الرقم ١٣

في الموعد المحدَّد بعد ثلاثة أيام، اتصل الدكتور «علي» ﺑ «تختخ» تليفونيًّا في التاسعة صباحًا، وقال «تختخ» في نفسه وهو يرفع سماعة التليفون: شيءٌ مدهش، ثلاثة أيام بالساعة والدقيقة … ولكن هذا طبعًا ليس بالغريب على رجل يعمل ﺑ «الكمبيوتر» … فهو بمرور الوقت يصبح كالعقل الإلكتروني ذاته.

قال الدكتور «علي»: صباح الخير. النتائج جاهزة … وأعتقد أنكم ستجدون فيها ما يُشبِع هوايتكم في البحث والاستنتاج.

تختخ: شكرًا يا دكتور. سأكون عندك بعد ساعة!

ووضع «تختخ» السماعة … وأخذ يرتدي ملابسه وهو يُدندِن بلحنٍ مشهور … كان سعيدًا لأن المغامرة نضجَت، وأن المغامرين الخمسة مقبلون على حلِّ بعض الألغاز التي حيَّرتْ رجال الشرطة.

واتصل «تختخ» تليفونيًّا بالمغامرين … وطلب منهم انتظاره في حديقة منزل «عاطف»؛ فقد تقرَّر أن يذهب وحده إلى «دار المعارف» … وفي العاشرة كان يدخل غرفة الدكتور «علي» اللامعة المكيفة الهواء. وأحس بالراحة والانتعاش في الجو المكيَّف بعيدًا عن حرارة الشوارع.

كان الدكتور «علي» مستغرقًا في بعض أعماله فقال ﻟ «تختخ»: دقيقة واحدة! سأتفرغ للحديث معك.

وسرح «تختخ» بخياله في النتائج التي حَصَل عليها الحاسب الإلكتروني. كان في ذهنه فكرةٌ معينة، تمنَّى أن تكون النتائج مؤيدة لها … لقد أحسَّ أن ثَمَّةَ شيئًا مشتركًا يربط بين عددٍ من الحوادث الغامضة في الملف الأزرق … شيئًا له طابعٌ تاريخي … ولم يطُل به التفكير؛ فقد نحَّى الدكتور ما بيده جانبًا، ثم قال وهو يمدُّ يده بمجموعةٍ من الأوراق إلى «تختخ»: هذه هي النتائج … ومعي صورةٌ منها، ويمكن أن أجيب عن أية أَسئلةٍ تهمك.

كانت الأوراق مقسَّمة إلى جداول. وعلى قمة كل جدولٍ عنوانٌ محدَّد ورقم الحادث وتاريخه ونوعه وأسلوب السرقة وغيرها من البيانات، وفي آخرها جدول الاستنتاجات.

كان هذا الجدول هو ما يهمُّ «تختخ»؛ ففيه سيعثُر على بداية الخيط الذي قد يؤدي إلى كشف بعض السرقات الغامضة. ودقَّ قلبُه سريعًا وهو يقرأ في الجدول السابق للاستنتاجات تحت عنوان حوادث متشابهة ما أثبت نظريته … فقد كان هناك ١٣ حادثًا متشابهًا؛ إذ يربط بينها جميعًا طابعٌ واحد. إن المسروقات فيها ذات قيمةٍ أثرية وفنية هامة … وفي خانة الاستنتاجات قال الحاسب الإلكتروني إن اﻟ ١٣ حادثًا من تنفيذ شخصٍ واحد.

ودقَّ قلب «تختخ» فرحًا … إن الحاسب الإلكتروني أيَّد فكرته … وبدأ يقرأ الكشف.

  • (١)

    سرقة طبق سيفر مطعَّم بالفضة.

  • (٢)

    سرقة غَلْيون (بايب) «قديم».

  • (٣)

    سرقة سجادةٍ صغيرة أثرية.

  • (٤)

    سرقة تمثالٍ لفارسٍ تركي من البرونز.

  • (٥)

    سرقة مرآةٍ صغيرة ذات إطارٍ فضِّي.

  • (٦)

    سرقة خاتمٍ عليه جعرانٌ أثري.

  • (٧)

    سرقة مجموعة مخطوطاتٍ عن أصول العائلات المصرية.

  • (٨)

    سرقة نجفة من الكريستال صناعة «بوهيميا» ١٨٨٥م.

  • (٩)

    سرقة سيف من الصُّلب المطعَّم بالذهب.

  • (١٠)

    سرقة كرسيٍّ صغير من خشب الورد القديم.

  • (١١)

    سرقة مجموعة شِوك وملاعق ماركة «كريستوفل» من القرن ١٧.

  • (١٢)

    سرقة لوحةٍ من رسم فنانٍ فارسي مجهول.

  • (١٣)

    سرقة زهريةٍ أثرية.

هذه السرقاتُ كلُّها يربط بينها أن المسروقات فيها ذاتُ طابعٍ أثري … فهي جميعًا تُحفٌ أو أوراقٌ تتعلَّق بالماضي والتاريخ … وهي جميعًا قد سُرقَت بطريقةٍ واحدة … ومن شهادة الشهود … وبعض الأدلة القليلة التي وُجدَت في بعض أماكن السرقات يمكن أن يُقال إنها من ارتكاب شخصٍ واحد.

رفَع «تختخ» عينَيه عن الأوراق وقال: شيءٌ مُدهِش … ممتاز!

ابتسم الدكتور «علي» وقال: لقد أعدتُ كتابةَ البيانات بحيث تكون قريبةَ الفهم لكم.

تختخ: لقد قمتَ أنت والحاسب الإلكتروني بعملٍ رائع.

الدكتور: لستُ وحدي بالطبع، وزملائي بالتأكيد.

تختخ: طبعًا … طبعًا … إنني سأحمل هذه الأوراق إلى زملائي لنقرأها معًا …

ولكنَّ هناك سؤالًا: هل يمكن للحاسب الإلكتروني أن يُحدِّد شخصية اللص … مثلًا طُولَه … وَزنَه … سِنَّه … طريقة تفكيره؟!

الدكتور «علي»: بالطبع هذا ممكن … برغم أن المعلومات والأدلة التي لدينا تُعتبَر قليلة جدًّا، ولكنَّه يبدو أنه لصٌّ على جانبٍ كبير من الذكاء والحذر.

تختخ: والثقافة الفنية أيضًا … فقد عَرفَ أن لوحة «بلليني» مزيَّفة بعد أن فحصها ليلةً واحدة.

الدكتور «علي»: هناك ملاحظةٌ هامة للحاسب الإلكتروني على هذه الحادثة … ستجدها في نهاية الاستنتاجات.

تختخ: سأقرأ كل شيءٍ بعناية.

الدكتور «علي»: وبقية الحوادث؟

تختخ: سأتجاهلها مؤقتًا … وسنُركِّز جهودنا في البحث على هذا اللص … إنه من نوعٍ جديد … وأسلوبه في ارتكاب حوادثه غاية في الدقة والبراعة. وإذا استطعنا القبض عليه فسنعود لبحث بقية الحوادث.

الدكتور «علي»: على كل حالٍ لن يأخذ منا البحث عن شخصية اللص أكثر من ساعات. وهذا المساء سيكون التقرير عنه مجهَّزًا!

قال «تختخ» وهو يقف: لا أدري كيف أشكرك!

ابتسم الدكتور «علي» قائلًا: لا شكر على واجب.

وانصرف «تختخ» مسرعًا والدنيا لا تتسع لفرحته … فهذه أول عمليةٍ يشترك فيها المغامرون الخمسة ويحلُّونها بشكلٍ علمي مدروس … ربما كان الأول من نوعه في هذا الجزء من العالم.

وعندما وصل «تختخ» إلى منزل «عاطف» كان بقية المغامرين في انتظاره … وسرعان ما التفُّوا حوله، وهو يفتح المظروف الكبير الأصفر الذي كان به نتائجُ الأبحاث التي قام بها الحاسب الإلكتروني على الحوادث الغامضة في المِلَف الأزرق.

رأت «لوزة» الأوراق فانتابها الخوف … كانت أوراقًا كبيرة الحجم، حافلة بالبيانات والإحصاءات والأرقام. وأدركَت أنها لن تفهم شيئًا من كل هذا … ولم تتردَّد أن تقول ﻟ «تختخ»: إنني أشعُر بفزعٍ أمام كل هذه الأوراق … ولن أُلقي نظرةً واحدة عليها، والذي يهمُّني هو … هل توصَّل الحاسب الإلكتروني إلى شيءٍ يمكن أن نعتمد عليه في حل اللغز؟!

تختخ: أي لغزٍ يا عزيزتي «لوزة»؟ إننا لن نحلَّ لغزًا واحدًا … إننا سنحُل ١٣ لغزًا في مرة واحدة … فالعقل الإلكتروني استخرج نتائج تؤكد أن هناك ١٣ حادثَ سرقةٍ كلها ذات طابعٍ واحد. وارتكَبها شخصٌ واحد.

لوزة: الحاسب الإلكتروني فعل هذا؟! إنه أعظم مخبرٍ سري في العالم!

تختخ: ستُدهَشون إذا عرفتُم أن الحاسب الإلكتروني أكَّد فكرةً كانت تطوف بخاطري. تنَحنَح «عاطف» وهو يقول: الآن ستدَّعي أنك سبقتَ الحاسب الإلكتروني … ولعلكَ ستطلُب الآن تغذيتَكَ كما يُغذُّون هذا العقل العجيب!

لم يلتفت «تختخ» إلى سخرية «عاطف» وقال: لقد صنَّف الحاسب الإلكتروني جميع السرقات إلى أنواع. واتضح أن هناك مجموعةً من الحوادث ارتكبها شخصٌ واحد، ومجموعةً أخرى ارتكبَتْها عصابةٌ واحدة … ومجموعةً ثالثة كل حادثٍ منها ارتكبه شخصٌ بمفرده ولا يربط بينهما رابط … إنها نتائجُ مدهشة يمكن أن تؤدي إلى حل الخمسين قضيةً التي قُيدَت ضد مجهول.

نوسة: وهل سنُحقِّق هذه الحوادث جميعًا؟

تختخ: لا … إنني أقترح التركيز على الحوادث اﻟ ١٣، وبخاصة أن آخرها ما زال طازجًا، وهو سرقة القصر الأخضر.

محب: وبقية الحوادث؟

تختخ: سنتركها لحين عودة المفتش «سامي» ونناقشه فيها، ولعل رجال الشرطة بعد بيانات الحاسب الإلكتروني يتمكَّنون من القبض على اللصوص.

لوزة: والآن نسمع.

تختخ: إن اﻟ ١٣ حادثًا التي حدَّثتُكم عنها يربط بينها جميعًا أن المسروقات فيها ذاتُ طابعٍ أثَري وفني … وإنها جميعًا ارتُكبَت بطريقةٍ واحدة، عدا ثلاثة منها هي سرقة الغَلْيون من صاحبه في محل «جروبي» … وسرقة المخطوطات الأثَرية لأنها سُرقَت من مكتبة نهارًا … وسرقة سجادةٍ أثرية صغيرة … فقد سُرقَت من متحفٍ نهارًا أيضًا!

محب: يمكن استبعاد هذه الحوادث.

تختخ: لن يُربكَنا أن تبقى … لأنها جميعًا لها الطابع نفسه كما قلتُ.

نوسة: وهل تكفي هذه المعلومات للقبض على اللص؟

تختخ: لا بالطبع، ولكنها تُحدِّد شيئَين … نوعَ الأشياء التي يسرقها، وطريقتَه في السرقة … إنه يسرق الأشياء الأثَرية فقط، وهو يسرق بطريقة فتح النوافذ كما عرفنا في القصر الأخضر … وهو ينتقي أشياءَ معينة … بدليل أنه في كل السرقات التي قام بها كانت أمامه أشياءُ أكثرُ قيمة … ولكنه سرق أشياءَ أقل قيمة … وهذا يعني أنه يختار أشياءَ معينة … مثلًا عندما سرق الخاتم كان أمامه في صندوق المجوهرات عقودٌ وأساورُ تساوي ألوف الجنيهات، ولكنه اختار هذا الخاتم الصغير فقط!

محب: شيءٌ مذهل.

تختخ: بالفعل … وهذا ما يجعل هذه المغامرة تختلف عن كل المغامرات التي اشتركنا فيها من قبلُ … وأنا أعتقد أنها ستنتهي بمفاجأةٍ لنا جميعًا.

عاطف: المهمُّ ما هي الخطوة التالية؟ لقد وصلتُم إلى نهاية اللغز … وحدَّدتُم المفاجأة التي تنتظرنا دون أن نتحرك خطوةً واحدة، فهل انتهى كل شيءٍ وقبضنا على اللص؟

ابتسمَت «نوسة» قائلةً: معكَ حق يا «عاطف» …

تختخ: إنني واثقٌ بأن صباح الغد سيشهد نقطةً أخرى مثيرة … عندما يُحدِّد لنا الحاسب الإلكتروني شخصية اللص … ومؤقتًا عندي استنتاج حتَّى أسبق الحاسب الإلكتروني من الآن، وحتَّى لا أكونَ موضع سخرية «عاطف».

عاطف: فلنُسجِّل هنا الحدث الفريد … ما هذا الاستنتاج المثير؟

سكت «تختخ» لحظاتٍ وأخذ يقلِّب بصره بين الأصدقاء، ثم قال: إننا نعرف جميعًا أن اللصوص يسرقون ثم يبيعون المسروقات … ولكن هذا اللص العجيب لم يسرق شيئًا واحدًا ليبيعَه … إنَّه لم يَبِع شيئًا مما سرق مطلقًا.

عاطف: ولماذا يسرق إذن؟

تختخ: لأحد الأسباب الآتية … أولًا: أن يكون من هُواة السرقة … وهذا مرضٌ معروف. ثانيًا: إنه يسرق فقط لتحدِّي ذكاء الشرطة. ثالثًا: إنه يسرق لأنه يُحب الاحتفاظ بما يسرق … لأنه فنان ومن هواة التحف والآثار، بدليل أنه اكتشف اللوحة المزيفة بعد سرقتها مباشرةً. رابعًا، وهو الأهم: إنه يسرق أشياءَ كان يملكها أصلًا … أو يتوهَّم أنه كان يملكها … ولا تنسوا قوله في الورقة الصفراء … «إن هذه اللوحة لا تخصُّني.»

وساد الصمتُ الأصدقاءَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤