ما هي الحقيقة؟

التقى الجميع مع الرسَّام «مأمون» في صباح اليوم التالي أمام المتحف، وكان المفتش شديد الاهتمام بما قاله «تختخ» أمس، خاصةً والأفكار التي قدَّمها معقولة ومنطقية ولا ينقصها إلَّا إثبات غياب اللوحات الأصلية من المتحف، وهذه كانت مهمة الفنَّان «مأمون».

وقبل أن يدخلوا شرح «تختخ» بسرعة استنتاجاته للرسَّام «مأمون» الذي أبدي دهشته الشديدة لما سمع، وإن أبدى استعداده في نفس الوقت لفحص اللوحات.

دخل الجميع وقلوبهم ترتجف في انتظار أقوال «مأمون»، الذي سأل «تختخ»: هل تعرف اللوحات التي سرقها؟

تختخ: بالطبع لا أعرف، ولكني أتصوَّر أنهم أهم اللوحات التي بالمتحف.

مأمون: إنني أعرف اللوحات الهامة … فلنبدأ بلوحات «دومييه» … إن له هنا لوحة «دون كيشوت»، و«امرأة نائمة تحت الشجرة». واتجهوا إلى اللوحَتين، ووقف «مأمون» أمامهما متأمِّلًا، والجميع يُعلِّقون أبصارهم على وجهه. وقال «مأمون» وهو يمسك بقماش لوحة «امرأة نائمة»، ثم قلب البرواز وقال: هذه اللوحة أصلية وليست مزيفة! … ووقع قلب «تختخ» في قدمَيه ولكنه تماسك قائلًا: واللوحة الثانية؟

وأخذ «مأمون» يُحسها بأصابعه، ثم أدار القماش وصاح في دهشة: هذه اللوحة مقلَّدة!

المفتش: هل أنت متأكِّد؟

مأمون: طبعًا؛ فهذا النوع من القماش لم يكن مستعملًا أيام «دومييه»، أي نحو ١٠٠ سنة. صحيح أن التقليد متقن، ولكن نوع الزيت والألوان والقماش كلها جديدة.

أخرج المفتش من جيبه دفتر مذكراته وكتب اسم اللوحة ومقاساتها، وكانت ٣٢ × ٢١ سنتيمترًا.

وانتقل «مأمون» إلى الفنَّان «ديجا»، وله لوحة «الزينة» ولوحة «رأس سيدة شابة» … ومرةً أخرى اكتشف أن الثانية مقلَّدة وليست أصلية، وهنا أسرع المفتش إلى التليفون واتصل بوزارة الداخلية … ثم اتصل بوزارة الثقافة والإرشاد، الذين شكَّلوا لجنةً لفحص جميع اللوحات.

قال المفتش يسأل مدير المتاحف: متى تنتهي اللجنة من عملها؟

المدير: ليس قبل المساء … فهناك عمل كثير … وفحص ١٣٣ لوحةً عمل شاق، بالإضافة إلى ٨٥ لوحةً صغيرة.

انتحى المفتش بالمغامرين الخمسة جانبًا وقال: لقد صحَّت نظريتك يا «تختخ». إنها خطة شيطانية، ونحن لا نعرف عدد اللوحات التي سرقها «رزق»، ولكن من المؤكَّد أنها تُساوي مئات الألوف من الجنيهات … ولا بد من العثور على «رزق» هذا قبل أن يُغادر البلاد بهذه الثروة.

محب: لا بد أن الفنَّان «مأمون» يعرف عنه بعض المعلومات التي قد تُفيدنا في البحث!

وجاء الفنَّان «مأمون» وقال: لقد كان «رزق» زميلي في كلية الفنون، ولكنه ترك الدراسة قبل أن يُتمَّها وسافر إلى فرنسا … وانقطعت أخباره عني، وعندما عاد منذ نحو شهرَين اتصل بي تليفونيًّا، وكنا نلتقي ليلًا عند بعض الأصدقاء.

المفتش: ألا تعرف أين يسكن؟

مأمون: إنه يسكن عند شقيقه في «الدقي»، ولكني لا أعرف العنوان بالضبط.

المفتش: وما هو اسم شقيقه وعمله؟

مأمون: إنه موظَّف في وزارة الزراعة ومقرها في «الدقي» أيضًا، اسمه «مختار».

المفتش: من السهل العثور على العنوان … ولكن من المؤكَّد أننا لن نجده هناك … فلا بد أنه هرب.

وأسرع المفتش بالاتصال بوزارة الزراعة، حيث عرف عنوان «مختار»، وأرسل المفتش أحد مساعديه إلى العنوان، وعندما عاد قال إنه لم يعثر على أحد؛ فقد قالوا له إن «رزق» … لم يعد إلى المنزل منذ خمسة أيام.

قال المفتش للأصدقاء: لم يعد هناك شيء يمكن أن تؤدُّوه الآن، فعودوا إلى المعادي، وسوف أتصل بكم إذا جدَّ جديد، وسيقوم رجالي بالبحث عن «رزق» هذا، ولا بد أن نعثر عليه ولو اختفى تحت الأرض!

وغادر الأصدقاء المتحف، وعادوا إلى المعادي، وكان وقت الغداء قد حان، فاتفقوا على أن يلتقوا مساءً في حديقة منزل «عاطف» كالمعتاد.

وعندما التقَوا في المساء قال «تختخ»: لقد تأكَّد أن «رزق» استطاع تقليد خمس لوحات شهيرة ثمنها مليون جنيه؛ الأولى من رسم «دومييه» وهي «دون كيشوت»، والثانية من رسم «ديجا» وهي «رأس سيدة شابة»، والثالثة للفنَّان «ديلاكروا» واسمها «رئيس قبيلة عربي»، والرابعة ﻟ «جوجان» واسمها «السقوف الحمراء»، والخامسة للفنَّان «فان جوخ» واسمها «زهور الخشخاش» …

محب: خمس لوحات!

تختخ: نعم خمس لوحات من أشهر اللوحات لكبار الفنَّانين، ولو استطاع أن يصل بها إلى أوروبا لباعها بمبلغ ضخم.

نوسة: وهل يتمكَّن رجال الشرطة من القبض عليه؟

تختخ: ذلك شيء لا أعرفه، إن في الإمكان أن يُهرِّبها ببساطة في حقيبة، ولن يلتفت أحد إليها.

عاطف: ولكن لا بد أن رجال الشرطة سيُقيمون حصارًا حديديًّا في الموانئ والمطارات حتى لا يهرب.

لوزة: على كل حال ليس المهم هو القبض عليه، ولكن المهم هو العثور على اللوحات … ولعلنا نستطيع أن نعثر عليها!

تختخ: هذه وجهة نظر ممتازة ولكن كيف؟

لوزة: إنه علينا أن نتبع خطواته منذ خرج من المتحف جريحًا حتى وصل إلى المستشفى؛ فلا بد أنه أخفاها في مكان ما قبل أن يصل إلى المستشفى؛ فقد كان من الخطر عليه أن يأخذها إلى هناك.

نوسة: ولكن لا بد أنه بعد أن هرب من المستشفى أسرع إلى المكان الذي أخفاها فيه وأخذها.

تختخ: هذا ممكن … ما علينا عمله الآن هو تتبُّع خطواته منذ خروجه من المتحف حتى وصوله إلى المستشفى؛ فنحن لا نستطيع أن نُطارده في القاهرة الواسعة، ولكن من الممكن أن نتتبَّع خطواته.

محب: من المهم يا «تختخ» أن نعرف متى وصل إلى المستشفى، ونُحدِّد الوقت الذي قضاه بين خروجه من المتحف ووصوله إلى المستشفى.

تختخ: غدًا صباحًا يمكننا أن نذهب ونسأل.

محب: ولماذا نُضيِّع كل هذا الوقت؟ إن في إمكاننا أن نتصل بالمفتش «سامي» ونحصل منه على المعلومات اللازمة.

تختخ: هل يمكن أن نتحدَّث من تليفونكم يا «عاطف»؟

عاطف: طبعًا، وسلك التليفون طويل، ويمكن إحضاره إلى هنا.

وأحضر «عاطف» التليفون واتصل بالمفتش «سامي» وروى له ما فكَّر فيه، فقال المفتش: من السهل طبعًا أن أحصل لكم على موعد دخوله إلى المستشفى، وهناك شيء آخر … إن المستشفى لا بد قد أبلغ قسم الشرطة التابع له بإصابة «رزق»، ومن المؤكَّد أن هناك محضرًا بهذا الموضوع.

تختخ: ولكن لماذا يتصل المستشفى بالقسم؟

المفتش: إن وجود إصابة شديدة، خاصةً إذا كانت ناتجةً من إطلاق الرصاص، لا بد على أي طبيب أن يُبلِّغ عنها، وسنرى ماذا قال «رزق» عن إصابته.

تختخ: إننا في الانتظار عند «عاطف» … ونرجو أن تتصل بنا في رقم ٣٤٥٥٥ وشكرًا.

وأغلق «تختخ» التليفون، وجلس الأصدقاء يتناقشون، قال «عاطف»: أعتقد أن «رزق» لن يُجازف بالسير والتحرُّك وهو يحمل اللوحات، فمن المؤكَّد أنه أخفاها في مكان ما … وعلينا أن نجد هذا المكان بسرعة.

بعد نصف ساعة تقريبًا دقَّ جرس التليفون، وكان المتحدِّث هو المفتش الذي قال ﻟ «تختخ»: لقد ادَّعى «رزق» أنه أُصيب وهو سائر في الطريق، ولا يعرف من الذي أطلق عليه الرصاص … وموعد وصوله إلى المستشفى هو الثامنة والنصف صباح السبت الماضي، كما قال في التحقيق، كما أنه لم يكن معه شيء عندما دخل المستشفى.

تختخ: معنى هذا أنه خرج من حديقة المتحف إلى مكان ما، حيث أخفى اللوحات، ثم ذهب إلى المستشفى!

المفتش: هذا ممكن طبعًا، وسنقوم في نفس الوقت بتفتيش منازل كل من يعرفهم لعله ذهب إلى أحدهم.

تختخ: إنني أُرجِّح أنه خرج من المتحف إلى المستشفى؛ فقد ظل نائمًا في حديقة المتحف خوفًا من الخروج إلى الشارع الفارغ؛ لأن منظره وهو مصاب في مثل هذه الساعة سوف يلفت إليه أنظار رجال الشرطة في هذا المكان الهام من القاهرة، فظل في هذا المكان حتى موعد خروج الناس إلى العمل، وخرج من مكمنه.

المفتش: هذه هي المعلومات، وعليكم أن تُحاولوا الاستفادة منها.

وأغلق «تختخ» السمَّاعة بعد أن شكر المفتش، وجلس صامتًا لحظات، ثم قال: المهمة القادمة ليست لنا.

نوسة: ليست لنا! لمن إذن؟

تختخ: ﻟ «زنجر» … ونحن معه.

لوزة: زنجر؟!

تختخ: نعم «زنجر» … أليس منديل «رزق» معنا؟

لوزة: نعم … إنه معي.

تختخ: إذن على «زنجر» أن يشمَّه ويجري … علينا أن نتبعه ونجري أيضًا.

لوزة: الآن؟!

تختخ: لا … غدًا صباحًا.

وهكذا اتفق الأصدقاء على اللقاء في اليوم التالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤