عندما بكت «لوزة»

كان العثور على «البرسوار» … وعلى المكان الذي نُقل إليه الولد المخطوف بهذه السرعة أشبه بالصدمة بالنسبة ﻟ «محب» و«عاطف» فلم يسبق من قبل أن عَثرا بهذه الطريقة البسيطة على أدلة قوية … بل على مكان وصول الذين خطفوا الولد الصغير «مح» كما سمَّياه … بل إن مجرد التأكد من أن المعلومات والاستنتاجات التي قام بها المغامرون الخمسة صحيحة. كان شيئًا مدهشًا، لهذا توقف «محب» أمام المنزل مُندهشًا … وعندما استأذن الولد والفتاة الأسمران في العودة إلى لعبهما، أحنى لهما رأسه دون أن ينطق بكلمة واحدة.

قال «عاطف»: والآن ما العمل؟ لقد تحقَّقت ظنون «لوزة» بأسرع مما توقعنا.

ردَّ «محب» بصوتٍ خافتٍ: سنَصعَد إلى الشقة وندُق الجرس.

عاطف: إنك تُفكر كطفل صغير … كيف تتصوَّر أن نفعل هذا؟! إننا كمن يضع رأسه بين فكي الأسد.

محب: الدقائق لها قيمتها، وقد يكون الولد ما زال موجودًا في الشقة، فالساعة الآن الرابعة؛ أي إنَّهم وصلوا منذ أربع ساعات فقط.

عاطف: أربع ساعات لیست مدة قصيرة، إنها تَکفي للذهاب إلى القاهرة والعودة منها، وتكفي للسفر بالطائرة إلى روما.

محب: وماذا تَقترح؟

عاطف: أن يَبقى أحدُنا للمراقبة ويذهب الآخر لمقابلة «تختخ» و«نوسة» و«لوزة» لإخبارهم بما حدث.

محب: سأبقى أنا … اذهب أنت.

وانطلق «عاطف» جاريًا، كان الموعد حسب خطة «تختخ» الالتقاء على الكازينو عند بلاج «ساسوها» ووصل فلم يجد أحدًا … وأخذ يتطلع حوله، كان الكازينو خاليًا في هذه الساعة إلا من بضعة رواد جلسوا يشربون الشاي وبعض الأطفال يلعبون في المياه.

واحتار «عاطف» هل يَنطلق للبحث عن «تختخ» أو عن «لوزة» و«نوسة» ولكن حيرته لم تستمر طويلًا؛ فقد انطلق من بين الكراسي المُغامر السادس «زنجر» وأخذ يقفز على قدمَي «عاطف» وظهر «تختخ» وعندما شاهَدَ وجه «عاطف» قال: لقد عثرتَ على شيء!

عاطف: لقد عثَرنا على كل شيءٍ!

اتسعت عينا «تختخ» وقال: على الولد أيضًا؟

عاطف: لا … لقد عثرنا على برسوار أخضر اللون عند بلاج «زفريون» بواسطة فتى وفتاة من السودان استطعنا متابعة الرجال الثلاثة الذين وصلوا على البرسوار ومعهم ولد صغير إلى شقة قريبة من البلاج.

تختخ: معلومات خطيرة … وماذا فعلتما؟

عاطف: وقف «محب» للمُراقبة هناك وجئت لمقابلتك أنت و«لوزة» و«نوسة» وإخطاركم بما حدث.

وتلفَّتَ «تختخ» حوله، ولكن لم يكن هناك أثر للفتاتَين، فقال: هيا بنا ويمكن ﻟ «لوزة» و«نوسة» أن تَنتظِرا عودتنا هنا.

وانطلق الولدان … وبعد مسيرة دقائق كانا يقفان مع «محب» الذي أشار إلى المنزل وقال: دخل الرجال الثلاثة والولد هنا.

فكَّر «تختخ» لحظات ثم قال: ابقَ هنا أنت یا «عاطف» وسأصعد مع «محب» إلى المنزل نحاول البحث عن الشقة المقصودة.

كان المنزل مكونًا من أربعة طوابق … كل طابق من شقتين … وكان بعض الأطفال يجلسون في شُرفات المنزل يتحدَّثون … وبعض الأولاد يلعبون بالكرة في الشارع … ودخل المغامرون المنزل وتولى «تختخ» السؤال، وفي البداية التقيا بفتاة صغيرة قال لها «تختخ»: هل جاء اليوم سكان جُدد إلى المنزل؟

ردت «الفتاة»: لا أعرف!

تختخ: هل تسكُنين هنا؟

الفتاة: نعم … في الدور الثاني مع أبي وأمي وإخوتي.

تختخ: والشقة المقابلة لكم؟

الفتاة: فيها أسرة الأستاذ «حسين» وهم جيران لنا في القاهرة.

تختخ: هل تعرفين بقية سُكان المنزل؟

الفتاة: أعرف سكان الدور الثالث فقط … ولكن لا أعرف أحدًا آخر …

شکر «تختخ» الفتاة التي أسرعت جارية وقال «تختخ»: نستطيع أن نقول إن الرجال الثلاثة لم يدخلوا الدور الثاني أو الثالث.

محب: أمامنا الدور الأول والرابع … ولو كنتُ مكان هؤلاء الرجال وأقوم بعمل ضد القانون لاخترتُ الدور الأرضي.

ابتسم «تختخ» وقال: استنتاج صائب یا «محب» … ولهذا سوف نصعد إلى الدور الرابع أولًا لنتأكد فقط، ثم نحصر شُبهتنا في الدور الأول.

وصعدا السلالم حتى الدور الرابع … ووجدا إحدى الشقتين مفتوحة … وولدًا صغيرًا يلعب أمامها بِكُرةٍ صغيرة، كادت تقع منه على السلالم فأسرع «محب» يلتقطها ويُعيدها إليه … وكانت الشقة الثانية مُغلقة … وتقدم «تختخ» ليدُق الباب ويسأل عن أيِّ شخص حتى يعرف نوع السكان … ولكن الباب فتح في هذه اللحظة فظهر رجل عجوز يلبس نظارة طبية … وأخذ يُحَدِّق في «تختخ» وقال: ألا تَكُفوا عن مضايقتنا؟! ابتعدوا عن الولد، إنَّ عنده ملحق وسوف يَرسُب لكثرة لعبه معكم … هيا من هنا وإلا …

ورفع يده مُهدِّدًا، وأسرع «تختخ» و«محب» ينزلان وهو خلفهما يصيح: هؤلاء الأولاد لا يكفُّون عن اللعب … أليس لكم أهل يسألون عنكم … كل يوم كُرةٌ أمام البيت كل يوم جري ورَمح في الشارع …

وطار «تختخ» و«محب» خارج المنزل. فلم يكن في إمكانهما أن يشرحا للرجل الثائر سبب حضورهما … فقد كان من الواضح أنه أب عنده ولد له دورٌ ثانٍ وأن الولد يذهب للعب مع سكان الشارع. وأن الأب غاضب جدًّا، ولو وقفا أمامه لما تردَّد في ضربهما.

وصلا إلى الشارع وقد تأكَّدا أن الرجال الثلاثة دخلوا إحدى الشقتَين في الدور الأرضي، وكان عليهما الآن أن يُخطِّطا لما سيَفعلانه … فالخطوات القادمة هامة وخطيرة، وأيُّ خطأ قد يؤدي إلى كارثة.

قال «محب»: ما رأيك في أن نُبْلغ قسم الشرطة الآن؟! إن عندنا معلومات شبه مؤكدة عن حضور هؤلاء الثلاثة.

فکر «تختخ» لحظات ثم قال: معقول … هل معك الرسالة؟

محب: لا … أظنها مع «لوزة».

تختخ: تعالَ نذهب لمقابلة بقية المغامرين ونُخبرهم بما حدث وسنُناقش ما يمكن عمله فإذا وافقوا على الذهاب إلى الشرطة أخذنا الرسالة وذهبنا.

وأسرعا إلى الكازينو و«زنجر» خلفهما حتى وصلا فوجدا «عاطف» و«نوسة» و«لوزة» يتحدثون، فقال «تختخ»؛ لقد وجدنا المنزل ووجدنا مكان الشقة تقريبًا، ویری «محب» أنه من الممكن إبلاغ الشرطة بما عندنا من معلومات.

عاطف: هل نسيتم حديث عمَّتي … وحكاية الولد الذي كتب رسالة الاستغاثة على سبيل المِزاح وما قام به رجال الشرطة من مجهودات انتهت بأن عرفوا أنها رسالة مزيفة … أعتقد أننا لو ذهبنا لما صدقونا.

محب: ولكن نحن عندنا معلومات وشهود …

تختخ: هاتي الرسالة يا «لوزة» …

لوزة: إنها ليسَت معي … لقد تركتها على السطح لتجف …

تختخ: إذن نعود إلى المنزل لإحضار الرسالة ثم نذهب إلى قسم الشرطة ونُخطرُه بما حدث، فإذا تَحرَّوا الحقيقة، كان بها … وإلا قُمنا نحن باستكمال المغامرة.

واتجهوا إلى المنزل مسرعين … وسبقتهم «لوزة» في الصعود إلى السطح … وسمعوها تجرى هنا وهناك … وصعد بعدها «محب» … ووقف الباقون ينتظرون … ومضت فترة وقال «تختخ»: ماذا يفعلان على السطح؟

قال «عاطف» ضاحكًا: ربما يشمَّان النسيم العليل.

تختخ: اصعد لترى لماذا تأخرا يا «عاطف»؟

عاطف: لماذا لا تصعد أنت؟! إن هذا يفيدك كثيرًا في تخفيف وزنك.

ثم انطلق «عاطف» ولكن قبل أن يصعد نصف السلم ظهر وجه «لوزة» وهي تقول: لم نجد الرسالة.

نوسة: لم تجدا الرسالة … كيف؟

لوزة: بحثنا عنها في كل مكان … لقد تركتها لتجف في الشمس، ونسيت أن أضع عليها قطعة من الطوب حتى لا تطير … ولكن يبدو أنها طارت.

تختخ: یا لَلحظِّ السيِّئ … تعالوا نبحث عنها حول الفيلا … ربما لم تَبتعِد.

ونزلوا جميعًا … كانت الفيلا تقع عند نهاية شارع جانبي … وبعدها الصحراء ثم أحد المصانع … وكانت هذه المساحة يُغطيها عشب خفيف … وترعى فيها عشرات من الماعز ووقف المغامرون لحظات … ثم قسَّموا أنفسهم بحيث يُحيطون بالفيلا … وانحنوا جميعًا على الأرض يبحثون …

کانت هناك آلاف من الأوراق المتناثرة هنا وهناك بفعل الريح … وأخذت الأيدي تلتقط ورقة هنا وورقة هناك … وكلما ظنَّ واحد منهم أنه عثر على الورقة اتضح أنها ليست هي … وبمرور الوقت أحسوا أنهم يُضيِّعون وقتهم في محاولة غير مُجدية … ولكن فجأة صاحت «لوزة»: هذه هي الورقة!

وكانت تنظر على بُعد أمتار منها على ورقة تعلقت ببعض الأعشاب الجافة … وكانت «لوزة» متأكدة أنها هي الورقة التي أخرجتها من الزجاجة الصفراء … وتقدمت «لوزة» تناول الورقة … وتوقف الجميع ينظرون إليها … ولكنَّ الورقة طارت بعد أن دفعتها الريح بعيدًا، وأسرعت «لوزة» … خلفها … وكلما تقدمت لتُمسكها طارت الورقة … وفجأة وقع ما لم يكن في الحُسبان … فقد تقدمت مِعزة وأخذت الورقة بين أسنانها …

ولم يتمالك «عاطف» نزعة السُّخرية في نفسه فصاح: إن المِعزة ستشترك معنا في المغامرة! ولكن أحدًا لم يضحك … وأسرعت «لوزة» تُحاول جذب الورقة من بين أسنان المِعزة … ولكن المِعزة جرت فزِعة ناحية الصحراء وجرت خلفها «لوزة» وتَحمَّس «زنجر» للمطاردة فأسرع كالصاروخ يحاصر المِعزة التي أخذت تقفز برشاقة فوق الرمال … وعشرات من الماعز تُطلق ثغاءها، وامتلأ الجو بالضجيج …

كان «زنجر» أسرع واستطاع أن يقف أمام المِعزة وأن يُحاصرها وتقدمت «لوزة» لاهثة الأنفاس من المِعزة التي أخذت تلْوك الورقة … وعندما استطاعت «لوزة» في النهاية أن تجذبها لم يكن قد بقي منها سوى قطعة صغيرة في حجم الورقة ذات العشرة قروش … ونظرت إليها «لوزة» وانفجرت باكية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤