الفصل العاشر

دراسة في جنون العظمة: أدولف هتلر١

«كفاحي» Mein Kampf
كانت كومة الحريق التي التهمت جثتَيْ أدولف هتلر وإيفا براون Eva Braun، في العاشر من أبريل سنة ١٩٤٥م، محكمة في برلين القائمة على عمق كبير تحت الأرض، كانت هذه الكومة خاتمة المطاف التي كان يمكن أن يفكر فيها «هتلر، مؤلف الأوبرا، أعظم من أعجب به الناس إعجابًا حماسيًّا فاتخذه ريتشارد واجنر Richard Wagner موضوعًا لأوبرا جديدة عنوانها Gütterdämmerung، أو شفق الآلهة» … جلجل المنظر أسفل الستار عن رواية شجوية عظمى، افتتحت قبل ذلك بجيل عندما بدأ فوهرر Führer المستقبل سيره نحو السلطة والقوة.

وعندما قبض الحزب النازي، بقيادة هتلر، على زمام الحكومة في سنة ١٩٣٣م بعد اضطرابات دامت أكثر من عشر سنوات مقترنة بأعمال العنف، روع العالم بتلك الأعمال. كان نظام الحكم متهورًا في تثبيت رقابته، فتركت جميع أنظمة الحكومة الديمقراطية، وأوقفت الآراء المعارضة في غير رحمةٍ، واضطهدت الكنائس والجمعيات الأخوية واتحادات العمال أو ضمت، وقتل اليهود في أعداد ضخمة، ووجهت التهديدات علنًا إلى الأمم الصديقة المجاورة عن طريق موجات من الدعاية.

ومع ذلك، فلو أتعب غير الألمانيين أنفسهم وقرءوا بإمعان مجلدًا ضخمًا عنوانه Mein Kampf أي «كفاحي»، لوجدوا البرنامج كله موضحًا أمامهم بكل تفاصيله المخجلة. شكرًا للرقابة الدولية على المطبوعات؛ فقد نجح مؤلفه في أن تقتصر القصة كلها على الطبقة الألمانية الأصلية. وحتى لو ترجم النص الموبوء، وفاز بحرية التداول بالإنجليزية والفرنسية وغيرهما من اللغات الأخرى، لاعتبره كثير من الناس «حلمًا خياليًّا لرجل خيالي مخبول» — بدا بالغ الاتساع في مداه، وطموحًا بدرجة لا يصدقها العقل لقد سمى «كفاحي» بحق أروع ما أخرجته الدعاية في هذا العصر، وللنظر إليه من ناحية وجهة نظر قاضي المحكمة على أنه «أعظم الكتب إجرامًا في القرن العشرين». انساقت أمة عظيمة وحلفاؤها لتنفيذ الآراء الخيالية التي تضمَّنها ذلك الكتاب. فعندما اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية، وُزِّع منه في ألمانيا وحدها خمسة ملايين نسخة.
وإذ نما هتلر وتربَّى في فيينا (مثل شخص آخر اسمه سيجموند فرويد Sigmund Freud)، كون وهو في حداثة سنه انطباعات وتعصبات وأحقادًا قيض لها أن تحكمه طيلة بقية حياته. صب كل شيء في كتابه «كفاحي»، وتبين الأبواب الافتتاحية صورة موجزة هامة من تلك السنوات الأولى، وُلد في سنة ١٨٨٩م في براونو Braunau بالنمسا على الساحل المواجه للحدود الألمانية؛ ولذا كان يشعر دائمًا بأنه ألمانيٌّ أكثر منه نمساوي، وكان يحتقر بنوعٍ خاص، شعب فيينا المتنعم وتبعًا لرواية هتلر، هو نفسه، كانت أولى سِنِي حياته مليئةً بالحرمان والآلام والإخفاق وعدم التوفيق وسوء التنظيم. توقفت دراسته الشكلية في المدارس وهو في الثالثة عشرة من عمره، ومات والداه وهو في حوالي تلك السن، فكافح في فيينا ليكون مصورًا، وإذ أخفق في هذا المضمار حاول أن يشتغل بالمعمار، بيد أن افتقاره إلى التعليم وإلى الموهبة لم يساعده على نيل مأربه.
يدَّعي هتلر أنه أثناء وجوده في فيينا، قرأ الكثير ولا سيما التاريخ، وتأثرت أفكاره بنوعٍ خاص بكتاب عن الحرب الفرنسية البروسية التي أوحت إليه بأن يفخر كثيرًا بالجنس الألماني، فاقتنع بالمصير الذي كتبه الله لذلك الشعب، وفي الوقت نفسه بدأ يكوِّن كراهية حادةً نحو اليهود واحتقارًا شديدًا للسلافيين Slavs وغير الآريين جميعًا، قرَّر أن اليهود أولًا وقبل كل شيء جامعو أموال وانتهازيون دوليون، وعادة ما يكونون اشتراكيين أو شيوعيين بينما السلاف جنس أقل من الجنس الألماني وليس لديهم ثقافة خاصة بهم.
كان لاختلاط هتلر بالديمقراطيين الاجتماعيين في فيينا أن جعله يمقت الدعاية الاشتراكية والشيوعية، ورغم أنه كان تلميذًا مُجِدًّا في خطط الحرب، فقد لازمته كراهيته للماركسية طول حياته. ورغم شراهته للقراءة فليس هناك أي دليل على أنه فتح كتابه «كفاحي»، كما كان يبغض الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية أشد البغض. وبدأت هذه البغضاء عندما كان يحضر جلسات الرايخسرات Reichsrath النمساوي في فيينا ولاحظ ما اعتبره طرقًا غير فعالة.

وأخيرًا، إذ لم يعد يحتمل استنشاق هواء العاصمة فيينا المقيت، استقر في سنة ١٩١٢م في ميونيخ التي كان يُطلق عليها «مدينة ألمانية تمامًا». وبعد ذلك سرَّه اندلاع نار الحرب العالمية الأولى، فتقدم للتجنيد في كتيبة بافارية، وقبل أن تضع الحرب أوزارها، جُرح وتسمم بالغازات السامة، وزيِّن صدره مرتين بالنياشين، ورُقِّي إلى رتبة جاويش، وحزن لهزيمة ألمانيا وثارت ثائرة غضبه إذ اعتقد أن سبب هذه الهزيمة هم اليهود والماركسيون وأنصار السلام. كما أغضبه وأثار حفيظته قيام حكومة ديمقراطية في ألمانيا بعد الحرب. عندئذٍ عزم على الاشتغال بالسياسة.

بدأ اشتغال هتلر بالسياسة بعد عودته إلى ميونيخ. فعمل لوقتٍ ما مخبرًا سياسيًّا للجيش أو Wehrmacht (القوات المسلحة)، ودُعي لأن يكون عضوًا في جماعة صغيرة تُسمى «حزب العمال الألماني» فقبل به، وسرعان ما غيَّر اسم ذلك الحزب إلى «حزب العمال الاشتراكي القومي الألماني»، وهو نواة الحزب النازي Nazi. وبعد فترة قصيرة، وبمناورة داخلية، قبض هتلر على زمام ذلك التنظيم، وأبطل العادة القديمة العديمة المعنى لإصدار قرارات الحزب بأخذ أصوات الأعضاء. فصمم برنامج الحزب وتطور بأمر هتلر، لإرضاء طبقات العمال، واستأصل شأفة «القاتلين بالسم الدوليين» وألغى الهيئات التشريعية، وأقر مبدأ الطاعة العمياء للقائد Führer دون توجيه أية أسئلة.
وإذ كان بذلك الحزب ٢٧٠٠٠ عضو في سنة ١٩٢٣م، وتؤيد هتلر عصبة عسكرية تحت إمرة القائد لودندورف Ludendorff بينما بدأت حكومة سترسمان Stresemann تترنح، أدرك هتلر أن الفرصة سانحةٌ ليقبض على السلطة، كان له أتباعه فدبَّر التمرد الشهير لحانة البيرة بوتش Putsch في ميونيخ، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل الذريع، وقُتل فيها ستة عشر من أتباع هتلر في الطريق، وقُبض على هتلر نفسه وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، خُفِّضت فيما بعد إلى سنة واحدة.
بينما كان هتلر سجينًا في القلعة البافارية في لاندزبرج Landsberg، وجد متسعًا من الوقت لأول مرة ليكتب تاريخ حياته. والواقع أن كتاب «كفاحي» كان كتابًا شفويًّا أكثر منه مكتوبًا. وقد قاسم هتلر سجنه تلميذه الوفي رودلف هيس Rudolph Hess، فأملى هتلر الكتاب على هيس الذي كتبه على الآلة الكاتبة مباشرة، وبذا تم الجزء الأول. وإذ كان إهداؤه إلى الستة عشر شهيدًا الذين سقطوا صرعى في معركة تمرد ميونيخ، كان العنوان الأصلي لذلك الكتاب هو «أربع سنوات ونصف من الكفاح ضد الأكاذيب والحماقة والجبن». وتم الجزء الثاني في سنة ١٩٢٦م في برختسجادين Berchtesgarden.
وصف أوتو توليسخوس Otto Tolischus مادة كتاب «كفاحي» بأنها: «١٠٪ تاريخ حياة المؤلف، ٩٠٪ عقيدة، ١٠٠٪ دعاية» — وهنا تحليل عادل. ويبدو من غير المصدق اليوم أن يستولي مثل هذا الكتاب الركيك المطول والرديء الكتابة والمليء بالمتناقضات والتكرار على عواطف أمة ذات ثقافة عالية. بيد أن الموقف كان يسير على نظام موضوع. وهناك تعليقات لودويج لور Ludwig Lore عليه، التي تنير كل غامض:

«كان الشعب الألماني في عام ١٩٣٣م في حالة تأثر خطرة بالنظام الفاشيستي. حاولوا إيجاد طريق للعودة إلى الحياة العادية واحترام الذات النفسي، فوجدوا الطريق مسدودًا بالتعصُّب وسوء الفهم الأعمى، ولم تهتم الدول العظمى بشيء ما غير التعويضات، وانقسمت أحزاب العمال الألمانية، التي كان من الممكن أن تمدَّ يد العون، إلى ستة معسكرات متصارعة. حدث كل هذا أمام خلفية ملونة بقومية عالية الضغط. وصل الشعب الألماني إلى نقطة يبدو أن النظام والأمن فيها كانا أهم من الحرية السياسية التي صارت مرادفة للعراك وسفك الدماء؛ فأدرك هتلر هذه الأمور جيدًا واستغلها لأغراضه تساعده مقدرته الهائلة على التنظيم والدعاية، واستعداد كبار رجال الصناعة الألمان لتمويل حملاته، فما إن استقر حتى سهل الاحترام الفطري الألماني للسلطة استقرار القيادة الفاشستية.»

ولحن خطة «كفاحي» الذي يكرره المرة بعد المرة هو الجنس، ونقاء الجنس، وتفوق الجنس وسيادته — رغم أن هتلر لم يعرِّف الجنس في أي موضع من كتابه، ولكنه قال إن الجنس البشري ينقسم إلى ثلاث مجموعات هي: خالقو الثقافة الذين لهم مثال واحد هو الآريون أو النورديون (أي الألمان على وجه التحديد)، وحاملو الثقافة مثل اليابانيين، ومحطمو الثقافة مثل اليهود والزنوج. ويؤكد هتلر على أن الطبيعة لم تقصد قط أن يتساوى جميع الأجناس، كما لا يتساوى كل الأفراد، فقد خلق البعض متفوقين على البعض الآخر. ولما كان الألمان أقوى جنس في العالم، وجب أن يحكموا أجناس البشر الأقل منهم. وتبين بضع فقرات من كتاب «كفاحي» وجهة نظر هتلر في الأجناس الأقل.

كتب هتلر عن الإمبراطورية النمساوية يقول:

«طردت تلك الإمبراطورية بسبب تكتل الأجناس التي رأيتها في العاصمة، طردت بسبب كل ذلك الخليط من التشيكيين والبولنديين والمجريين والروثانيين والصربيين والكرواتيين، كما يوجد في كل مكان ذلك التطفل الأبدي للجنس البشري، ألا وهو: اليهود، ومزيد من اليهود.»

وكتب عن الأفريقيين:

«… من الجنون الإجرامي أن يستمر الناس في تدريب نصف قرد بالفطرة إلى أن يظنوا أنهم خلقوا منه محاميًا، بينما يبقى الملايين من أفراد الجنس الأسمى ثقافة في مراكز لا تليق بهم على الإطلاق … إنها لخطيئة أيُّ خطيئة ضد إرادة الخالق السرمدي، إذا ترك المئات ومئات الألوف من كائناته الموهوبة أفضل المواهب، يهلكون وسط مستنقع طبقة الفقراء، بينما يدرب الهوتنتوت والزولو والكفير للمهن العقلية.»

أما الهنود القوميون: «فأدهشوني دائمًا، فردًا فردًا، بثرثرتهم وتعاظمهم دون سندٍ حقيقيٍّ من الماضي، وأما البولنديون والتشيكيون واليهود والزنوج والآسيويون فجمعوا في قراب واحد على أنهم غير جديرين بالجنسية الألمانية حتى ولو كانوا مولودين في ألمانيا ويتكلمون اللغة الألمانية.»

وخصَّ فرنسا باحتقار خاص:

«… من ناحية الجنس … إنها تحرز تقدمًا عظيمًا في التحول إلى زنوج، حتى ليمكننا أن نتحدث عن دولة أفريقية نشأت فوق أرض أوروبية، لا يمكن مقارنة السياسة الاستعمارية لفرنسا الحالية بسياسة ألمانيا في الماضي، وإذا استمرت فرنسا في نمط تقدمها الحالي لمدة ثلاثمائة عام، غاصت آخر بقية من الدم الفرنسي في الدولة الخلاسية الملونة المكونة من الأفريقيين والأوروبيين.»

يبلغ تعصب هتلر للجنس أوجه في الهجوم الجنوني على اليهود، كما في هذه الفقرة، مثلًا:

«جميع أفكار اليهود في كل هذا واضحة؛ بلشفة ألمانيا — أي استئصال الأذكياء القوميين الباحثين عن اليهود — ليصير بالإمكان جعل طبقة العمال الألمان ترزح تحت نير جمع اليهود للأموال. لا تتخذ هذه البلشفة إلا كإجراء أوليٍّ لمدِّ هذه الميول اليهودية لغزو العالم، إلى مسافة أبعد. وكما حدث كثيرًا في التاريخ، فإن ألمانيا هي المحور العظيم في النضال الجبار. فإذا وقع شعبنا ودولتنا فريسة لأولئك الطغاة اليهود الشرهين والمتعطشين للدماء في الأمم، فإن الأرض كلها ستقع في قبضة ذلك الأخطبوط، وإذا خلصت ألمانيا نفسها من قبضته، اعتبر ذلك الخطر الأعظم على الأمم، محطمًا أمام العالم قاطبة …»

وعلى العموم، سيحارب اليهود داخل مختلف الهيئات القومية، بتلك الأسلحة التي تبدو، تبعًا لعقلية تلك الأمم المعروفة، أعظم فاعلية وتبشر بأعظم نجاح. ففي هيئتنا القومية الممزقة من حيث الدم، تنخر تلك الأفكار العالمية التصورية الناشئة من هذه الحقيقة، أي الميول الدولية التي تستخدم في نضالها القوة … حتى تهدم دولة وراء أخرى وتحوِّلها إلى كومة من الأنقاض يمكنها أن تبني فوقها عظمة الإمبراطورية اليهودية الخالدة.

وللاحتفاظ بالنقاء الفطري للآريين، أي الجنس الألماني السيد، يجب ألا يختلط به جنس أقل. وأكد هتلر أن انحطاط الأمم العظيمة في الزمن الماضي قد نتج عن اختلاط الدم وفقدان نقاء الجنس، ولتحاشي مثل هذه الكارثة، من واجب الدولة أن تتدخل، وحتى إذا احتج الجبناء والضعفاء عن غزو حقوقهم، وجب على الدولة أن «تحافظ على بقاء دم الأمة نقيًّا حتى تصل البشرية إلى ذروة تقدمها. ينبغي للدولة أن تنتشل الزواج من هوة عار الجنس وتقدسه كوسيلة لإنتاج أشباه آلهة، بدلًا من خلق كائنات بين الإنسان والقرد.»

كان هتلر يؤمن في تعصب بالتفوق الفطري للجنس الآري على سائر الأجناس، فأخذ يعلن أنه من واجب الجنس السيد وامتيازه، أن يهزم الأجناس الأخرى، ويستغلها ويطردها أو يبيدها من أجل مصلحته هو. وبما أن ألمانيا مزدحمة بالأهلين وتحتاج إلى مزيد من الأرض ليعيش فيها قومها، فمن حقها بصفتها القوة النوردية العظمى، أن تستولي على أرض سلافية، فتنزع السلاف من أرضها وتضع فيها الألمان. وبذا، سوف تنتفع البشرية كلها على مر العصور الطويلة، من عادة امتداد الجنس الأعلى واتحاد الشعوب الألمانية المشتتة، تحت حكم واحد «لن يضمن لأية أمة حرية البقاء إلا مساحة واسعة مناسبة … فإما أن تكون ألمانيا قوة عالمية، وإما ألَّا تكون هناك ألمانيا إطلاقًا.»

أما الامتداد الشاسع الذي يصوره هتلر فيتم أساسًا على حساب روسيا. نظر إلى الشرق بنهمٍ وتطلع إلى ما يمكن تنفيذه: «فإذا ضمت جبال أورال بموادها الخام الهائلة، وأوكرانيا ذات حقول القمح التي يخطئها القياس، إلى حدود ألمانيا، كان ذلك أنسب.» فمن واجب ألمانيا إنقاذ الشعب الروسي من القادة البولشفيك. واستطرد يقول: «إذا تحدثنا عن الأرض في أوروبا اليوم، فلن يطرأ على بالنا، بصفة مبدئيةٍ غير روسيا وولاياتها الواقعة على الحدود. يبدو أن الحظ هنا يشير علينا، فبتسليم روسيا إلى البلشفية، نسلب الأمة الروسية ذلك الذكاء الذي سبق أن حقق وضمن بقاءها كدولة … نضجت الإمبراطورية العظمى في الشرق ليصيبها الانهيار.»

كذلك قال هتلر، القوة هي تحقيق الغزو … ما من شعبٍ على ظهر البسيطة يملك شيئًا مثل ياردة مربعة من الأرض أكثر من رغبة أعلى أو حق أسمى … فحدود الدول يصنعها الإنسان ويغيرها الإنسان، فإذا نجحت أمة في الاستيلاء على قدر من الأرض لا حق لها فيه، فلا يكون هذا سببًا في التزام أمة أعلى منها بأن تعترف به إلى الأبد. فعلى أكثر تقدير، يُبرهن هذا على قوة الغازي وضعف الأمم الأخرى، وفي هذه الحالة يكون الحق للقوة وحدها.

اعترف هتلر بأنه كانت هناك حلولٌ أخرى غير التوسع في رقعة الأرض لمعالجة الزيادة السريعة في عدد سكان ألمانيا. ومن هذه الحلول تحديد النسل، وهذا مرفوضٌ لأنه لا يتفق ونظرية الجنس السيد. وهناك حلٌّ آخر لجأ إليه حكام ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى، وهو التوسع في إنتاج المصنوعات للأسواق الخارجية، أي زيادة التصنيع. وهذا حلٌّ لا يعجب هتلر لأنه أراد أن تغذِّي ألمانيا نفسها بنفسها وتعتمد على الاكتفاء الذاتي. وزيادة على ذلك فقد لقي معارضة عنيفة لأنه يخلق طبقة عمال ريفيين ضخمة نتيجة للنظام الصناعي الضخم. والحل الثالث هو زيادة إنتاج الأرض الموجودة حاليًّا، ولكن هتلر اعترض على هذا بقوله إنه حل جزئيٌّ ومؤقت، واستنتج أن الحل أو العلاج الحقيقي الوحيد هو أن تستولي ألمانيا على أراضٍ جديدة وراء الحدود الحالية، وبذا يتمكَّن الكثير من الألمان أن يعيشوا عليها.

وتلخص الفقرة التالية ملخص أهداف هتلر البعيدة المدى فيما يختص بعدد سكان الأرض.

… لدينا الآن ٨٠ مليون ألماني في أوروبا! وهذه السياسة الخارجية لا تكون صحيحةً إلا إذا كان عدد السكان بعد حوالي مائة عام ٢٥٠ مليون ألماني في هذه القارة، ولا يعيشون محشورين كعمال مصانع من أجل بقية سكان العالم، وإنما كفلاحين وعمال يضمن كلٌّ منهم معاش الآخر بعمله.

وبالاختصار، تنبأ هتلر بأن سكان ألمانيا سيكونون أكثر من ثلاثة أضعاف سكانها الحاليين، في المائة سنة التالية، وأن كل شخص سيملك رقعة من الأرض ضعف ما كان يملك الفرد من قبل. كذلك راقت هتلر فكرة السكان ذوي الرقعة الفسيحة من الأرض لأسباب «جغرافية عسكرية»؛ إذ تكون أقل سهولة على العدو (ظلال ماكندر هوشوفر Shades of Mackinder Haushofer).
ولكي يحقق هتلر الأهداف التي رسمها طموحه المحلق عاليًا، اقترح استخدام ثلاث طرق؛ الدعاية والدبلوماسية والقوة … لم يكشف المؤلف عن نفسه وعن خططه في أي موضعٍ من كتاب «كفاحي» أكثر مما كشف في مناقشته لطرق الدعاية التي اعتقد أنها أحد أسلحة النازي الفظيعة والأعظم فعالية. وقال ماكس لرنر Max Lerner عن هتلر: «ربما كان أعظم أستاذ في الدعاية والتنظيم، في التاريخ الحديث.» ثم استطرد يقول: «ولكي نجد له ندًّا، يجب أن يعود المرء إلى لويالا Loyala واليسوعيين.» ولكي يصل هتلر بفن الدعاية إلى درجة الكمال، درس طرق الماركسيين في الدعاية، وتنظيم وطرق الكنيسة الكاثوليكية، والدعاية البريطانية للحرب العالمية الأولى، والإعلان الأمريكي، وعلم النفس لفرويد Freud، فكتب يقول:

«ليست وظيفة الدعاية … أن تزن وتتأمل في حقوق مختلف الناس، ولكن لتؤكد الحق الوحيد الذي أعدته لتناقشه، وليس عملها القيام بدراسة موضوعية للحقيقة طالما كانت في صالح العدو، ثم تضعها أمام الجماهير بعدالة علميةٍ، وإنما عملها هو خدمة حقوقنا نحن دائمًا وبغير تردد. كان من الخطأ التام مناقشة جرائم الحرب من وجهة النظر التي لا يمكن أن تكون ألمانيا وحدها هي المسئولة عن اندلاع نار تلك الكارثة، ولكن من الصواب وضع عبء اللوم كله على أكتاف العدو، حتى إذا كان هذا لا يتفق والوقائع الحقيقية، كما حدث فعلًا … ليس الغرض من الدعاية تزويد الشبان المتحمسين بما يلهبهم، ويقنعهم، وما أعنيه هو إقناع الجماهير.»

وأكد هتلر على أهمية التركيز والتكرار فقال:

«إن قبول الجماهير لما يسمعونه محدود جدًّا، وذكاءهم بسيط، ولكن قدرتهم على النسيان هائلةٌ، ونتيجة لهذه الحقائق يجب أن تكون كل الدعاية الفعالة قاصرةً على بضع نقط قليلة، ويجب أن تضرب على وتر هذه الصيحات باستمرار حتى يفهم الجمهور ما تريد منه أن يفهمه بصيحتك، وبمجرد الانتهاء من صيحتك هذه ومحاولة أن تكون متعدد النواحي، يخبو الأثر لأن الحشود لا تستطيع هضم المواد المقدمة إليها ولا أن تحتفظ بها. وبهذه الطريقة تضعف النتيجة حتى تنمحي تمامًا في النهاية.»

يتضح إيمان هتلر بالدعاية باعترافه أنه «يمكن بالدعاية اللبقة والقاطعة جعل الجمهور يؤمن بأن الفردوس هو الجحيم، وأن الجحيم هو الفردوس.» فيجب أن تلائم الدعاية، بأعظم طاقتها، أقل ذكاء محدود. «وتهدف دائمًا وأساسًا إلى العواطف، وقليلًا جدًّا إلى عقل الإنسان المناسب.» لا يجب على الدعاية أن «تعمل بالدقة العلمية، مثلما يجب على ملصقات الحوائط ألَّا تعمل بفن … فلما كانت جموع الجماهير التي تصل إليها ضخمةً، وجب أن يكون مستوى ذكائهم منخفضًا.»

كذلك مما يفيد الدعاية بعض حيل سيكولوجية معينة. فمثلًا يجب ألَّا يحاول الإنسان، في الصباح، تحويل فكر الجمهور إلى وجهة نظر مخالفة؛ فالأنوار الخافتة مفيدة، وفي المساء عندما يكون الناس متعبين وانخفضت قدرتهم على المقاومة، فإنه «يسهل نسبيًّا الحصول على استجابتهم العاطفية الكاملة.» وهناك أداة قوية أخرى وهي طلب اقتراح الجماهير عندما تكون لدى الرعاع فرصة الاشتراك في المواضيع والمظاهرات المتنوعة التي هي من خصائص النظام النازي، وكما عبَّر عن ذلك هتلر:

«… مظاهرات الجموع الضخمة التي يسير فيها مئات الألوف من الرجال لتثبت في الفرد الصغير الحقير روح الزهو بأنه رغم كونه دودة حقيرة، فهو جزء من تنين عملاقٍ تحرق أنفاسه النارية، في يوم ما، تلك الطبقة المتوسطة البغيضة، وبذا تحتفل دكتاتورية العمال بانتصارها النهائي.»

يبدي هتلر ثانية، أقصى احتقار للجموع، ثم ثالثة، وهكذا، في مثل هذه العبارات: «قطيع من الأغنام ذوات الرءوس الخاوية.» «نجسد الغباوة» وفي اعتقاده الراسخ، الذي يعبِّر عنه كثيرًا، بأن البشرية في حالة الجموع عبارة عن حشد كسلان جبان وأنثوي وعاطفي وغير جدير بالتفكير المعقول.

وآخر ما في طرق الدعاية الهتلرية، مبدأ الكذبة الكبرى، فيقول: «هذه النظرية صحيحة تمامًا، فإن عظم الكذبة عامل قوي يجعل الناس يصدقونها … فمع السذاجة البدائية للجموع تكون الكذبة العظمى أكثر تأثيرًا من الكذبة الصغيرة؛ لأنهم كثيرًا ما يكذبون في أمورٍ تافهة، ولكنهم يخجلون جدًّا من النطق بكذبة كبيرةٍ ضخمة. إذن فلن تشتبه الجموع الكبيرة في كذبةٍ جسيمة، ولا تستطيع تلك الجموع إطلاقًا أن تكون لها الوقاحة أن تفنِّد الحقيقة إلى مثل ذلك الحد.» وبالاختصار كلَّما عظمت الكذبة كانت أكثر تصديقًا لدى الجماهير.

وهناك مبدأ دعاية عظيم آخر وهو مبدأ الشيطان الفرد. لا تربك الجمهور بتقديم عددٍ كبيرٍ من الأعداء وتطلب منهم أن يمقتوهم في وقتٍ واحد. اقتصر على خصم واحد، وركز كراهية الجموع على هذا العدو. كان اليهود في عرف هتلر هم الأعداء العالميون. فبغض النظر عما إذا كان يتحدث ضد الديمقراطية أو الماركسية أو معاهدة فرساي أو فرنسا أو أي هدف آخر، فإنه يذكر اليهود دائمًا بالتآمر والتخطيط ويحاولون بعبقرية شيطانية أن يهدموا ألمانيا ويحطموا الثقافة الآرية. ومن أمثلة هذا، تلك الصيحة الهستيرية التي يقول فيها:

«… إن فرنسا أكبر عدو فظيع، وستبقى كذلك. فهذا الشعب الذي يتحول باطراد إلى زنوج، ويوطد روابطه بأهداف السيادة اليهودية على العالم، خطر داهم على بقاء الجنس الأبيض في أوروبا؛ لأن التلوث بالدم الزنجي على نهر الراين في قلب أوروبا يحافظ على التعطش السادي للانتقام من هذا العدو الوراثي لشعبنا مثل حساب اليهود الشديد البرودة، وهكذا يبدأ في تلويث القارة الأوروبية في قلبها نفسه، ويجرِّد الجنس الأبيض من أسس بقاء الملكية عن طريق العدوى بالإنسانية الأقل.»

وقال هتلر: «سهل عمل الدعاية بإشراف الحكومة على التعليم؛ فالتعليم الكثير في الكتب خطأ، ويجب أن يحتل التعليم البدني والصحة البدنية المقام الأول. وثانيًا تنمية الشخصية ولا سيما بالفضائل العسكرية والطاعة والوفاء وقوة الإرادة وضبط النفس والقدرة على التضحية، والزهو بالمسئولية. وفي المقام الثالث يأتي النشاط الذهني. ويجب أن يكون تعليم البنات إعدادًا للأمومة.» كان هتلر يشمئز من فكرة تعليم الجميع ووصفه بأنه «سمٌّ مفكك ابتدعته الإباحية لتحطيمها هي نفسها، فلكل طبقة ولكل قسم من كل طبقة تعليم واحد ممكن.» وكان يعتقد أن جموع الشعب العظمى يجب أن تتمتع بنعمة الأمية.

يجب أن يكون تعليم المجموعة الأخيرة قاصرًا على «بث الأفكار العامة التي تنقش بالتكرار في قلوب الناس وذاكرتهم.» وليكن المبدأ الرائد هو أن الطفل ملك للدولة، والهدف الوحيد من التعليم هو تدريب آلات للدولة.

تتمشى آراء هتلر في التعليم الشعبي مع آرائه في الديمقراطية عمومًا. ففي كل مناسبة، كان يسخر من عدم صلاحية الدولة الديمقراطية:

«الديمقراطية الغربية اليوم مقدمة للماركسية التي بدونها لا يمكن التفكير فيها. إنها تمد الوباء العالمي بالمزرعة التي تستطيع جراثيمها أن تنتشر فيها، وقد خلق مبدأ البرلمان في أقصى صوره «شذوذًا من الزوائد والنار»، كما يحزننا أن نقول: تبدو النار لي على الفور أنها انطفأت … لأن هناك شيئًا يجب ألَّا ننساه، وفي هذا أيضًا، لا يمكن أن تحمل الغالبية محل الفرد، ليس ممثلًا للغباء فحسب؛ بل وللجبن أيضًا، وما عاد مائة رأس خاوٍ تُكَوِّن رجلًا عاقلًا واحدًا، ولا يأتي قرار بطولي من مائة جبان.»

رأى هتلر أن الديمقراطية هي «النظرية الخدَّاعة التي سيلوِّح بها اليهود — أي النظرية القائلة بأن جميع الناس خلقوا متساوين، بينما أي مذهب ذي إجماع عالميٍّ وحقوق متساوية، ضار ومدمر.»

استبدل هتلر مبدأ الديمقراطية بالمبدأ الرائد، ركَّز على الجموع التي يتوقَّع منها الطاعة العمياء دون توجيه أسئلة.

كان الفوهرر فوق الجميع، يتحمَّل مسئولية كل ما يعمل وكل ما لم يستطع عمله.

وإذ رسم هتلر خطته لألمانيا وللعالم في كتابه «كفاحي»، تمسك به تمامًا إلا في انحراف واحد هام، هو الميثاق النازي السوفيتي لعام ١٩٣٩م. كان يشق عليه أن يستسيغ الاتفاق الروسي، كما يتضح من هذا الحديث في «كفاحي»:

«لا تنس أن حكام روسيا اليوم مجرمون عاديون ملوثون بالدماء. إنهم حثالة البشرية الذين حَبَتْهم الظروف فاكتسحوا دولة عظمى في ساعة مأساة، فقتلوا وأبادوا ألوفًا من روَّادها الأذكياء في وحشية متعطشة للدماء …»

بما أن هتلر أوضح نواياه بجلاء في «كفاحي» قبل أن يتبوَّأ مركز الحكم في ألمانيا، وقبل بدء الحرب العالمية الثانية بأكثر من عشر سنوات. فلماذا لم يهتم سياسيو العالم بتحذيراته؟ يرجع بعض تجاهلهم إيَّاه إلى جو الصلح العام والتفكير المفعم بالآمال والرغبة في السلم السائد وقتذاك بأي ثمنٍ. وهناك عامل آخر هو القصة المدهشة للرقابة الدولية. ولما رفض هتلر التصريح بترجمة كاملة لكتابه «كفاحي»، لم تتوفر باللغة الإنجليزية إلا طبعة معدَّلة حذف منها ما أراد حذفه، حتى سنة ١٩٣٩م. وفي تلك السنة والحرب وشيكة الاندلاع، قام ناشران أمريكيان أحدهما يحمل موافقة هتلر، والثاني لا يحمل أية موافقة، قاما بإصدار طبعتين لم تتدخل فيهما الرقابة. وفي فرنسا، في سنة ١٩٣٦م، عن طريق ناشر هتلر، أقام هتلر دعوى لنشر ترجمة كاملة دون تصريح منه، الذي فيه مخالفة لقوانين حقوق التأليف العالمية. كما نشرت في لندن طبعة مكثفة حذفت فيها معظم الفقرات المهاجمة لفرنسا، كما حذف فيها قسم يحبذ الحرب، وبذا خففت من حدة نغمة الكتاب ليصير زائفًا ومضللًا.

في تلك الأثناء كانت ملايين النسخ من كتاب «كفاحي» الكامل تباع وتتداول في ألمانيا نفسها. وقدمت نسخة منه هدية لكل عروسين جديدين، بينما كان المفروض في كل عضو بالحزب النازي وكل موظف مدني أن يكون لديه نسخة منه. والطبعات التي ظهرت في ألمانيا بعد ذلك حذفت الهجوم على روسيا وفرنسا لإخفاء أغراض هتلر وتهدئة الأعداء الأقوياء إلى حالة نوم.

إذا نظر إلى كتاب «كفاحي» من حيث الماضي، يقرر المؤرخون أن هتلر لم يفهم شيئًا في التاريخ. ويقول علماء الأجناس البشرية إن آراء هتلر في الأجناس هراء، ويقول علماء التربية إن آراءه ونظرياته عن التعليم ترجع كلها إلى العصور الوسطى، وهي في جملتها رجعية، ويحتجُّ علماء السياسة على مذاهبه الحكومية التسلطية وسوء تصوره للديمقراطية، بينما يقرر خبراء الأدب أنه لا يعرف كيف يكتب فقرة أو ينظِّم بابًا. ولخص وايجرت Weigert هذا بقوله:
كان هتلر نصف المتعلم خليطًا من عدة تأثيرات؛ فن ماكيافيلي في إدارة شئون الدولة إدارة تتنافى مع الأخلاق، والقومية والرومانتيكية التصوفية لواجنر Wagner، والتطور العضوي لداروين، والتعصب الزائد لجنس بعينه لجوبينو Gobineau وهاوستون ستيوارت تشمبرلن Houston Stewart Chamberlain والمركب المسيحي لفيخت Fichte وهيجل Hegel، والزهو الحربي الطنان لتريتخك Treitechke وبرنهاردي Bernhardi، والتآمر المالي للنبيل البروسي المنبوذ … أما هوشوفر فكان حلقة اتحاد بين النظريات والعمل ورغم كل هذه العيوب الواضحة، فإن كتاب «كفاحي» كما وصفه أحد النقاد اللاذعين واسمه هندريك وليم فان لون Hendrik Willen Van Loon.
«هو إحدى الوثائق التاريخية الخارقة للعصر كله، فيضم سذاجة جان جاك روسو، مع الغضب الجنوني لأحد أنبياء العهد القديم.» وأطلق عليه نورمان كزنز Norman Cousins: «هو أعظم كتب القرن العشرين تأثيرًا … ولكل كلمة في «كفاحي» يجب أن يفقد ١٢٥ نفسًا ولكل صفحة منه ٤٧٠٠ نفس، ولكل باب أكثر من ١٢٠٠٠٠٠ نفس.» وبالطبع انبعثت قوته من كونه إنجيلًا سياسيًّا للشعب الألماني، وقاد سياسة الرايخ الثالث من سنة ١٩٣٣م حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

من سوء حظ العالم أن آراء هتلر لم تمت معه فما زال أتباعها كثيرين في ألمانيا، بينما استعارت الحكومات الشيوعية كثيرًا من تلك الآراء وما فتئت تستعملها على نطاق واسعٍ. وسيظل الدكتاتوريون في كل مكان يجدون مصدر مادة أولية لأغراضهم الشريرة في كتاب «كفاحي» بنفس الطريقة التي ظلوا في القرون الأربعة الماضية يعملون بآراء ماكيافيلي.

١  Adolf Hitler.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤