الفصل الرابع

البدء بالضرب

في صباح يوم ١١ يوليه سنة ١٨٨٢ في الساعة السابعة صباحًا أعطى الأميرال سيمور إشارة الضرب غير مبال أية مبالاة بحقوق الشعب الأمر الذي يكسو الحكومة التي وافقت على سفك دماء الأبرياء ثياب العار، ويسجل في تاريخها صحائف سوداء لا يمحوها مرور الأزمان ولا كرور الأعوام.

وقد كان الجو وقت الضرب صحوًا والبحر رهوًا إلا أن النسيم الذي يهب في هذا الفصل على الإسكندرية من الشمال الغربي كان يطرد دخان مدافع الأسطول إلى الشاطئ. فينشر الظلام على الحصون ويحول في فترات واسعة دون رؤية الأهداف التي يجب أن تسدد إليها السفن مقذوفاتها. ولو لم تظهر أمام الأسطول هذه العقبة لكان موقفه من أحسن المواقف.

وعملًا بأوامر الأميرال أرسلت ألكسندرا التي كانت أقرب السفن من حصن الاسبتالية، أول قذيفة إلى هذا الحصن. واقتدت بها بقية السفن فأطلقت مدافعها ولكن بعض الحصون لم تجاوبها إلا بعد الطلقة العاشرة والبعض الآخر بعد الخامسة عشرة. ثم عمت المعركة الجانبين.

(١) حركات الأسطول الخارجي

سارت سفن هذا الأسطول في بدء المعركة على الخطة الحربية التي رسمت لها فصوبت مقذوفاتها أولًا على حصون الفنار، ورأس التين، والاسبتالية. ولم تعر مؤقتًا التفاتها إلى الحصون الأخرى. وقاتلت ثلاث منهن متنقلة وهي سلطان، وسوبرب، وألكسندرا. أما البارجة أنفنسيبل فكانت ملقية مراسيها في الممر الصغير لتعاون الأسطول الداخلي مصوبة مدفعين من مدافعها منصوبين في برجها الأمامي وزن الواحد ٨٠ طنًا لضرب الحصون السالف ذكرها ومدفعين في برجها الخلفي لضرب حصن المكس.

وأما البارجة تمرير خامسة بوارج هذا الأسطول فقد نشبت في مكانها (شحطت) أثناء المناورة التي كانت تقوم بها لتتخذ الوضع الذي رسم لها خارج البوغاز، ولكنها واصلت الضرب وهي في المكان الذي نشبت فيه وجاءت السفينة كندور لإنقاذها فعومتها بدون أن ينالها أي ضرر.

وقد كانت هذه البوارج الثلاث تقاتل وتكافح من بدء القتال في الساعة السابعة إلى منتصف الساعة الحادية عشرة وهي متنقلة وعلى بعد ١٥٠٠ ياردة حسب تعليمات الأميرال وقاومتها الحصون مقاومة فاقت ما كان يظنه الإنكليز وأبدى جنود مدفعيتها في إطلاق هذه المدافع مهارة لم يكونوا يتوقعونها منهم فألقت هذه البوارج مراسيها عند منتصف الساعة الحادية عشرة لأنها رأت ضربها غير محكم وهي متنقلة. وبذلك حصلت على المسافة المضبوطة التي تفصلها من الحصون وأخذ ضربها لها ابتداء من هذا الوقت يزداد أثره.

وبانضمام البارجتين أنفلكسيبل وتمرير إلى هذه البوارج الثلاث أمكنها إسكات حصون رأس التين والفنار والاسبتالية في منتصف الساعة الواحدة بعد الظهر. غير أن مدفعًا واحدًا من مدافع حصن الاسبتالية لم يسكت ولم ينقطع عن الضرب إلا في الساعة الخامسة مساء. وقد أصابت قنابل هذه البوارج سراي الحريم بقصر رأس التين فالتهمتها النيران في الساعة العاشرة مساء.

قال القومندان جودريتش إن جنود المدفعية المصرية جاوبوا نيران الأسطول الإنكليزي الجهنمية مجاوبة مدهشة لم تكن منتظرة بتاتًا وأظهورا بسالة عجيبة رغم التفاوت الجسيم الذي بينهم وبين الإنكليز من ناحيتي عدد المدافع وعيارها.

ولقد كانت البارجة أنفلكسيبل عندما تطلق مقذوفاتها التي تزن القذيفة منها ١٧٠٠ رطل على حصن الفنار وتصطدم بساتره تثير النقع والغبار والشظايا إلى ارتفاع الفنار نفسه. ويتخيل المرء عندما يرى ذلك أن ليس في استطاعة أحد من البشر أن يعيش تحت هذه النيران ولكن عندما ينقشع العثير بعد بضع دقائق يرى جنود المدفعية المصرية في مواقفهم يطلقون القنابل على خصمهم الرهيب. ا.ﻫ.

وعقب منتصف الساعة الواحدة بعد الظهر عندما أسكتت المدافع المدرعات الثلاث سلطان، وسوبرب، وألكسندرا مدافع الحصون الثلاثة المذكورة، اتجهت نحو حصن الأطة، ويظهر أنها كانت تعتقد أن قوتها لا تكفي للتغلب عليه، ولذلك طلبت من المدرعتين أنفليكسبل وتمرير أن تأتيا لمشاركتها في ضربه. فصوبت هذه المدرعات الخمس نيرانها دفعة واحدة إلى هذا الحصن المنكود الذي دافع عن نفسه دفاعًا عجيبًا أمام غارة البوارج الخمس التي هي أقوى سفن الأسطول الإنجليزي. وسلك قائد هذا الحصن الذي لم أوفق لسوء الحظ إلى معرفة اسمه في قيادته سلوكًا باهرًا غاية في البسالة والإقدام. وقد شهد له بذلك شاهد العيان الكابتن وولتر جودسول Walter Goodsall قومندان الباخرة تشلترن Chiltern إحدى سفن شركة التلغراف الشرقية، الاسترن تلجراف Eastern Télégraphe Cie الذي كان حاضرًا هذه الواقعة في ذلك اليوم. وهذا ما قاله:

لقد عجبت من هذه البطولة التي لا يمكنني أن أدرك كنه كيفيتها والتي كانت تتحلى بها الجنود الذين يطلقون مدافع حصن الأطة، كما عجبت أشد العجب من الموقف الذي وقفه قائد هذا الحصن قرب سارية علمه وهو بمفرده والمنظار في يده ينظر منه الأثر الذي أحدثته المقذوفات التي كانت تنطلق.

لقد كان حقًا رجلًا شجاعًا مزدريًا عدد المقذوفات التي كانت تلقى على حصنه ذلك الحصن الذي كان يجاوب هذه المقذوفات بإطلاق مقذوفاته كلما مرت عشر دقائق. ثم رفعت البارجة أنفلكسيبل مرساتها وشرعت تصوب قنابل مدافعها الضخمة إلى هذا الحصن. ويظهر أنها دكت أسسه ودمرته تدميرًا. وفي منتصف الساعة الثانية بعد الظهر سددت قنبلة إلى مستودع باروده ولا بد أنها أصابته ودخلت فيه لأنه انفجر في منتصف الساعة الثالثة ونصف، ولا بد أيضًا أنه قتل جنود كثيرون في هذا الحصون لأن عددًا كبيرًا منهم طار في الفضاء والضابط الذي كان واقفًا فيه وقفة الأسد في عرينه طار في الهواء هو وسارية علمه. ا.ﻫ.

•••

هذه كانت خاتمة ذلك البطل الصنديد وجنود البواسل وبعد هذا الانفجار أخلت الحامية حصن الأطة ورحلت عنه.

وقد اتجهت المدرعات الخمس على أثر تدميرها حصن الأطة نحو قلعة فاروس (قايتباي) وظلت تصليه بنيرانها إلى الساعة الخامسة مساء أي الوقت الذي أعطى فيه الأميرال الإشارة بإيقاف الضرب.

وقد أصيبت هذه القلعة بأتلاف جسيمة ولكنها مع ذلك لم تسكت عن إطلاق مدافعها سكوتًا تامًا واستمرت ترمي مقذوفاتها إلى أن صدر الأمر بالكف عن إطلاق النيران.

(٢) حركات الأسطول الداخلي

كانت المدرعات الثلاث التي يتألف منها هذا الأسطول وهي أنفنسيبل، وبنلوب، ومونارك بقيادة الأميرال سيمور مباشرة. وكان علم هذا الأميرال معقودًا على أولاها وكان موقفها حسب تعليمات القتال شمال غربي المكس. وقد ألقت هي والثانية مراسيهما على بعد يتراوح بين ١٠٠٠ و١٢٠٠ ياردة بينما الثالثة كانت تنتقل في منطقة على بعد هذه المسافة عينها. وكانت مهمة هذه البوارج الثلاث مقاتلة حصون أم قبيبة، والمكس، والدخيلة ويعاونها في ذلك البارجة أنفلكسيبل التي كانت ملقية مراسيها خارج الممر الصغير وتقذف النيران منذ ضحوة النهار من مدفعيها المنصوبين في برج مؤخرتها واللذين يزن كل منهما ٨٠ طنًا وكذلك كانت تعاونها البارجة تمرير التي كانت ناشبة (شاحطة) خارج ممر البوغاز. وكانت كلتا هاتين السفينتين تقاتل الحصون على مسافة قدرها ٣٥٠٠ ياردة تقريبًا. وقد أصيب في الساعة التاسعة صباحًا مستودع البارود الذي كان خلف حصن الدخيلة بقذيفة من قذائف السفينة مونارك فتطاير في الفضاء.

وعلى أثر ذلك أشار الأميرال إلى هذه السفينة بالاقتراب من الشاطئ بقدر ما يسمح لها غاطسها لتسحق جنود المدفعية أو تطردهم من حول مدافعهم فأطاعت.

وفي منتصف الساعة الثانية عشرة كفت هذه الحصون عن الضرب فكفت السفن أيضًا عن إرسال مقذوفاتها. ولكن قبيل الظهر أبصرت السفينة مونارك جنودًا انسلوا إلى مدافع الحصون فأمرها الأميرال هي وبنلوب أن ترسلا عليهم مقذوفاتهما فأطاعتا وانتهى الأمر بطرد هؤلاء الجنود من مواقفهم.

قال الماجور تلك Tulloch أحد رجال قلم المخابرات وكان على ظهر السفينة أنفنسيبل أمام حصن المكس، في كتابه (ذكريات أربعين عامًا في الخدمة ص ٢٧٧) Recollection of Forty Years Serivce. عن جنود مدفعية حصن المكس ما نصه:

لقد كان حقًا من العجب العجاب أن أرى هؤلاء الجنود رغم شدة الضرب واقفين في أماكنهم ملازمين لمدافعهم. وقد رأيت أكثر من مرة قذيفة من قذائفنا تدخل في إحدى كوات مدافعهم فقلت في نفسي لقد قضي على هذا المدفع وأمسى في حيز العدم. ولكن لم ألبث بعد ذلك قلت: كلا ثم كلا!! فقد كان الجواب من هذا المدفع يعود في الوقت اللازم وقد أتى مرة من المرات بسرعة فائقة جدًا حتى لم أتمالك نفسي ووثبت إلى حافة السفينة ورفعت يدي صائحًا: لقد أجدت العمل أيها الجندي المصري!. ا.ﻫ.

ثم رأت السفينة كندور أن حصن المرابط يطلق مدافعه على السفن الكبيرة ببعض الإحكام. فاقتربت منه وهاجمته لتحول دون ضربه لها. ولما شاهد الأميرال فعل هذا الحصن أمر السفن الأربع الصغيرة أن تعاون كندور في هذا العمل ففعلت وأسكتت الحصن.

وفي الساعة الثانية بعد الظهر رأى الأميرال هذه الحصون قد أخلتها الجنود فأرسل إلى البر عشرين جنديًا ليسمروا أو ينسفوا مدافع حصن المكس بالديناميت ففعلوا ورجعوا دون أن يصابوا بأذى. وهذا يدل دلالة واضحة على أن الجنود البيادة الذين كانوا في حراسة هذه المنطقة لم يقوموا بالواجب الملقى على عاتقهم وأهملوه إهمالًا يستحقون عليه المؤاخذة.

وفي منتصف الساعة الرابعة (الساعة ٣٫٥) أخبرت المدرعة بنلوب الأميرال بأن مدافع حصن القمرية تتأهب مرة ثانية للضرب وأخبرته أيضًا المدرعة مونارك بعودة الجنود إلى حصن المكس.

فأمرهما بأن تسددا مقذوفاتهما إلى هذين الحصنين فصدعتا بالأمر وأخذتا تضربهما حتى منتصف الساعة السادسة مساء حيث أمر الأميرال بالكف عن الضرب في هذا الوقت. وهكذا انقضى ذلك اليوم المشئوم.

وقد بلغت خسائر الإنكليز في هذا اليوم ٦ من القتلى و٢٧ من الجرحى «وسيأتي في تقرير الأميرال أن القتلى ٥ والجرحى ٢٨ فلعل أحد الجرحى أدركته الوفاة» أما قتلى المصريين وجرحاهم فيتعذر علينا معرفة عددهم بالضبط. وقد قدرهم أستون باشا رئيس أركان الحرب العام بالجيش المصري بنحو ٧٠٠ جندي.

والذخيرة التي استهلكها هذا الأسطول كان مقدارها جسيمًا حتى أن المدرعات الكبيرة كانت في آخر النهار قد استنفدت ذخيرتها ولولا وصول النقالة همبر Humber في غد ذلك اليوم مشحونة بالذخيرة لتعذر على معظم سفن الأسطول الاستمرار في الضرب.
وهاك ما استهلكه الأسطول من أنواع الذخائر:
٢١٩٨ من قذائف المدافع الكبيرة
٧١٠٠ من مظاريف مدافع السربند (متريلوز جاتلنج)
١٦٢٣٣ من مظاريف مدافع نوردنفلت
١٠١٦٠ من مظاريف بنادق مارتيني هنري
٣٧ من الصواريخ (السواريخ)
١٣١٨٥٦رطلًا من البارود

أما مقدار ما نفد من ذخيرة المصريين فقد تعذرت معرفته أيضًا.

ونورد هنا بعض الأخبار التي كانت تذيعها جريدة الطائف لصاحبها عبد الله النديم عن ضرب الإسكندرية على سبيل المثال للأخبار التي كانت تنشر على المصريين عن هذه الحرب، وهي:

يوم الثلاثاء ٢٤ شعبان سنة ١٢٩٩ﻫ (١١ يوليه سنة ١٨٨٢م) في الساعة ١٢ عربية (الساعة ٧ أفرنجية) صباحًا أطلق الإنكليز النار على حصون الإسكندرية فرددنا عليهم.

وفي الساعة ٢ عربية (الساعة ٩ أفرنجية صباحًا) غرقت مدرعة أمام حصن الأطة.

وفي الساعة ٦ عربية (الظهر) غرقت سفينتان بين قلعة قايتباي وحصن العجمي.

وفي الساعة ٧٫٥ عربية (الساعة ٢٫٥ أفرنجية مساء) غرقت سفينة حربية من الخشب عليها ثمانية مدافع.

وفي الساعة ١٠ عربية (الساعة ٥ افرنجية مساء) أصيبت المدرعة الكبيرة بقذيفة من قلعة قايتباي أتلفت بطارياتها فرفعت العلم الأبيض إشارة إلى الكف عن إطلاق المدافع عليها. فامتنع الضرب من الجانبين بعد أن استمر عشر ساعات متوالية. وتخربت بعض جدران الحصون ولكنها أصلحت ليلًا. والطلقات والقنابل التي أطلقت من الجانبين بلغت نحو ستة آلاف وهذه أول مرة أطلق فيها عدد كبير من المقذوفات مثل هذا في وقت قصير كهذا.

وما من جندي في العالم كان يستطيع أن يقف بثبات في مركزه رابط الجأش أمام نار محتدمة كما وقف المصريون أمام نيران ٢٨ سفينة حربية مدة عشر ساعات.

•••

هذه أمثلة من الأخبار التي كانت تذيعها هذه الجريدة. وهي كلها مفتراة ويا للأسف، وليس فيها مثقال ذرة من الصحة اللهم إلا الفقرة الأخيرة.

التلف الذي حل بالحصون

  • (١)
    حصن السلسلة: قذف هذا الحصن المدرعة تمرير ببضع قذاف محكمة بينما كانت تهاجم قلعة قايتباي ولم تجاوبه المدرعة المذكورة. فبقي الحصن سليمًا بعد انتهاء القتال ولم يمس بسوء.
  • (٢)
    قلعة قايتباي: أصيبت واجهتها الشمالية الغربية إصابات شديدة من مقذوفات الأسطول. وتخربت حيطان ملاذها (كهفها) في عدة مواضع. ودخلت بعض قذائف الأسطول من كواتها المعدة لإطلاق المدافع. وانفجرت في داخل هذه القلعة فأوقعت أربعة من مدافعها. وأتلفت ثلاثة مدافع أخرى بالأنقاض التي سدت كوات هذه المدافع ووقفت حركة مدفع عيار ١٠ بوصات من مدافع بطارية الطبقة العليا من هذه القلعة بسبب انهيار أنقاض القصر العتيق الذي كان هذا المدفع مستندًا إليه. وقلبت إحدى قنابل الأسطول مدفعًا آخر عيار ٢٥ سنتيمترًا من مدافع الطراز القديم.

    أما الواجهة الغربية من هذه القلعة فقد دمرت عن آخرها وفتحت فيها ثغرة كبيرة كشفت المدافع وجعلتها في العراء. فأصيب اثنان من هذه المدافع وأصبحا لا يصلحان للعمل.

    ولم تشترك مدافع الوجهتين الشرقية والجنوبية في القتال، ولكن رغم ذلك سقط مدفعان من مدافع الواجهة الجنوبية بضربة جنبية.

  • (٣)
    حصن الأطة: لم تشترك واجهته الشمالية الشرقية في القتال ولم تصب بضرر.

    وقد أصيب أحد المتاريس المشرفة على واجهته الشمالية الغربية بنحو عشرين قذيفة، منها اثنتا عشرة دخلت دخولًا عميقًا ولكنها لم تنفجر. والأخريات انفجرت انفجارًا هائلًا فأحدثت تلفًا كبيرًا. وأصيب فيه مدفع من طراز أرمسترونج عيار ١٠ بوصات بقذيفة فانقلب. وأصيب متراس آخر بقذيفتين أصابت إحداهما مدفعًا من المدافع القديمة عيار ٢٥ سنتيمترًا. واقتلعت قنبلة مدفعًا من بطاريته الوسطى. وبطلت حركة مدفع آخر بسبب انهيار أنقاض منحدره العلوي القائم عليه الساتر على أثر إصابته بقنبلة.

    وأصيبت الواجهة الجنوبية منه بقذيفة مرت فوقه ففتحت ثغرة واسعة.

    أما مستودع باروده الذي انفجر وكان انفجاره سببًا في إخلاء هذا الحصن فقد كان مقامًا في موقع غير صالح ولم يكن تقيه أية وقاية.

  • (٤)
    حصن الاسبتالية: أصيب هذا الحصن إصابات كثيرة فتخرب بناؤه في نواحٍ عديدة وخصوصًا الناحية الشمالية ولكنه مع ذلك بقي يطلق مدافعه التي شوهد على أحدهما بعد انقضاء المعركة أكثر من تسعة وأربعين أثرًا من آثار قذيفات الشرانبل (وهي نوع من القذائف محشو بالرصاص). وكان بعض هذه الآثار بل كثير منها يزيد عمقه عن سنتيمتر.
  • (٥)
    حصن رأس التين: أصيبت بطاريته الوسطى بقذائف كثيرة كان بينها سبع قذائف دخلت من كواته. وأصيب مدفع من مدافعه من طراز أرمسترونج عيار ١٠ بوصات بقذيفة حطمت محور عجلته فأمسى غير صالح للاستعمال. وأصيب مدفع آخر من طراز أرمسترونج عيار ٩ بوصات في قاعدته وصار أيضًا غير صالح للاستعمال لانهيار أنقاض كوته.

    وأصيبت بطاريات برجه بست قذائف دخلت من كواته وأصابت إحداها مدفعًا من طراز أرمسترونج غير أنه بقي مع هذه الإصابة يوالي الضرب. وأصيب مدفع آخر من طراز أرمسترونج أيضًا بقذيفة انفجرت في وسط عجلته فصيرته غير صالح للاستعمال. وتفكك مدفعان من البطاريات الوسطى أحدهما حدث تفككه من رجوعه إلى الخلف، والآخر على إثر أصابته بقذيفة.

  • (٦)
    حصن الفنار: أصيبت الواجهة الغربية منه بعطب شديد من نيران الأسطول الخارجي. فقد انصدمت هذه الواجهة بقذيفتين أحدثتا فيه ثغرة عرضها ٤٫٥٠ من الأمترال وعمقها ١٫٥٠ من الأمتار. وحفرت أربع قذائف ثقوبًا قطر استدارتها نحو ٢٫٥٠ من الأمتار. وصدمت أربع قذائف أخرى الكوات (المزاغل). وأصابت قذيفة أطلقت في اتجاه منخفض قمة الساتر فأطارتها على طول ٣٫٦٠ من الأمتار. وأحدثت أربع عشرة قذيفة أضرارًا غير خطيرة. وانقلع مدفع على أثر تراجعه. وأصيب مدفعان من القذائف بعطب شديد وأمسيا غير صالحين للاستعمال فقد انفجرت قنبلة تحت أحدهما فقلبته، وحطمت أخرى أوتاد المدفع الثاني وقلبته أيضًا. وكف مدفع آخر عن الضرب على أثر تخريب كوته. وأصيب مدفع من طراز أرمسترونج بضربة عكسية صيرته غير صالح للاستعمال.
  • (٧)
    حصن صالح أغا: هاجمت هذا الحصن الواقع في الداخل المدرعتان مونارك وبنلوب فترة يسيرة في آخر النهار وأصيبت ستائره بأضرار طفيفة وتفكك مدفع قديم من مدافعه.
  • (٨)
    حصن أم قبيبة: قامت بمهاجمته المدرعة أنفلكسيبل وهي على بعد ٣٥٠٠ متر منه وقد عادت عليها مهاجتمها له بالفائدة إذ أصابته بثلاث عشرة قذيفة ألحقت به أضرارًا جسيمة — صدمت اثنتان منها منحدر جدار الخندق الخارجي فألقت فيه كتلة من الأنقاض تمكن الإنسان من النزول فيه بسهولة. وصدمت اثنتان أخريان جدران الخندق من ناحية الحصن وفتحت كلتاهما ثقبًا يمكن الدخول منه. واثنتان حفرتا عند انفجارهما الذي كان على عمق كبير في أرض الساتر ثقوبًا قطرها ٥ أمتار وعمقها ١٫٥٠ من الأمتار. وصدمت اثنتان الساتر بالقرب من الكوات من جانب السطح وصيرت إحداهما أحد المدافع غير صالح للاستعمال. وألحقت الخمس القذائف الأخرى بالحصن خسائر أقل جسامة كان من بينها أيضًا حفرتان يتراوح قطر الواحدة منهما بين ٢ و٣ أمتار وعمقها ١٫٥٠ من الأمتار، كما أن الأجسام والأتربة التي نثرتها القذائف غطت المدافع وقصمت قنبلته مدفعًا عيار ١٦ سنتيمترًا نصفين. ومدفع آخر سقط عند تراجعه.

    ووجد في فناء هذا الحصن عدد كبير من المقذوفات لم ينفجر.

  • (٩)
    حصن المكس: تفكك مدفع من مدافعه المنصوبة حول برجه على أثر إصابته بقذيفة، وسقط مدفع آخر عند تقهقره. وأصيبت بطاريته الوسطى المؤلفة من مدفعين ضخمين من طراز أرمسترونج بنحو اثنتي عشرة قذيفة. وأهم الخسائر التي أحدثتها هذه القذائف ثلاث حفائر قطر كل منها نحو ٣ أمتار. وأصيبت بطاريتاه الأخريان ببعض المقذوفات. أما مبانيه القائمة في الخلف فهي التي لحقها التلف أكثر من غيرها من جراء ضرب السفن.

    وكان داخل هذا الحصن بعد المعمعة مفعمًا بالأحجار. وإنه ليتعذر على المرء أن يدرك لِمَ لم يسقط مدفع ما من مدافعه في غضون المعركة رغم قصر المسافة التي كانت بينه وبين البوارج الحربية ورغم نيرانها الفتاكة التي أصلته بها. غير أن المدرعة بنلوب أسقطت بعد ذلك مدفعًا واحدًا فقط لم تتمكن من إصابته إلا في الطلقة الثالثة عشرة.

    وأصيبت مدافعه الأخرى بشظايا المقذوفات فلم تلحق بها إلا أضرارً تافهة. وبعد جلاء جنوده عنه نزلت شرذمة من الجنود الإنكليز إلى البر ومعها أدوات النسف (طربيد) ونسفت مدفعيه الضخمين وسمرت مدافعه الأخرى.

  • (١٠)
    قلعة المكس: أطلقت على حيطانه مقذوفات كثيرة العدد وقد تركت بها آثارًا وانفجرت إحداها بالقرب من مؤخرة مدفع أرمسترونج وأصابت جنود المدفعية ولكن لم يحدث ضرر كبير للمدافع ولا للتحصينات.
  • (١١)
    حصن الدخيلة: لم ينله ضرر ما غير أن مدفعين من مدافعه انقلبا عند تقهقرهما. ومستودع البارود الذي كان خلفه أصيب بقذيفة ونسف كما ذكرنا ذلك آنفًا.
  • (١٢)
    حصن المرابط: كانت مهمة ركنه الذي في الشمال الشرقي أن يقاوم السفينة كندور وسفن المدفعية. وقد أصيب منحدره بنحو عشرين قذيفة تركت فيه آثارها غير أن الأضرار التي حدثت كانت طفيفة. وأصاب واجهته الشمالية الشرقية بعض مقذوفات من السفن التي كانت في الخليج الداخلي كانت أكثرها من مقذوفات المدرعة مونارك ولكن المدافع التي بهذه الواجهة لم ينلها ضرر. واشتعلت النار في بناية صغيرة بالقرب من مستودع كبير يجاوز ارتفاعه ساتر هذا الحصن به مقدار كبير من الذخيرة ولكن النار لم تمتد إليه. ووجد بفناء هذا الحصن عدد كبير من المقذوفات لم ينفجر.
  • (١٣)
    حصن العجمي: هذا الحصن لم يشترك في القتال

خسائر الأسطول

  • (١)
    المدرعة سلطان: أصيبت بثلاث وعشرين قذيفة وكانت إصابات مدخنتها وسارياتها شديدة وأصابت بعض هذه القذائف زرخها (درعها) في موضعين وقد أحدثت واحدة منها في أسفل قنطرة بطاريتها شرخًا يبلغ ٤٥ سنتيمترًا. واخترقت قذيفتان أو ثلاث جدرانها غير المدرعة وكان عدد قتلاها اثنين وجرحاها ثلاثة.
  • (٢)
    المدرعة سوبرب: فاقت خسائر هذه المدرعة خسائر أخواتها. فقد أصيبت في جدرانها بعشر إصابات. واخترقت قذيفتان درعها. وفي أحد مواضع إصابتها انتزعت القذيفة عند انفجارها جزءًا من درعها. وكذلك أصيبت مدخنتها.
  • (٣)
    المدرعة أنفنسيبل: أصيبت بثلاث عشرة قذيفة في جدرانها وآلاتها. واخترقت ست منهن الجزء غير المدرع منها.
  • (٤)
    المدرعة ألكسندرا: أصيبت بثلاثين إصابة في جدرانها وآلاتها. وبأربع وعشرين إصابة اخترقت جدرانها في أجزائها غير المدرعة فأحدثت بها أضرارًا بالغة في القنطرة الداخلية وفي غرفها وغيرها. وأصابتها أيضًا قذائف وقنابل كثيرة في الجزء المدرع منها ولكنها على كثرتها لم تحدث فيه ضررًا يذكر. وتلف مدفعان من مدافعها دون أن يصابا من جراء كثرة استعمالهما في الضرب. أحدهما عيار ١٠ بوصات أو ٢٥ سنتيمترًا ووزن ١٢ طنًا والآخر عيار ١١ بوصة أو ٢٧٫٥ سنتيمترًا ووزن ٢٥ طنًا. أما خسائر جنودها فقتيل وجريحان.
  • (٥)
    المدرعة بنلوب: سقط أحد مدافعها وجرح من جنودها اثنان.
  • (٦)
    المدرعة أنفلكسيبل: أصيبت بقنبلة في جزئها الغاطس (تحت خط الماء) من مدفع من طراز أرمسترونج عيار ١٠ بوصات وهو أكبر عيار في مدافع الحصون المصرية. وكادت هذه الإصابة تغرقها لولا إسعافها. وقد ذهبت بعد المعركة إلى مالطة لإصلاحها. ولم تذكر إصابتها هذه في التقارير الرسمية التي قدمت للحكومة الإنكليزية بل عمل منها تقرير سري للأميرالية لم يذع. وكانت خسائر جنودها قتيلًا واحدًا وجريحين.

(٣) تقارير الأميرال سيمور عن ضرب الحصون

وقد رفع الأميرال سيمور ثلاثة تقارير عن ضرب حصون الاسكندرية فى ١٤ و١٩و٢٠ يوليه سنة ١٨٨٢. وها هى:

١

من ظهر البارجة أنفنسيبل في ١٤ يوليه سنة ١٨٨٢
إلى سكرتير الأميرالية
سيدي

لي الشرف بأن ألتمس منكم أن تتفضلوا وتخبروا اللوردات مندوبي الأميرالية أنني لم أتمكن في هذا الوقت مع الأسف من إرسال تقرير مفصل عن الهجوم على حصون الإسكندرية بسبب انشغالي بهذه المهمة الشاقة.

إنه بسبب إخفاقي في طلب الترضية عن المسائل التي كنت كلفت بطلبها من حكومة مصر، هاجمت في ١١ الجاري البطاريات المصرية على واجهة الإسكندرية الشمالية والإستحكامات المقامة في الشمال الغربي ونجحت في إسكات الحصون في منتصف الساعة السادسة مساء وهو الوقت الذي أعطيت فيه الإشارة بالكف عن الضرب.

وفي صباح يوم ١٢ ثاني يوم الضرب أمرت تمرير وأنفلكسيبل بأن تهاجما حصن فاروس. وبعد إطلاق مدفعين أو ثلاثة رفع علم الهدنة على حصن رأس التين فأرسلت عندئذ ضابط أركان الحرب الأونورابل هدورث لامبتن Hedworth Lambton وكلفته باستجلاء السبب. ويؤخذ من تقريره أن كل ما في الأمر خديعة تافهة عملت لاكتساب الوقت بلا مراء. وبما أن المفاوضات قد فشلت لأن طلبي هو تسليم البطاريات الحاكمة على ممر البوغاز — أطلق مدفع على سطح بطاريات ثكنات (قشلاقات) المكس. وعندئذ رفع علم الهدنة مرة أخرى. فأرسلت ضابط أركان الحرب المذكور ومعه القومندان مورسن Morrison إلى الميناء على ظهر السفينة هلكن. ولما ذهب إلى يخت الخديو (المحروسة) وجد أن طائفة هذا اليخت قد رحلت وعند إيابه بعد دخول الليل أعلن أنه يعتقد أن المدينة أخليت من السكان.

وأمس صباحًا توغلت في الميناء على ظهر البارجة أنفنسيبل ومعي المدرعتان بنلوب ومونارك وأنزلت إلى البر فرقة لتضع يدها على رأس التين.

وأراني متأسفًا لإضطراري أن أخبركم أن مدينة الإسكندرية أصيبت بأضرار بالغة من الحريق والنهب.

وفي الساعة الرابعة و٤٥ دقيقة بعد الظهر وصل سمو الخديو إلى سراي رأس التين وخصصت لحمايته ولاحتلال شبه الجزيرة سبعمائة بحار.

وفي العشية نزلت فرقة من البحارة إلى البر ومعها مدفع من طراز جاتلنج Gatling فطهرت بعض الشوارع من العرب الذين كانوا يحرقون بيوتها وينهبونها.

ويجب عليّ أن أعرب عن إعجابي الزائد بالسلوك الذي سلكه الضباط ورجال الأسطول عند تأدية مختلف مهامهم وأن أثني عليهم الثناء الجم. وأخص منهم بالذكر الكابتن ولتر هنت جرب ربان المدرعة سلطان وهو أقدم الضباط وقائد الأسطول الخارجي.

ولقد قاتل المصريون قتال الأبطال بأقدام ثابتة وكانوا يجاوبون النيران الشديدة التي تصبها على حصونهم مدافعنا الضخمة إلى أن قتل عدد كبير منهم.

وسأرسل عما قريب على قدر الإمكان تقريرًا مفصلًا وأصحبه بصور المراسلات.

وتجدون صحبة هذا بيانًا بعدد القتلى والجرحى.

ولي إلخ …

جدول ٤-١: قائمة القتلى والجرحى في هذا القتال.
عدد القتلى عدد الجرحى
٥ ٢٨
أنفلكسيبل ١ ٢
ألكسندرا ١ ٣
سوبرب ١ ١
سلطان ٢ ٨
أنفنسيبل ٦
بنلوب ٨
بوشامب سيمور
أميرال ورئيس القواد

٢

من ظهر السفينة هلكن في ١٩ يوليه سنة ١٨٨٢
إلى سكرتير الأميرالية
سيدي

لي الشرف أن أبعث لكم بالتفصيلات الآتية ليحيط اللوردات مندوبو الأميرالية بها علمًا.

أنه عندما ورد لي تعريف (صورته طيه) من اللفتنانت سمث دورين Smith-Dorrien مضمونه أن مدفعين سينصبان عما قريب في حصن السلسلة، أرسلت بلاغًا إلى قائد الإسكندرية الحربي أعلنته فيه بأني سأضرب الحصون عند شروق شمس يوم ١١ إن لم تسلم لي قبل هذا الوقت البطاريات المقامة على برزخ رأس التين وساحل الإسكندرية الجنوبي لأعطلها وبهذه الوسيلة أكون قد نفذت تعليمات اللوردات التي وردت إلي في ١٠ الجاري.

وفي الصباح الباكر من يوم ١١ شوهدت السفينة هلكن متجهة نحو المدرعة أنفنسيبل التي كانت راسية في ممر البوغاز ويخفق عليها علمي. وفي منتصف الساعة السابعة صباحًا أخبرت هلكن بالإشارات أن على ظهرها ضباطًا من المصريين يرغبون الاتصال بي. وقد قدم هؤلاء الضباط إلى بارجتي وهم ياور درويش باشا واثنان من المصريين وسلموني خطابًا من سعادة راغب باشا رئيس مجلس النظار وناظر الخارجية (صورته طيه) يقول فيه أنه مستعد لإنزال ثلاثة مدافع فأخبرتهم أنه من المستحيل قبول مثل هذا الاقتراح وأرسلت إلى سعادته الرد بهذا المعنى (صورته طيه).

ولما تيقنت أن الضباط وصلوا إلى البر آمنين أمرت بإطلاق النار على الحصون فأتى الرد حالًا بشدة من خطوط المكس ومن البطاريات المنصوبة على الطوابي التي وراء الشعوب التي بجانبي البوغاز، ومن رأس التين، ومن حصني الأطة وفاروس.

وفي الصباح الباكر من يوم ١٢ بعد أن صوبت طلقتين أو ثلاثًا على حصن فاروس رفع عليه علم الهدنة وعندئذ أرسلت ضابط أركان الحرب الأونورابل هدورث لامبتن إلى الإسكندرية ليستطلع السبب في رفع هذا العلم وزودته بتعليمات (صورتها طيه) فحواها أن يطلب بالنيابة عني تسليم البطاريات المطلة على ممر البوغاز. وتجدون طيه إجابته التي لا تدع شكًا في أن الغرض الوحيد من ذلك لم يكن إلا حيلة لاكتساب الوقت. وعلى أثر ذلك نزلت الراية.

وصوبت طلقة أخرى على المرتفعات القائمة عليها بطاريات ثكنات المكس فارتفع العلم مرة أخرى فأرسلت اللفتنانت هدورث لامبتن والقومندان مورسن من ضباط السفينة هلكن إلى يخت المحروسة الخاص بسمو الخديو فلم يعثرا على أحد فيه وأعطيا إشارة بأن المدينة أخليت. ولما رجعت هلكن كان الليل قد أرخى سدوله.

وعندما أشرقت شمس اليوم وأخذ الأسطول يتحرك دخلت الميناء فتبينت أن النار كانت مشتعلة في مواضع شتى من المدينة ومن جملتها سراي الحريم في قصر رأس التين وأن الجنود أخلت الحصون.

ووقتما علمت من مصدر يوثق به تمام الوثوق أن جنود عرابي لم تخل المدينة بل ذهبت للإقامة قرب عمود السواري لتنتظرنا على ما يقال هناك رأيت أن من واجباتي استعمال الحكمة فأنزلت فصيلة من المدرعة أنفنسيبل وأخرى من مونارك بقيادة الكابتن فيرفاكس Fairfax بقصد تسمير أو نسف المدافع المنصوبة بين القباري وصالح وهي المدافع التي كانت تصوب طلقاتها على الميناء. وكان هذا العمل مني من الاحتياطات الأولية.

وفي خلال القيام بهذه الاحتياطات أرسلت سفن المدفعية إلى المدرعات الراسية خارج الشعوب المجاورة لجانبي البوغاز لتستحضر منها عساكر البحرية فاحتلت سراي رأس التين نفسها وسمرت عددًا كبيرًا من المدافع التي كانت تسدد طلقاتها على سفننا. وقبيل هذا الوقت زارني أحمد توفيق أفندي ياور سعادة درويش باشا وبمعيته أمير الألاي زهران بك ياور سمو الخديو وكان قادمًا من سراي الرمل الواقعة على بعد أربعة ميال تقريبًا من الإسكندرية ليسألني عما إذا كنت مستعدًا لأن آخذ على عاتقي قبول الخديو لأن الحالة تدعو إلى الخوف على سلامته بسبب الألايات الثائرة التي تحيط به. فأظهرت في الحال استعدادي لبذل ما يفيد سموه. وقبيل الساعة الرابعة مساء تشرفت باستقبال سموه عند باب السراي التي لم تصب لحسن الحظ من نار السفن إلا بضرر طفيف في يوم ١١.

ولي إلخ …

الإمضاء
بوشامب سيمور
أميرال ورئيس القواد

٣

من ظهر المدرعة أنفنسيبل بالإسكندرية في ٢٠ يوليه سنة ١٨٨٢
إلى سكرتير الأميرالية
سيدي

إلحاقًا لبياني المفصل والمؤرخ في ١٩ الجاري أتشرف بأن أرفع إليكم — لإحاطة اللوردات بما سيذكر بعد — تقريرًا آخر أكثر تفصيلًا من البيان المذكور الذي تيسر لي إرساله عن القتال الذي دارت رحاه بين الأسطول الذي تحت قيادتي والحصون المدافعة عن الإسكندرية.

لقد سبق أن قررت كما يتبين من بيان ترتيب القتال المصحوب بهذا والذي سلمت منه نسخة إلى كل ربان أن أجعل الهجوم قسمين — قسم تقوم به سلطان، وسوبرب، وألكسندرا على جانب رأس التين الشمالي وتعاونها في ذلك المدرعة أنفلكسيبل التي كانت راسية في مدخل البوغاز الصغير بإطلاق مدافع برجها الخلفي حتى تستطيع بذلك إسكات بطاريات حصن الفنار من الجنب. والقسم الآخر تقوم به أنفنسيبل، ومونارك، وبنلوب من داخل الشعوب وتعاونها في ذلك الأنفلكسيبل بإطلاق مدافع برجها الأمامي وكذلك المدرعة تمرير التي اتخذت مقرها بجوار الشمندورة التي بواسطتها يستدل على مدخل البوغاز.

وانفصلت كل من السفينتين هلكن وكندور لأنهما كانتا من سفن الاعادة. أما السفن بيكن، وبترن، وسينت، ودكوي فقد استخدمت حسب الأوامر التي كانت قد أصدرت إليها للإشارات طول يوم الضرب.

وفي يوم ١١ يوليه في الساعة السابعة صباحًا أمرت البارجة ألكسندرا بالإشارة من ظهر أنفنسيبل أن ترسل قذيفة إلى الستائر الحديثة التي كان قد تم إصلاحها وسلحت ويقال لها بطارية الاسبتالية وأردفت هذا الأمر بإشارة عامة إلى الأسطول أن «هاجموا بطاريات الأعداء». فتبودل الضرب في الحال بين السفن وهي في المواقف التي رسمت لها وجميع الحصون المشرفة على مدخل ميناء الإسكندرية واستمر إطلاق النيران بشدة من الجانبين ومن كل صوب وناحية إلى منتصف الساعة الحادية عشرة صباحًا. وكانت المدرعات سلطان وسوبرب، وألكسندرا إلى هذه الساعة رافعة مراسيها فألقتها في مياه حصن الفنار. وبقذائفها المحكمة مع معاونة المدرعة أنفلكسيبل لها بعد أن رفعت مرساتها وانضمت إليها في منتصف الساعة الأولى بعد الظهر، نجحت في إسكات معظم مدافع حصون رأس التين. ولكن بعض مدافع حصن الأطة الضخمة بقيت مستمرة في الضرب إلا أنه كان ضربًا غير متواصل. وقبيل منتصف الساعة الثانية قذفت المدرعة سوبرب — وكانت حركاتها من بعد الظهر موفقة جدًا — قنبلة على هذا الحصن فنسفت مستودع باروده فاضطرت بقية حاميته إلى الانسحاب حالًا. وعندئذ وجهت هذه المستودعات قوتها إلى حصن فاروس فأسكتته بعد أن انضمت إليها في منتصف الساعة الثالثة المدرعة تمرير وكان ذلك عندما قذفته المدرعة أنفلكسيبل بقذيفة أوقعت مدفعًا من مدافعه الضخمة.

وكانت حركات بطاريات من حصن الاسبتالية من البداية إلى النهاية تساس بطريقة موفقة جدًا. ومع أن هذا الحصن أسكت وقتًا ما على أثر ضربه بقذيفة من المدرعة أنفلكسيبل فإن جنوده لم يتخلوا عن مدافعهم إلا بعد أن أكرهتهم نيران مدافع هذه المدرعة والأسطول الخارجي على التخلي عنها.

والمدرعة أنفنسيبل التي يخفق عليها علمي بمساعدة المدرعة بنلوب وكانت الاثنتان ملقيتين مراسيهما غير أن الأخيرة غيرت مرساها في ظرف من الظروف. والمدرعة مونارك الطليقة داخل منطقة الشعوب. والمدرعتان أنفلكسيبل وتمرير الطليقتان في البوغاز ومدخل البوغاز الصغير. قد نجحت كل هذه المدرعات بعد اشتباكها في قتال دام بضع ساعات في إسكات بطاريات خط المكس وتخريب جزء منها.

ودمر حصن مرسى القناة على أثر انفجار مستودع باروده وبعد قتال مع المدرعة مونارك دام نصف ساعة.

وفي الساعة الثانية بعد الظهر عندما شاهدت أن جنود مدفعية البطارية المنخفضة التي في الجهة الغربية من المكس تركوا مواقفهم وأنه من المحتمل أن يكون المساعدون انسحبوا إلى القلعة أحضرت السفن والمدفعيات وتحت حماية طلقات مدافعها أنزلت إلى البر فصيلة مؤلفة من اثني عشر من الجنود المتطوعين بقيادة اللفتنانت برادفورد Bradford من ضباط المدرعة أنفنسيبل وبمعيته اللفتنانت رتشارد بور Richard Poore من ضباط هذه المدرعة أيضًا واللفتنانت الأونورابل هدورث لامبتن ضابط أركان الحرب والماجور تلك من الألاي ولش الذي بأركان حرب أميراليتي والأسبران مستر هاردي Hardy. وهؤلاء جميعًا نزلوا في زوارق سارت بهم في وسط الأمواج وأتلفوا مدفعين من نوع الششخانة عيار ١٠ بوصات بالديناميت وسمروا ستة مدافع من الطراز القديم كانت مقامة بالجهة اليمنى من المكس. ثم رجعوا ولم يخسروا إلا زورقًا من زوارق السفينة بترن تحطم على الصخور. وهذا العمل يعد ضربًا من المخاطرة ولكنه تم بمهارة فائقة.
وعندما أضحى القتال عامًأ رأى القومندان لورد تشارلس برسفورد Lord Charles Beresford من ضباط السفينة كندور القائمة بوظيفة الإعادة أن مدفعين من مدافع حصن المرابط من نوع الششخانة عيار ١٠ بوصات يصوبان قذائفهما إلى السفن المحاربة التي أمام حصن المكس فاقترب بسفينته إلى المسافة التي يتمكن منها مدفعها الذي عياره ٧ بوصات ووزنه ٩٠ قنطارًا من إصابة المرمى وحول حالًا وجهة ضرب المدفعين المذكورين. فأمرته وقتئذ أن يستمد معونة السفن بيكن، وبترن، وسينت. وكانت سينت اشتبكت قبل الظهر بقليل مع حصون رأس التين.

وأراني سعيدًا إذ أخبركم بأن هذه السفن لم تصب بأي ضرر وذلك بفضل ما أبدته من المهارة في مناوراتها. وقد سوغ لها قصر غاطسها — من حسن الحظ — أن تتخذ لها موقفًا أمام أضعف نقط بطاريات الحصون.

وانتهت الحرب بالفوز في منتصف الساعة السادسة مساء وهو الوقت الذي ألقت فيها السفن مراسيها لقضاء ليلتها.

ولو استعمل كل مدفع من المدافع المنصوبة على خط التحصينات لكانت القوة التي صادمتنا أشد هولًا وأكثر رهبة. ولكن بطاريات رأس التين استخدمت قليلًا من المدافع من الطراز القديم وأقل منها من المدافع الفرنسية عيار ٣٦. وهذه المدافع مشتراة من عهد محمد علي لأن المصريين يؤثرون استعمال المدافع الإنكليزية عيار ١٠ و٩ و٨ بوصات. وأيضًا المدافع الإنكليزية الصغيرة من طراز الششخانة. وهذه المدافع هي بالضبط نفس المدافع المسلحة بها سفن جلالة الملكة. ولا يمكن العثور على أفضل من هذه المدافع بين المدافع التي تعبأ من فوهاتها. وكانت المدافع المصرية مزودة بقذائف من أحدث طراز. واستخدمت ذخيرتها بكثرة لدرجة الإسراف. وكان تصويب المدافع يدعو إلى الإعجاب ويمكن أن يقال ذلك أيضًا عن مدافع خطوط المكس لولا أنها استخدمت أكثر المدافع من عيار ٣٦ ومدفعًا أو اثنين من عيار ١٥ بوصة من طراز الششخانة فضلًا عن المدافع التي من عيار ١٠ و٩ بوصات والمدافع الصغيرة الششخانة.

واستعمل حصن المرابط مدفعين من مدافع الششخانة ذات المرمى البعيد عيار ١٠ بوصات وكان كل واحد منهما يرمي قذائفه تلو الآخر في اتجاه الأسطول الراسي قريبًا من الشاطئ والمصطف بكيفية تدعو إلى الإعجاب فتخطئ المرمى بمسافة تتراوح بين ١٠ و٣٠ ياردة.

ولم تنفجر أية قنبلة من القنابل التي قذفتها بطاريات الجنوب على ظهر سفن صاحبة الجلالة في خلال اليوم. وتجدون صحبة هذا تقريرًا رسميًا مقدمًا من الكابتن هنت جرب قائد البارجة سلطان لعرضه على أصحاب السعادة الأميرالية. وقد تولى هذا الكابتن قيادة الأسطول الخارجي فقام بهذا العبء بكفاءة وجدارة تستوجبان الاعجاب. فقد تلقى هذا الأسطول ويلات الحرب كما يؤيد ذلك تمام التأييد البيان الذي مع هذا الخاص بالأضرار التي لحقت المدرعات سلطان، وسوبرب، وألكسندرا، وليس لدي ما أقوله عن الأضرار التي حلت بالمدرعة بنلوب. فهذه البارجة انفصلت عن أسطولي بعد أمد قليل. والجزء العلوي من بناء المدرعتين أنفنسيبل وأنفلكسيبل أصابه أكثر من قذيفة غير أنه لم يترتب على ذلك ضرر جسيم.

وأراني عاجزًا عن أن أوفي جميع الضباط الذين قادوا السفن ما يستحقونه من المدح والثناء على ما أولوني من المعونة في هذه الظروف ويجب علي أن أخص بالشكر الكابتن هنت جرب الذي قام بقيادة الأسطول الخارجي والذي أريد أن ألفت إليه أنظار أصحاب السعادة الأميرالية. ويسرني أيضًا أن أشكر الكابتن ثوماس وورد Thomas Ward من ضباط المدرعة سوبرب والكابتن تشارلس هوثام Charles Hotham من ضباط المدرعة ألكسندرا وكلا الاثنين تابع للأسطول الخارجي. والكابتن هنري نكولسن Henry Nicholson من ضباط المدرعة تمرير. و جون فشر John Fisher من المدرعة أنفلكسيبل «الذين أدوا خارج البوغاز الأعمال التي عاونوا بها الأسطول الواقف بجوار الساحل وساعدوا بعد ذلك على الهجوم الموجه نحو الشمال». والكابتن هنري فيرفاكس Henry Fairfax من ضباط المدرعة مونارك، والكابتن سان جورج داسي إرفين St. George D’arcy Irvine من ضباط المدرعة بنلوب، وروبرت مور ملنو Robert More Molyneux للمسلك الذي سلكوه في تأدية واجباتهم على اختلافها.
والقومندانات جورج هاند George Hand أقدم الضباط الذين في رتبته ومن ضباط بيكن. ولورد تشارلس برسفورد من ضباط السفينة كندور. وتوماس براند Thomas Brand من ضباط بترن. واللفتنانت هغ ريدر Hugh Ryder قومندان السفينة سينت. وهذا الضابط له في الخدمة أكثر من ١٥ سنة. واللفتنانت آرثر بلدرو Arthur Boldero قائد السفينة دكوي. وجميعهم ضباط جديرون كثيرًا بالترقية. والمهمة التي ألقيت على عواتقهم قبل الحرب وبعد الحرب كانت شاقة جدًا. إذ من المعلوم أنهم قاموا بالمواصلات بين السفن الواقعة داخل وخارج منطقة الصخور. وكثيرًا ما كانوا يقومون بهذه الخدم في جو مكفهر وفي أثناء الليل حيث تستدعي الحالة مزيد الانتباه في المناورات والمعرفة التامة بإدارة السفن.
كما يبهجني أن أدلي باسم اللفتنانت وليم مرسن William Morrison من ضباط السفينة هلكن. فلقد تعرض هذا الضابط أكثر من مرة لنيران بطاريات الشمال حينما كان يعيد الإشارات التي كنت أعطيها وهو على ظهر سفينة لم تبن لأغراض حربية وعلى العموم أرى نفسي مدينًا لضباط وجنود الأسطول بوجه عام فإنهم كللوا هذا الكفاح بالنصر وختموه ختامًا سريعًا.
ولقد لفت نظري بوجه خاص الكابتن هوثام من ضباط المدرعة ألكسندرا إلى عمل مجيد قام به مستر إسرائيل هاردنج Israel Harding من جنود مدفعية ألكسندرا. ذلك أنه رفع قذيفة ملتهبة عيار ١٠ بوصات اخترقت جنب السفينة وسكنت في القنطرة الرئيسية ووضعها في وعاء الماء، الأمر الذي لولاه لكان من الجائز أن تنفجر وتودي بحياة عدد كبير من الجنود. وقد لفت نظري أيضًا إلى سلوك القومندان آلان توماس Alan Thomas من المدرعة ألكسندرا الجدير بالمدح والثناء طول هذا اليوم. وإني لواثق كل الوثوق بأن هذا الضابط وهكسنز Hoskins قومندان أركان حرب السفينة التي يخفق عليها علمي. وهو الذي كتب عنه الكابتن هنت جرب تقريرًا. نعم. إني لواثق أن هذين الضابطين لا يتأذيان من غيابي الاضطراري عن هذه السفينة. وكافة الربابين يوجهون عبارات المدح المستطاب والثناء الجم إلى ضباطهم وإلى الملاحين لحسن سلوكهم.
ويستحيل بالكلية أن أبين بالتفصيل الأضرار الطفيفة التي حلت بسفن جلالة الملكة في خلال هذا الكفاح من القذائف والطلقات التي أصابتها أو أفصل كذلك العطب الذي مني به جسم البوارج سوبرب، وسلطان، وألكسندرا، ولا عطب المدرعات أنفنسيبل وبنلوب، وأنفلكسيبل الذي هو أقل أثرًا من عطب الثلاث الأول ولكني أستطيع أن أعرب عن شديد أسفلي لوفاة اللفتنانت فرنسيس جاكس Francis Jackson ومستر وليم شنن William Shannon نجار المدرعة أنفلكسيبل. ويؤخذ من الأخبار الأخيرة عن الجرحى أن حالتهم آخذة في التحسن وقد أرسلوا إلى مالطة على ظهر الباخرة همبر.

وتجدون صحبة هذا قائمة بأسماء فصيلة المتطوعين التي قامت بتسمير مدافع بطاريات المكس وكذلك أسماء ملاحي الزوارق.

بطولة رجال المدفعية المصرية

لقد أبدى كل الذين كتبوا عن حادث ضرب الإسكندرية الأليم بالإجماع ثناءهم، على رجال المدفعية المصرية لما أظهروه في ذلك اليوم من البسالة والشجاعة في كفاح قوة لا تناسب بينها وبينهم.

وإنني لم أشأ هنا أن أذكر في التنويه بفضلهم إلا ما ذكره شهود العيان ومن بينهم خصومهم الذين حضروا القتال وشهادة هؤلاء جميعًا أوجه بالطبع من شهادة الذين لم يشهدوا هذه الحرب.

فلقد كان الإنكليز يتخيلون قبل الدخول في هذه الحرب كما اعترفوا بذلك فيما بعد أن إسكات الحصون أمر هين لين. وهذا الاعتراف يهدم مخاوفهم على سفنهم من أساسها، تلك المخاوف التي طالما ادعوها وتشبثوا بها. ولكن المقاومة التي لاقوها والثبات الذي أبداه جنود المدفعية المصرية في ملازمة مدافعهم واستماتتهم بجانبها كل هذا أدهشهم وجعلهم ينطقون بالرغم منهم بالمديح المستطاب والثناء العاطر على هؤلاء الجنود الأبطال.

وأبدأ هذه الشهادات بشهادة الأميرال سيمور نفسه الذي قال في تقريره المؤرخ في يوم ١٤ يوليه سنة ١٨٨٢ للأميرالية البريطانية:

لقد قاتل المصريون قتال الأبطال وثبتوا في مواقفهم ثبات الشجعان وكانوا يجاوبون النيران الشديدة التي كانت تصبها عليهم مدافعنا الضخمة إلى أن فني بلا شك أكثرهم. ا.ﻫ.

وقال القومندان هنت جرب قائد المدرعة سلطان وقائد الأسطول الخارجي في تقريره للأميرال سيمور:

ولما وجدت أن الحصون أقوى مما كان يظن قبلًا وأن جنود المدفعية المصرية لا يستهان بهم وأنهم في الواقع يحكمون الضرب، رأيت من الصواب أن ألقي المراسي لكي أحصل على المسافة اللازمة بالدقة. ا.ﻫ.

وقال القومندان جودريتش من رجال البحرية الأمريكية الحربية الذي كان على متن السفينة الحربية الأمريكية لانكاستر Lancaster ورأى كل ما حدث بعيني رأسه في تقريره ص ٣٦:

وجاوب المصريون رغم التفاوت الذي كان بينهما من ناحية العدد ومن ناحية عيار المدافع على النيران المتدفقة من أفواه مدافع الأسطول الإنكليزي إجابة مدهشة لم تكن متوقعة بتاتًا بشجاعة تستوجب الإعجاب. وعندما كانت المدرعة أنفلكسيبل ترسل مقذوفات زنة كل منها ١٧٠٠ رطل على حصن الفنار وتصيب ساتره فتثير الأنقاض والأتربة إلى علو الفنار نفسه ويتخيل المرء عندما يرى ذلك أنه ليس في الامكان أن يعيش أي انسان تحت نيران كهذه النيران، لا يلبث بعد بضع دقائق عندما ينقشع الغبار أن يرى جنود المدفعية المصرية ملازمين مواقفهم يطلقون قذائفهم على خصمهم الرهيب. ا.ﻫ.

وقال الماجور تلك من رجال قلم المخابرات (وترقى الآن إلى جنرال) وكان على ظهر المدرعة أنفنسيبل في كتابه (ذكريات أربعين عامًا في الخدمة) ص ٢٨٦:

وبعد أن نزلت إلى البر بزمن يسير طفت حول البطاريات التي بقرب رأس التين فوجدت منظر البعض منها ينفطر منه الفؤاد وسمعت فيما بعد من مصدر وثيق أن الخسائر في الأرواح من جنود المدفعية ومن جنود البيادة الذين كانوا خلف الحصون بلغت أكثر من ثلاثمائة. وقد وسقت بالقتلى العربات في أثناء القتال. ولكن لما كان عدد القتلى في نهاية الحرب كبيرًا جدًا فتحت لهم حفرة واسعة في رأس التين وألقيت أجسادهم فيها ثم ووريت في التراب. ومع هذه المواراة يستطيع الإنسان في عدة مواضع من هذه المقبرة أن يرى الطبقة العليا من هذه الأجساد ظاهرة على وجه الأرض. وقد سقط ساتر الحصن على بعض الجنود فأزهق أرواحهم وبقيت أجسادهم تحت الأنقاض دون أن يستطيع أحد إخراجها. ووجدت جثة ضابط مصري وجثث ستة من الجنود المصرية البواسل تحت مدفع انقلب بقذيفة.

وعندي أنه لا يستطيع إلا القليل من الناس أن يؤدوا واجباتهم مثل ما أداها أولئك الجنود الذين كانوا في الحصون في ذلك اليوم. وليس في مقدور الإنسان أن يخفي دهشته وإعجابه من أن هؤلاء الجنود في الحالة التي كانت فيها النيران تتحيفهم من كل جهة أرادوا أن يرفعوا أحد المدافع من سقطته التي سقطها. وفي حالة أخرى وهم في معمعة القتال حاولوا أن يرجعوا مدفعًا إلى موضعه وهم تحت وابل من النيران.

وفي المكس كان يوجد ساتر من الرمال سميك تتوارى خلفه جنود المدفعية ولكن على طول امتداد البطاريات الشرقية لم يكن يوجد إلا ستائر عتيقة من الأحجار في قليل من المواضع، والأنقاض التي تقوضت منها لا بد أن تكون قد أحدثت خسائر جسيمة في الأرواح. ا.ﻫ.

وقال البارون دكيوزل بك Le Baron De Kusel Bey وكيل مصلحة الجمارك المصرية الذي كان على السفينة تنجور أمام الإسكندرية في كتابه (ذكريات رجل إنكليزي عن مصر) ص ٢٠٠:

لقد ثبت جنود المدفعية المصرية في مواقفهم أمام نيران المدرعات الإنكليزية الهائلة الفتاكة ثباتًا دل على بسالتهم وبطولتهم. وظلوا يلقون القنابل باستمرار فتصيب أهدافها من هذه البوارج — إلى أن قال في هذه الصفحة أيضًا — وليست المسألة مسألة ريبة في بطولة الجنود المصرية فلقد قاتلوا مستبسلين، ولكن لم يكن لهم الالمام التام بسلاحهم ليجنوا من دفاعهم ولو بعض النجاح.

ولم ينقض الضرب إلا في منتصف الساعة الثانية عشرة صباحًا (أي من يوم ١٢ يوليه) لأن المصريين إذا كان لديهم مدفع في أي موضع لم يكن قد سقط، استعملوه إلى أن يكره هذا المدفع على السكوت إكراهًا. ا.ﻫ.

•••

وقال مسيو سكوتيدس Scotidis وكيل قنصل اليونان في الإسكندرية في كتابه (مصر المعاصرة وعرابي باشا) ص ١٦٨ و١٦٩:

وعند الطلقة الخامسة جاوبت بطاريات البر بنشاط وإحكام أدهشا الإنكليز. وتقدمت البوارج الإنكليزية، تلك المدرعات الضخمة، تسير ببطء واتخذت لها موقفًا أمام الحصون وصوبت إليها نيران مدافعها في مركز واحد. وقد كانت قذائفها الهائلة تدعو إلى الظن بأنها ستدمرها تدميرًا. ولقد كانت هذه القذائف تحطم المدافع الضخمة وتقلب قواعدها وتنسف مستودعات البارود وتحفر حفرًا يقع فيها المصريون التعساء. وعندئذ تقترب شيئًا فشيئًا لتضعف قوة هؤلاء المصريين بتقويض حصونهم بطوفان من قذائف مدافع السربند المقامة على ساريات السفن.

وكانت قذائف المدافع المصرية تسقط في البحر وهي في منتصف الطريق فتثير عجاج الماء. والبعض الآخر يصطدم بمدرعات الإنكليز الضخمة فيرتد عنها كأنها جسم من المطاط ويغوص في البحر. ومع هذا فلا ينبغي إلا الإعجاب بما أبداه جنود المدفعية المصرية من البطولة والبسالة والثبات في مواقفهم ورثاء أولئك الضحايا الذين راحوا طعمة للنار بطيش عرابي ورعونته وبجرأته التي أظهرها عبثًا. وكان معظم الحصون بلا ساتر فقلبت القنابل من مدافعها ما كان أكثر قوة وأعظم خطرًا وأحاطتها بالمئات من جثث القتلى. وفي خلال انتشار الدخان الكثيف الذي يسوقه النسيم في بعض الأوقات كان هؤلاء الجنود الشجعان الذين كانوا يستطيعون أن يخدموا وطنهم في ظروف أخرى، يمثلون بحق الأبطال الذين يدفعون غارات الجبابرة. ا.ﻫ.

هذه شهادات كلها صادرة من شهود عيان معظمهم من الخصوم وإنها لأقوى برهان على أن ضباط وجنود ١ جي ألاي طوبجية سواحل قاموا في ذلك اليوم الأسود المشئوم بما هو فوق الواجب فاستحقوا بذلك أكبر التقدير مع تخليد الذكر وعظيم الشكر. رحمهم الله وعزانا وعزى هذا الوطن الأسيف فيهم.

وإزاء ما قام به هذا الألاي من ضروب الشجاعة والإقدام والإخلاص للوطن لدرجة التضحية بآخر أنفاسه في سبيل الذود عن حياضه، رأينا تخليدًا لذكرى أعمال ضباطه وجنوده المجيدة أن نثبت أسماء من عثرنا على أسمائهم منهم مع ذكر عددهم جميعًا في الجدول الآتي، وها هو كما استخرجناه من دفاتر دار المحفوظات المصرية:
المجموع عدد الأسماء الرتب
١٧٦٢ المجموع الكلي
١ جي ألاي طوبجية سواحل
١ إسماعيل بك صبري أمير الألاي
١ محمد بك نسيم قائمقام الألاي
١ عبد العال أفندي أبو العلا ١ جي بكباشي
١ سيف النصر أفندي ٢ جي بكباشي
١ محمد أفندي شرمي ٣ جي بكباشي
١ رأفت أفندي سري ١ جي صاغ
١ صبحي أفندي هاشم ٢ جي صاغ
٨ ١ محمد أفندي رفعت ٣ جي صاغ
أركان حرب وأطباء وكتاب وغيرهم
١ محمد أفندي سيد أحمد صاغ
١ إبراهيم أفندي كامل صاغ
١ محمد أفندي نافعي حكيمباشي الألاي
١ محمد أفندي لمعي ملازم أول اجزجي
١ محمد أفندي حسب الله ملازم ثان تعليمجي الإشارة
١ محمد أفندي محمد كاتب أول الألاي
١ رضوان أفندي رضوان كاتب ثاني الألاي
١ مصطفى أفندي الخولي كاتب ثالث الألاي
١ موسى أفندي الورداني كاتب رابع الألاي
١ فرج أفندي عوض كاتب الأشغال المتأخرة
١ الشيخ محمد عبد العال إمام وخوجه
١ الشيخ عبد الله إبراهيم إمام
١٥ ٣ توفتجية
١ مصطفى أفندي مختار يوزباشي
١ أحمد أفندي قنديل ملازم أول
١ حسن أفندي مكي ملازم ثان
١ إسماعيل أفندي صبري ملازم ثالث
١٢٩ ١٢٥ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٨٤ ٨٤ صف ضباط وعساكر
١ علي أفندي بهجت يوزباشي
١ محمد أفندي حامد ملازم أول
١ محمود أفندي خليل ملازم ثان
١ محمد أفندي حلمي ملازم ثالث
١ محمد أفندي عبد الخالق صول
١٣٢ ١٢٧ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٩٩ ٩٩ صف ضباط وعساكر
١ أحمد أفندي فهمي يوزباشي
١ محمد أفندي الموجي يوزباشي
١ دهشان أفندي عزمي ملازم أول
١ سليم أفندي صائب ملازم ثان
١ غنيم أفندي هدهد ملازم ثان
١٨١ ١٧٦ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٥٢ ٥٢ عدد أنفار
١ عبد الحميد أفندي الجندي يوزباشي
١ محمد أفندي أمين ملازم أول
١ أحمد أفندي هادي ملازم أول
١ سليمان أفندي بهجت ملازم ثان
١١٧ ١١٣ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٧٦ ٧٦ عدد أنفار
١ عبد الرحمن أفندي نجيب يوزباشي
١ محمد أفندي نايل ملازم أول
١ عبد الرحمن أفندي الشافعي ملازم أول
١ محمود أفندي رضى ملازم ثان
١ أحمد أفندي كامل ملازم ثان
١ علي أفندي خضر صول
١٤١ ١٣٥ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٨٠ ٨٠ عدد أنفار
١ يوسف أفندي صفوت يوزباشي
١ حسانين أفندي زغلول يوزباشي
١ عرفة أفندي أحمد ملازم أول
١ إبراهيم أفندي مسلم ملازم أول
١ عبد القادر أفندي خيري ملازم ثان
١٠٧ ١٠٢ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٩٤ ٩٤ صف ضباط وعساكر
١ علي أفندي فهمي يوزباشي
١ عمار أفندي عوني ملازم أول
١ يوسف أفندي سري ملازم أول
١ أحمد أفندي فضل ملازم ثان
١ محمد أفندي علي ملازم ثان
١٥٥ ١٥٠ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٣١ ٣١ عدد أنفار
١ مصطفى أفندي حسين يوزباشي
١ حسانين أفندي زغلول ملازم أول
١ إبراهيم أفندي مسلم ملازم أول
١ عدوي أفندي حلمي ملازم أول
١ حسن أفندي أنيس ملازم ثان
١٦٦ ١٦١ صف ضباط وعساكر مذكورون بدون تفصيل
٦٣ ٦٣ صف ضباط وعساكر صنايعية ببلوك العمارة
٣٢ ٣٢ صف ضباط وعساكر
وإليك نبذًا صغيرة عن بعض ضباط هذا الألاي الذين أمكننا معرفة شيء عنهم نثبتها هنا طمعًا في أن يطلع عليها المطلعون فيوافونا بما يكمل تاريخ حياتهم وتاريخ حياة من لم نعرف عنهم شيئًا ولم نذكر عنهم نبذًا:
  • (١) أمير الألاي إسماعيل بك صبري: حضر حرب الحبشة سنة ١٨٧٥م، وحرب الروسيا سنة ١٨٧٧م وسنة ١٨٧٨م. ثم حضر ضرب مدينة الإسكندرية في ١١ يوليه سنة ١٨٨٢م.
  • (٢) القائمقام محمد بك نسيم: هو والد صاحب الدولة توفيق باشا نسيم. حضر حرب الحبشة سنة ١٨٧٥م، وحرب الروسيا سنة ١٨٧٧ وسنة ١٨٧٨م. ثم حضر ضرب مدينة الإسكندرية في ١١ يوليه سنة ١٨٨٢م. وترقى بعد الاحتلال إلى رتبة أمير ألاي. وأحيل إلى المعاش بناء على طلبه، ثم أنعم عليه برتبة الباشوية.
  • (٣) البكباشي سيف النصر أفندي: هو والد صاحب العزة حمدي بك سيف النصر. حضر ضرب مدينة الإسكندرية في ١١ يوليه سنة ١٨٨٢م وترقى بعد الاحتلال إلى رتبة قائمقام. وتوفي في الخدمة وهو رئيس قرعة مدينة الإسكندرية.
  • (٤) الملازم الثاني أحمد أفندي فضلي: كان من أنجب تلاميذ المدرسة الحربية التي كانت تحت إدارة الجنرال لارمي باشا الفرنسي في عهد الخديو إسماعيل وحضر ضرب مدينة الإسكندرية في ١١ يوليه سنة ١٨٨٢. وبعد الضرب وانسحاب جنود عرابي منها، عين في فرقة كفر الدوار. فنصب الجنود الإنكليزية مدافعهم فوق الجبل المجاور لخزان الماء بالقرب من أبي النواتير. ويقال إن الخديو توفيق كان قد توجه إلى تلك الجهة ليرى من فوق هذا الجبل خط نار العرابيين الذي كان بجهة عزبة خورشيد. فعندما أبصر أحمد أفندي فضلي بمنظاره تجمعهم فوق الجبل المذكور وكان لا يعلم بوجود الخديو معهم، أطلق عليهم قنبلة من مدفع كروب وقعت بجوار الخديو توفيق ولكنها لم تنفجر. وقد ترقى بعد الاحتلال إلى رتبة لواء ثم أحيل إلى المعاش وهو في منصب مدير عموم القرعة.
  • (٥) الملازم الأول محمد أفندي لمعي: هو ابن الشيخ عبد الله البوهي ابن الشيخ إبراهيم البوهي إمام المغفور له سعيد باشا والي مصر. تعلم بقسم الصيدلة بمدرسة الطب بقصر العيني وتخرج منه والتحق صيدليًا بالجيش إلى أن جاءت الحوادث العرابية فكان ملازمًا أول وصيدليًا أول في ١ جي ألاي طوبجية سواحل الذي دافع عن حصون الإسكندرية يوم ١١ يوليه سنة ١٨٨٢م. وقد نجا من الموت وبقي بالجيش إلى أن كانت حوادث السودان وثورة المهدي. فأرسل إلى السودان صيدليًا بإحدى الألايات المصرية. ولما تغلب المهدي على السودان انقطعت أخباره عن ذويه. ومن ذلك الحين لم يتلقوا عنه خبرًا إلى أن فتح السودان. وقد تحققوا بعد ذلك أنه قتل مع من قتل من المصريين بعد تغلب المهديين على السودان. وقد ترك من الذرية ولدًا واحدًا كان يسمى إبراهيم محمد لمعي توفي وهو فتى لم يبلغ مبلغ الرجال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤