المواجهة الأخيرة!

كان صباح اليوم التالي مشمسًا دافئًا، وقد أطلَّ قرصُ الشمس ساخنًا، فاكتظَّت الطرقات والشواطئ بالمتنزهين.

قالت «إلهام» وهي تدسُّ مسدسَها بين طيات ملابسها: يبدو أنَّه سيصبح يومًا ساخنًا، حتى إذا أمطرَت ثلجًا.

زبيدة: المهم أن تأتيَ تلك الشيطانيةُ وزُمْرتُها من المجرمين.

إلهام: سوف يأتون … ثقي من ذلك.

وأنهَت الاثنتان تنكُّرَهما البسيط، فبدتَا في هيئة أخرى مختلفة، وساعدَت النظارات العريضة في اختفاء بقية ملامحهما، ثم استقلَّت الاثنتان سيارتَهما، ووقفتَا بالقرب من ناطحة السحاب الشهيرة، وبأسفل كان هناك العشرات من سيارات الشرطة قد ملأَت جانبَي الطريق، وراح المئات من رجال الشرطة المدججين بالسلاح يُفتشون الداخلين إلى ناطحة السحاب.

وكان هناك العشرات من رجال الأعمال العرب، تشيع الابتسامة والثقة على ملامحهم … وتصافحوا، ثم استقلوا المصاعد إلى الطابق الثامن والتسعين، حيث كان «حكيم العدوي» في انتظارهم بترحاب بالغ الوصف … وقد انتشر رجال الأمن السريُّون في كل مكان.

وقفَت «إلهام» و«زبيدة» في مكان قريب تُراقبان المكان والداخلين والخارجين إلى البناية الضخمة. وهمسَت «زبيدة» في قلق ﻟ «إلهام»: برغم الحراسة القوية حول المكان، فلن تعدم «سالي» الوسائل التي تمكنها من الدخول إلى هذه البناية لتقوم بأيِّ عملٍ إجرامي وسط آلاف المدعوين.

إلهام: لا أظن أنَّ «سالي» ستُغامر بذلك ولا شك أنَّها تخطِّط لشيء آخر.

زبيدة: إذن ليس أمامنا غير الانتظار.

ومرَّ الوقت بطيئًا … وهمسَت «زبيدة» في توتر: هل أدركَت «المرأة الجهنمية» الكمين المنصوب لها، فتحاشَت الاقتراب منه؟

قالَت «إلهام» في ثقة: إنَّ محترفة إجرام مثل «سالي» تجذبها مثل تلك الكمائن المنصوبة وليس العكس … وأنا على ثقة أنَّها ستظهر قريبًا.

وما كادَت «إلهام» تُنهي عبارتها حتى دوَّى انفجارٌ هائل في أعلى البناية، وتطايَرَ زجاجُها في كلِّ اتجاه، ثم اندلعَت نارٌ شديدة لتُمسكَ بالطابق بأكمله قرب «الإمبايرستيت».

صرخَت «زبيدة»: هذه الشيطانة فعلَتها ونسفَت مكان الاجتماع.

وكادَت تندفع إلى الداخل. ولكن «إلهام» أمسكَت بيدها قائلةً: انتظري يا «زبيدة» … لو لاحظت فإنَّ الانفجار حدث في طابق يعلو مسكن «حكيم العدوي» مباشرة.

تساءلَت «زبيدة» في دهشة: وماذا يعني ذلك؟

إلهام: معناه أنَّ الهدف لم يكن هو نسفَ مكان الاجتماع … بل شيئًا آخر.

زبيدة: ماذا تقصدين؟

لكن «إلهام» لم تنطق بشيء وظلَّ بصرُها معلَّقًا بشعلة النار المندلعة من أعلى المبنى الشهير … واندفعَت سياراتُ الإسعاف والإطفاء لتطويق المكان من كلِّ اتجاه … على حين اندفع الآلاف من سكان البناية الضخمة يغادرونها في رعب صارخين.

وظهر رجالُ الأعمال العرب وهم يغادرون مبنى البناية الضخم، وقد ظهر القلقُ على وجوههم، وقد أحاط بهم العشراتُ من رجال الأمن السريِّين وضباط الشرطة.

همسَت «إلهام» ﻟ «زبيدة» في توتر: إذا لم تَقُم «سالي» بعملها الإجرامي الآن، وسط العدسات التليفزيونية وكاميرات الصحافة فهي لن تقوم به بعد ذلك.

زبيدة: ماذا تقصدين يا «إلهام»؟

إلهام: لقد كانت هذه المجرمة تُدرك الكمين المنصوب لها، وكان من المستحيل عليها وَضْع المتفجرات في مسكن «حكيم العدوي» بسبب الحراسة الضخمة، فوضعَت المتفجرات في الطابق الأعلى من أجل إحداث حريق وهو ما سيجعل كلَّ سكان «الإمبايرستيت» يغادرونها على عجل ومعهم كذلك رجال الأعمال العرب، وكانت تعرف دون شكٍّ أنَّ عدسات التليفزيون والصحافة ستهرع إلى المكان لتصويره، ولا شك أنَّها تنوي القيام بعمل إجرامي في هذه اللحظة ضد رجال الأعمال العرب لتنقل شاشاتِ التليفزيون في كل أنحاء أمريكا، فيهرع بعدها كلُّ العرب لمغادرة أمريكا في الحال.

وتلفَّتَت حولها في توتر بالغ مضيفةً: إنَّ هذه الذئبة تختفي هنا في مكان ما … فأين اختفت وماذا تنوي أن تفعل؟

وفجأة وقعَت عيناها على الفوهة المصوَّبة من إحدى سيارات الإطفاء … كانت فوهة ماسورة سيارة الإطفاء تبدو كما لو كانت فوهةً عادية لفتح المياه، ولكن «إلهام» بحاستها وملاحظاتها القوية أمكنها أن تميِّز الفارق فصرخَت في الحال: احذري يا «زبيدة» … إنَّ فوهة قذيفة صاروخية مصوبة على رجال الأعمال العرب.

التفتَت «زبيدة» مأخوذة. في اللحظة التي أخرجَت فيها «إلهام» مسدسها، وصوَّبَته إلى شيء خلف الفوهة المعدنية.

انطلقَت رصاصة «إلهام» أولًا فاصطدمَت بالجدار المعدني لسيارة الإطفاء، واخترقَته. وفي نفس اللحظة، انحرفَت الفوهة الصاروخية بضعة سنتيمترات، ولكنها كانت كافية ليتغير مسار القذيفة التي انطلقَت من سيارة الإطفاء، واصطدمَت ببعض سيارات الشرطة الخالية المرتصة في المكان، فانفجرَت فيها وأحالَتها إلى جحيم.

تعالَت الصرخات من الواقفين وتدافعوا في كلِّ اتجاه كالمجانين … وأمسكَت النيران في المكان الذي أصابه الاضطراب والهرج.

ولكن «إلهام» تصرَّفَت بالطريقة المناسبة فاندفعَت نحو سيارة الإطفاء … ولكن قبل أن تصل إليها انطلقَت عشرات الرصاصات تجاهها من سيارة الإطفاء فألقَت «إلهام» بنفسها على الرصيف واختفَت خلف جدار قريب تحتمي به.

ولكن سيارة الإطفاء تراجعَت للوراء … فاندفع خلفها عددٌ من رجال الشرطة شاهرين مسدساتِهم وهم يتصايحون طالبين من سائقها الوقوف. وأجابهم السائق بالطريقة الوحيدة التي يُجيدها، فانطلقَت قذيفة صاروخية أخرى من السيارة نحو رجال الشرطة، وانفجرَت في دويٍّ هائل لتُطيحَ بهم جميعًا.

صرخ مدير الأمن في بقية رجال الشرطة كالمجنون: دعوا تلك السيارة الملعونة تمر ولا تطاردوها وإلا أفنَت نصفَ شرطة هذه المدينة.

غمغمَت «إلهام» في غضب: اللعنة … سوف أُوقِف هذه المتوحشة مهما كان الثمن. وفي نفس اللحظة، توقَّفَت سيارة بجوارها بفرامل حادة …

كانت «زبيدة» هي التي تقودها. ودون تفكير، ألقَت «إلهام» بنفسها داخل السيارة، التي انطلقَت تزأر كالوحش فوق الطريق لتسعى إلى المواجهة الأخيرة في مطاردة جنونية!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤