الفصل الحادي عشر

الغرض من الحياة

س: ما هو الغرض من الحياة؟

ج: الغرض من الحياة أن يتقلب الحي في أحوال جميلة، فيكون يومه أرفه منه حالًا في أمسه، ويقترب من السعادة ما وجد إِلى ذلك سبيلًا.

س: أين تجد السعادة؟

ج: أجد السعادة في تأدية الواجب، في حب العمل، في حب الأسرة، في حب الوطن والأقران، في التأمل في عجائب الطبيعة، في استحسان جلائل الأعمال من العلم والأدب والصناعة.

س: أرني كيف تجد السعادة في تأدية الواجب؟

ج: رفيقي فلان يستحق غالبًا أن يكون الأول في فرقته؛ وذلك لنشاطه وحسن سلوكه؛ فهو إِذن سعيد. ابن عمي ذلك الجندي الشريف أراه لم يعاقب مرة في حياته، وهو يحب حرفته، ويسترعي التفات رؤسائه؛ فهو إِذن سعيد.

وأنت أيها الأستاذ أراك تكد نفسك وتتعبها في تعليمنا وترفيه حالنا، فنجاحنا وحسن سلوكنا يجعلانك سعيدًا. وكذلك أنا: فإني كلما قمت بالواجب شعرت بنوع من السرور والارتياح ينبعث من سريرتي، فأعلم في تلك الفترة أني سعيد؛ فلذلك أرى السعادة في تأدية الواجب.

س: أرني كيف تجد السعادة في حب العمل؟
ج: إِن جارنا ذلك البيطار١ النشيط، لا أفتأ أسمع رنين سنداله من الصبح إِلى المساء، ومع ذلك فداره مهبط الهناء، وحديقته مثال الاعتناء، وما رؤي في حانوت خمر قط، ولا قابل الناس بغير البشاشة، وكم سمعته يغني وما أظنه يعرف السأم؛ ولذلك تراه ينتظر أيام الكبر رضي البال، ويستقبلها مثلوج الصدر ساكن الخاطر.
س: أرني كيف تجد السعادة في حب الأسرة؟
ج: إِني أعرف أسرة من الأسر قد ساكنتها السعادة، وصاحبها الهناء، وذلك بفضل تربية الأولاد فيها، وحسن عناية الوالدين، فإِن جميع أولاد هذه الأسرة يعيشون في قرية واحدة، ويتعاونون فيما بينهم، ولا يقصرون في العطف على أقاربهم واحترامهم، ولقد رأيتهم مرة قد دخلوا جميعًا إِلى منزل جدهم، وكان ذلك في يوم عيده، وفي يد كل منهم طاقة٢ من الزهر، ولما حان وقت الغداء التفوا حول مائدة خفيفة المئونة، وقد أشرقت أسارير وجوههم فما أسعدني إِذا وفقت إِلى بناء أسرة كهذه الأسرة.
س: أرني كيف تجد السعادة في حب الوطن؟

ج: إِني كلما فكرت في أنه سيجيء يوم أقوم فيه بواجب الوطن والذود عنه، امتلأت نفسي غبطة وسرورًا.

س: أرني كيف تجد السعادة في حب أمثالك؟

ج: في قريتي رجل وقف حياته على فعل الخير ومواساة الناس، فما طرق بابه طارق وردَّ بالخيبة، فهو يبالغ في محاسنة الناس ومناصحتهم ومعاونتهم، وهو يجد في خدمة الصالح العام فتراه عضوًا في كل جمعية خيرية، وكم زار مدرستنا فكان موضع احترام الكبير والصغير، ذلك هو الرجل السعيد، وإِني لأرجو أن أوفَّق إلى أن أفعل فعله، وأحذو حذوه حتى أصبح سعيدًا مثله.

س: أرني كيف تجد السعادة في التأمل في عجائب الطبيعة؟

ج: أشعر بالسعادة كلما مر بي يوم صحو: تشرق شمسه الزاهية في سمائه الصافية، وكلما سمعت تغريد الطيور، أو رأيت الزرع مستويًا على سوقه وقد أخرج شطأه، أو شهدت الأزهار وقد ابتسمت بين الحشائش، كذلك كلما مر بي مساء رُصِّعت سماؤه بالكواكب، فأنعمت في التأمل فيها، وأرى السعادة كل السعادة إِذا رجعت إلى نفسي، وتأملت في صنع جسمي البديع، ولطف تلك الروح العلوية، فلا أكاد أمر بمنظر من تلك المناظر حتى أقف أمامه لمحة أحس فيها بالسعادة.

س: كيف تجد السعادة في براعة الأدب، ودقائق الصناعة، وعجائب العلم؟

ج: إِن كل ما يرفع النفس ويهذبها يسبب سرورًا داخليًّا فيها، وهذا السرور مصدره السعادة، وإِنهم ليشعرون به كلما قرءوا كتابًا بليغًا، أو شهدوا بناءً عجيبًا، أو تمثالًا بديعًا، أو رسمًا متقنًا، وكلما سمعوا غناء الموسيقى، أو نظروا عجائب الاختراع، التي تظهرها قدرة العلم.

أما أنا فإني سأرصد وقتًا من أوقات فراغي لإِتمام علمي وتثقيف ذهني.

س: كيف تهيئ نفسك لأن تكون سعيدًا؟

ج: ألا أفعل ما أخجل من فعله، وأن أربأ بنفسي عن مواقف الاعتذار، وأن أنتزع من نفسي عوامل الحقد، والانتقام، وأن أرضى بقسمتي من حظي، وأن أكون قاسيًا على نفسي رحيمًا بغيري، وأن لا أستكين للمصائب ولا ألين لصعوبات الحياة، وأن لا أحسد غيري على سعادته، وأن أكون في كل حال متساهلًا عادلًا موفقًا صادقًا، وألا أتعرض لكل ضار بصحتي.

س: ما هي إِذن قواعد الحياة الأساسية؟

ج: أن تكون طيبًا، وعادلًا، وأن تحب الحقيقة: ذلك هو ناموس الحياة.

١  الطبيب البيطري.
٢  طائفة من الزهر وتسميها العامة بالصحبة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤