٤ زجاجات باردة!

عندما وصل «عاطف» و«نوسة» و«لوزة» و«زنجر» إلى الخيمة … كان «تختخ» و«محب» ما زالا نائمين … وكانت الشمس قد تسلقت الأفق وأطلقت أشعتها الحامية تُنبئ بيوم حار … وأعد الأصدقاء الثلاثة فطورًا لهم وﻟ «زنجر»، ثم جلسوا يتحدثون، وهم يحاولون قراءة ما على الزعنفة من كلمات … وقد عرفوا على الفور أنَّها صناعة إيطالية.

وعلى مَبْعدة من الخيمة، كان الرجلان يقفان، وقال أحدهما: لقد عرفنا أين ينزل هؤلاء الأولاد … ولكن الولد السمين ليس موجودًا.

الثاني: إنه بالتأكيد لم يَمُتْ. فلو أنه مات لتصرفوا بطريقة أخرى ولظهر رجال الشرطة للتحقيق … لقد ظننت أننا قضينا عليه … ولكن عندما حضرنا لم نجده عند الصخور … ومعنى ذلك أنهم أنقذوه، ومن حسن الحظ أننا انسحبنا من المكان قبل أن يرونا.

الأول: على كل حال أظن أنهم مجرد أطفال.

الثاني: إنهم أطفال حقًّا … ولكن لماذا ربطوا الكيس عندما عثروا عليه كما وجدناه؟ ولماذا عاد الولد السمين للبحث عنه ليلًا؟ … ولماذا حضروا صباحًا لإعادة البحث؟ … إنهم أطفال كما تقول، ولكن ما يفعلونه يُثير الريبة!

الأول: في هذه الحالة لا بُدَّ من إخطار الزعيم فورًا ليتصرف، وإلا تعرضنا جميعًا للخطر. فلنراقب أطول مدة ممكنة.

وعند الظهر استيقظ «تختخ» وقد استردَّ قواه تمامًا … واستيقظ «محب» وعقد المغامرون الخمسة اجتماعًا لمناقشة الموقف … وأمسك «تختخ» بالزعنفة المطاطية بين يديه يقلبها، ثم قال: أرجِّح — كما قلتم — أنها كانت في قدم أحد الرجال الذين اشتبكتُ معهم تحت الماء، وأنها انخلعت من قدمه في أثناء الصراع ثم حملَتْها الأمواج إلى الشاطئ حيث وجدها «زنجر».

لوزة: هل يعني شيئًا أنها صناعة إيطالية؟

تختخ: قد يعني أشياء كثيرة، وقد لا يعني شيئًا …

قد يعني أن أحد المهربين أو ربما زعيمهم إيطالي … وربما يعني فقط أنها مصنوعة في إيطاليا وبيعت في مصر … وفي هذه الحالة يكون من الصعب تتبُّع المحل الذي باعها، ومن اشتراها، ففي مصر عشرات المحلات التي تبيع هذا النوع من الزعانف … ومن الصعب أن يتذكَّر البائع لمن باعها.

محب: إذن نحن لم نعثر على أيِّ دليل حتى الآن.

تختخ: بل عثرنا على دليل هام … إن المهربين يعملون في البحر؛ لأن ارتداء ملابس الغوص يعني أنهم جاءوا من مكان بعيد عائمين … ولو كانوا يعملون في البر لما احتاجوا لملابس غوص في هذا المكان!

وقفت «نوسة» فجأة قائلة: إنني أجد أيام الإجازة تتسرب من بين أصابعنا دون أن نتمتع بها … دعونا من حكاية الألغاز والمغامرات والمهربين … وهيَّا إلى الشاطئ نلعب ونعوم.

وارتفعت الأصوات تؤيد «نوسة» … ولم تمضِ لحظات حتى كان الجميع يتسابقون إلى المياه الزرقاء التي اشتَهر بها شاطئ «سيدي عبد الرحمن» وقضَوْا فترة بعيدًا عن الخيمة يجرون ويقفزون ويلعبون، وقد نسوا كل ما يتعلَّق بالمهربين.

وقرب الساعة الخامسة عادوا إلى الخيمة … كان «محب» أسبقهم إلى دخولها، ولاحظ على الفور — بإحساس المغامِر — أنَّ الخيمة تعرَّضت لتفتيش دقيق. فخرج مسرعًا وأشار إلى الأصدقاء أن يتوقفوا خارج الخيمة، ثم قال: لقد تعرضتْ خيمتنا للتفتيش!

وتقدَّم «تختخ» من «محب»، وأخذا يفحصان الخيمة … وقال «محب»: لقد اختفت الزعنفة أيضًا!

قال «تختخ»: لقد كانوا يراقبوننا، ولعلنا مراقبون الآن. يجب الاتصال بالنقيب «مجدي» وإخطاره بما حدث.

وتناول الجميع غداءً خفيفًا، ثم خرج «تختخ» و«محب» مسرعين إلى الفندق للبحث عن «عادل مكرم» المحامي، وهو الاسم المستعار للنقيب «مجدي» … ولكنهما لم يجداه في الفندق … وقال «تختخ»: سنذهب لمقابلة الشحاذ في سوق «سيدي عبد الرحمن»، إنه أحد رجال المباحث، وسيدلُّنا على مكان النقيب «مجدي»!

وسارا مسرعَيْن في الطريق الطويل إلى السوق، وقطعا المسافة في نحو ساعة، ووصلا إلى السوق … واتَّجها فورًا إلى ضريح «سيدي عبد الرحمن»، حيث كان يقف الشحاذ … ولكنهما لم يعثرا عليه … وبدت الحيرة على وجه «تختخ» وهو ينظر حوله في ضيق، وقال «محب»: تعالَ نتناول زجاجتَيْ كوكاكولا؛ فإني أشعر بالعطش.

واتجها إلى أحد المحلات … كان كأغلب محلات السوق يبيع مختلف السلع، ومعها اللحم، فوقفا يتناولان المشروب البارد … ويتفرجان على البضائع المعروضة … وتوقفت أمام المحل سيارة صغيرة «جيب» ونزل منها شخصان دخلا المحل، ورحَّب بهما صاحبه في حرارة … وأخذ الرجلان يشتريان كميات كبيرة من الأرز واللحم والخضراوات … ولاحظ «تختخ» أن أحدهما يتحدث العربية، والآخر يبدو أجنبيًّا.

وفرغ الصديقان من الزجاجتين … ودهش «محب» لأن «تختخ» طلب زجاجتين أُخريين ناول إحداهما ﻟ «محب» وهو ينظر إليه نظرةً فهِم «محب» على الفور معناها، لقد كان «تختخ» يريد أن يتلكَّأ قليلًا في المحل … وهكذا أخذ «محب» يتناول المشروب ببطء، وابتسم له «تختخ»، فقد كانت النظرة كافية ليعرف المطلوب.

وانتهى الرجلان من شراء ما يلزمهما، ثم دفعا مبلغًا كبيرًا، وقفزا إلى السيارة وانطلقا مسرعَيْن، وناول «تختخ» الزجاجة الفارغة لصاحب المحل وهو يقول: إنها سيارة الفندق … أليس كذلك؟

قال الرجل: لا …

تختخ: ليس من المعقول أن يشتريَ هذه الكمية من الأطعمة سوى الفندق أو أفراد رحلة كبيرة … وليس عند الشاطئ ما يُنبئ عن وجود هذا العدد من الناس!

قال الرجل: إن الرجلين من اليخت «سيسليا» الذي يُلقي مراسيَه بعيدًا عن الشاطئ.

تختخ: آه … إنني أرى اليخت يوميًّا في مكانه … ألا يتحرك من هنا؟!

قال الرجل وهو يضحك: إنه يأتي كل شهر أو شهرين تقريبًا … فصاحبه الإيطالي من هواة الرحلات … وبخاصة إلى شاطئ «سيدي عبد الرحمن».

اكتفى «تختخ» بهذه المعلومات، ودفع «محب» ثمن الزجاجات، ثم انصرفا … وبدا على «محب» أنه يريد أن يتحدث … ولكنه رأى «تختخ» صامتًا يفكر وهما يسيران معًا في اتجاه العودة، وقال «تختخ» فجأة: ما رأيك فيما سمعت؟

محب: هل تشك في شيء؟ إنني شخصيًّا أشك …

تختخ: اليخت «سيسليا» يتردد على الشاطئ كلَّ شهر أو شهرين … صاحبه إيطالي.

محب: والزعنفة التي وجدها «زنجر» صناعة إيطالية!

تختخ: إنك تتسرع في الربط بين المعلومات … فهذا قد لا يعني شيئًا!

محب: وقد يعني أشياءَ كثيرة كما قلت!

تختخ: معك حق … ولكن ماذا نفعل؟ لقد اختفى النقيب «مجدي» والرائد «خيري» ومساعدهما … وهم وحدهم الذين يمكن أن يتحققوا من حكاية هذا اليخت.

محب: شيء مدهش … غيابهم عن مسرح الأحداث بهذا الشكل!

تختخ: أُرجِّح أنهم عثروا على أثر هام قد يرشدهم إلى المهربين، وأنهم مشغولون الآن …

ولم يكد «تختخ» ينتهي من كلامه حتى ظهر الشحاذ يعرج في مشيته مُتجهًا إلى مكانه بجانب الضريح. وتوقَّف الصديقان، وفكَّر «تختخ» لحظات، ثم قال ﻟ «محب»: انتظرني عند نهاية السوق … سأحاول التَّفاهم مع المخبر المتنكر!

وسار «تختخ» حتى لحق بالشحاذ، ومدَّ يده يُعطيه قرشًا … وتظاهر «تختخ» أن نقوده قد وقعت بالرغم منه، فمال إلى الأرض يجمعها، وشاركه الشحاذ، وقال «تختخ» وهو يقرب رأسه من الشحاذ: إنني أعرف من أنت … وأنا صديق للنقيب «مجدي»!

استمر الشحاذ يجمع النقود التي سقطت دون أن يتكلم، وعاد «تختخ» يقول: إنني أعرف أن النقيب «مجدي» ينزل مُتنكِّرًا في الفندق تحت اسم «عادل مكرم» المحامي، وأريد أن أقابله.

نطق المتسوِّل لأول مرة: لقد قصَّ عليَّ النقيب «مجدي» قصتك … فلماذا تريده؟

تختخ: عندي معلومات قد تكون على جانب كبير من الأهمية في مطاردة عصابة المهربين.

الشحاذ: إن النقيب «مجدي» والرائد «خيري» ذهبا إلى سوق «العلمين» … فقد ظهرت كمية من المخدِّرات هناك مع بعض البدو … وقبض عليهم رجال الحدود، وذهب الضابطان لحضور التحقيق.

تختخ: وهل كنت هناك؟

الشحاذ: نعم … ولكن الرجال الذين قُبض عليهم لا يعرفون شيئًا. كل ما يعرفونه أن شخصًا مجهولًا يحضر إليهم بين فترة وأخرى، ويُخطِرهم بوجود المخدِّرات مدفونة في مكان بعيد، فيذهبون لإخراجها وبيعها، ثم يحضر بعد فترة أخرى لأخْذ النقود!

تختخ: وأوصاف هذا الشخص؟

الشحاذ: إنه يتغير في كل مرة!

تختخ: ومتى يعود الضابطان؟!

الشحاذ: سيعودان ليلًا!

تختخ: أرجو أن تراقب سيارة «جيب» تأتي إلى هنا لأخذ كمية من الطعام، وحاول أن تجمع أكبر قدر من المعلومات عنها.

ووقف «تختخ» وأسرع إلى حيث كان يقف «محب»، وقال له: سيعود الضابطان الليلة إلى الفندق … هيا بنا!

كان الظلام قد أرخى سدوله على المنطقة … وبدا الشارع الطويل الممتد بين السوق والشاطئ مُوحشًا، و«تختخ» و«عاطف» يسيران بسرعة، وكان الطريق يمتد بمحاذاة الشاطئ لا يفصله عنه سوى شريط ضيق من الرمال … وعندما غادر الصديقان المنطقة المأهولة بالسكان أطبقت عليهما الظلمة … ولم يعد يبدو في ظلام الليل الدامس إلا أضواء الفندق البعيدة … وفجأة ظهر ثلاثة أشباح من الماء … وقبل أن يتمكن الصديقان من أي تصرف، صاح أحد الثلاثة: قفا مكانكما؟ إن مدفعي موجَّه إليكما!

وتوقَّف الصديقان … والتفتا ناحية الصوت … ووجدا الأشباح الثلاثة تقترب، وأحدهم يمسك مدفعًا رشاشًا، وكانوا جميعًا يرتدون ملابس الغوص المطاطية السوداء.

قال حامل المدفع: تعاليا معنا!

وأشار إلى الشاطئ … وكان هناك قارب مطاطي يقف متأرجحًا على صفحة المياه السوداء. ودون مقاومة اتَّجه الصديقان إلى القارب وصعدا إليه. وصعد بعدهما الرجال الثلاثة، وما زال المدفع الرشاش موجهًا إليهما … وجلس حامل المدفع أمامهما … على حين أمسك الرجلان الباقيان بالمجاديف … وبدأ القارب يشقُّ صفحة المياه مسرعًا، وأخذت أضواء الفندق تتضاءل تدريجيًّا … وساد سكون عميق لا يقطعه سوى صوت المجاديف وهي تضرب صفحة المياه بانتظام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤