مغامرة في الطريق

التقى الأصدقاء عند محطة السكة الحديد، ثم انطلقوا إلى القاهرة، وذهبوا إلى المتحف … وقال «تختخ»: إننا لن ندخل المتحف طبعًا؛ فلم يعد فيه شيء يُهمُّنا. إن ما يُهمُّنا الآن هو الحديقة، حيث وُجدت آثار «رزق».

نوسة: ولكن هذه الآثار أصبحت قديمة … ولا أظن أن «زنجر» سوف يتمكَّن من متابعتها.

تختخ: أعتقد أنه سيتمكَّن … على كل حال دعونا نُجرِّب.

وهكذا دخل الأصدقاء الحديقة، واتجهوا إلى الركن الذي وجدوا فيه المنديل، وهناك أخرجه «تختخ» من جيبه وقرَّبه من أنف «زنجر»، الذي أخذ نفسًا عميقًا، ثم أخذ يدور حول نفسه لحظات … واتجه إلى حيث كانت آثار «رزق» على شُجيرات الورد، وشمَّ الهواء حوله، وأخذ يشم السور ويُحاول القفز عليه.

قالت «لوزة»: من الواضح أن «رزق» تسلَّق السور إلى الشارع من هذا المكان، فهيا نخرج من الحديقة إلى هناك.

وأسرع الأصدقاء خارجين من حديقة المتحف، وذهبوا إلى الاتجاه الآخر للسور، و«زنجر» أمامهم حيث وقف قليلًا يشم الأرض، وأخذ يسير مسرعًا والأصدقاء خلفه، حيث خرج من الشارع الجانبي إلى شارع الجيزة — خلف فندق «شيراتون» — ثم وقف حائرًا يدور حول نفسه فترةً طويلة.

فقال «تختخ»: لقد فقد «زنجر» آثار الرائحة … فقد مضت مدة طويلة … وهذا الشارع مزدحم تمر به آلاف السيارات يوميًّا … وما دام «زنجر» قد فقد الأثر؛ فقد أصبح علينا أن نجد الآثار نحن … فتخيَّلوا أنفسكم في مكان «رزق» … فماذا يمكن أن يفعل بعد ذلك؟

لوزة: يأخذ تاكسيًا إلى المستشفى.

تختخ: في هذه الحالة يصل إلى المستشفى ومعه اللوحات … وهو لا يمكن أن يذهب إلى المستشفى بها … فقد يشك فيه أحد، أو يكتشف رجال الشرطة الحقيقة بسرعة، والدليل على هذا أنه لم يكن يحمل شيئًا عندما دخل المستشفى.

نوسة: من الممكن أن يمشي إلى حيث يخفي اللوحات، ثم يذهب إلى المستشفى!

تختخ: لا تنسَ أنه جريح … صحيح أن مستشفى «العجوزة» على بعد محطتَي أوتوبيس، ولكنه مشوار طويل على شخص مصاب.

محب: يركب التاكسي ويذهب إلى المكان الذي سيُخفي فيه حاجياته ثم يتجه إلى المستشفى.

تختخ: هذا هو أقرب إلى الصواب.

عاطف: في هذه الحالة علينا أن نعثر على التاكسي الذي ركبه.

تختخ: بواسطة المفتش «سامي» طبعًا.

عاطف: طبعًا.

تختخ: هذا ممكن … ولكن من الصعب العثور على التاكسي بعد مرور هذه المدة الطويلة … ومع هذا فلْنؤجل هذه الخطة حتى نبحث باقي الاحتمالات.

عاطف: أليس من الممكن أن يكون له شريك انتظره بسيارة؟

تختخ: ممكن طبعًا، ولكن في هذه الحالة لم يكن ينتظره هذه المدة الطويلة في الحديقة، فلا بد أن يكون بينهما موعد مناسب … في منتصف الليل مثلًا، وفي هذه الحالة كان يذهب إلى المستشفى بعد ذلك ببضع دقائق.

محب: ولو كان له شريك لذهب إليه واستدعى طبيبًا لعلاجه في المنزل.

تختخ: إن استخراج رصاصة أو أكثر من جسم الإنسان يحتاج إلى غرفة عمليات لا تتوافر إلَّا في المستشفى.

لوزة: في هذه الحالة ليس أمامنا إلَّا الفكرة التي قالها «محب»، وهي أنه أخذ تاكسيًا وذهب إلى مكان أخفى فيه اللوحات، ثم انطلق إلى المستشفى.

تختخ: إن مهمتنا هي أن نجد هذا المكان.

عاطف: وهي مهمة صعبة جدًّا.

تختخ: تعالَوا نجلس على كورنيش النيل ونُعاود التفكير في موقف «رزق»؛ فقد نصل إلى استنتاجات أخرى أكثر تحديدًا وتهدينا إلى مكان اللوحات أو مكانه.

واتجه الأصدقاء إلى الكورنيش بجوار كوبري الجلاء وجلسوا يتحدَّثون، و«زنجر» يجري هنا وهناك.

قال «تختخ»: نحن متفقون على أن «رزق» أُصيب في نحو الثانية صباحًا، فلماذا انتظر حتى الصباح في حديقة المتحف، بدليل أنه ترك عددًا كبيرًا من أعقاب السجائر مكانه؟!

نوسة: لقد قلت إنه خاف الخروج ليلًا حتى لا يشك فيه أحد.

لوزة: ولماذا لا يكون في انتظار شيء معيَّن؟

تختخ: مثل ماذا؟

لوزة: هناك أشياء لا يمكن عملها ليلًا … ولا بد من طلوع النهار لعملها مثل شراء شيء.

تختخ: مرةً أخرى … مثل ماذا؟

لوزة: يشتري حقيبةً ليخفي فيها اللوحات.

تختخ: ولكن لابد أنه كان معه حقيبة وضع فيها اللوحات المزوَّرة.

محب: من غير المعقول أن يدخل المتحف ومعه حقيبة بهذا الحجم فيلفت إليه الأنظار!

تختخ: إذن كيف حمل اللوحات المزيفة إلى المتحف؟ وكيف دخل بها؟

سكت الأصدقاء جميعًا، ثم قالت «نوسة» فجأة: لعله كان يُخفيها في المتحف في انتظار الوقت المناسب!

عاطف: أو لعله كان يضعها أمانةً عند الحارس مقابل بعض المال.

تختخ: هذا ممكن … دعونا نذهب ونسأل الحارس!

وقام الأصدقاء للذهاب إلى المتحف لمقابلة الحارس … ولكن «زنجر» في هذه اللحظة انطلق يجري بين الحشائش النامية على الشاطئ … وانطلق الأصدقاء يجرون خلفه … وظل «زنجر» يجري وهو يدس أنفه في الحشائش الطويلة هنا وهناك، وقالت «نوسة» وهي تلهث: لعل «زنجر» قد عثر على الأثر مرةً أخرى!

لوزة: أو عثر على اللوحات!

عاطف: أو على «رزق»!

وظل «زنجر» يجري والأصدقاء خلفه حتى تعبوا تمامًا … وتركوه يجري وحده حتى توقَّف على مسافة بعيدة وأخذ يقفز ويضرب شيئًا على الأرض بمخالبه، فصاحت «لوزة»: لقد عثر على اللوحات!

ومرةً أخرى انطلق الأصدقاء جريًا حتى وصلوا إلى مكان «زنجر»، الذي وقف ينبح بانتصار … واتجهت أنظار الأصدقاء جميعًا تحت قدمَيه في انتظار المفاجأة … وكانت مفاجأةً فعلًا ولكن من نوع آخر … فقد كان «زنجر» يُطارد فأرًا … واستطاع في النهاية اصطياده!

وقف الأصدقاء يلهثون وهم يتبادلون النظرات … ثم ابتسمت «لوزة» وبعدها … «عاطف» و«محب» و«تختخ»، واشترك الجميع في الضحك … و«زنجر» ينظر إليهم في دهشة؛ فقد كان متضايقًا لأن انتصاره أضحكهم، وكان المفروض أن يكون موضع إعجابهم.

عاد الأصدقاء بأقدام متثاقلة إلى شارع الكورنيش … ثم اتجهوا إلى المتحف.

تختخ: انتظروا هنا لترتاحوا قليلًا، وسوف أعرف الحقيقة من الحارس وأعود إليكم.

اتجه «تختخ» إلى الحارس، ولم يكد الرجل يراه حتى وقف احترامًا له؛ فقد شاهده مع المفتش «سامي» وعرف أنه صاحب فكرة اللوحات المزيفة … قال «تختخ» بعد أن حيَّاه: هل أستطيع أن أسألك بعض الأسئلة؟

الحارس: طبعًا.

تختخ: هل كان «رزق» يحمل حقيبةً كبيرةً عند حضوره آخر مرة إلى المتحف؟

الحارس: لا طبعًا … إن دخول الحقائب ممنوع … ما عدا حقيبة الألوان، وذلك ممكن!

تختخ: إذن ماذا يفعل باللوحات المزيفة؟ … هل كان يحملها معه يوميًّا؟

قال الحارس بخجل: آسف جدًّا فقد كان يضعها عندي … وقد كنت أُساعده كفنَّان ناشئ … ولم أكن أشك مطلقًا في أنه يُدبِّر هذه الخطة الشيطانية لسرقة اللوحات، وقد أخذها يوم الحادث.

شكر «تختخ» الحارس، وأسرع إلى الأصدقاء قائلًا: لقد عرفتُ كل ما نُريد معرفته من الحارس … وقد أصبح واضحًا لنا أن بقاء «رزق» في حديقة المتحف طول الليل كان المقصود به انتظار طلوع النهار لشراء شيء يُخفي فيه اللوحات.

محب: فلْنتخيَّل ماذا حدث بعد ذلك …

عاطف: ذهب لشراء الحقيبة، ثم وضع بها اللوحات، وذهب بها إلى مكان أمين، ثم اتجه إلى المستشفى.

نوسة: المهم هو المكان.

تختخ: إذا كان قد وضعها عند أحد أقاربه؛ فإن رجال الشرطة سوف يصلون إليه؛ فهم يبحثون الآن!

عاطف: إنني أتصوَّر أن مثل هذه الثروة لا يمكن أن يأتمن «رزق» عليها أي إنسان … وواضح أنه ذهب باللوحات إلى مكان آخر.

تختخ: أين؟

عاطف: مثلًا في أمانات أحد الفنادق.

تختخ: لا بد في هذه الحالة أن يكون من نزلاء الفندق.

عاطف: أليس هناك أماكن أخرى يمكن أن يضع فيها الشخص شيئًا مثل حقيبة أمانة؟

تختخ: في أمانة السكة الحديد.

عاطف: ألا يُشترط أن يكون مسافرًا؟

تختخ: لا أبدًا.

عاطف: من الجائز إذن أن «رزق» وضع الحقيبة بما فيها في أمانات السكة الحديد.

تختخ: هذا ممكن، خاصةً أن منطقة بيع الحقائب قريبة من ميدان باب الحديد … سواء أكانت شارع «عدلي» أم شارع «كلوت بك» أم شارع «نجيب الريحاني»، حيث يكثر باعة الحقائب.

عاطف: هيا بنا إذن إلى محطة باب الحديد.

تختخ: لنتصل بالمفتش «سامي» أولًا؛ فقد يكون رجاله قد عثروا على الحقيبة عند أحد أقارب «رزق»!

وتحدَّث «تختخ» مع المفتش من أقرب تليفون، وقال المفتش إنهم فتَّشوا مساكن عدد كبير من أقارب «رزق»، دون أن يعثروا على شيء، فقال «تختخ»: لقد توصَّلنا إلى استنتاج أن «رزق» قد وضع الحقيبة في محطة السكة الحديد، وسنذهب إلى هناك للاستعلام.

المفتش: لن تحصلوا على إجابة من الموظَّف المختص … ومن الأفضل أن تنتظروني هناك، وسأحضر لكم مع بعض رجالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤