تمهيد

لقد تعارضت المادية والروحية في كل عصر، ولكن لعل هذا التعارض لم يبلغ من الشدة في وقت ما مبلغه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فكان الطابع الذي يميزه، وهنا أيضًا الفلاسفة كثير، فنقسم الكلام عليهم إلى ثلاث مقالات، في المقالة الأولى نتكلم عن الفلسفة الإنجليزية وقد استعادت قسطًا كبيرًا من الأهمية والنفوذ، فنرى فريقًا من رجالها يأخذون بالمذهب الحسي ويطبقونه على أنحاء شتى، فيضع جون ستوارت مل منطقًا مطابقًا له، ويفصل ألكسندر بين أصوله وفروعه في علم النفس، ويقيم له دروين أساسًا بيولوجيًّا إذ يزعم التدليل على تطور الأنواع الحية من أدنى إلى أعلى، ويشيد منه سبنسر فلسفة شاملة تستوعب جميع العلوم، على حين تزدهر حركة دينية قوامها الفلسفة الهجلية.

وفي المقالة الثانية نرى الفلسفة الفرنسية ماضية في الاتجاهين السابقين: الاتجاه الواقعي دون ما تجديد أو ابتكار، والاتجاه الروحي يعمل أصحابه على الحد من سلطان الآلية في الطبيعة لضمان الحرية الإنسانية، وفي المقالة الثالثة نرى الفلسفة الألمانية تسير في التيار الكنطي من جهة، وتناصر مذهب التطور والمادية الإلحادية من جهة، وتحاول جعل علم النفس علمًا تجريبيًّا مضبوطًا من جهة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤