الفصل العاشر

الرومانتية

(١) كولريدج (١٧٧٢–١٨٣٤)

شاعر وواعظ نشر في إنجلترا أدب الرومانتيين الألمان وفلسفتهم، فأثار في الشبيبة أفكارًا جديدة وحماسة جديدة، كان في شبابه على مذهب هيوم وهارتلي، ثم اقتنع بوحدة الفكر وفاعليته، فنفر من محاولات الحسيين لرد الظواهر الروحية إلى الوظائف الدنيا وتطبيق الآلية على الحياة الخلقية، وصرفته دراسة الفلسفة الألمانية عن الفلسفة الإنجليزية، فعارض القول بالتجربة بالقول بالحدس، وعارض التحليل بالتركيب، ولعله تأثر بأفلوطين أكثر ممَّا تأثر بالألمان، فإنه يميز مع الأفلاطونيين بين الفهم والعقل، ويجعل من الفهم قوة استدلالية تركب ما تتلقاه من التجربة وتقف عند هذا الحد، ومن العقل قوة حدسية تقدم مبادئ التركيب وتكشف عن صميم الأشياء، وباعتبار هذه الوجهة الثانية يسمى العقل بالعملي لاعتقاده أن العقل العملي عند كنط وفختي يستكنه الجواهر، وقد استخدم هذا التمييز بين الفهم والعقل للدفاع عن الدين، فقال إن الاعتراضات التي كان هيوم وفولتير وأضرابهما يعتبرونها قاطعة، ترجع إلى الفهم ويبددها العقل، وهو يفسر عقيدة الثالوث بالقضية ونقيضها والمركب منها! بل يضع رابوعًا بأن يقدم على هذه الحدود الثلاثة أساسًا لها هو «الله الإرادة المطلقة أو الوحدة المطلقة»! على أن الدين عنده لم يكن الدين السلفي بل جملة من الصور والعواطف تولد فيه نشوة لا أكثر وكان ضعيف الخلق لم يستطع السيطرة على سيرته.

(٢) كارليل (١٧٩٥–١٨٨١)

صاحب كتاب «الأبطال والبطولة»، كان مؤمنًا في حداثته، ثم قرأ هيوم وغيره من الشكاك فتبدد إيمانه واعتبر العالم آلة صماء، وفيما هو عاكف على دراسة الرياضيات قرأ شيلر وجوتي وفخي فتغير موقفه، لم يعد العالم في نظره «دكان بضائع» بل انقلب معبدًا، ولم يعد العقل مصدر المعرفة الحقة بل صار القلب ذلك المصدر، رأى أن الشك والنفي مرتبطان بالاستدلال العقلي، وأن المادية والإلحاد والنفعية مذاهب نافية لا تتناول إلا الظاهر، وأن الموقف الطبيعي هو الإيجاب والإيمان، إن محاولة البرهنة بالعقل على وجود الله بمثابة محاولة إضاءة الشمس بمصباح! العالم «ثوب الله» ورمز لمعان تستعصي على المنهج العلمي، إن العلم يتصور الطبيعة دون أن يحسب حسابًا لمعناها، والآلية «فلسفة الثياب»، أما الفلسفة الحقة فهي جهاد مستمر ضد العادة التي تجعلنا نتخذ من الظواهر جواهر فتحجب عنا بها الأشياء، والإنسان هو الرمز الأكبر، لقد اعتقد لوك وأتباعه أن العقل مجرد آلة تفكر وآلة تعمل بدافع اللذة والألم والمنفعة وحساب الربح والخسارة، بينما الإنسان حياة خلقية تنبعث من ميل النفس إلى إرضاء مثلها العليا، إن الأخلاق النفعية تغلو في أهمية التفكير الواعي، ولا تفطن إلى أن كل أمر جليل إنما يولد وينمو من تلقاء نفسه، ولكل أن يجد رمزه وديانته: «لست أقصد بالديانة الإيمان الكنسي، بل ما يعتقده بالفعل كل إنسان بصدد علاقاته الباطنة بهذا الكون الخفي» ما دام الفاعل فينا وفي الخارج قوة إلهية، وإن هذه القوة اللامتناهية تبدو بصفة خاصة في الإنسان، وبصفة أخص في الإنسان العظيم (كما يقول فختي)، فيجب أن تقوم الحياة الروحية والاجتماعية على تكريم الأبطال أي عظماء الرجال، وهكذا كانت قائمة في الماضي، عظماء الرجال خالقو ما يحاول سواد البشر تحقيقه؛ لذا كان تاريخهم روح التاريخ العام، ونحن الآن أحوج ما يكون بنو الإنسان للأبطال أي لأرستقراطية مستنيرة تقودنا، وليس هناك من معنى للحرية والمراقبة الشعبية والديمقراطية، إن جمهرة الإنسانية بحاجة إلى نظام من حديد، ويجب أن تكون فضيلتها الوحيدة طاعة القانون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤