقد تتكشف المسألة عن حقائق أخطر مما يتصورون … فقد يكونون من الضفادع البشرية التابعين لدولة معادية.

وصلوا إلى الصخور … وبرغم الريح، اختفى «عاطف» خلف صخرة، وخلع ثيابه وارتدى «المايوه»، ثم ظهر يقفز على الأرض وهو يقول: لا بُدَّ من عملية تسخين وإلا أصابتني الرعشة!

ونزلوا إلى الصخور حتى اقتربوا من البقعة التي كان بها الكيس، وأخذ «عاطف» نفَسًا عميقًا ثم قفز إلى الماء، ووقفت «نوسة» و«لوزة» وقد استبدَّت بهما اللهفة في انتظاره على حين كان «زنجر» يلعب على الشاطئ مع الكابوريا الصغيرة …

مضت لحظات ثم ظهر «عاطفه» وأشار بيده؛ أنه لم يجد شيئًا، ولكنه سيحاول الغوص … وعاد للغوص مرة أخرى … وفي تلك اللحظة ظهر «زنجر» يحمل بين أسنانه قطعة كبيرة من المطاط الأسود …

صاحت «لوزة» به: ألقِ هذا الشيء من فمك يا «زنجر»!

ووقف «زنجر» مترددًا لحظات، كأنه كان يفكر … هل ينفذ الأمر … أو يخالفه؟! وأخذ ينظر إلى «لوزة» كأنما يرجوها أن ترى ما أحضره … وأمام تردد «زنجر» أدركت «لوزة» أنَّ ما يحمله «زنجر» له أهمية … فهذا الكلب الذكي لا يمكن أن يتمسك بشيء لا أهمية له.

قالت «لوزة»: تعالَ يا «زنجر»!

وأقبل «زنجر» يقفز من الشاطئ إلى الصخور … وكان «عاطف» قد خرج من الماء مرة ثانية دون أن يجد شيئًا، ثم استجمع أنفاسه وغاص للمرة الثالثة.

لم تكد «لوزة» ترى ما يحمله «زنجر» بين أسنانه حتى عرفت على الفور أنه زعنفة من المطاط مما يلبسه الغواصون في أقدامهم لتسهيل العوم … وتذكَّرت على الفور أقوال «تختخ» عن الأعداء المجهولين تحت الماء … لقد كانوا يرتدون ثياب الغوص، وليس من المستبعد أن تكون الزعنفة تخصُّ أحدهم … ووقف «زنجر» أمامها، فمدَّت يدها وأمسكت بالزعنفة … وقالت «نوسة»: إنها زعنفة غواص!

لوزة: وأظن أنها تخصُّ أحد الذين اشتبك معهم «تختخ» ليلًا!

نوسة: في هذه الحالة قد تصبح دليلًا له أهمية.

وخرج «عاطف» من الماء للمرة الثالثة دون أن يعثر على شيء … فصعد الصخور وهو يلهث، وشاهد الزعنفة السوداء المطاطية أمام «زنجر» … فابتسم قائلًا: لقد عثر «زنجر» على شيء هام دون أن يغطس أو يتعب نفسه!

قالت «نوسة»: هيَّا نعود ونعرضها على «تختخ».

وارتدي «عاطف» ثيابه وانطلقوا عائدين … ومن خلف التلال الرملية ظهر رجلان كانا يراقبانهم طول الوقت … وعندما غادروا مكانهم سارا يتبعانهم من بعيد … ولم يحسَّ الأصدقاء بوجودهما مطلقًا.

قال أحد الرجلين: أعتقد أن الولد الذي اشتبكنا معه ليلًا ليس بينهم … لقد كان أضخم حجمًا من هؤلاء.

قال الثاني: على كل حال، إن بحثهم في المكان الذي كان به الكيس واهتمامهم بأمر الزعنفة يؤكد أنهم على عَلاقة بالولد الذي اشتبكت معه وفقدت الزعنفة في أثناء الاشتباك!

ردَّ الأول: لا بُدَّ أن نعرف هل مات الولد السمين أو لا، ومدى ما يعرفه هؤلاء الأولاد عنَّا! … إننا لم نخبر الزعيم بعد بما حدث، وإلَّا تعرضنا لغضبه.

وسارا يتبعان الأصدقاء على مَبْعدة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤