الأصدقاء والأعداء في حياة الشريف الرضي

أيها السادة

رأيتم فيما سلف أن الشريف الرضي كان يهجم على أقربائه في بعض الأحيان، وعرفتم تفسير هذه الظاهرة النفسية، فقد كان الشريف رجلًا موصول الأواصر بالحياة الاجتماعية والسياسية، كان رجل فعل Homme d’action وكانت هذه الصفة تمنحه الفرص الثمينة لامتحان الرجال.

ولكن هل معنى ذلك أنه لم يكن يعرف المودة والقرابة إلا لغايات نفعية؟

لا، ولكن معناه أنه كان ينتظر من الصديق والقريب أن يكون ساعده الأيمن في جميع الأحوال، وقد كانت المكاره لا تغزوه إلا من الثغور الساسية والاجتماعية، فكان من المعقول أن تكون المناصرة في حروب المجتمع هي أساس ما يرجوه من الأقارب والأصدقاء.

ويمكن الحكم بأن الشريف تفرد من بين الشعراء بالإسراف في الكلام عن العدو والصديق، كما تفرد بالإكثار من شرح العواطف البنوية، وهذه نوازع يرجع بعضها إلى بعض، وإن اختلفت أصولها في مشاعر الوجدان.

وإلحاح الشريف في الكلام عن العداوة والصداقة يشعرنا بأنه كان في نفسه أعنف عدو، وأكرم صديق.

وأشعاره تحدثنا بأنه كان يعرف في نفسه طهارة القلب، وعذوبة الروح، وإنه ليخاطب أحد أصدقائه فيقول:

سألقاك بالعهد عند المشيب
وها أنا في حلية الأمرد
وإني إذا لم أجد ناصرًا
وجدتك أنصر لي من يدي
خذ الوقت واعلم بأن اللبيـ
ـب يأخذ من يومه للغد
فما ينفع المرء بعد المنو
ن قول النوادب لا تبعد١
على أنني تحفة للصديق
يروح بنجواي أو يغتدي
وإني ليأنس بي الزائرو
ن أنس النواظر بالإثمد٢
تغمض لي أعين الحاسديـ
ـن كالشمس في ناظر الأرمد
فلا دخل البعد ما بيننا
ولا فكّ منّا يدًا عن يد
وطول أيامنا بالمقا
م في ظل عيش رقيق ندي

وهذه القطعة صريحة بأنه كان يعرف في نفسه بشاشة القلب وبهجة الروح.

وهذا الشعور هو الذي كان يدفعه إلى التألم لغربة قلبه بين القلوب كأن يقول:

كفى حزنًا أني صديق وصادق
وما لي من بين الأنام صديق
فكيف أريغ الأبعدين لخلة
وهذا قريب غادر وشقيق

وكان يتلهف إلى الصديق المنشود فيقول:

من لي بغرة صاحب
لا يستطيل عليه عاب٣
ما حارب الأيام إلا
كان لي وله الغلاب
هيهات أطلب ما يطو
ل به بعاد واقتراب
قلّ الصحاب فإن ظفر
ت بنعمة كثر الصحاب
من لي به سمحًا إذا
صفرت من القوم الوطاب٤
من لي به يا دهر والـ
أيام كالحة غضاب٥

وهذه من نفثات القلوب الظماء إلى الموارد الود الرفيق.

وكان الشريف يطرب لاجتماع إخوانه عنده، ويرى أنسه بلقائهم من فرص العيش، وكان يرى إدارة الأحاديث شبيهة بإدارة الكؤوس، كأن يقول وقد اجتمع في بيته خمسة من الأصفياء:

نظمنا نظام العقد ودًّا وألفة
وكان لنا البتيّ سلك نظام
أخي وابن عمي وابن حمد فإنه
تباريح قلبي خاليًا وغرامي
وسادسنا الأزدي ما شئت من أب
جواد ومن جد أغرّ همام
أحاديث تستدعي الوقور إلى الصبا
وتكسو حليم القومِ ثوبَ عرام
فنضحي لها طربى بغير ترنّم
ونمسي لها سكرى بغير مدام٦
تعالوا نُول اللائمين تصاممًا
ونعص على الأيام كل ملام
ونغتنم الأوقات إن بقاءها
كمرّ غمام أو كحلم منام
من الله أستبقي صفاء يضمنا
وطاعة أيام ودار مقام
وأستصرف الأعداء عنا فإننا
مذ اليوم أغراض لكل مرام

وكان الشريف يعرف جيدًا كيف يحفظ عهد الصديق، وكان له أصدقاء يواسونه أيام البؤس، وفي أحدهم يقول:

يا ذاكر النعماء إن نسيت
ومجدد المعروف إن درسا
ومنبه الآمال إن رقدت
بالطول لا أغفي ولا نعسا
نصل إذا وقفت النصول مضى
جبل إذا اضطرب الجبال رسا
لله بحرٌ ما هتفت به
حتى استهلّ عليَّ وانبجسا٧
أجمعت جمته ففاض بها
يطأ الربا ويبلل اليبسا٨
زخرت غواربه إليّ ولم
يقل الرجاء لعلما وعسى٩
وأغر مختلس مكارمه
إن الكريم يرى الندى خلسا
غرس الصنائع ثم عاد به
عود الندى فسقى الذي غرسا

وله عبارات جيدة في تصوير الوداد، كأن يقول:

لقد حل ودك من مهجتي
بحيث يقيل الأسى والأسا١٠

وكأن يقول:

فلقد حللت من الفؤاد محلة
في حيث ليس من الورى لك جار
فلئن وفيت فما الوفاء ببدعة
إن الوفاء لذي الصفاء شعار
ولئن غدرت ولا عجيب إنه
بعض الزمان ببعضه غدار
نفسي فداء الغادرين تباعدوا
أو قاربوا أو أنصفوا أو جاروا

وقد أهدى إليه أحد أصدقائه رداء فلم يقبله، فعتب عليه ذلك الصديق فكتب إليه الشريف:

عقيد العلا لا زلت تستعبد العلا
وتعتق منها رق كل أسير١١
لئن خف من ضافي ردائك عاتقي
فودك يخطو في رداء قتيري١٢
ستعلم أن الثوب يدثر رسمه
ورسم الهوى في القلب غير دثور١٣
فلا تشمتن الحاسدين فسرهم
يشف لظني من وراء أمور

وقد يشتاق الشريف إلى إخوانه عند البعد، ويحن إليهم أرقّ الحنين، ويظهر أن بغداد على خشونتها في ذلك العهد لم تبخل عليه كل البخل، فكان له فيها إخوان أوفياء، وإلا فكيف صحّ له أن يقول:

أخلائي ببغداد
جنى دونكم الرمل
وحالت دون لقياكم
زحاليق النقا الزل١٤
لقد كنت شديد الضن
أن ينقطع الحبل
وأن ينصدع الشعـ
ـب الذي لوئم والشمل١٥
ولكني رعيت الأر
ض ما طاب لي البقل
وعجلت النَّوى لما
فشا اللأواء والأزل١٦
نداماي على الهمّ
سقى عهدكم الوبل
وحياكم برياه
جديد النور مخضل١٧
تذكرتكم والدمـ
ـع لا وبل ولا طل
فما أخلفكم جار
من الماقين منهل
وفي الأيام ما يسلى
ولكن أين من يسلو١٨

أيها السادة

ذلكم إحساس الشريف بقيمة الصداقة والأخوة، ولكن هل هذا كل ما يملك ذلك القلب الطروب؟ هيهات، ففي قلب الشريف بقايا من العاصف، الشوق إلى الأصدقاء الأصفياء، وهو شوق لا نعرفه في هذه الأيام؛ لأننا نعيش في زمن عابس متجهم، لا نكاد نرى فيه الناس حتى نتخير الأصدقاء، في قلب الشريف بقايا من الحنان لا يعرفها غير ذلك القلب، وأمثال ذلك القلب، إن كان له أمثال.

هل سمعتم بأخبار أبي الحسن البتي؟ إنه كاتب من كبار الكتاب الذين أنجبهم العراق في القرن الرابع، وقد نزلت مودته إلى الأعماق من قلب الشريف الرضي، وحسبكم أن تعرفوا أن آخر شعر نظمه الشريف الرضي هو أبياته في رثاء ذلك الصديق، وأكاد أجزم بأن موت أبي الحسن البتي هو السبب في موت الشريف الرضي، يشهد ذلك قوله في ذلك الرثاء:

ما للهموم كأنها
نار على قلبي تشب
والدمع لا يرقى له
غرب كأن العين غرب١٩
لوداع إخوان الشبا
ب مضت مطاياهم تخب
فارقتهم والعين عين بعـ
ـدهم والقلب قلب٢٠
ما كنت أحسب أنني
جلد على الأرزاء صعب
أو أنني أبقى وظهري بعـ
ـد أقراني أجبّ٢١
لا الوجد منقطع الوقو
د ولا مزار الدار غب٢٢
ما أخطأتك النائبات
إذا أصابت من تحب

وقد صحت فراسة الشريف، فإن النائبات لم تخطئه حين أصابت من يحب، فمات بعد موت ذلك الصديق المحبوب بأشهر معدودات، وغربة القلوب تقتل الرجال.

فإن سألتم: وأين شعره في التشوق إلى ذلك الصديق؟ فإنا نقدم إليكم البائية النفيسة التي نعرف بها كيف تسري المودة في القلب مسرى السحر في العيون، وتجول في شعاب الروح كما يجول الصبا في قدود الملاح، وتدخل على أصحاب الأذواق دخول البشري بالأمن بعد الخوف، وأنس اللقاء بعد وحشة الفراق، وتصافح الأنفس مصافحة الأماني العذاب، وتعاقر أفواه المنشدين فتذكرهم معاقرة الرضاب، قصيدة لا يقولها غير الشريف الرضي، ولا يقدر قيمتها غير أرباب القلوب.

هات يا أبا الحسن ما قلت في أبي الحسن، فقد اشتقنا إليه وإليك:

أبا حسن أتحسب أن شوقي
يقلُّ على معارضة الخطوب
وأنك في اللقاء تهيج وجدي
وأمنحك السلوّ على المغيب
وكيف وأنت مجتمع الأماني
ومجنى العيش ذي الورق الرطيب
يهشّ لكم على العرفان قلبي
هشاشته إلى الزور الغريب٢٣
وألفظ غيركم ويسوغ عندي
ودادكم مع الماء الشروب
ويسلس في أكفكم زمامي
ويعسو عند غيركم قضيبي٢٤
ولي شوق إليك أعلّ قلبي
وما لي غير قربك من طبيب
أغار عليك من خلوات غيري
كما غار المحب على الحبيب
وما أحظى إذا ما غبت عني
بحسن للزمان ولا بطيب
أشاق إذا ذكرتك من بعيد
وأطرب إن رأيتك من قريب
كأنك قدمة الأمل المرجى
عليّ وطلعة الفرج القريب
إذا بشرت عنك بقرب دار
نزا قلبي إليك من الوجيب٢٥
مراح الركب بشر بعد خمس
ببارقة تصوب على قليب٢٦
أسالم حين أبصرك الليالي
وأصفح للزمان عن الذنوب
وأنسى كل ما جنت الرزايا
علي من الفوادح والندوب٢٧
تميل بي الشكول إليك حتى
أميل إلى المقارب والنسيب٢٨
وتقرب في قبيل الفضل مني
على بعد القبائل والشعوب
أكاد أريب فيك إذا التقينا
من الأنفاس والنظر المريب
وأين وجدت من قبلي شبابًا
يحنّ من الغرام على مشيب
إذا قرب المزار فأنت مني
مكان الروح من عقد الكروب
وإن بعد اللقاء على اشتياقي
ترامقنا بألحاظ القلوب٢٩

وهذا القلب الألوف كان يحمل الشريف الرضي على انتهاب أيام التلاقي؛ خوفًا من عدوان الزمان، وإنا لنراه يتعجل لقاء بعض إخوانه فيقول:

أأخيّ ما اتسع الزما
ن على جماعتنا وضاقا
ألا ليعقبنا اجتما
عًا بالنوائب وافتراقا
سابق فليس تنال أغرا
ض المنى إلا سباقا
من قبل أن ترد الخطو
ب على مودتنا طراقا٣٠
فأزيد بعدًا من لقا
ئك كلما ازددت اشتياقا
وأراك تمنحني الصدو
د وبعد لم أنو انطلاقا
إن كان ذا خوف الفرا
ق فقد تعجلت الفراقا

وهذا القلب الألوف هو الذي كان يوقفه موقف الصابر المتخشع، وهو يعاني تقلبات القلوب، وإلا فكيف جاز لمثله على إبائه أن يقول:

عذيري ممن ذم عهدي وقد نبا
مرارًا وقلبي وادع لا يذمه
تجرّم لما لم يجد لي زلة
وأقصدني باللوم والجرم جرمه٣١
تعمدت بعدي عنه من غير سلوة
ليعلمني يوم النوى كيف طعمه
وأجممته لا عن غناء وإنما
لأشربه في حر خطب أجمه٣٢
وإني وإن والى على القلب حربه
لمنتظر أن يعقب الحرب سلمه
ولا تيأسن من عفو حرّ فإنما
تحلمه باق إذا ضاع حلمه
أأطمع أن أنساك يومًا وإنما
هواك ضجيع القلب مني وحلمه
يقرّ بعيني منظر أنت قيده
ويعتاق قلبي مطلب أنت غنمه

وللشريف أشعار كثيرة في الصفح عن ذنوب الأصدقاء، ولكن الدهر كان يبتليه أحيانًا بإخوان لا تغفر لهم ذنوب، إخوان يميلون عليه مع الزمان فيسقونه كأس العلقم والصاب، فنراه يتوجع بمثل هذا الشعر الحزين:

أمسى عليّ مع الزمان أخ
قد كنت آمل يومه لغد
من كان أحنى عند نائبة
من والدي وأبر من ولدي
لم يثمر الظن الجميل به
فقدي من الظن الجميل قدي٣٣
لو كان ما بيني وبينكم
بيني وبين الذئب والأسد
لأويت من هذا إلى حرم
ولجأت من هذا على عضد
ولأصبحا في الروع من عددي
كرمًا وفي اللأواء من عددي
ولمانعا عني إذا جعلت
نوب الزمان تهيض من جلدي٣٤
أو كان ما قدمت من مقة
سببًا إلى البغضاء لم يزد٣٥
بل لو قذفت بمدحتي لكم
في البحر ذي الأمواج والزبد
لرمى إليَّ أشف جوهرة
وسقى بأعذب مائه بلدي
فلأجعلن عقوبتي أبدًا
أن لا أمد يدي إلى أحد
فتكون أول زلة سبقت
مني وآخرها إلى الأبد

وهذه الزفرة تنقلنا إلى أشعاره في الثورة على الغادرين، فنراه أحيانًا يقف موقف اليائس من صحة الود فيقول:

تجاذبني يد الأيام نفسي
ويوشك أن يكون لها الغلاب
وتغدر بي الأقارب والأداني
فلا عجب إذا غدر الصحاب

أو يقول:

لأي حبيب يحسن الرأي والود
وأكثر هذا الناس ليس له عهد
أكل قريب لي بعيد بودِّه
وكل صديق بين أضلعه حقد؟

أو يقول:

أشكو النوائب ثم أشكر فعلها
لعظيم ما ألقى من الخلَّان
وإذا أمنت من الزمان فلا تكُن
إلا على حذر من الإخوان
كم من أخٍ تدعوه عند مُلِمَّةٍ
فيكون أعظم من يد الحدثان

وكان للشريف أصدقاء تعوزهم شجاعة الرجال؛ فيسمحون لزوارهم باغتيابه، وكانت الأخوة توجب أن يدفعوا عنه أوضار الاغتياب، وقد وجه الكلام إلى أحد هؤلاء فقال:

ما رقع الواشون فيَّ ولفَّقوا
قل لي فإما حاسد أو مشفق٣٦
في كل يوم ظهر داري مغرب
لكلامهم وجبين دارك مشرق
وإلى متى عودي على أيديهم
ملقى ينيب دائمًا ويحرِّق٣٧
كم يسبك الذهب المصفى مرة
قد لاح جوهره وبان الرونق
يحلو لهم عرضي فيسترطونه
ويصل عرضهم الذليل فيبصق٣٨
نفضوا عيوبهم عليّ وإنما
وجدوا مصحافي الأديم فمزقوا٣٩
من لي بمن إن بان عيب خليله
غطاه من شانيه أو من يصدق
وإذا الحليم رمى بسرِّ صديقه
عمدًا فأولى بالوداد الأحمق
جار الزمان فلا جواد يُرْتَجَى
للنائبات ولا صديق يشفق
وطغى عليّ فكل رحب ضيق
إن جُلْتُ فيه وكل حبل يخنق٤٠

والشريف الذي يجيد حوك العتاب كان في بعض أحواله يكره العتاب، أعني أنه كان ينكر على إخوانه أن يعاتبوه، وهذا وجه آخر من صور النفس، كأن الشريف كان يرى نفسه فوق العتاب، أو كأنه كان يرى أن مثله لا يحتاج في رعاية الود إلى عتاب، ولكن الحالة التي سنشير إليها يختلط فيها العتب بالوعيد، وهي تشرح أصول العداوات التي عاناها الشريف، والظاهر أنه كان كأكثر الناس يبغض من حيث كان يحب، فأكثر أعدائه هم في الأصل أصدقاء قدماء، ولا يُبتلى الرجل بمحنة أشق من معاداة إنسان كان يراه قبلًا بعين الصديق.

وشواهد هذه الحالة النفسية كثيرة في شعر الشريف، ولكنا نكتفي بالقطعة الآتية:

نهنه عتابك إلا إن هفا جرم
بعض العتاب على الإخلاص متهم
ما لي أقول فلا تصغي بسامعة
تصامم بك عن ذا القول أم صمم
رفقًا بأنفك لا تشمخ على مضر
وانظر بعينك من زموا ومن خطموا٤١
فلست أول من راقت له حلل
ولست أول من راحت له نعم
من أضمر الصدّ عمن ليس يضمره
بغيًا مشى في نواحي سره الندم
من أنهضته لقطع الود غدرته
كان المذمم منه الكف والقدم
من ساء ظنًّا بمن يهواه فارقه
وحرضته على إبعاده التهم
متى تجهم غدرًا سر عهدكم
فإن عهدي على غدر بكم حرم

أيها السادة

لقد ساقنا الكلام إلى ضجر الشريف الرضي من الناس، فلنتذكر أن هذا الرجل عانى في دهره أشق العداوات، وابتلته الحوادث بضروب من لؤم الخلائق، ولكنه تماسك وقارع خصومه قراع الفحول، وكان مع ذلك يعود إلى نفسه فيدرسها من حين إلى حين فيرى نفسه أعدى الأعداء، فهو بذلك من أحكم الناس إذ يقول:

أروم انتصافي من رجال أباعد
ونفسي أعدى لي من الناس أجمعَا
إذا لم تكن نفس الفتى من صديقه
فلا يحدثن في خلة الدهر مطمعَا٤٢

ولو أنه ألح في ترديد هذا المعنى لكان له مكان بين أساتذة الأخلاق، ولكن يكفي أنه تنبَّه إلى هذا المعنى، فهو كان يدرك بوحي الفطرة أننا نؤذي أنفسنا قبل أن يؤذينا الناس، وأن الشرَّ لا يسقط علينا سقوط المطر من السماء، وإنما نستدعي الشر عامدين بما نسرفُ في مكايدة الأنداد والنظراء، هو كان يفهم أنه يتطلع إلى انتهاب ما في أيدي الناس من المناصب العالية، كان يفهم أنه يحاول أمورًا لو طاعت له لتبدلت في الجو السياسي والاجتماعي رسوم وشئون، كان يفهم أن أعلام الناس في عصره ليسوا أغبياء إلى الحد الذي يسمح بأن يجهلوا ما ينطوي عليه مثل صدره من غرض مبيت، وسر مكنون.

والثورة على العيش الضيق، وعلى حياة الخمول هي بداية الحرب بيننا وبين المجتمع، فمن شاء أن يعيش في سلام مطلق، فليكتفِ بأكل العشب في البيداء، ثم ليحترس أيضًا؛ ففي البيداء خلائق تغار على ما فيها من مساقط الغيث، ومنابت الأعشاب.

وكذلك نرى الشريف يتنبه إلى أسباب العداوة بينه وبين الناس، ونراه يداري الأعداء؛ خوفًا من عواقب اللجاجة في تهييج الضغائن والحقود، وهو الذي يقول:

تجاف عن الأعداء بقيًا فربما
كفيت ولم تعقر بناب ولا ظفر٤٣
ولا تبر منهم كل عود تخافه
فإن الأعادي ينبتون مع الدهر
إذا شئت أن تبقى خليًا من العدى
فعش عيش خال من علاء ومن وفر
إذا أنت أفنيت العرانين والذرى
رمتك الليالي عن يد الخامل الغمر٤٤
وهبك اتقيت السهم من حيث يتقي
فمن ليدٍ ترميك من حيث لا تدري

فهو بهذه الأبيات يقرر أن سبب العداوة هو بسطة الجاه، والمال، ويشير بمداراة الأعداء؛ لأن العداوة كالنار قد تخمد بعض الخمود إن سكتت عنها الريح، أو تناستها أفواه النافخين، ويذكر أن الذي ينتصر على الأقوياء من الأعداء قد ترميه الليالي بأيدي الضعفاء. ولو كنا نعرف مصادر المخاوف في كل وقت لدفعناها، ولكن المخاوف تخفي مصادرها في كثير من الأحايين، فمن الحزم ألا نعرض أنفسنا للعداوات، وهي أسباب المعاطب والحتوف.

وفي هذه القطعة إشارة إلى معان كثيرة، وليت الشريف احتفل بهذه المعاني، كما يتفق له ذلك في كثير من الأغراض، ولكن هذه الإشارة تفهمنا أنه كان يخاف الضعفاء أكثر مما يخاف الأقوياء؛ لأن الأقوياء شرهم هين؛ إذ كانوا يحاربون بأسلحة الرجال، أما الضعفاء فشرهم أخطر وأفظع؛ إذ كانوا يدبون بالموشايات والنمائم كما تدب العقارب في حلك الظلام، والعدو الضعيف مخلوق خطر؛ لأن الضعف علمه الدهاء، وبصره بأساليب الختل والخداع، وكان من السهل أن يعمد الأعداء الضعفاء إلى تهوين قدر الشريف في أنفس أهل العراق. ومثل الشريف كان يعتمد في حياته السياسية على قوتين: القوة الذاتية، وحسن السمعة بين الناس.

وأعيذكم أن تظنوا أني أتكلف هذا الافتراض، ففي ديوان الشريف شواهد نعرف بها أنه كان مبتلى بأقوام يقرضون عرضه في الخفاء، وإلا فكيف نفسر سكوته عن وصف الخمر مع أن وصفها كان من المذاهب التي سنها شعراء العراق، وكان الشاعر العراقي يصف الخمر وإن لم تمسسها شفتاه، والشريف وصف الخمر فعلًا، ولكنه ينص في صلب الديوان على أنه سئل وصفها فأجاب.

ولا تنسوا أن الشريف غلبت عليه الصفة الأدبية — بالرغم من منزلته العلمية التي قضت بأن يكون له مدرسة فيها طلاب يتلقون دروسه في الصباح والمساء — والصفة الأدبية حين تغلب على رجل تعرّض سمعته لسيئات الظنون، فقد كان شاع في البيئات العراقية أن الأدباء والشعراء قوم لا يهمهم غير الهيام بأودية الشياطين.

ولم يكن يسر الشريف الرضي أن يقال: إنه يتخلق بأخلاق الشعراء؛ لأنه كان يرشح نفسه لمناصب دينية لا يصلح لها إلا المعروفون بطهارة السر والعلانية، والمشهورون بالتقى والعفاف، وحسبكم أن تذكروا أنه كان يرشح نفسه لنقابة الأشراف، وإمارة الحج، وتولي القضاء، وهي مناصب شائكة، توجب على من يسمو إليها أن يتخوف عواقب الأقاويل والأراجيف.

قد تسألون: وهل كان الشريف يكتم هذه المعاني؟

ونجيب بأنه: كان يصرح بها في بعض الأحيان، كأن يقول:

وإني إذا أبدى العدو سفاهة
حبست عن العوراء فضل لسانيا٤٥
وكنت إذا التاث الصديق قطعته
وإن كان يومًا رائحًا كنت غاديًا٤٦

وكأن يقول:

وإن مقام مثلي في الأعادي
مقام البدر تنبحه الكلاب
رموني بالعيوب ملفقات
وقد علموا بأني لا أعاب
وأني لا تدنسني المخازي
وأني لا يروعني السباب
ولما لم يلاقوا فيّ عيبًا
كسوني من عيوبهم وعابوا

وكأن يقول:

وجاهل نال من عرضي بلا سبب
أمسكت عنه بلا عي ولا حصر
حمته عني المخازي أن أعاقبه
كذاك تحمي لحوم الذود بالدبر٤٧

وكان الشريف قد امتحن بجماعة من أقربائه يناصبونه العداء، ونحن نعرف أسباب تلك العداوة، فقد كانت هناك مناصب موقوفة على الأشراف، وكانت الحرب على تلك المناصب لا تنفك مسعرة الضريم، والهجوم على الأخوة وبني الأعمام باب معروف في الشعر العربي، ولا يكاد يخلو منه ديوان، فالشريف الرضي لا يبتدع هذا الفن، ولكنه مع ذلك لا يفتعل هذا الفن، ولا يقف فيه موقف المحاكين لعواطف القدماء، وإنما يعبر عن عواطف ذاتية أنبتها في صدره عنف الأهل، ولؤم الزمان، ولولا ذلك ما صحّ له أن يقول:

إذا أشر القريب عليك فاقطع
بحدّ السيف قربى الأقرباء٤٨
وكن إن عقّك القرباء ممن
يميل على الأخوة للإخاء
فرب أخ خليق بالتقالي
ومغترب جدير بالصفاء

وأن يقول:

وقل لبني عمنا الواجدين
بني عمنا بعض هذا الغضب٤٩
أما آن للراقد المستمر
في ظلم الغي أن يستهب
سرحتم سفاهتكم في العقوق
ولم تحفلوا الحلم لما غرب٥٠
ولما أرنتم إران الجموح
وماج بكم حبلكم واضطرب٥١
أقمنا أنابيبكم بالثقاف
وداوي الهناء مطال الجرب٥٢
ويا ربما عاد سوء العقاب
على المذنبين بحسن الأدب

وأن يقول:

ومولى يعاطيني الكئوس تجملا
وقد ودّ لو أن العقار نجيع٥٣
خبأت له ما بين جنبيّ فتكة
دهته ويوم الغادرين شنيع

وأن يقول:

غمست يديّ في أمر فمن لي؟
وأين؟ بنزع كفي وانكفافي
كفاني أنني حرب لقومي
وذلك لي من الضراء كاف
حطمت صعادهم حتى استقاموا
مجاوزة بهم حد الثقاف٥٤
فصرت لذمهم غرضًا رجيمًا
يراموني بمثل حصا القذاف٥٥
وأكذب بالتصون مدعيهم
وألجم قائليهم بالعفاف
ولو أني أطعت الرشد يومًا
لأبدلت التحامل بالتجافي
وأغضيت اللواحظ عن ذنوب
وموضعها لعيني غير خاف
ولكن الحمية فيّ تأبى
قراري للرجال على التكافي
وأنظر سبة وعظيم عار
رضاي من المنازع بالكفاف
ولو أني رميت أصاب سهمي
ولكني أنقب عن شغافي٥٦
فما سهمي السديد من النوابي
ولا باعي الطويل من الضعاف
ولي أنف كأنف الليث يأبى
شميمي للمذلة واستيافي٥٧
وقد عرف العدا وبلوا قديمًا
خطاي إلى المنايا وازدلافي
لي العزم الذي قد جربوه
يقدّ مضارب البيض الخفاف
أقلوا لا أبا لكم وخلوا
مطاعنة الأسنة بالأشافي٥٨
فقد مدت غيابات المخازي
على عرصاتكم مدّ الطراف٥٩
صفوت لكم فرنقتم غديري
وأي مضاغن رجع المصافي
ويوشك أن تقام على التقالي
أنابيب رجعن إلى التصافي
مضى زمن التمازج والتدافي
وذا زمن التزايل والتنافي
لئن أعلى بناءكم اصطناعي
فسوف يثل عرشكم انحرافي
أداوي داءهم فيزيد خبثًا
وليس لداء ذي البغضاء شاف
حنوت عليهم ولرب حان
على جان وإن بعد التلافي
فما قلبي وإن جهلوا بقاس
ولا حلمي وإن قطعوا بهاف
فما تغني القوادم من جناح
تحامل إن قعدن به الخوافي
وعندي للزمان مسوّمات
من الأشعار تخترق الفيافي
بوارد للغليل كأن قلبي
يعب بهن في برد النطاف
أسر بهن أقوامًا وأرمي
أُقَيْوَامًا بثالثة الأثافي٦٠

ويهمني أن أوجه أنظاركم إلى قوله في هذا القصيد:

وأكذب بالتصون مدعيهم
وألجم قائليهم بالعفاف

فهو يؤيد ما افترضناه من قبل، ويبين لكم أن الشريف كان يعرف أن هناك جماعة من الأنذال يسوئون سمعته، ويذيعون عنه الأباطيل؛ ليغضوا من قدره بين الناس، فيخلو لهم الجوُّ إذ يقضي عليه التجريح الآثم بالخروج من الميدان.

أيها السادة

في ديوان الشريف أشعار كثيرة عن الأقارب والأصدقاء الذين يعرفون الرجل في أيام النعماء، وينكرونه في أيام البأساء، وهي أشعار جيدة، ولكنها في مراميها لا تعدُّ من المبتكرات؛ لأنها مما تعاورته سهام الشعراء في القديم والحديث.

فلنترك هذه الناحية ونقف لحظة عند الأزمة التي وقعت بين الرضي وأخيه المرتضى.

لا تحدثنا كتب التراجم عن أسباب الجفوة التي وقعت بين ذينك الأخوين، ولكننا نعرف أنهما لم يكونا مؤتلفين كل الائتلاف؛ لأن مذاهبهما في الحياة كانت مختلفة بعض الاختلاف، ويمكن الحكم بأن الرضي كان جمهوره من أهل الأدب، وأن المرتضى كان جمهوره من أهل العلم، وهنا تظهر أسباب المنافسة بين الأخوين، فالرضي الشاعر كان عالمًا جليلًا، والمرتضى العالم كان شاعرًا مجيدًا، ولا ندري متى يأتي الزمن الذي يسمح بأن نحدد خصائص هذين الأخوين، ونبين ما يشتركان فيه، وما يتفرد به كل منهما تفرُّدًا لا يتطرق إليه الخلاف.

ولكن لا مندوحة من تقرير الواقع المؤلم، وهو أن ذينك الأخوين عرفا كدر الأخوة بعد الصفاء، وإن جهلنا حقائق الأسباب، ولكن أي كدر؟ تصوروا حال الشريف الرضي الذي مدح أخاه بكثير من القصائد الجياد، وامتزج بحياته البيتية امتزاج الماء بالصهباء، تصوروا حاله وهو يسمع أن أخاه يمسه بقوارص الاغتياب.

وهل في الدنيا وجه أقبح من وجه الأخ الذي يغتاب أخاه؟ إنها بلية دميمة لا يضنُّ بها الدهر الغادر على كرام الرجال، وقد شرب الرضي كؤوس العلقم من يد الزمان، ورأى من البلايا ما أنطقه بالشعر، وهو في العشر من سنيه، ورماه بالشيب وهو في سن العشرين، ولكن هل تجور الدنيا إلى هذا الحدِّ فيرى أخاه الشقيق وهو يمضغ عرضه بلا تورع ولا استحياء؟ هل تفسد الدنيا هذا الفساد فنرى المرتضى والرضي يتباغضان ويتحاقدان بعد أن جمعتهما الأيام تحت جناحي أم رءوم تروضهما على المودة والعطف، وهي ترى الدنيا في وجهيهما حين زج زوجها في غياهب الاعتقال؟

ما هي الأخيلة التي طافت برأس الشريف وهو يعادي أخاه؟ إن الجبال أخفّ وزنًا من الهموم التي تساور الشاعر حين يبغض من يحب، والسمُّ أحلى مذاقًا من ورود الشاعر بحر القطيعة — قطيعة الأخ المحبوب — فماذا صنع صديقنا الشريف الرضي في تلك الأيام السود؟ ما الذي عاناه وهو يستعد لذلك النضال المشئوم؟ وما هو الغمُّ الذي سيطر عليه حتى استباح لنفسه أن يهجم على أخيه، وهو يعلم أن ذلك الأخ هو كل ما بقي له من الثروة الروحية في زمن كان يزخر بالمهالك والخطوب!

ولا تنسوا أيها السادة أننا نتحدث عن شاعر كان يعيش في بغداد في النصف الثاني من القرن الرابع، وهو من أقسى العصور التي عانتها بغداد؛ لأنها لم تكن تختار ملوكها، ولا وزراءها في ذلك العهد، وإنما كانت تفرض عليها الملوك وفقًا لعدوان المطامع بين الديلم والأتراك، ولم يبق لأهل بغداد من أسباب الجاه إلا ما توارثوه من المناصب بفضل التقاليد، وكان من أهم ما توارثوه مناصب القضاء، وكانت هذه المناصب مما يملك الفقهاء البغداديون، والسنيون والشيعيون، فلم يكن بدّ من أن يتعاطفوا، وتشيع بينهم القالة الحسنة، والصيت الجميل.

فإذا نقل الواشون إلى الرضى أن أخاه المرتضى يسلقه في غيبته بلسان حديد، فإنما يصورون له مجدًا يتقلص، وملكًا يضيع.

وماذا يبقى للرضي إن ضاعت منه مودة ذلك الشقيق؟

هو مع الملوك في حرب، ومع الخلفاء في حرب، ومع المنافسين في نضال، والعراق على اتساع حواضره وبواديه يضيق عن تأسيس الثروة والمجد من جديد؛ لأن الثورات لم تترك فيه مجالًا لأيدي الفلاحين فضلًا عن الشعراء والعلماء.

اعذروني أيها السادة إذا وقفت عند هذه المعضلة النفسية، فأنا أحب أن أعتذر عن الشريف الرضي، أحب أن أقول: إنه لم يهجم على أخيه إلا بعد أن ضاقت في وجهه مسالك الصفح الجميل، وكان في مقدوري أن أحكم بأن أهل العراق قوم تغلب عليهم دقة الإحساس، فهم يغضبون لأول بادرة، ولا يفكرون في العواقب عند الصيال، ولكن ماضي العراق يشهد بأن أهله كانوا من أقدر الناس على تحليل العواطف، والأحاسيس، ومؤلفات فلاسفته تنطق بأنهم كانوا من أشوق الناس إلى درس أصول الحب والبغض، فمن العسير أن نصدق أن الرضي هجم على أخيه إلا بعد أن طفح الكيل، وعزّ الوفاق.

ولكن ما بالنا نشغل أنفسنا بهذه الدقائق النفسية؟ يكفي أن نعرف أن الرضي عرف في حياته لونًا أسود هو الاضطغان على الأخ الشقيق، وأنه لم يرد ذلك المورد إلا وهو آسف محزون، وقد نظم في ذلك قصيدة ضادية هي أعظم ما نظم في قافية الضاد. وقد تأثر بها الضادية التي اختارها أبو تمام في الحماسة، فجاءت ضاديته أبلغ وأروع، والشعراء يعدي بعضهم بعضًا بالعواطف والأحاسيس، ولننظر كيف يقول:

رضيت من الأحباب دون الذي يرضى
ودانيت من تقضي الديون ولا يقضي
وقد أنهرت فيّ الليالي جراحها
مرارًا وأنضاني من الهمّ ما ينضي٦١
طوى الدهر أسباب الهوى عن جوانحي
وحل الصبا عقد الرحائل عن نقضي٦٢
ولم يبق لي في الأعين النجل طربة
ولا أرب عند الشباب الذي يمضي
ضحا اليوم عن ظل الشبيبة مفرقي
وأبدل مسودّ العذار بمبيض٦٣
أتاني وممطول من النأي بيننا
قوارص تنبو بالجفون عن الغمض٦٤
ومولى ورى قلبي بلذعة ميسم
من الكلم العوراء مضا على مض٦٥
فعذرًا لأعدائي إذا كان أقربي
يشذب من عودي ويعرق من نحضي٦٦
إذا ما رمى عرضي القريب بسهمه
عذرت بعيد القوم إما رمى عرضي
ألم يأته أني تفردت بعده
روابي للعلياء جاش لها نهضي
وأني جعلت الأنف من كل حاسد
قبالي وخدي كل مضطغن أرضي٦٧
وكم من مقام دون مجدك قمته
على زلق بين النوائب أو دحض٦٨
وقارعت من أعياك قبل قراعه
فدامجني بعد التشارر والبغض٦٩
لقد أمست الأرحام منا على شفا
فأخلق بمشف لا يعلل أن يقضي٧٠
رأيت مخيلات العقوق مليحة
فلا تجعلن برق الأذى صادق الومض٧١
ولا تشمتن من ودّ لو أننا معًا
شجيجان تلطينا الجنادل بالأرض٧٢
إذا كنت أغضي والقواذع جمة
فمثلك أولى أن يرم وأن يغضي٧٣
على غصص لو كن في القدر لم ينر
وفي العود لم يورق وفي السهم لم يمض
رزئتك حيًّا بالقطيعة والقلى
وبعض الرزايا قبل يوم الفتى المقضي
أناديك فارجع من قريب فإني
إذا ضاق بي ذرعي مضيت كما تمضي٧٤
لقد كان في حكم الوشائج لو رأى
عن المجد بطئي أن يبالغ في حضي٧٥
فكيف ولم تحرج مناديح همتي
ولا ذمت العلياء بسطي ولا قبضي٧٦
إذا هو أغضى ناظري على القذى
وكان لمثلي مسخطًا فلمن يرضي
خليلي ما عودي لأول غامز
ولا زبد وطني للمقيم على مخضي٧٧
فقل للعدا عضوا الأخامص إنكم
تعرقتم الأيدي عليّ من العض٧٨
هم نقضوا ما قد بنى أولوهم
وشدنا وهيهات البناء من النقض
أفي كل يوم يصبغ العار منهم
رداء امرئ والعار باق على الرحض٧٩
يريدون أن يخفوا النواقر بيننا
وقد صاحت الأضغان في الحدق المرض٨٠
ذكرت حفاظي والحفيظة في الحشا
لها نغضان العرق يحفز بالنبض
دعوتكم قبل التي لا شوى لها٨١
وقلت لكم فيئوا إلى الخلق المرضي
ردوني نميرًا قبل أن أحمل القذى
فلا تردوا إلا على الثمد البرض٨٢
ولسوا جميمي قبل أن يمنع الحمى
إبائي أو يوبي على رعيكم حمضي٨٣
ومن قبل أن يسدي المعادون بيننا
برود الخنا ما شئت في الطول والعرض٨٤
ولا تركبوا سيساء دامية القرا
بلا حقب تطوي البلاد ولا غرض٨٥
تقوا عار حرب لا يعود مثيرها
وإن غلب الأقران إلا على رمض٨٦
ولا تولجوا زور العقوق بيوتكم
أناشدكم بالله في الحسب المحض
أراها بعين الظن حمراء جهمة
ستجري إلى عار العواقب أو تفضي
تهضمني من لا يكون لغيره
من الناس إطراقي على الهون أو غضي
أفوق نبل القول بيني وبينه
فيؤلمني من قبل نزعي بها عرضي٨٧
وأرجع لم أولغ لساني في دمي
ولم أدم أعضائي بنهش ولا عضّ
إذا اضطرمت ما بين جنبي غضبة
وكاد فمي يمضي من القول ما يمضي
شفعت على نفسي بنفسي فكفكفت
من الغيظ واستعطفت بعضي على بعضي

ولم تطل الجفوة بين الأخوين فكتب المرتضى إلى أخيه الرضي قصيدة جيدة نتخير منها الأبيات الآتية:

تكشف ظل العتب عن غرة العهد
وأعدى اقتراب الوصل منا على البعد
تجنبني من لست عن بعض هجره
صفوحًا ولا في قسوة عنه بالجلد
نضته يد الأعتاب عما سخطته
كما ينتضي العضب الجراز من الغمد٨٨
وكنت على ما جرّه الهجر ممسكًا
بحبل وفاء غير منفصم العقد
أمين نواحي السر لم تسر غدرة
ببالي ولم أحلف بداعية الصد
تلين على مسّ الإخاء مضاربي
وإن كنت في الأقوام مستخشن الجد٨٩
ولما استمر البين في عدوائه
تغول عفوي أو ترقى إلى جهدي٩٠
أصاحب حسن الظن والشك مقبل
بوجهي إلى حيث استمرت عرى الود٩١
إذا اتسعت في خطة الصد فكرتي
تجللني هم يضيق به جلدي
وإن ناكرتني خلة من خلاله
تعرض قلبي يفتديها من الحقد٩٢
يخال رجال ما رأوا لضلالة
ولن تستشف الشمس بالأعين الرمد
إذا تركت يمنى يديك تعلقي
فيا ليت شعري من تمسك من بعدي
إيابًا فلم تشرف على غاية النوى
ولم تنأكل النأي عن سنن القصد
ولو لم يلاق الزند قدحًا بمثلِهِ٩٣
لما انبعثت شهب الشرار من الزند
هلم نعد صفو الوداد كما بدا
إعادة من لم يلف عن ذاك من بد
ونغتنم الأيام فهي طوائشٌ
تواتي بلا قصدٍ وتأبى بلا عَمْدِ
ومثلُك أهدَى أن يقاد إلى الهدى
وأرشد أن ينحاز من جهة الرشد

وقد انعطف الرضي حين وصلت إليه هذه القصيدة، وجنح إلى السلم، فأرسل إلى أخيه قصيدة طويلة نكتفي منها بالقطعة الآتية:

وأعظم ما لاقيت شجوًا ولوعة
عتاب أخ فلّ الزمان به حدي
أقيك الردى ما كان ما كان عن قلى
ولكن هنات كِدن يلعبن بالجد٩٤
ولا تحسبن العتب جازت كلومه٩٥
إلى القلب إلا بعد ما حزّ في الجلد
منحتك ما عندي من الصدّ معلنًا
وعقد ضميري أن أدوم على الودّ
وقد كنت أبغي رتبة بعد رتبة
فآنف لي من أن أفوز بها وحدي
حفاظًا على القربى الرءوم وغيرة
على الحسب الداني وبقيًا على المجد
حسدت عليك الأجنبين محبة
ونافست فيك الأبعدين على الود
وقد كان لذع فاتقيت شباته
بقلب على الضراء كالحجر الصلد٩٦
تجلدت حتى لم تجد فيّ مغمزًا
وعدت كما عاد الجراز إلى الغمد
وها أنا عريان الجنان من التي
تسوء ومنفوض الضلوع من الوجد
أقلب عينًا في الإخاء صحيحة
إذا ارتمت الأعداء بالأعين الرمد
وإني مذ عاد التودد بيننا
تجلى الدجى عن ناظري وورى زندي
وعاد زماني بعدما غاض حسنه
أنيقًا كبرد العصب أو زمن الورد٩٧
وكنت سليب الكفّ من كل ثروة
فأصبحت من نيل الأماني على وعد
وفارقت ضيق الصدر عنك إلى الرضا
كما نشط المأسور من حلق القدّ
وقد ضمني محض الصفاء وصدقه
إليك كما ضمت ذراع إلى عضد

أيها السادة

لقد كان الرضي شاعرًا يرضى ويغضب، ويخشن ويلين، كان يأسره الشوق إلى الصديق فيقول:

لقاؤك جرَّ عليَّ الفراقا
وما زادني القرب إلا اشتياقا
جلوت علي هديَّ الوداد
فأسلفتها بالقبول الصداقا٩٨
وأسرفت بالبشر حتى ظننـ
ـت أنك أضجعت فيه النفاقا
وحاشاك من تهمة في المغيب
فكيف حضور يضم الرفاقا
وكان الزعيم بهذا الإخا
ء يومًا حسوناه كأسًا دهاقًا
نحرنا الدنان على صدره
فلله أي دماء أراقا
شرقنا بلذاته والسرور
يلوي إزازًا ويرخي نطاقا
سقى الله دهرًا حبانًا الودا
د مبتدهًا فشكرنا العراقا
وما زلت أعجب من حفظه
لنا القرب حتى نسينا الفراقا
أتقتص من جسدي بالبعاد
وما زود الباع منك العناقا

وكان يغضب على المغتابين فيقول:

وغرّ آكل بالغيب لحمي
وإن لأكله داء عياء
يسيء القول إما غبت عنه
ويحسن لي التجمل واللقاء
عبأت له وسوف يعبُّ فيها
من الضرّاء آنية ملاء

وكان يوازن بين عداوة الأقارب وعداوة الأباعد فيقول:

للذل بين الأقربين مضاضة
والذل ما بين الأباعد أروح
وإذا رمتك من الرجال قوارص
فسهام ذي القربى القريبة أجرح

وكان يتشبث بأبناء عمه فيقول:

إذا لم يكن لي ناصر من عشيرتي
فلي من يد المولى وإن ذلَّ ناصر٩٩
وإني وإن قلُّوا لمستمسك بهم
وقد تمسك الساق المهيض الجبائر١٠٠

أو يقول:

لويت إلى ودّ العشيرة جانبي
على عظم داء بيننا متفاقم
ونمت عن الأضغان حتى تلاحمت
جوائف هاتيك الندوب القدائم١٠١
وقلمت أظفاري وكنت أعدها
لتمزيق قربى بيننا والمحارم
وروّحت حلمي بعدما عزبت به
ذنوب بني عمي عزوب السوائم
وأوطأت أقوال الوشاة أخاصمي
وقد كان سمعي مدرجًا للنمائم

أو يمن عليهم بالحلم فيقول:

بني عمي وعزَّ على يميني
من الضراء ما لقيت شمالي
أعود على عقوقكم بحلمي
إذا خطر العقوق لكم ببالي
أروني من يقوم لكم مقامي
أروني من يقول لكم مقالي
ومن يحمي الحريم من الأعادي
ومن يشفي من الداء العضال
يشابح دونكم يوم المنايا
ويرمي عنكم يوم النضال١٠٢
ورب قوارص نكتت جناني١٠٣
أشدُّ عليَّ من صرد النبال١٠٤
صبرت لها ولم أردد مقالًا
فكان جزاء قائلها فعالي

أو يهددهم فيقول:

هبوا أصولكم أصلي على مضض
ما تصنعون بأخلاق تنافيني
كم الهوان كأني بينكم جمل
في كل يوم قطيع الذل يحدوني
لا تأمنن عدوًا لأن جانبه
خشونة الصل عقبى ذلك اللين
واحذر شرارة من أطفأت جمرته
فالثار غضّ وإن بقي إلى حين
إني تهيب بي البقيا وأتبعها
فكم أباقي بها من لا يباقيني
توقعوها فقد شبت بوارقها
بعارض كضريم الليل مدخون
إذا غدا الأفق الغربيّ مختمرًا
من الغبار فظنوا بي وظنوني

أو يصارحهم بالقطيعة فيقول:

قد يقدع المرء وإن كان ابن عم
ويقطع العضو الكريم للألم

أو يعلن اليأس من الناس جميعًا فيقول:

أكرّ طرفي فلا أرى أحدًا
إلا مغيظًا عليّ مضطغنًا
ينبض لي من لسانه أبدًا
نصال ذم تمزق الجننا

أيها السادة

تلكم صور نفسية تمر بخواطر الشعراء، ولها في الشعر القديم والحديث أمثال، ولكن الشريف تفرد بقصيدة يتيمة لم يقل مثلها أحد من القدماء والمحدثين، فكان أوحد الناس في الدعوة إلى استبقاء الصديق، إذ يقول:

وكم صاحب كالرمح زاغت كعوبه
أبى بعد طول الغمز أن يتقوما
تقبلت منه ظاهرًا متبلجًا
وأدمج دوني باطنًا أن متجهما
فأبدى كروض الحزن رقّت فروعه
وأضمر كالليل الخداريّ مظلما١٠٥
ولو أنني كشفته عن ضميره
أقمت على ما بيننا اليوم مأتما
فلا باسطًا بالسوء إن نالني يدًا
ولا فاغرًا بالذم إن رابني فما
كعضو رمت فيه الليالي بقادح١٠٦
ومن حمل العضو الأليم تألما
إذا أمر الطب اللبيب بقطعه
أقول عسى ضنًّا به ولعلما
صبرت على إيلامه خوف نقصه
ومن لام من لا يرعوي كان ألوما
هي الكفّ مض تركها بعد دائها
وإن قطعت شانت ذراعًا ومعصما
أراك على قلبي وإن كنت عاصيًا
أعزّ من القلب المطيع وأكرما
حملتك حمل العين لجّ بها القذى
فلا تنجلي يومًا ولا تبلغ العمى
دع المرء مطويًّا على ما ذممته
ولا تنشر الداء العضال فتندما
إذا العضو لم يؤلمك إلا قطعته
على مضض لم تبق لحمًا ولا دما
ومن لم يوطن للصغير من الأذى
تعرض أن يلقى أجلّ وأعظما١٠٧

هوامش

(١) من البعد، وهو هنا الهلاك.
(٢) الإثمد بكسر الهمزة: هو الكحل.
(٣) العاب: لغة في العيب.
(٤) صفرت: خلت، والوطاب: الأوعية.
(٥) كالحة: عابسة.
(٦) طربى: جمع طربان وهو كالطروب.
(٧) ابنجس الماء: سال وتدفق.
(٨) الجمة بضم الجيم: معظم الماء، والربا: جمع ربوة، وهي المكان المرتفع.
(٩) غوارب الماء: أعالي موجه.
(١٠) الأسى بفتح الهمزة: الحزن، والأسا: جمع أسوة بضم الهمزة، وهي العزاء، ويقيل: ينزل ويحل.
(١١) العقيد والمعاقد: هو المعاهد، أي الذي يعهد الشيء ويلزمه، فيقال: عقيد الكرم، وعقيد العلا، أي الذي يلزم هذه الخلال.
(١٢) الضافي: الطويل، والقتير: الشيب.
(١٣) يدثر: يبلى.
(١٤) في بعض نسخ الديوان (القنا)، وفي بعضها (اللقا)، وقد آثرنا كلمة (النقا)، والزل بالضم المكان يزل فيه، يريد وعورة الطريق.
(١٥) الشعب بالفتح: معناه هنا الجمع.
(١٦) اللأواء: الشدة، والأزل: الضيق.
(١٧) النور بفتح النون: هو النوار بضمها، وهو الزهر أو الأبيض منه، والمخضل: المندى.
(١٨) في الديوان (مايسلو) وهو تحريف.
(١٩) الغرب: عرق في العين يسيل منه الدمع، والغرب أيضًا: الدلو العظيمة، وفي البيت جناس.
(٢٠) العين: هي الباصرة، وهي أيضًا الينبوع، والقلب: الفؤاد، وهو أيضًا اسم ماء، وبمراعاة الجناس يفهم البيت.
(٢١) من الجبب بالتحريك، وهو قطع السنام.
(٢٢) المزار الغب هو القريب.
(٢٣) الزور بفتح الزاي: الزائر.
(٢٤) يعسو: من قولهم: عسا النبات إذا يبس.
(٢٥) نزا القلب: وثب، والوجيب: الخفوق.
(٢٦) المراح بكسر الميم: هو النشاط والتبختر، والقليب: البئر، والمعنى: أنه يفرح حين يبشر بقرب صديقه، كما يفرح الركب الظامئ حين يبشر بقرب الماء بعد أن يطول ظمأه خمسة أيام، وهو خيال بدوي.
(٢٧) الندوب: جمع ندب بفتح النون وهو الجرح.
(٢٨) في الديوان (الشكوك) وهو تحريف، والشكول: الأمثال، قال المتنبي: ليالي بعد الظاعنين شكول … وقد وردت صوابًا في الدالية التي رثى بها الصابي (فقدت ملاءمة الشكول بفقده).
(٢٩) في مثل هذا المعنى يقول التوحيدي: إذا تلاحظنا تساقينا كأس المودة وإذا تصامتنا تناجينا بلسان الثثقة. انظر ص١٤٢ من الجزء الثاني من كتاب (النثر الفني).
(٣٠) الطراق بالكسر: التتابع.
(٣١) تجرم: تجني.
(٣٢) أجمعته: تركته يجم ويغزر، أصل العبارة في الماء، ثم نقلت إلى الود والمعروف.
(٣٣) قدي: حسبي، وكفى.
(٣٤) تهيض: تكسر وتجرح.
(٣٥) المقة بكسر الميم: الحب، وهي من ومق.
(٣٦) الإشفاق هنا هو الجبن.
(٣٧) ينيب: يعض بالأنياب.
(٣٨) يسترطونه: يبتلعونه، وسرطه كذلك، ويصل: ينثن، يقال: صل وأصل، والمعنى: إن لحمي طاب فأكلوه، وأنتنت لحومهم فبصقها الناس.
(٣٩) الأديم: الجلد، ولا يمزق إلا الجلد الصحيح.
(٤٠) في الديوان «قلت فيه»، والأصوب ما أثبتناه.
(٤١) زم الأنف وخطمه: ضرب عليه الزمام والخطام، يصف مصر بقوة البأس.
(٤٢) الخلة بضم الخاء: الصداقة المتينة.
(٤٣) البقيا: بمعنى الاستبقاء، وهو هنا صيانة النفس.
(٤٤) العرانين: جمع عرنين بالكسر وهو الأنف، أو ما هو صلب من عظمه، والعرانين هنا الأشراف، والذرى: جمع ذروة وهي أعلا الشيء، والغمر: من لم يجرب الأمور.
(٤٥) العوراء: الكلمة الفاحشة.
(٤٦) التاث الصديق: تغير رده.
(٤٧) الذود: جماعة الإبل، والدبر بالتحريك قرحة تصيب الدواب.
(٤٨) أشر هنا معناها: حقد.
(٤٩) الوجد هنا معناه: الحقد.
(٥٠) غرب: غاب.
(٥١) الإران: فورة النشاط.
(٥٢) الأنابيب: جمع أنبوب بضم الهمزة، وهو كعب الرمح، والثقاف: تسوية الرماح. والهناء على وزن كتاب هو القطران، وبه يداوي جرب الإبل.
(٥٣) النجيع: الدم المائل إلى السواد، أو هو دم الجوف.
(٥٤) الصعاد: جمع صعدة وهي الفتاة المستوية تنبت كذلك.
(٥٥) حصا القذاف — على وزن كتاب — ما يرمي بالمنجنيق. ويرامونني: حذفت إحدى النونين للتخفيف، وهذا كثير جدًّا في أشعار الشريف كأن يقول:
لو ينصفوني الهوى ما كان عندهم
يرد القلوب وعندي الشوق والأرق
وكأن يقول:
سيذكروني إن نبا جانب
من العدا وانحل عقد الزمان
(٥٦) الشغاف على وزن سحاب: غلاف القلب.
(٥٧) الاستياف والسوف: الشم.
(٥٨) الأشافي: جمع الإشفى بكسر الهمزة، وهو المثقب يخرز به.
(٥٩) الطراف — على وزن كتاب — بيت من أدم.
(٦٠) المراد بثالثة الأثافي: الداهية، وثالثة الأثافي هي في الأصل الجبل، وذلك أنهم كانوا إذا لم يجدوا ثالثة الأثافي أسندوا القدر إلى الجبل، والأثفية بالضم والكسر: الحجر توضع عليه القدر.
(٦١) أنهر الجرح: وسعه. وأنضاه: أهزله وأضناه.
(٦٢) النقض بالكسر: المهزول من السير.
(٦٣) ضحا: برز للشمس، والمفرق بفتح الراء وكسرها: وسط الرأس، وهو الذي يفرق منه الشر.
(٦٤) القوارص: الكلمات الجافية.
(٦٥) المولى: القريب. وروى القلب: كواه. والميسم: ما يكوى به.
(٦٦) يشذب: يقطع، والنحض: اللحم.
(٦٧) القبال: على وزن كتاب هو من النعل زمام بين الإصبع الوسطى والتي تليها.
(٦٨) الدحض: قريب من معناه في الزلق.
(٦٩) دامجه هنا معناه: صالحه، والتشاور فك إدغامها للوزن، وهذا يقع كثيرًا جدًّا في شعر الشريف. وفي نسخة الديوان «التشاور» وهو تحريف.
(٧٠) الشفا حرف كل شيء. يريد الأرحام أصبحت على شفا الهاوية والمشفى المشرف على الهلاك، ويعلل: يعالج. ويقضي: يموت.
(٧١) المخيلات: جمع مخيلة وهي من أخيلت السماء إذا تهيأت للمطر، والمليحة من ألاح البرق إذا أومض.
(٧٢) الشجيجان: مثنى شجيج وهو المجروح. وفي الديوان «شحيحان» بحاءين مهملتين وهو تحريف.
(٧٣) يرم: يسكت.
(٧٤) هذا بيت القصيد.
(٧٥) الوشائج: جمع وشيجة وهي هنا رباط القرابة.
(٧٦) تحرج: تضيق. وفي الديوان «تخرج» بالخاء المعجمة وهو تحريف، والمناديح: المسالك.
(٧٧) الغامز: الذي يختبر العود، والوطب: سقاء اللبن وهو من جلد، والمخض: أخذ الزبد من اللبن.
(٧٨) الأخامص جمع الأخمص وهو من باطن القدم ما لا يصيب الأرض، والتعرق: أكل اللحم.
(٧٩) الرحض: الغسل.
(٨٠) النواقر: جمع ناقرة وهي الداهية، والمراد بها الحقد.
(٨١) قبل التي لا شوى لها: أي قبل الضربة القاضية.
(٨٢) النمير: الماء الصافي. الثمد: بسكون الميم ويحرك بقية الماء، والبرض: القليل.
(٨٣) اللمس الأكل واللحس ونتف الدابة الكلأ بمقدم فمها، والجميم: النبت الكثير، أو الناهض المنتشر، يوبي: يفسد. والحمض ما ملح وأمر من النبات، وهو للإبل كالفاكهة للإنسان.
(٨٤) يسدي: من السدى وهو ما مد من الثوب.
(٨٥) السيساء بالكسر: حارك الفرس وظهر الحمار. القرا: الظهر، والحقب بالتحريك: الحزام أو حبل يشد به الرحل، والغرض للرحل كالحزام للسرج.
(٨٦) تقوا: اتقوا، والرمض: شدة وقع الشمس على الرمل.
(٨٧) فوق النبل: رماه مسددًا.
(٨٨) الأعتاب: الترضية.
(٨٩) في الديوان «مستحسن» بالسين والحاء المهملتين وهو تحريف.
(٩٠) العدواء: بضم العين وفتح الدال: الشدة، وهي في الأصل الأرض الصلبة.
(٩١) استمرت: قويت، وفي الأصل «استترت» وهو تحريف، وقد تكلف شارح الطبعة البيروتية، والصواب ما أثبتناه.
(٩٢) الخلة بالفتح: الخصلة.
(٩٣) في الديوان: ولم لا يلاق القدح زندًا بمثله. وهو شطر محرف.
(٩٤) في الديوان «بالجلد» وهو تحريف.
(٩٥) الكلوم: جمع كلم بالفتح وهو الجرح.
(٩٦) الشاة: إبرة العقرب، وحدّ كل شيء.
(٩٧) العصب: ضرب من البرود.
(٩٨) الهديُّ على وزن غنيِّ: العروس.
(٩٩) المولى: ابن العم.
(١٠٠) الجبائر: جمع جبيرة وهي العيدان التي تجبرها العظام.
(١٠١) الجوائف: جمع جائفة وهي طعنة تبلغ الجوف.
(١٠٢) يشابح: يقاتل.
(١٠٣) النكت: الضرب.
(١٠٤) الصرد: وقع النبال، وهو أيضًا مسمار في السنان يشك به الرمح.
(١٠٥) الخداري بالضم: المظلم.
(١٠٦) القادح: أكال يقع في الشجر والأسنان, والصدع في العود.
(١٠٧) في الطبعة الثانية من كتاب «الموازنة بين الشعراء» بيان للأصول التي أخذ منها الشريف الرضي هذا المعنى الجميل، فليرجع إليه القارئ إن شاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤