مشكلة في الفضاء!

عندما تحرَّكت الطائرة، كان «أحمد» يستعيد في ذاكرته بعض المعلومات. قال لنفسه: إنه موسم الثلوج وسوف نتحرَّك داخل ثلاجة هناك، ولا بد أن نستعد لذلك، فهذه أول مرة ندخل فيها في مغامرة في مثل هذا الجو لكن لا بأس، إن عملاء رقم «صفر» هناك سوف يوفِّرون لنا ما نريده. نظر حوله، كان الشياطين كل في مكان، فتح كتاب «الوحش الهائج» واستغرق في القراءة، ويحكي الكتاب مراحل اتفاق الحد من التسلح، وكان الراكب المجاور له قد استغرق في النوم.

كان كتاب «الوحش الهائج» مُثيرًا تمامًا فهو يتحدَّث عن الطاقة النووية في دول «النادي النووي» أو «نادي الشر» كما يسمِّيه الزعيم، ثم توقَّف عند فِقرة معيَّنة، كانت الفِقرة تقول: إن «أمريكا» و«روسيا الاتحادية» قد اتفقا على تحويل مادة اليورانيوم عالية التخصيب الموجودة في الأسلحة النووية الروسية إلى وقودٍ له نسبة تخصيب أقل؛ لاستخدامه في المفاعلات النووية وإنتاج الكهرباء في «أمريكا».

قال «أحمد» في نفسه: إذا كان هذا حقيقي فإنه سوف يكون عملًا عظيمًا، أن تتحول الأسلحة الفتَّاكة إلى كهرباء يستفيد منها الناس! ومرة أخرى استمرَّ يقرأ حتى وقف عند سطور محدَّدة كانت هذه السطور تقول: إن الاتفاق يضمن عدم وصول هذا النوع من المواد إلى جهات غير مرغوب فيها.

فكَّر «أحمد» أن الجهات غير المرغوب فيها هي نفسها الجهات التي تتسابق للحصول على مثل هذه المواد، وهنا يظهر تجَّار الحروب والسماسرة، الذين لا يهمهم سوى تحقيق الربح فقط.

فجأة اهتزَّت الطائرة بعنف، وتعالت صيحات ركاب الطائرة، جاء صوت المذيعة الداخلية يحاول أن يطمئن الركاب. قالت المذيعة إنه مجرَّد مطب هوائي وإن الطائرة تمرُّ بمنطقة قلاقل، وعلى الركاب أن يهدءوا، لكن الطائرة، كانت وكأن قائدها قد فقد السيطرة عليها. ووسط هذا الضجيج الْتَقت أعين الشياطين وتفاهمت، وكان اتفاقهم على أن يصلوا إلى قائد الطائرة، وأن يشتركوا في أي عمل.

لكن «أحمد» فكَّر: إن قائد الطائرة الآن يحتاج إلى التركيز … والهدوء وأي اتصال به قد يوقعه في خطر ما، والخطأ في الطيران يعني كارثة. اقترب «فهد» من «أحمد» وقال، بينما كان يهتز تبعًا لاهتزاز الطائرة، الذي جعل الركاب وكأنهم ألعاب صغيرة.

قال «فهد»: يجب أن نسرع إلى الكابتن، من الضروري أن يكون في حالة سيئة الآن.

رد «أحمد»: وهذا ما أخشاه، أن يكون ظهورنا دافعًا للخطأ.

قال «فهد»: من الواضح أنه فقد سيطرته على الطائرة.

لم يرُدَّ «أحمد». كانت الطائرة تهتز بشدة، والركاب متشبِّثون بالمقاعد، لكنهم مع ذلك كانوا يصطدمون ببعضهم البعض. اتخذ «أحمد» قراره، وقفز في الطريق إلى كابينة الطائرة، لكنه اصطدم بالباب، كانت الصدمة عنيفة، جعلته يشعر بالألم. لكنه مع ذلك استمرَّ في طريقه، وهو يحاول أن يُمسك بكل ما تصل إليه يداه. وأخيرًا وصل، لكن باب الكابينة كان مُغلقًا، دقَّ عليه بعنف لكنَّ أحدًا لم يفتح الباب، قال لنفسه: إما أنهم لم يسمعوا، أو أنهم مشغولون بالسيطرة على ذراع القيادة. فجأة فُتح الباب وظهر ضابط القيادة كان يبدو مذعورًا جدًّا.

قال له «أحمد» بسرعة: ماذا هناك؟

رد الضابط: لا شيء، اطمئنُّوا، وسوف تنتهي الأزمة حالًا.

قال «أحمد»: إنني طيار، ولي دراسات في مجال هندسة الطائرات، فقط أريد أن أعرف ماذا هناك، ربما استطعتُ أن أقدِّم عملًا مفيدًا.

نظر له الضابط لحظةً، كان كلٌّ منهما متشبِّثًا بمكانه، بينما ظلَّت الطائرة في اهتزازها العنيف. فجأةً قال الضابط: لقد تعطَّل أحد أجنحة الطائرة.

سأله «أحمد» بسرعة: لعلَّه الجناح الأيسر! فالمحاولة واضحة في عملية الاتزان.

قال الضابط: هذا صحيح.

وقبل أن يُكمل كلامه، كان «أحمد» قد أسرع في طريقه، وقفز داخل كابينة القيادة وبسرعة قال للكابتن: أعطِني مكانك.

لكن الكابتن لم ينظُر له، وربما لم يسمعه، كان يقبض على مقبض القيادة في محاولة مستميتة حتى لا تميل الطائرة، وتفقد توازنها نهائيًّا، في نفس اللحظة، نظر له ضابط آخَر في استفهام وسأل: ماذا تفعل هنا؟

لكن «أحمد» لم ينتظر، فقد مدَّ يدَه، وأمسك بعجلة القيادة في قوة، ثم استأذن الكابتن بهدوء غير أن الكابتن نظر له في قسوة، وكاد يقفز فوقه، إلا أن «أحمد» كان قد استطاع أن يعيد اتزان الطائرة. صرخ فيه الكابتن: مَن أنت؟!

إلا أن «أحمد» لم ينظر إليه … نظر له الكابتن في دهشة، فقد أدرك أنه أمام عقل يفكِّر ويعرف جيدًا ماذا يفعل. بدأ «أحمد» يهبط بالطائرة، ويخفض في سرعتها، في نفس الوقت كان يفعل كل شيء بثقة كاملة، مما جعل طاقم الطائرة، ينظرون له في إعجاب! وأمام تصرفات «أحمد» بدأ كل شيء يهدأ، قال في هدوء: من الضروري أن نهبط في أقرب مطار، فلا بد من إصلاح جناح الطائرة، فالرحلة طويلة، ولا تستطيع الطائرة أن تكملها.

كان الجميع يستمعون إليه دون أن يعلِّق أحدهم بكلمة، فجأةً دخل «فهد» وسأل: ماذا حدث، إن ركاب الطائرة يبكون؟

ابتسم «أحمد» وقال: من الطبيعي أن يبكوا؛ فقد كان الموقف صعبًا، لكنه تحسَّنَ.

ثم نظر إلى الكابتن وقال: أرجو أن تُطمئن ركاب الطائرة.

ظلَّ «أحمد» يقود الطائرة في حذر بعد أن غيَّر اتجاهها، وأخذ طريقه إلى مطار «روما» فهو أقرب مطار بالنسبة لموقع الطائرة، لكن بالرغم من ذلك لم يكُن يعني أن كل الأمور قد استقامت فقد كان من المحتمل هبوب رياح قوية سوف تؤثِّر في تغير خط سيرها، وأن تحدث مشاكل صعبة وبرغم أن كابتن الطائرة قد تحدَّث إلى الركاب، فإنهم ظلوا يشعرون بالقلق. وأخيرًا ظهرت ملامح مطار «روما»، كان الوقت قبل غروب الشمس، وكل تفاصيل المطار واضحة في ضوء النهار … تحدث «أحمد» إلى برج المراقبة ليطلب النزول وأخبَرَهم بالعطل الموجود في جناح الطائرة وكانت المفاجأة، أن المطار طلب إليه ضرورة استهلاك الوقود الموجود في الطائرة، حتى لا تحدث كارثة. حاول «أحمد» أن يتفاهم مع برج المراقبة في ضرورة السماح له بالهبوط. إلا أن كابتن البرج رفض رفضًا قاطعًا.

أخيرًا قال «أحمد» مخاطبًا كابتن البرج: أرجو أن تحدِّد لي المكان الذي سأهبط فيه.

ردَّ الكابتن: لا يمكن النزول الآن، ولا يزال لديك الكثير من الوقود.

ردَّ «أحمد»: سوف أتحمَّل مسئولية الهبوط، فأنا أعرف يقينًا ماذا أفعل.

قال كابتن البرج: هذا غير مسموح به إطلاقًا، خصوصًا وأن الطائرة تحمل حمولتها كاملة وفي هذا مغامرة غير مأمونة العواقب.

رد «أحمد»: لا يا سيدي إن بقاءنا في الفضاء هو الكارثة الحقيقية، أرجوك.

لم يرُدَّ الكابتن ولم يكُن أمام «أحمد» إلا أن يظلَّ محلِّقًا فوق المطار لكن فجأةً، مالت الطائرة بشدة، ففهم أن الركاب هم السبب، فقد تجمعوا في مكان واحد، فكَّر: لا بد أن أحدِّد المكان، دون الاعتماد على برج المراقبة، لكنه في نفس الوقت كان يخشى وقوع أية مفاجأة فهو يعرف أنه قانونًا لا يستطيع الهبوط. ما لم يأذن له قائد البرج بذلك، حلَّق فوق المطار مرة ثانية حتى استجمع كلَّ تفاصيل أماكن الهبوط، وحدَّد الأماكن المشغولة والأماكن الخالية. كان هناك مكان خالٍ بين طائرتَين في وسط المطار، فكَّر أن يهبط فيه، لكنَّه تردَّد. دار دورة ثانية فاكتشف مكانًا خاليًا في طرف المطار، قال لقائد الطائرة الذي كان يراقب الموقف: سوف اهبط هنا.

قال القائد: إننا لم نأخذ الإذن بعدُ.

ردَّ «أحمد»: إنهم يخشون هبوطنا وكمية الوقود الموجودة في الطائرة كبيرة، وهذا قد يعرضنا لخطر ما، فقد تصل طائرة فجأة ويقع ارتباك يحقِّق كارثة لنا وللآخَرين.

قال القائد: إن الهبوط بجناح واحد، مسألة غير مأمونة.

فردَّ «أحمد»: وهي ليست مأمونة ونحن في الفضاء، بل إن وجودنا في الفضاء مغامرة أشد.

ولم ينطق قائد الطائرة. فهو يعرف أن «أحمد» محقٌّ، لكنه في نفس الوقت، لا يأمن مغامرة الهبوط.

نظر «أحمد» إلى مؤشر الوقود. فعرف أنه يحتاج لساعات حتى يفرغ منه، في نفس الوقت، فهو لا يأمن البقاء في الفضاء، كانت الطائرة تدور حول المطار، والركاب بدأت أصواتهم ترتفع، فقرَّر أن يهبط، أكمل نصف دورة، حتى وصل إلى المنطقة الخالية في طرف المطار. وقال مخاطبًا برج المراقبة: سوف أهبط الآن، فكونوا على استعداد.

وقال قائد البرج: إنني أمنعك من الهبوط.

لكن «أحمد» كان فعلًا قد حدَّد مساره، وبدأ يهبط في هدوء، بعد أن خفض سرعة الطائرة إلى حدِّها الأدنى، كان طاقم الطائرة يراقبه وقد أمسك أنفاسه، فهي عملية شاقة، بل إنها أشقُّ عملية يمكن أن يقوم بها قائد لطائرة. وسمع «أحمد» صوت قائد برج المراقبة يقول: إنه مجنون هذا الطيار.

وفجأةً لامست عجلات الطائرة أرض مهبط الطائرة. وكان من حُسن حظه أن هبَّت رياح قوية حقَّقَت توازن الطائرة، حتى استقرَّت على الأرض وظلَّت مندفعة في طريقها، وهي تأخذ خط الدوران حتى توقَّفَت، وفجأةً هبط صمتٌ على الطائرة ولم يسمع «أحمد» أي صوت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤