رشديون
(١) پونبوناتزي (١٤٦٢–١٥٢٥)
هو أشهر أساتذة پادوڤا في ذلك العصر، وكانت جامعتها أرسطوطالية رشدية تنشبث بتأويل ابن رشد لأرسطو، ليس فقط في العقليات، بل أيضًا في الطبيعيات، فتعارض الميكانيكا الجديدة التي بدأت في جامعة باريس في القرن الرابع عشر، بنظرية أرسطو في حركة المقذوفات، وتصر على قسمة العالم إلى الرشديين اللاتين في قولهم إن القضية الواحدة قد تكون صادقة عند اللاهوتي دون أن تكون كذلك عند الفيلسوف، وإن باستطاعتنا أن نؤمن بالإرادة بما لا نجد له مبررًا في العقل، فنخضع للدين مع علمنا ببطلان عقائده، ونشر كتابًا في «خلود النفس» أنكر فيه الخلود، ثم أعلن خضوعه لتعليم الدين بالخلود كحل نهائي للمسألة، ولكن محكمة التفتيش أمرت بإحراق الكتاب، ونجا هو من الأذي بفضل حماية أحد الكرادلة.
وله كتاب «في القدر والحرية وانتخاب الله للمخلوقات» (١٥٢٥) يذهب فيه إلى أن الحرية الإنسانية ثابتة بالتجربة، وأن العناية الإلهية ترجع إلى الإيمان، ولا يمكن التوفيق بينهما؛ لأن في وضع الواحدة رفعًا للأخرى، ويعرض لمسألة الشر، فيبرره بأنه داخل في نظام العالم، وأنه شرط الخير، كما يفعل أفلاطون والرواقيون وأفلوطين. وبعد وفاته نشر له كتاب «في علل الظواهر الطبيعية العجيبة أو كتاب التعازيم» (١٥٥٦) يقول فيه إن المعجزات أحداث استثنائية تصاحب نشوء الأديان، وهي مع ذلك أحداث طبيعية، إلا أن تفسيرها يتطلب تعمقًا في معرفة الطبيعة لا يبلغ إليه الإنسان عادة؛ فهو يتطلب مثلًا معرفة ما للأعشاب والأحجار والمعادن من قوى خفية، وما بين الإنسان وسائر أجزاء العالم، ومنها النجوم بنوع خاص، من علاقات مختلفة، وما للمخيلة من قوة قد تحدث الشفاء بالإيحاء، وأمورًا أخرى من هذا القبيل. وكان أفلوطين قد قال بمثل ذلك (في الرسالة الرابعة من التساعية الرابعة، ف ٣٦–٤٢). فهؤلاء الرشديون أو الأرسطوطاليون يستمدون أسلحتهم من كل موضع.
(٢) جيرولامو كردانو (١٥٠١–١٥٧٦)
خريج جامعة پادوڨا أيضًا، اشتهر بالطب. وله اسم مذكور في الرياضيات بوضعه قاعدة لحل معادلات الدرجة الثالثة في كتاب نشر سنة ١٥٤٣. وهو صنو براسلس، ذهب إلى مزيج غريب من السحر والتنجيم، ومن الآراء الحرة. نظر في قيام الأديان وانحطاطها، وفي توزعها في مناطق الأرض، فأرجعها إلى تأثير اقتران النجوم، واستخرج طالع المسيح المولود في اقتران المشتري والشمس، وأضاف الشريعة اليهودية إلى تأثير زحل وللعالم عنده نس واحدة آلتها الحرارة، فجميع الموجودات الطبيعية حية ولو لم تظهر الحياة فيها جميعا، ويروى أنه عد استكشاف أقمار المشترى أبى أن ينظر في التلسكوب وأصر على إبائه لمخالفة هذا الكشف لمذهب أرسطو.
(٣) تشيزارى كريمونيني (١٥٥٠–١٦٣١)
من أساتذة بادوفا وآخر ممثلي مدرستها في الوقت الذي كان العالم من حولها قد تحول أيما تحول، له كتاب «في السماء» يردد فيه الآراء المميزة لمدرسة قدم العالم وضرورته، إنكار الخلق، اتحاد وثيق بين النفس والجسم يقضي على الروحانية، إنكار الخلود، إنكار العناية الإلهية، واعتبار الله علة غنائية فحسب.