رسالة من البحر …

قال «محب»: هل أنتِ مُصرة على الحصول على هذه الورقة؟

لوزة: نعم …

محب: أحسن فكرة أن تُدلي قطعة دوبارة مطوية على شكل دائرة فإذا دخلت الورقة في الدائرة جذبت الدوبارة ومعها الورقة.

لوزة: إنها فكرة مدهشة وسريعة.

قال «عاطف»: هناك فكرة أفضل وأسرع.

والتفت إليه الأصدقاء غير مُصدِّقين، فقال: اكسري الزجاجة.

وضحك الجميع … إنها فعلًا أفضل فكرة، ولكن «لوزة» قالت: إنني أريد الاحتفاظ بالزجاجة … إن شكلَها غريب.

وأسرعت بإحضار الدوبارة، وبدأت محاولتها … ومضى الوقت دون أن تنجح في إدخال الورقة في دائرة الدوبارة … وخرج الأصدقاء ومعهم «زنجر» وتركوها تُحاول وتحاول … وقد فكَّرت مرَّات في كسر الزجاجة … ولكنَّها خشيت سُخرية «عاطف» منها وقررت الاستمرار في المحاولة.

وأخيرًا نجحت في إدخال الورقة إلى الدائرة … ثم جذبت الدوبارة، وخرجت الورقة الملفوفة … وأحسَّت «لوزة» بسعادة لا تُوصف لأنها نجحت في محاولتها … وفي الوقت نفسه خشيت أن تكون الورقة بيضاء … وتكون نهاية ساخرة لكل هذه المحاولات … وأمسكت بالورقة، وبأصابع مرتعشة فتحتها … ووجدت أن عليها كتابة بخط كبير … وأخذت عيناها تجريان على السطور … ووجدت أن المياه قد طمست أو مَحت جزءًا كبيرًا من الرسالة … وأسرعت «لوزة» تصعد إلى سطح الفيلا … ووضعت الورقة في الشمس لتجفَّ، وجلست بجوارها تحاول أن تقرأ ما يُمكن قراءته منها … وقد أحسَّت من بعض السطور والكلمات أن الرسالة تعني شيئًا هامًّا … فهناك كلمات مثل خطف وتهديد … تاركة الكلمات المطموسة والممحوة … وقرأت الآتي:

إلى كل من (…) الرسالة

١٣ (…) ١٩٧ إنني (…) صغير. (…) ليُهدِّدوا أبي المسكين، وقد (…) يتحدَّثون عن (…) ضخمة من البنك وقد طلبوا (…) أن يُسلِّمَهم (…) الخزَانة، لم يستطع رجال (…) أن يثبتوا (…) واضطرَّ أبي (…) بيروت.

(…) اسمه بريوس. (…) الإسكندرية يوم (…) غدًا. وأنا أكتب هذا يوم الإثنين، وقد اختاروا بلاج (…) قير. (…) برسوار. (…). ويلبسون مايوهات.

(…) مخدرًا. (…) وسيتولون اتخا (…) في انتظارهم أشخاص في شقَّة قريبة (…). إنَّ أحدهم اسمه (…) و(…) الحنش …

سأضع هذه الرسالة في (…) من يجدها يتصل (…) في رقم تليفون (… ٨١). إن (…) في خطر.

ﻣﺤ … (…) (…)

أخذت «لوزة» ترتعد وهي تقرأ هذه الكلمات والسطور الناقصة، وقد أحسَّت أنها عثرت على مغامرة من نوعٍ جديدٍ … مغامرة لم تمرَّ بها من قبل. وفكرت قليلًا … إن كاتب الرسالة ذَكرَ كلمة يوم الإثنين … واليوم الثلاثاء … وقد كَتَب كلمة غدًا … هل هذا يعني شيئًا؟

كان ذهنُها مُضطربًا … وتركت الرسالة على السطح تجف، وقفزت السلالم نازلة وهي تُنادي: «تختخ» «محب» «عاطف» «نوسة» … ولكنَّ أحدًا لم يرد عليها وعرفت من الشغالة أن الأصدقاء الأربعة ذهبوا لنُزهة قصيرة لشُرب الكوكاكولا من محل قريب، فقفَزَت إلى الشارع … وأخذت تجري حتى وصلت إلى المحل … ولكنها لم تجد أحدًا … وسألت عنهم، فقال لها الصبي الصغير الذي يقف عند صندوق الكوكاكولا إنهم انصرفوا منذ دقائق قليلة … فعادت جريًا إلى الفيلا ولكنها لم تجدهم قد وصلوا بعد … فصعدت إلى السطح مرةً أخرى … ومضت تقرأ الرسالة … كانت بعض الكلمات مشوهة … ولكن بعد أن جفت الورقة استطاعت أن تعرف بعضها … «إنني على قارب بخاري (…) «بريوس» … وقد اختاروا «أبو قير» … سأكُون مخدَّرًا.» … وسمعت صوت أقدام على السلم … ثم شاهدت رأس «نوسة» … وسمعتها تقول: ماذا تفعلين في الشمس يا «لوزة»؟

أمسكت «لوزة» بالرسالة ولوَّحت بها قائلة: لُغز …

ابتسمت «نوسة» وهي تُصيح منادية المغامرين: لُغز!

وظهرت الرءوس الثلاثة الباقية … ثم ظهر رأس «زنجر» أيضًا … وقالت «لوزة» مُشيرة إلى الرسالة: تعالوا اقرءوا هذه الرسالة.

عاطف: رسالة الكَنز؟!

لوزة: دعكَ من هذه الخيالات الصِّبيانية … إنها رسالة في غاية الأهمية.

واجتمع المغامرون الخمسة حول الرسالة وأمسكت «لوزة» بها وأخذت تقرأ ما استطاعت قراءته منها.

وبعد أن انتهت من الرسالة تناولها «تختخ» وأخذ يتأملها ويُقلبها بين أصابعه، ثم قرأها بإمعانٍ وقال: إن كاتبها ولد بين العاشرة والرابعة عشرة من عُمرِه … فالخط يوضح هذا … وقد كتبها أمس.

نوسة: أمس.

تختخ: نعم … فأمس كان يوم الإثنين «١٣»، واليوم هو الثلاثاء …

خفق قلب «لوزة» وقالت: وماذا نَفهم منها يا «تختخ»؟

فكر «تختخ» لحظات ثم قال: أفهم منها أن هناك ولدًا مخطوفًا يستغيث ويطلُب ممن تصله الرسالة أن يتصل بشخص في تليفون يبدأ رقمه من ٨١ وأن خطفه له علاقة بسرقة بنك يعمل فيه والده.

لوزة: لقد وصلتُ تقريبًا إلى الاستنتاجات نفسها.

تختخ: هل فهمتِ ماذا تعني كلمة برسوار؟

لوزة: أليس هو القارب المطاط المُسطح الذي يُستخدم على البلاج؟

تختخ: نعم … ولكن ما سبب وروده في هذه الرسالة؟

أمسكت «نوسة» بالرسالة وقالت: أكاد أفهم أنهم سيصلون إلى الشاطئ بهذا البرسوار.

تختخ: هذا صحيح … ولكن من هم الذين سيصلون؟

محب: مَن يدري؟

تختخ: إننا نسير في الطريق الخاطئ … ونُسرع إلى استنتاجات قد لا تُؤدي إلى شيءٍ وأعتقد أنه من الأفضل مُحاولة وضع كلمات معقولة مكان الكلمات التي أضاعتها مياه البحر … ولنبدأ من البداية.

وسكت «تختخ» قليلًا ثم بدأ يقرأ الرسالة محاولًا إكمال الكلمات … فقال: الثالث عشر شهر سبعة … لأننا في شهر يوليو … ثم إنني أعتقد أن الكلمة التالية المناسبة هي ولد …

نوسة: معقول جدًّا … ولد صغير.

قال «تختخ»: (مساحة بيضاء) ثم ليُهدِّدوا أبي المسكين …

نوسة: أقترح كلمة خطفوني.

محب: معقول … إنني ولد صغير خطفوني ليُهددوا أبي المسكين …

تختخ: ثم كلمة وقد (مسافة بيضاء) … ثم يتحدثون عن …

عاطف: أقترح وقد سمعتهم يتحدثون عن سرقة ضخمة من البنك!

تختخ: معقول جدًّا … إننا نَسير في الطريق الصحيح.

ثم مضى يقرأ: وقد طلبوا (مسافة بيضاء) …

قالت لوزة: أقترح مكان المسافة البيضاء «مِنْ أبي» أن يُسلِّمهم …

تختخ: معقول … ثم نمضي في السطر … إن السطر يُصبح وقد طلبوا من أبي أن يُسلمهم مفاتيح الخِزانة … ثم لم يستطع رجال الشرطة أن يُثبتُوا هذا التهديد …

عاطف: معقول!

تختخ: واضطرَّ أبي ثم (مسافة بيضاء) ثم كلمة بيروت.

محب: واضطر أبي أن يُرسلَني إلى بيروت.

تختخ: معقول … فالقصة إذن أن أشخاصًا طلبوا من الأب أن يُسلمهم مفاتيح بنك ليسرقوه، وهدَّدوه بخطف ابنه … وأبلغ الشرطة، ولكنهم لم يستطيعوا إثبات التهديد فاضطر الأب إلى إرسال ابنه إلى «بيروت» ليكون بعيدًا عن أيدي العصابة.

ومضى «تختخ» يقرأ: (مساحة بيضاء) … ثم اسمه «بريوس».

وصمت الجميع … فلم تكن هناك كلمة مناسبة … فقال «عاطف»: ربما شخص اسمه «بريوس» مثلًا.

تختخ: إن ميناء «بيريه» في اليونان اسمه باليونانية «بيريوس» ولعلَّه يقصد أنهم ذهبوا به إلى ميناء «بيريوس».

«نوسة»: ولماذا لم يَكتبها «بيريه»؟

تختخ: لنترك هذا الآن ونمضِ في قراءة بقية الرسالة … (مساحة بيضاء) ثم «الإسكندرية يوم» … وأعتقد أنه يقصد يوم الثلاثاء غدًا … لأنه كتب بعد ذلك … وأنا أكتب هذا يوم الإثنين.

لوزة: إننا نقترب من حل لغز الرسالة.

تختخ: نعم … وأعتقد أننا يُمكن أن نقرأ السطر التالي هكذا … وسوف يركبون برسوار ثم (مساحة بيضاء) ولعلَّها مكان يُعرَف بالبرسوار ثم يلبسون مايوهات.

محب: لا بأس … فهذا يتفق مع بقية الرسالة.

تختخ: (ومساحة بيضاء) ثم كلمة مخدرًا.

نوسة: سيَسقُونني مخدرًا … أو سأكون مخدرًا.

تختخ: معقول جدًّا … ثم سيقولون إنني (ومساحة بيضاء) فماذا يقصد؟

صمت الجميع لحظات فقال «تختخ»: إننا فهمنا حتى الآن أنهم خطفوا الولد من بيروت وعادوا به إلى مصر … وأنهم سيدخلون «أبو قير» ومعهم الولد … ولأنه سيكون مُخَدرًا فمن المعقول أنهم سيقولون إنه مريض مثلًا.

محب: ونقرأ السطر سأكون مُخَدَّرًا، ثم سيقولون إنني مريض.

تختخ: في انتظارهم أشخاص في شقة قريبة (مساحة بيضاء) … أعتقد أن من الممكن أن نقول شقة قريبة من الشاطئ.

تختخ: إن أحدهم اسمه (مساحة بيضاء) و(مساحة بيضاء) «الحَنَش».

لوزة: اسم أحدِهم لا نعرفه والثاني «الحَنَش».

تختخ: معقول جدًّا … إننا نَقترِب من لغزٍ خطيرٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤