زنجر في الوقت المناسب …

تسمَّرت قَدما «تختخ» في مكانه … كانت مفاجأةً غير متوقعة … وسمع مفتاحًا يدور في قِفل الباب، وأدرك أنَّ شخصًا أو أكثر سیدخلون، وأسرع يبحث عن مكان للاختباء … وخلفه «زنجر» وقد شعرا بالمأزق الذي تعرَّضا له.

دخل أول باب صادفه … كانت غرفة نوم، وأسرع يختفي خلف الباب … ومعه «زنجر» الذي قَبع هادئًا تحت قدميه … وسمع «تختخ» وقْع أقدام في الصالة … وسمع شخصان يتحدَّثان قال أحدهما: هل نقضي الليلة هنا؟

رد الرجل الآخر: لا … إني مُرتبط بموعد في محطة الرمل بعد ساعة وسوف أنصرف بعد قليل!

وسمع «تختخ» أقدامهما تتحرك في الصالة وتقترب من غرفة النوم وسمع ضحكة واحد منهما يقول: إن «الحنش» مستعجل جدًّا حتى إنه ترك النافذة مفتوحة!

ردَّ الآخر: لقد مرَّ كل شيءٍ ببساطة … ولم يَلتفِت أحد إلى حضورهم وانصرافهم.

الأول: لقد انتهَت مهمَّتنا عند هذا الحد.

الثاني: بالطبع … وسننتظر عودة «الحنش» بالنقود؛ فإن الرجل الكبير لن يدفع إلا بعد أن يتسلَّم الولد.

الأول: أرجو أن يَظل حيًّا حتى يتسلمه؛ فقد كانت جُرعة المُخدر كبيرة، وأخشى أن يموت في الطريق!

خفق قلب «تختخ» وهو يَسمع هذا الحوار … إن الولد الصغير «م.ح» في خطر، وقد يموت بين أيدي هؤلاء المجرمين … لو استطاع الخروج الآن ربما استطاع أن يفعل شيئًا.

ساد الصمت لحظات ثم قال أحدهما: لقد أخذ «الحنش» المايوهات معه.

لم يردَّ الآخر فترة قصيرة، ثم قال: لا أظن … فإني أذكر أنها كانت موجودة بعد خروجِه.

أدرك «تختخ» أن الدائرة تضيق عليه، وأن الرجُلَين قد يبحثان في الشقة وقد حدث ما توقعه فقد قال الأول: لعلها في الحمَّام.

وسمع صوت أقدام تتحرَّك في الصالة … وازداد توتر أعصابه … وخفقت أصوات الأقدام لحظات ثم عادت من جديد وقال الرجل: إنها ليست موجودة في الحمَّام لا بد أنه أخذها معه.

عاد الصمت من جديد … وارتفع صوت دقات قلب «تختخ» حتى ظنَّ أنه يصل إلى الرجلين في الصالة … وفكر أنه لا بد أن يستعدَّ لاحتمال دخول أحدهما الغرفة … وقد حدَث ذلك بأسرع مما توقَّع … فقد تقدم أحدهما من الغرفة وهو يقول: سأجمع حاجياتي وأنصرف. تقدم الرجل حتى أصبح على الباب … وخطا خطوة أخرى وأصبحت قدمه داخل الغرفة وفي هذه اللحظة دفع «تختخ» الباب بكل قوته فأصاب الرجل بضربة عنيفة في وجهه فسقط بعدها على الأرض وهو يطلق آهة طويلة … وقفز «تختخ» خارجًا واندفع «زنجر» خلفه … كان الرجل الثاني يقف في وسط الصالة مذهولًا لا يدري ما حدث … واندفع «تختخ» نحو الباب … ثم اندفع «زنجر» ناحية الرجل وقفز عليه نابحًا …

فتح «تختخ» الباب وقفز خارجًا وأطلق ساقيه للريح … كان يعرف أن «زنجر» سيتصرَّف، وفعلًا … ما كاد ينحرف في أول شارع قابله حتى كان «زنجر» في أعقابه يُطلِق نباحًا خفيفًا.

لم يكد «تختخ» يصل إلى الشارع حتى توقف عن الجري، وسار بهدوء وهو يلهث غير مُصدِّق أنه نجا بهذه البساطة … ومشى بخطوات نشيطة حتى إذا اقترب من فيلا السيدة «كريمة». شاهد الأصدقاء خارجين … وصاحت «لوزة» عندما رأته: «تختخ» … لماذا تأخَّرت؟

ابتسم «تختخ» وقال: مُرغمًا طبعًا، وإلا لما عُدتُ على الإطلاق!

لوزة: ماذا حدث؟

تختخ: إنها قصة مثيرة … سوف أرويها لكم.

عاطف: وما هذا الذي تحمله؟ هل اشتريتَ لنا شيئًا؟

تختخ: نعم … اشتريت لكم بعض الأدلة الهامة!

ولاحظ «تختخ» أن «محب» لم يَعد بعد فسأل عنه «نوسة» فقالت: لقد اتصل بنا تليفونيًّا، وقال إن هناك صفًّا طويلًا من راغبي الحجز في القطار ويشُكُّ أنه سيستطيع الحجز.

تختخ: لعل هذا أفضل، فإنني أفكر أن نُسافر الليلة؟

«لوزة»: الليلة … كيف؟

تختخ: إن الولد الصغير المخطوف في خطر … فهو تحت تأثير مُخدِّر قوي، وقد سمعت من أحد أفراد العصابة، أنه قد يموت.

صمت المغامرون ولكن «لوزة» عادت تقول: سمعت ذلك من أحد أفراد العصابة؟ هل قابلتهم؟ هل ما زال الولد هنا؟ وكيف نسافر؟

كانت الكلمات والأسئلة تخرج من فم «لوزة» کالمدفع الرشاش … فقال «تختخ»: على مهلك يا «لوزة» … إن الولد قد نُقل إلى القاهرة … وقد استمعت إلى مكالمة تليفونية مؤكدة هذه المعلومات.

بدت الدهشة على وجوه الأصدقاء، وقَبل أن يواصل «تختخ» حدیثه ظهر «محب» وقد بدت خيبة الأمل على وجهه … وأعلن إخفاقه في حجز أماكن في القطار …

وعاد الأصدقاء إلى الفيلا … وكانت السيدة «كريمة» قد أوت إلى فراشها، فقد اعتادت أن تنام مبكرًا، ولم يبقَ ساهرًا سوى الشغالة التي أسرعت تضع لهم العَشاء.

فتح «تختخ» کیس الورق وأخرج الأشياء التي أحضرها … وأخذت عيون المغامرين تَرمق المايوهات وبقايا السجاير … وبقية الأشياء في ذهول … وقال «تختخ»: هذه بعض أدلة عن رجال العصابة!

نوسة: لقد أَثرتَ فضولنا یا «تختخ» … تحدَّث من فضلك.

نظر «تختخ» ناحية الطعام وقال: أظن من الأفضل أن أتحدث وأنا آكل بدلًا من أن أتحدث وأنا أفكر في الطعام.

وجلس الجميع حول المائدة، وأخذ «تختخ» يروي ما حدث له خلال المساء … وهو يقطع حديثه بين آونة وأخرى بلُقمة ضخمة يحشو بها فمه … وكان جميع المغامرين مشغولين بالاستماع إليه … وهو مشغول بالطعام.

وعندما انتهى من طعامه وشرب كوبًا من الماء البارد قال: لهذا أقترح أن نسافر الليلة.

عاطف: أليس من الممكن إبلاغ الشرطة الآن … مع وجود هذين الرجلين في الشقة؟

تختخ: إنهما بالطبع ليسا في الشقة الآن. أكثر من هذا أننا في الغالب سنفقد أثر العصابة في القاهرة … فسوف يصل «الحنش» ومَن معه وسيعرف الرجل الكبير، وهو بالطبع زعيم العصابة، أن شخصًا من غير رجاله قد ردَّ على المُكالمة التليفونية، وأنَّ هناك من يعلم ما يفعلونه.

محب: وماذا نفعل؟

تختخ: ليس إلَّا إبلاغ المفتش «سامي» برقم تليفون ٨٥٥٥٧٧ وبتتبُّع التليفون سيعرف مكان العِصابة، وقد يتمكَّن من عمل شيء في الوقت المناسب.

نوسة: لقد نسيت والد المخطوف … إنه أيضًا قد يكون دليلًا يؤدي إلى معرفة شيء عن العصابة؟

تختخ: هذا سيتوقف على ما ستفعله العصابة الليلة أو غدًا، هل ستتَّصل بوالد المخطوف أو تنتظر لترى تطوُّرات الأمور بعد أن عرفت أن هناك من يَعرف سِرها.

لوزة: إذن نُسافر الليلة.

تختخ: نعم … ومِن حُسن الحظ أنَّ السيدة «كريمة» قد نامت وإلا لما سَمحت لنا بالسفر … سنترك لها رسالة شُكر … ونُسافر … وخاصة أنها تعلم أن «محب» و«نوسة» لابد أن يُسافرا غدًا … إن هذا خطأ طبعًا، ولكن هذا ما يمكننا عمله!

محب: إذن هيا بنا نجهز حقائبنا.

وقام الجميع … وفي صمت ودون إحداث أي ضجيج جمعوا حاجاتهم، وحزموا حقائبهم أمام دهشة الشغالة … ثم جلس «محب» وكتب سطورًا رقيقة شاكرًا للسيدة «كريمة» ضيافتها لهم … ثم خرجوا.

استوقفوا أول تاكسي قابلهم … وطلبوا منه التوجه إلى محطة سيارات القاهرة في ميدان المنشية بالإسكندرية … ومضَت السيارة تَقطع الطريق بين «أبو قير» و«الإسكندرية»، وقد استسلم كل من المغامرين إلى خواطره.

وصل التاكسي إلى «الإسكندرية» … وكان على المُغامرين الخمسة أن يجدوا سيارة خاصَّة فهم خمسة ومعهم «زنجر» وحقائبهم … وتركهم «تختخ» ومضى يبحث وفجأة حدث شيء من سلسلة مفاجآت هذا اليوم … لقد قابل السائق «وجيه» صاحب السيارة «المرسيدس» والذي سبَق أن ركبوا معه في «لغز الشيء المجهول» ومغامرة أخرى … وسُرعان ما تصافحا بحرارة وقال وجيه باسمًا: فرصة سعيدة يا أستاذ «توفيق» أن أراك … ماذا تفعل هنا؟

تختخ: إننا نُريدك … فنحن جميعًا نريد أن نسافر إلى القاهرة فورًا.

وجيه: هل هي مغامرة جديدة؟

ابتسم «تختخ» قائلًا: تقريبًا.

وجيه: إنني رهنُ إشارتكم … ولكن السيارات هنا بالدور وسأذهب لمُحاولة الحصول على إذن الخروج من «الإسكندرية» وقد أتأخَّر قليلًا.

تختخ: لا بأس … سوف ننتظرك.

وجيه: هذه هي مفاتيح السيارة … فاركبوا حتى حضوري.

وأسرع «تختخ» يستدعي الأصدقاء ويحكي لهم هذه المفاجأة المُفرحة … فقد كانوا جميعًا يحبون هذا السائق الخَشِن المظهر … الطيب القلب … الشجاع … الماهر الذي شاركهم في مغامرتين من قبل.

ووضع الأصدقاء الحقائب، وذهب «تختخ» لشراء بعض اللب والفول السوداني للتسلية في الطريق … ولم یکد يخطو للأمام خطوة واحدة حتى كانت هناك مفاجأة أخرى في انتظاره … مفاجأة لم يتوقعها مطلقًا … شاهد الرجل الذي هجم عليه «زنجر» في الشقة واقفًا مع زميله … كان زميله يضع شاشًا وقطنًا على وجهه … ولم يشكَّ «تختخ» لحظة أن هذا نتيجة خبطة الباب القوية التي نزلت على وجهِه … استدار «تختخ» سريعًا فلو رآه الرجل الذي هاجمه «زنجر» لعرفه على الفور.

كان الرجلان يقفان بجانب إحدى السيارات ويتحدثان مع السائق طالبين منه توصيلهما إلى «القاهرة» بأسرع ما يمكن.

وسمع «تختخ» السائق يقول لهما: لا بد من الدور.

الرجل: سنَدفع لك ما تشاء.

السائق: سأحاول فانتظراني في السيارة.

وركب الرجلان وتسلَّل «تختخ» مبتعدًا، ولكنه لم ينسَ أن يشتري اللب والفول وعاد سريعًا إلى المغامرين … كان «وجيه» قد عاد أيضًا ضاحكًا لأنه حصل على الإذن وهو على استعداد للانطلاق فورًا … ولكن «تختخ» الذي ركب بجواره قال له: هل أنت على استعدادٍ لأن تُؤدِّي لنا خدمة؟

وجيه: طبعًا … ألسنا أصدقاء.

قال «تختخ» وهو يُشير إلى السيارة التي ركبها الرجلان: أريدك أن تتبع هذه السيارة دون أن يحس ركابها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤