الخاتمة

بقيتُ في كينيا أسبوعين آخرين. وعُدنا جميعًا إلى نيروبي حيث المزيد من حفلات العشاء والمحادثات والقصص. أقامت الجَدة في شقةِ أوما، وكنتُ أنام كل ليلةٍ وأنا أسمع همس أصواتهما. وذات يوم تجمَّعنا عند استديو للتصوير الفوتوغرافي لأخذ صورةٍ عائلية، ومن ثَم ارتدت السيدات جميعهنَّ عباءاتٍ أفريقية مُنسابة برَّاقة ألوانها خضراء وصفراء وزرقاء، أما الرجال فكانوا طِوال القامة حالقي وجوههم ومُرتدين ملابسَ مكويةً على نحوٍ مُتقن، وعلَّق المصور — الذي كان هندي الجنسية رفيع القوام ذا حاجبَين كثيفَين — على روعة الصورة التي التقطها لنا.

عاد روي إلى واشنطن العاصمة بالطائرة بعد ذلك بوقتٍ وجيز، وعادت الجَدة إلى هوم سكويرد. وعلى حين غِرة خيَّم الهدوء على الأيام وتملَّكتني أنا وأوما حالةٌ من الكآبة كما لو كنَّا قد استيقظنا من حُلم. وربما كان الشعور بأننا أيضًا سنعود قريبًا إلى حياتنا الأخرى — حيث العزلة والانفراد بالذات من جديد — هو الذي جعلنا نُقرِّر ذات يوم زيارة جورج؛ آخر أبناء أبينا.

لقد اتضح أنه أمرٌ محرِج رُتِّبَ له بعجلةٍ ودون عِلم الأم؛ ركبنا السيارة مع زيتوني ووصلنا إلى مدرسةٍ صغيرة نظيفة من طابقٍ واحد حيث يلعب مجموعة من أطفال المدرسة في ملعب واسع مُغطًّى بالعشب. وبعد محادثةٍ قصيرة مع المدرِّس المشرف وقتَ الراحة بين الحصص جاءت زيتوني بأحد الأطفال إلينا؛ كان وسيمًا مُستدير الرأس تعلو وجهه نظرة احتراس. انحنت زيتوني لأسفل وأشارت نحوي ونحو أوما.

وتحدَّثت إلى الولد: «هذه أختك التي اعتدت اللعب معها على رُكبتَيها. وهذا أخوك الذي قطع مسافةً شاسعة من أمريكا ليراك.»

صافَحَنا الولد بشجاعة، لكنه ظلَّ ينظر بين الفينة والأخرى إلى الألعاب التي ما لبث أن تركها. وعندئذٍ أدركتُ أننا أخطأنا. وسرعان ما خرجت مديرة المدرسة من مكتبها لتقول لنا إن لم يكن لدَينا إذنٌ من الأم فلا بد من أن نُغادر. بدأت زيتوني تجادل هذه السيدة لكنَّ أوما قالت: «لا يا عمتي، إنها على حق. يجب أن نذهب.» ونحن جالسون في السيارة شاهدنا جورج وهو يعود إلى أصدقائه، وكان من المُستحيل تمييزه سريعًا عن الأطفال الآخرين المستديري الرءوس البارزي عظام الركبة الذين يجرون على العشب وراء كرةِ قدم قديمة. وعلى حين غِرة وجدتُ نفسي بعدئذٍ أتذكَّر لقائي الأول بأبي والشعور بالخوف وعدم الراحة الذي تمخَّض عن وجوده، الأمر الذي أجبرني لأول مرةٍ على التفكير مليًّا في غموض حياتي الخاصة. وشعرت بالراحة لحقيقة أن جورج أيضًا يومًا ما عندما يكون أكبرَ سنًّا ربما يريد معرفة ماهية أبيه وإخوته وأخواته، وأنه إذا لجأ إليَّ يومًا فسيَجِدني دون شك لأخبره القصة التي أعرفها.

في هذا المساء سألتُ أوما هل تعرف أيًّا من الكتب الجيدة التي تتحدَّث عن قبيلة لوو، واقترحَتْ عليَّ أن نزور مُدَرِّسة تاريخ قديمة كانت تُدرِّس لها، وهي سيدة طويلة ممشوقة القوام اسمها دكتورة «رقية أوديرو» كانت صديقة أبي. عندما وصلنا إلى منزلها كانت الدكتورة أوديرو على وشك الجلوس لتناول عشائها؛ لذا أصرَّت على أن نشاركها العشاء. وأثناء تناولنا سمَك البُلطي والأوجالي أصرَّت المُدرِّسة على أن أُناديها بِرُقية، ثم استفسرت منِّي عن انطباعاتي عن البلد. وسألتني: هل شعرت بالإحباط؟ قلت لها إنني لم يراودني هذا الشعور مع أنني سأغادر ولديَّ أسئلةٌ بعددِ ما لديَّ من إجابات.

قالت رقية وهي تضبط نظارتها فوق قصبة أنفها: «هذا حسن، وهذا هو أسلوبنا نحن المؤرخين لكسبِ قوَّتنا. إننا طَوال اليوم نُحاول إثارةَ أسئلة جديدة. وهذه مسألة في الواقع باعثة على الملل الشديد. هذا بالإضافة إلى أنها تتطلَّب شخصًا ذا طبيعةٍ بوسعها احتمال مُضايقة الغير. تعلم أن الشباب الأمريكيين السود يميلون إلى التفكير في أفريقيا من منطلق رومانسي. لكنني وأباك عندما كنَّا شبابًا فعلنا العكس تمامًا، حيث توقَّعنا إيجاد كل الإجابات في أمريكا. في حي هارلم. وفي شيكاغو. ولدى الكاتِبَين لانجستون هيوز وجيمس بولدوين. من كل هذا استقطبنا الإلهام. ومن عائلة كيندي … وكانت لهذه العائلة شعبية عريضة. كانت فرصة الدراسة في أمريكا غاية في الأهمية. كانت وقتًا مفعمًا بالأمل. وبالطبع عندما عُدنا أدركنا أن تعلمينا لم يُفِدنا دائمًا على نحوٍ ملائم. وكذلك مَن أرسلونا إلى أمريكا. لقد كان لدَينا كل هذا التاريخ الفوضوي لنتعامل معه.»

سألتُ رقية عن سببِ اعتقادها أن الأمريكيين السود عرضةٌ للشعور بالإحباط عند زيارتهم لأفريقيا. فهزَّت رأسها وابتسمت. ثم قالت: «لأنهم يأتون إلى هنا باحِثين عن الأصل. وهذا سببٌ مؤكَّد للشعور بالإحباط. انظر إلى هذه الوجبة التي نتناولها. إن كثيرين سيُخبرونك أن أفراد قبيلة لوو من آكلي السمك. لكنَّ هذا ليس صحيحًا لجميع أفراد القبيلة. بل ينطبق هذا فحسب على مَن يعيشون بجانب البحيرة. وحتى هؤلاء لا يصحُّ هذا الأمر معهم دائمًا. ذلك لأنهم قبل أن يستقِرُّوا حول البحيرة كانوا رعاةَ غنم مثل أفراد قبيلة ماساي. والآن، إن تصرفتَ أنت وأُختك بأسلوبٍ لائق وتناولتما قدرًا مناسبًا من هذا الطعام فإنني سأُقدِّم لكما الشاي. والكينيون — كما تلاحظ — فخورون إلى حدٍّ بعيد بجودة الشاي المصنوع لدَيهم. لكننا بالطبع اكتسبنا هذه العادة من الإنجليز لأن أسلافنا لم يشربوا هذا المشروب. هذا إلى جانب التوابل التي نَستخدِمها لطهي هذا السمك. فهي تأتينا أساسًا من الهند أو إندونيسيا. وحتى في هذه الوجبة البسيطة ستجد أنها من الصعوبة بمكانٍ أن تكون أصلية … مع أن الوجبة دون أدنى شك أفريقية.»

لفَّت رقية كرةً من الأوجالي في يدِها وغمستها في اليخني الخاص بها. وقالت: «يمكنك بالكاد إلقاء اللوم على الأمريكيين السود بكل تأكيد لاحتياجهم ماضيًا لم يمسَسْه سوء بعد كل الوحشية التي عانوها — ولا يزالون يُعانونها — طبقًا لما أقرؤه في الصحف. ولكن ليس هم فقط مَن يرغبون ذلك. فالأوروبيون يريدون الشيء نفسه. وكذلك الألمان والإنجليز … إنهم جميعًا يزعمون أن أثينا وروما بلادهم مع أن أسلافهم في الواقع دمَّروا الثقافة الكلاسيكية. لكنَّ هذا حدث منذ وقتٍ طويل؛ لذا فإن مُهمتهم أسهل. في مدارسهم نادرًا ما تقرأ عن شقاء الفلاحين الأوروبيين على معظم صفحات التاريخ. كم هو مخزٍ رؤية كيف عامل الأوروبيون ذويهم معاملةً أقل من معاملة الملونين في ظل فساد الثورة الصناعية واستغلالها والحروب القبلية غير المبرَّرة! لذا فإن هذه الفكرة عن عصرٍ ذهبي لأفريقيا تبدو طبيعية فقط قبل أن يأتي البِيض.»

قالت أوما: «ما الحل إذن؟»

قالت رقية وهي تبتسِم: «عادةً ما تكون الحقيقة هي الحل الأفضل.» وتابعت: «في بعض الأحيان أُفكِّر أن أسوأ شيءٍ فعله الاستعمار هو ضبابية رؤيتنا لماضينا. فبدون البِيض ربما كنا سنُصبح قادرين على استخدام تاريخنا استخدامًا أفضل. وربما كنا سنُعيد النظر في كثيرٍ من ممارساتنا القديمة ونُقرِّر أنها تستحقُّ الإبقاء عليها. وفي ممارساتٍ أخرى سنُقرر ضرورة الإقلاع عنها. ولسوء الحظ جعلَنا البِيض نتصرَّف بعدم ثقةٍ بالمرة. وانتهى بنا الأمر ونحن مُتشبِّثون بجميع الأشياء التي ظلت موجودة بعد نفاد فوائدها. مثل تعدُّد الزوجات. والملكية الجماعية للأراضي. هذه الأشياء كانت مُلائِمة في وقتها إلا أنها الآن أصبحت وسائل للممارسات الفاسدة. من قِبل الرجال. ومن قِبل الحكومات. ومع ذلك فإننا إذا قُلنا ذلك نكون مُصابين بعدوى الأيديولوجيا الغربية.»

قالت أوما: «إذن كيف يُمكننا تغيير هذا الوضع؟»

هزَّت رُقية كتفَيها. وقالت: «إنني أترك الإجابة عن مثل هذه الأسئلة لصنَّاع السياسة. فأنا لستُ إلا مؤرخة. لكنني أظنُّ أننا ليس بوسعنا التظاهر بأن نقيض موقفنا ليس له وجود. وكلُّ ما نستطيع فعْله هو الاختيار. فمثلًا لا يزال ختان الإناث من العادات المهمة السائدة في قبيلة كيكويو. وكذلك في قبيلة ماساي. ويحدث ذلك في الوقت الذي نشعر فيه في أيامنا هذه أن هذا الأمر همجي. ربما يُمكننا الترتيب لإجراء هذه العمليات كافة في المستشفيات وتقليل معدل الوفاة. وربما يمكننا تقليل النزيف لأدنى حد. لكن لا يمكنك إجراء عملية الختان بشكلٍ لا يؤثِّر كثيرًا على أنوثة الفتاة. ذلك لأن هذا الأمر من شأنه ألا يُرضي أحدًا. إذن لا بدَّ من الاختيار. والأمر نفسه ينطبق على مبدأ سيادة القانون وفكرة التحقيق المستقل؛ فهذه الأشياء ربما تتعارض مع مشاعر الولاء للقبيلة. لا يمكن أن تكون هناك سيادة قانون وبعدئذٍ تُعفي أفرادًا مُعيَّنِين في عشيرتك. ولكن ماذا عساك أن تفعل؟ الاختيار مُجددًا. وإذا أسأتَ الاختيار فستتعلَّم إذن من أخطائك. وتصل إلى الاختيار الصحيح.»

لعقتُ أصابعي وغسلتُ يدي. وقلت: «لكن ألم يتبقَّ شيء أفريقي خالص؟»

قالت رقية: «لا أظن ذلك، أليس كذلك؟» وتابعَت: «ويبدو بكل تأكيدٍ أن هناك شيئًا مختلفًا بخصوص هذا المكان. إلا أنني لا أعلم ما هو. ربما يكون للأفارقة وجهة نظر فريدة عن الوقت نظرًا لسفرِهم إلى أماكنَ بعيدةٍ بسرعةٍ شديدة. أو ربما يكون هذا الشيء هو أننا تعرَّضنا للمعاناة أكثرَ من أي شعبٍ آخر. وربما يكون الأرض نفسها. لا أعرف. ربما أكون أنا الرومانسية. كما أنني أعرف أنني لا أستطيع أن أظلَّ بعيدةً عن هنا لوقتٍ طويل. إن الناس لا يزالون يتحدَّثون بعضهم مع بعض هنا. لكنني عندما أذهب إلى الولايات المتحدة فإنها تبدو مُوحِشة إلى حدٍّ بعيد …»

على حين غِرة انطفأت جميع الأنوار في المنزل. وتنهَّدَت رقية وقالت إن انقطاع التيار الكهربي أصبح أكثر شيوعًا، فأعطيتُها قدَّاحتي لإشعال الشموع التي كانت محتفظةً بها أعلى رف الموقد. تذكَّرتُ وأنا جالس في الظلام القصص التي سردتها لنا زيتوني وقلتُ إن عدَّائي الليل لا بد أنهم بالخارج. وأشعلَتْ رقية الشموع وكشفَتْ أضواؤها عن وجهها الضاحك.

وقالت: «إذن إنك تعرف مَن هم عدَّاءو الليل! نعم إنهم يكونون أقوياء جدًّا في الظلام. وقد اعتاد الناس وجودَ الكثير منهم في منطقتِنا في أرض الوطن. وقيل إنهم يمشون مع فرس النهر ليلًا. وأتذكَّر ذات مرة …»

مثلما انطفأت الأنوار على نحوٍ مفاجئ، أُضيئت المصابيح فجأةً أيضًا ولكن للحظةٍ واحدة. ولذا أطفأت رقية الشموع وهزَّت رأسها. وقالت: «وا حسرتاه! يعود التيار الكهربائي وتُضاء المصابيح في المدينة عاجلًا أو آجلًا. إن لديَّ ابنة تستهزئ بعدَّائي الليل. ولُغتها الأولى ليست لغة قبيلة لوو. أو حتى لغة السواحيلية. إنما لُغتها الإنجليزية. وعندما أستمع إليها تتحدَّث مع صديقاتها يبدو لي حديثهنَّ مُبهمًا. ذلك لأنهنَّ يستعنَّ في الحديث بكلمات من جميع اللغات؛ الإنجليزية والسواحيلية والألمانية ولغة لوو. وفي بعض الأحيان يفيض بي الكيل بسبب هذا الأمر. وأقول لهنَّ: تعلمن التحدُّث بصورةٍ صحيحة بلغة واحدة.» وبعدئذٍ ضحكت بينها وبين نفسها. واستطردت قائلةً: «لكنني بدأتُ أتقبَّل الأمرَ ما دام لا يُوجَد شيء يمكن فعْله حياله. إنهنَّ يعشن في عالمٍ مضطرب. وأعتقد أن هذا لا يُسبِّب لي أية مشكلة. ففي نهاية الأمر إنني لا أهتم بأن تكون لدي ابنة أفريقية حتى النخاع بقدْر اهتمامي بأن تكون لها شخصيتها المستقلة.»

تأخَّر الوقت وشكرْنا رقيةَ على استضافتها لنا ومضَينا لحال سبيلنا. لكنَّ كلماتها ظلت معي وسلطتِ الضوء على ذكرياتي وتساؤلاتي الدائمة. وفي إجازة نهاية الأسبوع الأخيرة لزيارتي أخذتُ أنا وأوما القطار إلى الساحل، وأقَمْنا في فندقٍ قديم بالقُرب من الشاطئ في مومباسا وكان من الفنادق التي يُفضِّلها أبي. كان الفندق نظيفًا ومُتواضعًا وفي شهر أغسطس كان يكتظ في الأغلب بالسائحين الألمان والبحارة الأمريكيِّين وقتَ السماح لهم بمغادرة سفُنهم والذهاب حيث يريدون لمدةٍ محدودة. وفي هذه الفترة لم تكن لنا أنشطة كثيرة إلا أننا كنَّا نقرأ ونسبح ونمشي على الشاطئ ونحن نشاهد سرطانات البحر الشاحبة اللون وهي تنطلق مسرعةً كالأشباح إلى جحورها الرملية. وفي اليوم التالي زُرنا مدينة مومباسا القديمة وصعدنا على السلالم البالية لقلعة المسيح التي بناها البرتغالِيُّون لأول مرةٍ من أجل تعزيز السيطرة على الطرق التجارية بطول المحيط الهندي، والتي اجتاحتها فيما بعدُ الأساطيل العمانية السريعة ثم أصبحت بعدها رأس جسر للبريطانيين عند انتقالهم إلى الجزء الداخلي من البلاد بحثًا عن العاج والذهب، إلا أنها الآن ليست سوى إطار حجري فارغ مُقشَّرة جدرانه الضخمة مثل ورق اللصق المُقطَّع إلى مستطيلاتٍ برتقالية اللون باهتة وخضراء ووردية، ومشيرةٌ مَدافعه غير المستخدمة إلى بحرٍ هادئ رمى فيه صياد وحيد شبكتَه.

في طريق العودة إلى نيروبي قرَّرتُ أنا وأوما أن نبذر بعضَ الأموال في شراء تذكرتَين لركوب حافلة تُحجَز مقاعدها. إلا أن الشعور بالرفاهية لم يستمرَّ طويلًا حيث ضغط على رُكبتَي راكب أراد أن يستردَّ قيمة أمواله التي دفعها من خلال المقاعد المتحركة الظهر، بالإضافة إلى الأمطار الثقيلة المفاجئة التي تدفَّقَت من الشقوق الموجودة في سقف الأتوبيس والتي حاولنا — دون جدوى — أن نَسُدَّها باستخدام المناديل الورقية.

في نهاية الأمر توقَّف هطول الأمطار ووجدنا أرضًا تمرُّ على أنظارنا؛ قاحلة ويسكنها الحصى والشجيرات وشجرة الباوباب التي كانت فروعها العارية الممعِنة النظر إلى السماء مُزينة بالأعشاش الدائرية للطائر النسَّاج. تذكَّرت أنني قرأتُ في أحد الكتب أن شجرة الباوباب يمكن أن تظل سنوات دون إزهار، وأنها تعيش على هطول الأمطار الشحيحة، وعند رؤيتي الأشجار في هذا المكان في الضوء الغائم بعد الظهر عرفت سبب إيمان الناس بأنهم يملكون قوةً من نوع خاص؛ أنهم يكنُّون بداخلهم أرواح أسلافهم الخيرة والشريرة وأن الجنس البشري ظهر لأول مرة أسفل هذه الشجرة. لم يكن الأمر مُتعلقًا بمجرد غرابة شكلها أو هيئتها العتيقة المواجهة للسماء. قالت أوما: «تبدو هذه الأشجار وكأن لكلٍّ منها القدرة على سرد قصة»، وكان ذلك صحيحًا فكل شجرة بدت وكأن لها شخصيتها المستقلة، ليست خيرة أو قاسية، إلا أنها باقية وبها أسرار لم أستطِع إطلاقًا سبر أغوار أعماقها وحكمة لم أتمكَّن مطلقًا من استيعابها. على أن هذه الأشجار جعلتني أشعر بالانزعاج والراحة معًا؛ هذه الأشجار التي بدت وكأنها ستجتث نفسها من فوق الأرض وتمشي بعيدًا ببساطة لولا حقيقة أن أي مكان على وجه البسيطة لا يختلف كثيرًا عن أي مكان آخر؛ حقيقة أن اللحظة الواحدة تحمل بين جنباتها كلَّ ما حدث فيما مضى.

•••

مرت ستُّ سنواتٍ منذ الرحلة الأولى إلى كينيا وتغيَّرت أحوال كثيرة في العالم.

كانت هذه الفترة هادئة نسبيًّا فيما يتعلَّق بي؛ فقد اشتملت على أوقات اكتشافٍ أقلَّ من أوقات تقوية النفس وفعل الأشياء التي نُخبر أنفسنا أننا لا بد من أن نفعلها في النهاية لنطوِّر أنفسنا. التحقتُ بكلية الحقوق بجامعة هارفارد وقضيتُ أغلب سنوات الدراسة الثلاث في مكتباتٍ سيئة الإنارة، مُتمعنًا في دراسة القضايا والقوانين. وأحيانًا يمكن أن تبعث دراسة القانون على الشعور بالإحباط باعتبارها عملية تطبيق قوانين ضيقة النطاق وإجراءات يصعب فهمها على حقائق لا تُقدِّم المساعدة للآخرين؛ فهي نوع من التسوية الرفيعة المستوى تُنظِّم شئون ذوي السلطة وتسعى دائمًا إلى تقديم تفسيرات إلى غير ذوي السلطة متعلقةٍ بالحكمة النهائية لحالتهم وعدالتها.

لكنَّ القانون ليس ذلك فقط. إنه ذاكرة وتسجيل لمحادثات جدالية بين أُمَّةٍ وضميرها استمرت فتراتٍ طويلة.

أتذكَّر الكلمات الواردة في وثيقة إعلان الاستقلال: «إننا نؤمن بأن هذه الحقائق بديهية.» أسمع فيها أصوات دوجلاس وروزفلت وجيفرسون ولينكولن وأشعر بكفاح مارتن لوثر كينج ومالكولم إكس والمعارِضين المغمورين المطالِبين بوضع هذه الكلمات حيزَ التنفيذ. وأسمع أصوات العائلات اليابانية التي اعتُقلت خلف أسلاكٍ شائكة، وأصوات شباب اليهود الروس الذين كانوا يقصُّون القماش لتصنيع الموديلات في المصانع الاستغلالية في لور إيست سايد، وأصوات المزارعين أثناء العواصف الترابية — التي ضربت الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن العشرين — الذين حمَّلوا شاحناتهم بأشلاء حياتهم المدمرة. أسمع أصوات الناس في ألتجيلد جاردنز وأصوات مَن وقفوا خارج حدود البلد؛ هؤلاء المتعَبون الجوعى مَن عبروا نهر ريو جراند. أسمع كل هذه الأصوات المناشدة بالاعتراف بها، ولجميعهم مطالبُ واحدة شكَّلت حياتي وهي المطالب نفسها التي أجدني أحيانًا في ساعة مُتأخِّرة من الليل أُطالب بها أبي. ما ماهية مجتمعنا؟ وكيف يمكن أن يتوافق مع حُريتنا؟ وإلى أي مدًى ستصل مسئولياتنا؟ وكيف يمكننا تحويل السلطة المجردة إلى عدالة، والعاطفة المجردة إلى حُب؟ إن الإجابات التي وجدتها في كتب القانون لم تكن لترضيني على الدوام، وفي كل قضية تمييز عنصري بين البِيض والسود، في التعليم أجد مجموعةً من القضايا يلقى فيها الضمير حتفَه على يد النفعية أو الطمع. ومع ذلك فإنني أجد نفسي في المحادثة نفسها — في اتحاد الأصوات — مُشجعًا بتواضُع على إيماني بأن ما يجمعنا معًا ربما يلقى القبول في النهاية ما دامت المطالب لا تزال تُنشَد.

كان هذا الإيمان — المختلف اختلافًا شاسعًا عن البراءة — من الصعوبة بمكان الإبقاء عليه أحيانًا. وعند عودتي إلى شيكاغو وجدتُ دلالات الفساد مُتزايدة في الجانب الجنوبي بأكمله، حيث ازدادت الأحياء سوءًا وازداد توتر الأطفال وصعوبة التحكم فيهم وانتقلت عائلات أكثر من الطبقة المتوسطة إلى الضواحي واكتظت السجون بالشباب الغاضب، وانعدمت آمال وتوقعات إخوتي. وكان من النادر جدًّا سماعي الناس يتساءلون عما فعلناه لنجعل قلوب أطفالٍ كثيرين قاسيةً لهذا الحد، أو عمَّا يُمكننا فعله بيدٍ واحدة لتقويم الوازع الأخلاقي أو القيم التي لا بد من أن نتَّخذها أساسًا في حياتنا. إنما رأيتُ أننا نفعل ما كنا نفعله باستمرار؛ التظاهر بأن هؤلاء الأطفال ليسوا أطفالنا.

حاولت أن أُسهِم إسهامًا بسيطًا في عكس هذا التيار. وفي ممارستي القانونية تعاملتُ بصفة غالبة مع الكنائس والاتحادات المجتمعية والرجال والسيدات الذين تمكَّنوا من بناء محلات بقالةٍ وعيادات دون إحداث أية مشكلات في قلب المدينة إلى جانب تجمُّعات سكنية للفقراء. ومن وقتٍ لآخر كنتُ أتعامَل مع إحدى قضايا التمييز العنصري لوكلاء كانوا يأتون إلى مكتب المحاماة الخاص بي بقصصٍ نُفضِّل أن نُخبر أنفسنا بأنها لم تَعُد موجودة. وكان معظم هؤلاء العملاء يُحرَجون إلى حدٍّ ما بسببِ ما حدث لهم، مثل رفض زملائهم في العمل من البِيض الإدلاءَ بشهادتهم لمصلحتهم لأنهم لا يُريدون أن يُعرَف عنهم أنهم من مختلِقي المشكلات. ومع ذلك فإنه في مرحلةٍ ما يجد كلٌّ من المدعي والشاهد أن القواعد في خطر الإخلال بها، وأنه مع كلِّ ما حدث فإن هذه الكلمات التي نُحِتت في المستندات منذ ٢٠٠ عام لا بد أن يكون لها معنًى في النهاية. ومن ثم فإن البِيض والسود يُطالبون بالمجتمع الذي نطلق عليه أمريكا. هم يختارون تاريخنا الأفضل.

•••

أعتقد أنني خلال السنوات القليلة الماضية تعلمتُ أن أكون أكثرَ صبرًا مع نفسي ومع الآخرين. وإن صح هذا فإن ذلك أحد التطوُّرات الإيجابية الكثيرة في شخصيتي التي أعزوها إلى زوجتي ميشيل. إنها إحدى بنات الجانب الجنوبي تربَّت في منزلٍ مَبنيٍّ من طابق واحد قضيتُ فيه أوقاتًا كثيرة في عامي الأول في شيكاغو. في الواقع لا تستطيع ميشيل دائمًا معرفة كيف يمكن فهم شخصيتي وكانت قلِقة، مثلها مثل جَدي وأبي، من أن أكون حالمًا في دُنيا الخيال. إنها تُذكِّرني في الحقيقة — بطبيعتها العملية الباهرة واتجاهاتها المشابهة لاتجاهات الجزء الأوسط الغربي من الولايات المتحدة — بجَدتي إلى حدٍّ بعيد، وأتذكَّر أن جَدي في أول مرةٍ أخذتُ ميشيل إلى هاواي وَكَزني بمرفقه في ضلوعي وقال إنها «جذابة» للغاية. مع أن جَدتي وصفت عروسي المرتقبة بأنها «فتاة بالِغة الحساسية»، وهي الصفة التي فهمتها ميشيل على أنها أفضل صيغة مدح من جَدتي لها.

بعد خطبتنا أخذتُ ميشيل إلى كينيا لمقابلة النصف الآخر من عائلتي وأُعجب بها أفراد العائلة هناك أيضًا. ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أنها سرعان ما تعلَّمَت عددًا من كلمات لغة قبيلة لوو فاق ما تعلمتُه. لقد قضَينا وقتًا طيبًا في أليجو ونحن نساعد أوما في مشروع الفيلم الذي كانت تُعِدُّه ونستمع إلى المزيد من القصص التي ترويها لنا الجَدة، ونُقابل أقاربنا الذين لم أستطِع مُقابلتهم في زيارتي الأولى. وبعيدًا عن الريف بدت الحياة في كينيا وقتئذٍ أصعب. ساءت الأحوال الاقتصادية جنبًا إلى جنب مع ارتفاع معدلات الفساد وجرائم الشوارع المصاحبة لسوء أحوال الاقتصاد. وظلَّت قضية إرث أبي مُعلَّقة دون حلٍّ وكانت سارة وكيزيا لا تزالان على خلاف، ولم يكن بيرنارد وآبو وسيد قد وجدوا عملًا ثابتًا بعدُ مع أنهم ظلُّوا مُفعمين بالأمل، وكانوا يتحدثون عن تعلُّم قيادة السيارات وربما الاشتراك جميعًا في شراء سيارة ماتاتو مُستعملة. حاولنا مرةً أخرى زيارة جورج — أخينا الأصغر — لكنَّ محاولاتنا باءت بالفشل. وأُصيب بيلي ابن عمنا القوي البنية الودود الذي قابلتُه لأول مرة في كندو باي بمرض الإيدز. ولذا كان هزيلًا وضعيفًا عندما رأيتُه وكان يمكن أن ينام فجأةً في غمرة الحديث معه. ومع ذلك بدا هادئًا وسعيدًا لرؤيتي وطلب منِّي أن أُرسل له صورة التُقِطت لي وله قبل الإصابة بالمرض. إلا أنه مات وهو نائم قبل أن أُرسِل الصورة له.

في العام نفسه كانت هناك حالات وفاة أخرى. مات والد ميشيل — وكان رجلًا صالحًا ومهذبًا تمامًا مثلما عرفتُه — قبل أن يُزوِّج ابنته. ومات جَدي بعد ذلك بأشهُر بعد صراعٍ طويل الأمد مع سرطان البروستاتا. ولأنه كان محاربًا قديمًا في الحرب العالمية الثانية كان من حقِّه أن يُدفَن في مقابر بانشباول ناشونال سيميتري فوق هضبة تُطلُّ على هونولولو. وكانت مراسم الدفن بسيطةً ولم يكن موجودًا فيها سوى القليل من رفقائه الذين كانوا يلعبون معه الجولف والبريدج وأُطلِقت ثلاثة أعيرة نارية تبجيلًا له ونُفخ في البوق.

مع كل هذه الأحزان قرَّرتُ أنا وميشيل أن نبدأ تنفيذ إجراءات الزواج وكان الراعي جيرميه إيه رايت الابن هو مَن أقام قُداس الزفاف في حرم كنيسة المسيح المتحدة للثالوث في شارع ٩٥. بدا الجميع سعيدًا وقت الحفل وأُعجبت عمَّاتي الجديدات بالكيك وأُعجب أعمامي الجدد بأنفسهم وهم مُرتدون حللَ السهرة التي استأجروها. كان جوني من بين الحضور وأخذ يضحك مع جيف وسكوت — صديقيَّ القديمين من هاواي — وحسن رفيق الحجرة أيام الجامعة. وكانت أنجيلا وشيرلي ومنى في الحفل أيضًا ومدحنَ أُمي لتربيتها لي. (وردَّت عليهنَّ أُمي وهي تضحك قائلةً: «إنكنَّ لا تعرفن أهم ما في هذه القصة.») رأيت مايا وهي تمنع تقرُّب بعض الرجال إليها الذين اعتقدوا أنهم مُتحدثون بارعون إلا أنهم كانوا في الواقع أكبرَ منها بكثير، وكان ينبغي أن يكون لديهم من الإدراك ما يجعلهم يتجنَّبون فِعْل ذلك، لكنني عندما بدأتُ أتذمَّر طلبَت منِّي ميشيل أن أهدأ وأخبرتني أن أختي الصغيرة باستطاعتها التعامُل مع الأمر بمفردها. وبالطبع كانت على حق، حيث إنني نظرتُ إلى أختي الصغيرة ورأيت فيها امرأةً ناضجة جميلة ذكية تبدو كأنها كونتيسة لاتينية ببشرتها ذات اللون الأسمر الفاتح وشعرها الأسود الطويل وردائها الأسود كإشبينة للعروس. وقفت أوما بجانبها وبدت جميلة مثلها مع أن عينَيها كانتا منتفِختَين قليلًا، وما أدهشني أنها الوحيدة التي بكت خلال القداس. وعندما بدأت الفرقة الموسيقية العزف أخذت أختاي تبحثان عن ابني عم ميشيل البالِغَين من العمر خمس وست سنوات واللذين كانا يحملان خاتمي الزواج بطريقةٍ مثيرة للإعجاب. وبينما أشاهد هذين الولدين وهما يتقدَّمان أختيَّ إلى صالة الرقص اعتقدتُ أنهما يشبهان أميرَين أفريقِيَّين بقُبعتَيهما الصغيرتَين المنقوشتَين وحزامي الخَصر المتماشِيَين مع القُبعتَين ورابطتَي العنق (البابيون).

كان روي هو أكثر الأشخاص الذين فخرتُ بهم في الحفل. وفي الواقع إننا نُناديه الآن باسم آبونجو، وهذا هو اسمه بلغة قبيلة لوو، ومنذ عامَين قرَّر التمسُّك بأصله الأفريقي. واعتنق الإسلام وتوقَّف عن تناول لحم الخنزير وأقلع عن التبغ والكحوليات. إلا أنه لا يزال يعمل في مكتب المحاسبة لكنه يُفكِّر في العودة إلى كينيا بمجرد أن تتوفَّر لدَيه الأموال الكافية. في الواقع عندما تقابلنا في هوم سكويرد كان مشغولًا ببناء كوخ لنفسه ولأمه بعيدًا عن المجمع السكني الخاص بجَدنا طبقًا لتقاليد قبيلة لوو. وبعدئذٍ أخبرني أنه أحرز نجاحًا في نشاطه التجاري الخاص بالاستيراد، وأنه يأمُل في أن يؤتي ثماره قريبًا بصورةٍ تكفي لتوظيف بيرنارد وآبو بدوام كلي. وعندما ذهبنا معًا لنقف على قبر أبينا لاحظت أنه وُضعت أخيرًا لوحة باسم والِدنا فوق الشاهد الأسمنتي العاري.

إن نظام الحياة الجديد الذي اتبعه آبونجو جعله نحيفًا ونافذ البصيرة، وفي الحفل بدا جديرًا بالاحترام في زيِّه الأفريقي الأسود المزيَّن بحلية بيضاء وقبعته المتماشية مع الزيِّ لدرجة أن بعض الضيوف اعتقدوا خطأ أنه والدي. ودون شكٍّ كان الأخ الأكبر يومئذٍ وأخذ يتحدَّث معي في غمرة شعوري بالقلق قبل الزواج ويُخبرني بطول أناةٍ خمس أو ست مراتٍ أن خاتم الزواج لا يزال معه عندما كنتُ أسأله، بالإضافة إلى أنه دفعني إلى خارج الباب بعد أن قال لي إنني إذا ما قضيتُ وقتًا أطول من ذلك أمام المرآة فلن يهم مظهري لأننا سنكون دون شك متأخِّرين.

لم تحدُث كلُّ هذه التغيرات لروي دون أن يشعر بتوتر. كثيرًا ما كان يُعلن عن حاجة أي رجل أسود لأن يُحرِّر نفسه من التأثيرات المدمرة للثقافة الأوروبية عليه ويوبِّخ أوما على ما أطلق عليه «أساليبها الأوروبية في الحياة». ذلك لأن الكلمات التي كان ينطقها لم تكن كلماته بصفة كاملة، وفي تحوُّله من حالةٍ لأُخرى كان يبدو أحيانًا متكلفًا ومتحيزًا لآرائه. إلا أن سِحر ضحكته بقِيَ وكان يمكن أن نختلف معًا لكن دون أية ضغينة. كما أن تغيُّر عقيدته منحه منطقًا قويًّا يستند إليه وكبرياء بمكانته في العالم. ومن هذا المنطلق رأيته يبني ثقته؛ فبدأ يخاطر بالانتقال إلى كينيا ويطالب بأشياءَ أصعبَ منالًا ويطرح القواعد والشعارات جانبًا ويقرِّر الأفضل له. إلا أنه لم يستطِع مساعدة نفسه في فعْل ذلك لطيبة قلبه وخفة ظلِّه ونُبله مع الناس وتَسامحه لدرجةٍ جعلت من الصعب عليه إيجاد حلول بسيطة للغز كونه رجلًا أسود.

قرب انتهاء حفل الزفاف رأيتُه يبتسِم ابتسامةً عريضة أمام كاميرا الفيديو وقد مدَّ ذراعَيه الطويلتَين فوق كتفَي أُمي وجَدتي اللتين لم تكد رأساهما تبلغان صدره. وقال لي وأنا مُتجه إليهم: «انظر يا أخي، يبدو أن لي أُمَّين جديدتَين الآن.» ربَّتت جَدتي على ظهره. وقالت: «وأصبح لدَينا ابنٌ جديد»، مع أنها عندما حاولت قول «آبونجو» فإن لهجة كانساس التي تتحدَّثها جعلتها تنطق الاسم بصورةٍ غير سليمة تمامًا. وعندئذٍ بدأت أُمِّي تبكي مرةً أخرى ورفع آبونجو كأس عصير الفاكهة الخاصة به.

وقال: «نَخب مَن هم ليسوا معنا.»

وقلت: «نَخب نهاية سعيدة.»

سكبنا ما في كأسَينا ببطءٍ على الأرضية المكسوة ببلاط على هيئة مربعات. وفي هذه اللحظة على الأقل شعرت بأنني أكثرُ الرجال حظًّا على وجه البسيطة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤