الساحر الحديث

عندما اجتمع المغامرون الخمسة في صباح اليوم التَّالي … بدَوْا كأنهم مجموعةٌ من القرود في قفصٍ صغير … فقد كانوا يتحدثون جميعًا في صوتٍ واحد … كلٌّ منهم يقول ما عنده من قضايا واستنتاجات … وضحك «عاطف» وهو يتذكَّر بهذا المشهد … حديقة الحيوان … وقفز إلى غُصن شجرة وتعلَّق به كالقرد … والتفَت إليه الأصدقاء … وفهموا ما يقصد وضحكوا.

قال «عاطف»: أعتقد أن القرودَ تتحدَّث بطريقةٍ أكثر انتظامًا.

نوسة: إننا دائمًا نقع في الخطأ نفسه.

تختخ: المُهِم، ماذا خَلْفكم، ليتحدَّث كل واحدٍ في دوره … «لوزة» أولًا.

لوزة: في الحقيقة لم أستطع قراءة كل الحوادث التي أخذتُها … ولكن ما قرأتُه منها فيه من الأدلة ما يكفي للقبض على الفاعل … مثلًا حكاية السيدة العجوز. لقد ترك اللص خلفه فردةَ حذاءٍ … أليس من الممكن عن طريقها الوصول إلى اللص؟ … لقد استطعنا من قبلُ حلَّ ألغازٍ أكثر صعوبة.

محب: وما هي الأشياء المسروقة؟

لوزة: ۲۳ جنيهًا، ومُنبِّه، ومجموعة أقلام.

محب: إنها قضيةٌ بسيطة للغاية يا «لوزة»، نحن نريد حوادثَ أكبر!

والتفَت «محب» إلى الأصدقاء قائلًا: إنَّنا لن نستطيع معالجة خمسين حادثًا مقيَّدة ضد مجهول، وبخاصة أن بعضها خارج المعادي … بل خارج القاهرة والجيزة؛ ولذلك فكَّرتُ أن نُركِّز على الحوادث الهامة فقط … ففي الحوادث التي قرأتُها، هناك حادث سرقة محل «صبحي» الجواهرجي. في هذا الحادث سرق اللصوص كميةً من المَصُوغات الذهبية أكثر من ٣٠ ألف جنيه … هذه حادثةٌ هامة … أما حكاية سرقة طبَق، و«بايب» … ومُنبِّه … فهذه حوادثُ فردية للصوصٍ عاديين، وهي حوادث لا تستحق أن نُضيع جهدنا فيها …

عاطف: أُوافِق … فقد وجَدتُ ضمن الحوادث التي قرأتُها حادثة سرقة جوز فراخ من سطح أحد المنازل … وحتَّى نصل إلى السارق سيكون طبعًا قد أكل جوز الفراخ بالهنا والشفاء … وتخلَّص من آثار الجريمة.

وضحك «تختخ» وقال: وجهة نظر «محب» معقولةٌ جدًّا … ولكن لي وجهة نظر أخرى … إنني أقترح أن نبحثَ عن الحوادث المتشابهة … التي تدُل على أن اللص الذي قام بها واحد … أو التي قامت بها عصابةٌ معيَّنة … فإننا إذا توصَّلْنا إلى لصٍّ أو مجموعةِ لصوصٍ قاموا بعَشْر عمليات سطو … نكون قد حلَلنا عَشْر حوادثَ غامضة في خبطةٍ واحدة!

لوزة: إنني لا أفهم!

تختخ: سأُوضِّح وجهة نظري مرةً أخرى … أريد أن أقول إن عددًا من الحوادث المقيدة ضد مجهول قد يكون الفاعل فيها شخصًا واحدًا … أو مجموعةَ أشخاص، فإذا توصَّلنا إلى هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص نكون قد أصبنا عددًا من العصافير بحجرٍ واحد.

نوسة: المشكلة كيف نتوصل إلى تحديد الحوادث المتشابهة، التي تدل على أن مَن قام بها لصٌّ واحد أو مجموعةُ لصوص.

تختخ: معكِ حق … هذه هي المشكلة … فيجب أن يقرأ كلٌّ منا الحوادث الخمسين مرةً واحدة ليجد الحوادث المتشابهة.

عاطف: هذا لا يحتاج إلى عقلٍ بشري، إنه يحتاج إلى عقلٍ إلكتروني.

لوزة: لقد سَمِعتُ حكاية العقل الإلكتروني هذه من قبلُ.

محب: قالها المفتش «سامي» عندما كنا نتحدَّث عن طاقة رجل الشرطة، وأنه يمكن أن يخطئ لأنه بشر وليس عقلًا إلكترونيًّا.

تختخ: ولماذا لا نستخدم العقل الإلكتروني؟

التفَت إليه الأصدقاء في دهشة … حتى الكلب الأسود الذكي «زنجر» الذي كان نائمًا طُول الوقت فتح عينَيه، ونبح نُباحًا خافتًا كأنه مندهشٌ لهذه الفكرة التي طرأَت على رأس صاحبه «تختخ».

نوسة: نستخدم العقل الإلكتروني؟

تختخ: نعم. إن العالم يتطور … وقد دخلَت العقول الإلكترونية مختلف مجالات البحث العلمي، فلماذا لا تُستخدم في الكشف عن الجرائم؟ إنني متأكِّد أن بلادًا مثل سويسرا أو أمريكا أو فرنسا تستخدم العقول الإلكترونية في الكشف عن الجرائم.

عاطف: ولكن … أظن أن مصروفنا لا يكفي لشراء عقلٍ إلكتروني!

«تختخ» متضايقًا: دعكَ من الهزار الآن يا «عاطف»، فأنتَ تعرف أن العقل الإلكتروني يُساوي مئاتِ الألوفِ من الجنيهات.

وقبل أن يرد «عاطف» قطع الحوار ظهور الشاويش «فرقع»، وأَحَس المغامرون بالضيق لأنه سوف يُعطِّلهم عن مناقشاتهم … وتمطَّى «زنجر» ثم قوَّس ظهره، واستَعدَّ للهجوم على الشاويش ومداعبته كعادته … ولكن نظرة من «تختخ» إلى وجه الشاويش جعلَتْه يشير للكلب بالبقاء في مكانه.

كان وجه الشاويش شاحبًا كأنه لم ينمْ طُولَ الليل … أو كأنه مريضٌ منذ فترةٍ طويلة، ووقف «تختخ» واستقبل الشاويش بالترحاب … فقد كان واضحًا أنه لم يأتِ لمضايقتهم واتهامهم كالمعتاد … ولكنه جاء لهدفٍ آخر.

وارتمى الشاويش على أحد المقاعد … ووضع مظروفًا أصفر اللون كان بيده على ركبته، ثم نظر إلى الأصدقاء، فقال له «تختخ»: إنك لم تُفطِر بعدُ يا شاويش «علي»!

بدا الاستغراب على وجه الشاويش، وقال: كيف عرفتَ ذلك؟

قال «تختخ» ضاحكًا: إنها شُغلَتي كمغامرٍ يا حضرة الشاويش!

وبدَت في عينَي «فرقع» نظرةُ ضيقٍ سريعة، فلم يكن يُضايِقه إلا ادِّعاء هؤلاء الخمسة أنهم مغامرون من طرازٍ رفيع … وأنهم في كل مرة سبقوه إلى حل الألغاز، ولكنه في هذا الصباح لم يكن على استعدادٍ للاشتباك معهم، وعاد «تختخ» يقول له: سأشرح لكَ كيف عرفتُ؛ فثيابك مُتغضِّنة … ونحن نراك عادةً في ثيابٍ مكوية … وأنت لم تَحلق حتى ذَقَنك في هذا الصباح، ومعنى ذلك أنكَ قضيتَ الليل خارج منزلك … وواضح من شفتَيك الجافَّتَين أيضا أنكَ لم تفطر. اتسعَت عينا الشاويش وقال: كأنكَ كنتَ معي!

تختخ: وأستطيع أن أُضيفَ أنكَ كنتَ في عمل في هذه الليلة … وهذا المظروف الذي معكَ به أوراق التحقيق … وواضحٌ من حذائك أنكَ مَشَيتَ في منطقةٍ موحلة، لعلَّها حديقةٌ مَرْوية لأننا في الصيف ولسنا في الشتاء.

الشاويش: مدهش!

تختخ: وربما كنتَ تُطارِد لصًّا دخل من نافذة فيلا، وهَربَ عن طريق الحديقة فاقتفيتَ أثَره!

أغمَض الشاويش عينَيه كأنه لا يريد أن يسمعَ أكثر، فقال «تختخ»: وأنتَ لم تستطع الوصول إلى اللص … وجئتَ تسألنا رأينا؟!

الشاويش: لقد أصبتَ في كل ما قُلتَ … ما عدا قولكَ إنها فيلا … والحقيقة أنه القصر الأخضر.

نوسة: القصر الأخضر … لقد كان لنا فيه مغامرةٌ ممتازة!

الشاويش: تمامًا … لقد كشفتُم عن مكان المجوهرات التي أخفاها صاحب القصر في ماسورة المياه.

تختخ: سرقة في القصر الأخضر!

الشاويش: نعم … المسروقات قليلة … ولكنها مهمةٌ وغالية … لوحة من عمل فنانٍ كبير، لا أعرف كيف أنطِق اسمه … وزهريةٌ أثرية من اليابان.

قال «محب»: هذه جريمةٌ طازجة … أفضل من هذه الجرائم «البايتة»!

لوزة: فعلًا … يجب أن نُطارِد اللص فورًا!

الشاويش: لقد اختفى كالشبح … لم يَرَه أحد!

لوزة: والأدلة؟!

الشاويش: لا أدلة على الإطلاق … أو هناك بعض الأدلة، ولكنها عديمة القيمة!

تختخ: مثل ماذا يا شاويش «علي»؟

الشاويش: إن اللص كان في إمكانه أن يسرق أشياءَ أكثر أهمية … فقد كانت هناك لَوحاتٌ أغلى، وزهرياتٌ أهم، ولكنه اختار ما سرقه!

تختخ: هذا دليلٌ هام.

الشاويش: وقد سمع الجيران في الثالثة صباحًا صوتَ سيارةٍ كانت تقف في الظلام بجوار القصر.

تختخ: ألم يُشاهِدوا السيارة ذاتها؟

الشاويش: لا … كانت مختفية في الظلام … وكان أحد الجيران مريضًا، وموعد تناول الدواء في الثالثة، وسَمِع صوتَ «موتور» السيارة يدور، ثم صوتَ السيارة وهي تبتعد، ولحسن الحظ أنه مهندسٌ ميكانيكي!

محب: صدفةٌ مدهشة!

الشاويش: وهو يعتقد أنها سيارة من طرازٍ قديم … ربما قبل سنة ١٩٤٠م.

تختخ: شيءٌ مدهش … إن اللصوص عادةً يُفضِّلون السيارات الحديثة السريعة!

لوزة: أليست هناك بصمات؟

الشاويش: لا … جاء رجال المعمل الجنائي لرفع البصمات فلم يجدوا شيئًا منها … إلا بصمات الخدَم وأصحاب القصر طبعًا!

لوزة: آسفة يا شاويش … إننا لم نُحضر لك شيئا! هل تشرب شايًا؟

تختخ: أرجو أن تُحضري بعض قطع الساندوتش، وكوبًا من الشاي للشاويش!

وابتسم الشاويش شاكرًا … ولاحظ الأوراق الكثيرة التي بأيدي الأصدقاء فقال: ما هذا؟!

عاطف: إننا نتسلَّى في بحث خمسين حادثًا قُيِّدتْ ضد مجهول!

الشاويش: وكيف حصلتم على المحاضر؟

عاطف: من المفتش «سامي».

الشاويش: إنه في إجازة!

عاطف: قبل أن يقوم بالإجازة … وبالمناسبة يا شاويش … قرأتُ حادثًا مقيدًا عندكَ ضد مجهول!

نوسة: وأنا أيضًا قرأتُ حادثًا آخر في «المعادي» مقيدًا ضد مجهول!

بدا التعب على وجه الشاويش وهو يقول: والآن أصبحوا ثلاثة … بعد حادث الأمس … وهذا يعني أنني رجلٌ مُقصِّر في عملي.

تختخ: لا تبتئس يا حضرة الشاويش … فهناك خمسون حادثًا غامضًا مقيَّدة ضد مجهول في أقسام الجيزة وغيرها من المحافظات.

وسكت «تختخ» لحظاتٍ ثم أضاف: وعلى كل حال … سوف يتدخل المغامرون الخمسة لحل هذه الحوادث، أو هذه الألغاز التي لم يتمكَّن أحد من حلِّها.

بدا الضيق على الشاويش وهو يقول: ستحُلُّون خمسين لغزًا قُيدَت ضد مجهول؟

عاطف: واحدًا وخمسين يا شاويش.

تختخ: نعم … سنحُلُّها بطريقةٍ جديدة جدًّا … بالطبع لن نحُلَّها كلَّها … ولكن على الأقل سنَحُل جزءًا كبيرًا منها.

الشاويش: أية طريقة هذه … بالسحر مثلًا؟

تختخ: نعم … شيءٌ أشبه بالسِّحر … ولكنه سِحرٌ عصري … سِحرٌ يُسمَّى العقل الإلكتروني!

واتسعَت عينا الشاويش … والتفَت المغامرون إلى «تختخ» الذي بدا وهو واثقٌ مما يقول … ووصلَت «لوزة» تحمل الساندوتشات والشاي … وانهمَكَ الشاويش في الأكل والشرب، وهو يُردِّد في ذهول: عقل … إلكتروني … عقل … إلكتروني … عقل!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤