إعلان … رقم صفر!

ولكن المشهد الذي جرى في قلب الماء كان أكثر إثارة … ولم تتوقع حتى «إلهام» و«زبيدة» حدوثَه بأيِّ حال من الأحوال.

فعندما سقطَت السيارة في قلب الماء حاولَت الاثنتان الخروجَ من ذلك الفخِّ الجهنمي، وراحتَا تضربان الأبوابَ والنوافذ بأيديهما وأقدامهما دون فائدة … وعندما أوشكتَا على اليأس، برز لهما في الخارج عبرَ نوافذ السيارة شبحان في ملابس الضفادع البشرية، واندفع الشبحان يحطمان النوافذ ببلطتَين في أيديهما، فتهشَّم الزجاج، واندفع الماء داخل السيارة، ولكن «إلهام» و«زبيدة» سارعتَا بالمرور عبر النوافذ المهشمة … ودسَّ أحد الغواصين في يد «إلهام» بضعةَ مفاتيح، ثم أشار إلى الجهة الغربية للشاطئ، واندفع مع زميله غائصين في الجهة المضادة.

أحسَّت «إلهام» و«زبيدة» بأنفاسهما تضيق، فغاصتَا بقوة جهة الغرب، ثم أطلَّتَا برأسَيهما في حذر، فشاهدتَا على البعد «سالي» ورجالها وهم واقفون يراقبون سطح الماء، قبل أن تهزَّ «سالي» رأسَها دلالةً على انتهاء مهمتها، وتستقل سيارتها، ويغادر الجميع المكان.

قفزَت «زبيدة» من مكانها في غضب قائلة: دعينا نطارد هذه الشيطانة وأتباعها.

قالت «إلهام» مفكرة: لا أظن أن رقم «صفر» يريدنا أن نفعل ذلك!

ردَّدَت «زبيدة» في دهشة: رقم «صفر»؟

إلهام: ومَن الذي يمكن أن يكون قد قام بإرسال هذين الغواصين غيره؟ … والمؤكد أنَّه بطريقته الخاصة كان يُراقبنا منذ لحظةِ وصولِنا إلى «أمريكا» وتدخل في الوقت المناسب.

قالت «زبيدة» في حيرة: إنَّ هذا معناه أنَّ رقم «صفر» قريبٌ منا في «نيويورك»، فلماذا لم يَقُم بتحذيرنا من الخدعة التي نصبَتها لنا تلك «المرأة الجهنمية»؟

ابتسمَت «إلهام» قائلةً: ألم تُدركي السببَ بعدُ يا «زبيدة» … إنَّ رقم «صفر» يريد لنا أن نموت!

قطَّبَت «زبيدة» حاجبَيها في دهشة قائلة: هل تقصدين أنَّه يرغب في أن تعتقد «سالي» بموتنا فيمكنَّا العمل بحرية حتى نفاجئَها بعد ذلك فتكون المفاجأة قاتلة؟

إلهام: أعتقد أنَّ هذا هو ما فكَّر فيه رقم «صفر» بالضبط.

فكَّرت «زبيدة» في حيرة، ثم التفتَت إلى «إلهام» قائلة: ولكن لماذا يتركنا رقم «صفر» في هذا الظلام الدامس، لماذا لا يبادر بمدِّنا ببعض المعلومات أو الأسلحة؟

إلهام: لعل رقم «صفر» يرغب في أن يختبرَ قدرتَنا على التعامل وحدَنا دون مساعدة مع هذه الشيطانة … فإذا ما اعتمد علينا اعتمادًا كليًّا فعلينا أن نؤكد له أنَّنا أهلٌ لثقته.

تطلَّعَت «زبيدة» إلى المفاتيح في يد «إلهام» وسألَتها: وهذه المفاتيح ترى لأيِّ شيء هي؟

إلهام: إنَّها مفاتيح سيارة دون شك.

أشارَت إلى مكان قريب منها مكملةً: إنَّ هناك سيارةً تقف، وأظن أنَّه بتلك المفاتيح سنتمكن من فتحِ أبوابها …

كانت «إلهام» على حقٍّ، وبداخل السيارة كانت هناك قصاصةٌ ورقية مكتوبة بالشفرة تحدِّد عنوانًا معينًا على الشاطئ على مسافة عدة كيلومترات قليلة.

قالَت «إلهام» وهي تقود السيارة في نفس الاتجاه: إنَّني أعرف هذا العنوان، فذلك الجزء من الشاطئ لا يسكنُه إلا أثرياء أمريكا، وسيكون من الممتع أن نجد هناك «شاليهًا» خاصًّا للإقامة به.

قالت «زبيدة» ضاحكة: هذا إلا إذا سبقَتنا «سالي» وعصابتها للسكن في نفس المكان!

ابتسمَت «إلهام» ولم تعلِّق بشيء … وفي العنوان الذي حدَّدَته قصاصةُ الورق كان ثمة منزلٌ صغير، شبه فيلَّا، تُحيط به حديقةٌ صغيرة ناضرة تُطلُّ على ماء المحيط.

وكان هناك مفتاحٌ وحيد في سلسلة المفاتيح كان يفتح كلَّ أبواب المنزل الوثير، فتجوَّلَت فيه «إلهام» و«زبيدة»، التي قالَت في أسًى: من المؤسف أن كلَّ حقائبنا وأشيائنا وملابسنا قد غرقَت داخل تلك السيارة.

لكن «إلهام» قالَت ضاحكة: انظري إذن داخل هذا الدولاب.

كان الدولاب الذي أشارَت إليه «إلهام» ممتلئًا بالملابس وأدوات الزينة. فترامقَت الاثنتان النظراتِ في ابتسامة، وقالت «زبيدة»: إنَّ رقم «صفر» رجلٌ لا مثيلَ له.

إلهام: أنتِ على حقٍّ؛ فكم تمنيتُ أن أجلسَ أمامه لأتحدَّثَ معه وجهًا لوجه بعد أن يكشفَ لنا عن شخصيته.

زبيدة: لا أظن أنَّه سيفعل ذلك معنا إلا إذا تقاعد … وحتى في هذه الحالة فلا أظن أنَّه سيكشف شخصيتَه لأيِّ إنسان؛ فمثل هذا الرجل الذي اعتاد على الغموض طوال حياته لا يمكنه أن يكشف أسرارَه أبدًا لأيِّ مخلوق.

فجأة صاحَت «زبيدة» وهي تعبث بأحد أدراج المكان: انظري يا «إلهام» ماذا وجدت؟

وبداخل الدرج كان يوجد عددٌ من المسدسات السريعة الطلقات، وقنابل يدوية، وقنابل غازات صغيرة، وعدد من عُلَب الرصاص.

هتفَت «إلهام»: رائع … الآن يمكننا أن نخوضَ معركةً مع هذه الذئبة دون قلق.

قالت «زبيدة» ضاحكة: المهم الآن أن نهتديَ إلى مكانها.

قطَّبَت «إلهام» حاجبَيها قائلة: أنتِ على حقٍّ يا «زبيدة» … كيف سنعثر على هذه المجرمة وسط الملايين الذين يسكنون هذه المدينة … لقد كانت هناك فرصةُ مطاردتها لنا والآن وبعد أن ظنت موتَنا فهي لن تبحثَ عنَّا ثانية.

زبيدة: ولكنها ستُوجِّه جهودَها ونشاطها إلى ناحية أخرى … ستعود لكي تمارسَ مهمتَها الإرهابية من قتل وإرهاب رجال الأعمال العرب وهو ما يجب أن نمنعَه بأيَّة وسيلة.

إلهام: ولكن كيف سنعرف مكانَ ضربة «سالي» القادمة … فهناك آلاف من رجال الأعمال العرب في هذه المدينة؛ فأيًّا منهم ستختار هذه الشيطانةُ لتتخلص منه؟

زبيدة: أنتِ على حقٍّ يا «إلهام» … فالمسألة ليست سهلة أبدًا.

ابتسمَت «إلهام» قائلة: ولكنها ليست بالصعوبة التي تظنينها … فلا بد أن نكتشف مكان ضربتها القادمة، ولا شك أنَّ رقم «صفر» يعتمد على ذكائنا في ذلك، ونحن لم نعتَد أن نُخيِّبَ أملَه أبدًا من قبل.

زبيدة: إنني أشعر بالجوع، فلم أتناول شيئًا منذ ساعات طويلة.

إلهام: لا أظن أنَّ رقم «صفر» نسيَ هذا؛ فبالتأكيد الثلاجة مملوءة بكل أنواع اللحوم والطعام.

وكانت على حقٍّ. وبسرعةٍ أعدَّتَا الطعام، وتولَّى الفرنُ الكهربائي مهمةَ تسخين الطعام في دقائق قليلة … وكانت الوجبة شهيةً جدًّا، حتى «إلهام» قالَت ضاحكة: لا أظن أنني تناولتُ طعامًا أشهى من هذا الطعام.

قالت «زبيدة» ضاحكة: ولكني أعتقد أنَّه لو شاركتُ «أحمد» الطعام لكان أشهى كثيرًا. ارتسمَت نظرةُ حنان غامرة على وجهِ «إلهام»، وهمسَت: «أحمد» … تُرَى أين هو الآن وفيما يفكر … ليته كان معنا في هذه المهمة.

زبيدة: لعله في مكان ما، يقوم بمهمة أيضًا وحده أو مع الشياطين.

تثاءبَت «إلهام» قائلةً: إنني أشعر بالنعاس والتعب، وليس هناك أفضل من النوم الآن للاستيقاظ غدًا في قمة النشاط واللياقة.

زبيدة: سوف أبقى مستيقظةً لمشاهدة التليفزيون؛ فأنا لا أشعر بالنعاس …

إلهام: كما تشائين.

والتقطَت مسدسًا قريبًا حشَته بالرصاص، ووضعَته أسفل وسادتها قبل أن تنام.

فقالَت «زبيدة» ضاحكة: إنَّ مثل هذا المسدس كفيلٌ بطرد «سالي» حتى من الأحلام.

واسترخَت أمام شاشة التليفزيون تُشاهد برامجَه المختلفة … وبعد وقت أحسَّت بالنعاس يداعبها، وعندما أوشكَت على إغلاقه للنوم، تنبَّهَت حواسُّها فجأةً للإعلان الذي شاهدَته والذي يُذاع على شاشة التليفزيون.

كان الإعلان يدعو كبارَ رجال الأعمال العرب للاجتماع في بناية «الإمبايرستيت» في الطابق الثامن والتسعين حيث يقطن «حكيم العدوي» المليونير الخليجي، وأشهر رجل أعمال عربي بأمريكا … وكانت صيغةُ الإعلان تدعو لبحث عمليات الإرهاب التي يتعرَّض لها رجالُ الأعمال العرب في أمريكا!

قفزَت «زبيدة» من مكانها، واندفعَت إلى «إلهام» تُوقظها. ففتحَت عينَيها بدهشة متسائلة: ماذا هناك؟

قصَّت عليها «زبيدة» ذلك الإعلان. فقالت «إلهام» في دهشة: إعلان تلفزيوني لاجتماع رجال الأعمال العرب … لقد كان بإمكان … «حكيم العدوي» أن يتصل تليفونيًّا للاجتماع فلماذا لجأ إلى الإعلان التليفزيوني؟

زبيدة: ربما كان الإعلان بغرض استدراج «سالي» وبقية أعوانها إلى مكان الاجتماع؛ حيث ينتظرهم كمينٌ أعدَّه «حكيم» لهذه الشيطانة.

قالت «إلهام» مفكرة: ربما … ولكن هل تظنين أنَّ هذه المجرمة يمكن أن تنخدع بمثل هذه الطريقة؟

زبيدة: سواء انخدعَت أم لا فهي ستذهب إلى هناك بكل تأكيد … وعلينا أن نكون هناك.

إلهام: يُخيَّل لي أنَّ مسألة هذا الإعلان كانت بإيحاء من رقم «صفر» … لكي يُبلغَنا بالخطوة التالية التي ستقوم بها «سالي» وعصابة «سادة العالم».

زبيدة: ولحسن الحظ فقد تسلَّمنا الرسالة أيضًا وفي الوقت المناسب … ويمكننا عمل ماكياج بسيط … لزوم التنكُّر حتى يمكنَنا أن نتواجد في نفس المكان دون أن نلفت نظر أحد، لنتدخل في اللحظة المناسبة ضد هذه الشيطانية.

ضاقَت عينَا «إلهام»، وقالت في صوت عميق: ولسوف تكون تلك المواجهة هي الأخيرة … دون شك!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤