الفصل الثالث

المشهد الأول

(المنظر: الخميلة نفسها في البستان، كما كان الحال في المشهد السابق، ولا بد من وجود مكان تختبئ فيه بياتريس يختلف عن مكان اختفاء بينديك. والوقت متأخر ولا توجد إشارة للزمن الذي انقضى منذ المشهد السابق.)١

(تدخل هيرو مع وصيفتين لها هما مارجريت وأورسولا.)

هيرو :
يا مارجرِيت! انطلقِي الآنَ إلى بَهْوِ المنزِلِ.
ولَسَوفَ تَرَيْنَ ابنةَ عَمِّي بياتريسْ
تتحدَّثُ مع دُونْ بيدروُ وكُلُودْيُو،
وعَلَيكِ إذَنْ بالهَمْسِ لها سِرًّا أنِّي مَعَ أورسُولا،
نتمشَّى في البُسْتَانْ، وبأنَّ مَدَارَ حديثي كُلِّهْ (٥)
ينصبُّ عليها! قُوليِ كيفَ استَرَقَتْ أُذُنَاكِ السَّمْعَ لَنَا!
أَغْرِيها أنْ تَتَسَلَّلَ لخميلَتِنا المُلْتَفَّةْ،٢
إذْ أَنْضَجَتْ الشَّمْسُ زُهُورَ العَسَلِ فطالَتْ واجتَمَعَتْ
كيْ تَمْنَعَ شَمْسَ الصُّبْحِ وتَحْجُبَهَا، مِثْلَ رِجَالِ أميرٍ
كرَّمَهُمْ وأحلَّهُمُو أَعْلَى منزِلَةٍ فإذا بِهِمُو (١٠)
يُبْدونَ استكبارًا ويَثُورونَ على سُلْطَةِ مَنْ أنشأَهُمْ!٣
وهنا ستَتَخَفَّى بياتريس حتى تَسْمَعَ ما نَحْكِي. تلك مُهِمَّتُكِ إذنْ!
وعليكِ بِتَحْقيقِ الغايَةِ بِنَجَاحٍ ودَعِيِنَا في خَلْوَتِنا.
مارجريت : وسَأَجْعَلُها تَأتيِ وأُؤَكِّدُ لكُما في الحالْ.

(تخرج مارجريت.)

هيرو :
والآن انْتَبِهِي يا أُورْسُولَا! عِنْدَ حُضُورِ بياتريسْ (١٥)
أثناء تَمَشِّينَا وتنزُّهِنَا في هذا الممشَى،
لا بُدَّ بأنْ يقتَصِرَ حديثي معكِ على بينديكْ،
فإذا ذَكَرَ لسانِي اسمَه، كان عليكِ بأن تمتدِحِيِهِ
مَدْحًا يَتَجاوزُ ما فازَ به رَجُلٌ يومًا ما!
وحديثي لكِ لنْ يَتَخَطَّى مِقْدارَ صبابَةِ بينديك (٢٠)
بابنةِ عَمِّي بياتريس. مِنْ هذِي الألفاظِ الفَتَّانةِ
يَصْطَنِعُ إلهُ الحُبِّ الطِّفْلُ السَّهمَ البَارِعْ
إذْ لا يُوقِعُ قَلْبَ امرأةٍ في الحُبِّ سِوَىَ طِيبِ الأُحْدُوثَةْ.
(تدخل بياتريس وتتخفى.)
هَيَّا الآنْ! هَا هِيَ ذِي بياتريس — مِثْلُ الطَّيْرِ الحَاذِقِ٤
إذْ يَتَوَثَّبُ في حِرصٍ قُرْبَ الأرضْ — تَتَسَلَّلُ كَيْ تَسْمَعَ ما نَحْكِي. (٢٥)
أورسولا (جانبًا إلى هيرو) :
أجمَلُ لَحَظَاتِ الصَّيْدِ مُشَاهَدَةُ السمكةِ وهيَ تشُقُّ
عُبَابَ النَّهْرِ الفِضِّيَّ السَّاكِنِ بِمَجَادِيفِ زَعَانِفِها،
كيْ تَقْضِمَ بِشَرَاهَتِهَا الطُّعْمَ الغَادِرْ!
وكذلك سَوْفَ نصيدُ بياتريس! ها هِيَ ذِي،
قد قَبَعَتْ في مَخْبَئها مِنْ أزهَارِ العَسَلِ٥ الكَثَّةْ! (٣٠)
لا تخْشَى أيَّ تَرَاخٍ مِنِّي في أثناءِ حِوَارِي.
هيرو (جانبًا إلى أورسولا) :
فلنقتَرِبِ الآنَ إذَنْ مِنْهَا حتى تَسْمَعَ كُلَّ حُرُوفٍ
نَنْطِقُهَا فيما أَعْدَدْنَاهُ لها مِنْ طُعْمٍ حُلْوٍ زائِفْ!
(تقترب هيرو وأورسولا من موقع اختباء بياتريس.)
(بصوتٍ عالٍ)
كَلَّا حقًّا يا أُورسُولَا! إنَّ صَلَافَتَها زَادَتْ عَنْ كُلِّ حُدُودْ!
أَعْرِفُ فيها طَبْعَ مُرَاوَغَةٍ وشُرُودٍ كالصَّقْرِ البَرِّيِّ النَّافِرْ!٦ (٣٥)
أورسولا :
هلْ بينديك يَهْوَى بياتريسْ حقًّا وبِلَا أيِّ حُدودْ؟
ما مَصْدَرُ ثِقَتِكْ؟
هيرو : ما قالَ بهِ دونْ بيدرو وخَطِيبي المَوْعُودْ.
أورسولا : لكنْ هلْ طَلَبَا مِنْكِ الإفْصَاحَ إليها عَنْ ذلكَ يا مَوْلَاتِي؟
هيرو :
طَلَبَا مِنِّي أنْ أُبْلِغَهَا هذا الأمر ولكنِّي (٤٠)
أَقْنَعْتُ الرَّجُلَيْنَ بأنَّ الإخلاصَ لِبينْديكْ
يَقْضِي بنَصِيحَتِهِ بِمُغَالَبَةِ صَبَابَتِهِ
وتَحَاشِي إبلاغَ بياتريس يَوْمًا بالحُبِ.
أورسولا :
ولماذا أَقْدَمْتِ على هذا؟ أَفَلَيْسَ الرَّجُلُ كريمَ المَحْتِدِ
وجَدِيِرًا بِفِرَاشِ زَوَاجٍ حَسَنٍ (٤٥)
مِثْلِ فِرَاشِ بياتريس يَوْمًا ما؟
هيرو :
يا رَبَّ الحُبِّ! أعرِفُ أنَّ الرَّجُلَ جَدِيرٌ
بالظَّفَرِ بأَقْصَى ما يُمكْنُ أنْ يُمْنَحَهُ الإنْسانْ
لكنَّ الفِطْرَةَ لَمْ تَخْلُقْ قَلْبَ امرأةٍ مِنْ طِيْنٍ
أكثرَ كِبْرًا واستِكْبَارًا مِنْ قَلْبِ بياتريس! إذْ تَبْرُقُ (٥٠)
عَيْنَاهَا بِبَرِيِقِ سُيُوفِ السُّخْرِيَةِ والاسْتِهْزَاءِ على صَهْوَةِ فَرَسَيْنِ،٧
بَلْ تَسْتَهْوِنُ عَيْنَاهَا ما تَقَعَانِ عَلَيْه،
ولَمَاحِيَةُ بياتريس تَعْتَزُّ بِقِيمَتِها وتُبَالِغُ فيها، حَتَّى
تَتَصَوَّرَ أنَّ سِوَاهَا ذو ضَعْفٍ كُلُّهْ! لا تَقْدِرُ أنْ تَهْوَى أحدًا،
أو تَفْهَمَ شَكْلَ الحُبِّ ولا طَبْعَ الحُبِّ؛ (٥٥)
إذْ يَسْتَغْرِقُها حُبُّ الذَّاتِ تَمَامًا.
أورسولا :
قطعًا ذلكَ ما أَعتَقِدُهُ. ولذلك لَيْسَ مِنَ الخَيْرِ لَهُ أنْ
يَعْرِفَ بِهَوَاها كيْ لا تَسْخَرَ مِنْهُ وتَهْزَأْ.
هيرو :
الواقعُ أَنَّكِ قُلْتِ الحَقَّ. لمْ أشهدْ يومًا رَجُلًا —
مَهْمَا يَبْلُغْ مِنَ حِكْمَتِهِ وفُتُوَّتِهِ ووسَامَتِهِ أو نُبْلِهْ — (٦٠)
إلَّا وبياتريس قد جاءَتْ بنقِيضِ صِفَاتِهْ! فإذا كانت بَشْرَتُه بَيْضَاءْ؛
حَلَفَتْ إنَّ الرَّجُلَ خَليقٌ أن يَغْدُوَ أُخْتًا لَا أَكثرْ!
وإذَا كانتْ بشرَتُهُ سَمْرَاءْ؛ قالتْ إنَّ الفِطْرَةَ شَاءَتْ أَنْ تَلْهُوَ
بِكَيَانٍ مَطْمُوسْ! فإذا كان طَويِلًا قالت: رُمْحٌ بِسِنَانٍ سَيِّئْ!٨
أو كان قصيرًا قالت: صُورَةُ قَزْمٍ سَاءَتْ في فصِّ عَقِيقْ!٩ (٦٥)
إن كان فصيحًا قالتْ دَوَّارةُ ريحٍ تَتَحَوَّلُ مع كُلِّ رِيَاحْ.
أو كانَ صَمُوتًا قالتْ جُلْمُودٌ لَيْسَ تُحَرِّكُهُ أيُّ رِيَاحْ!
وبذلكَ تَعْرِضُ أضدَادَ الأوصافِ لكِّلِ فَتًى،١٠
بَلْ لا تَمْنَحُ أبَدًا للحَقِّ وللفَضْلِ الثَّابتِ
ما يَكْسِبُهُ المَرْء بِشَرَفٍ وجَدَارَةْ. (٧٠)
أورسولا : قَطْعًا قَطْعًا! فتَحَامُلُهَا البَالِغُ غَيْرُ جَدِيرٍ بالمَدْح!
هيرو :
كَلَّا! غَيْرُ جَدِيرٍ بِمَدْيحٍ أنْ يَغْدُو المَرْءُ غَرِيبَ الأَطْوَارِ،
بَعِيِدًا عَنْ كُلِّ سُلُوكٍ دَرَجَ النَّاسُ عليه كَحَالِ بياتريس.
لكنْ هَلْ يَجْرُؤُ أَحَدٌ أنْ يُبْلِغَهَا بالأَمْرِ؟ إنِّي إنْ أَنْطِقْ
سَخِرَتْ مِنِّي فَغَدَوْتُ هَبَاءً، أو ضَحِكَتْ مِنِّي حتى أُصْبِحَ بَكْمَاءْ! (٧٥)
بَلْ قد تُثْقِلَنِي بِفُكَاهَاتٍ تَكْتُمُ أَنْفَاسِي فَأَمُوتْ!١١
وإذنْ فَعَلَى بينديك أنْ يحترقَ بِبُطْءٍ مثلَ الجَمرِ المطمُورِ،١٢
إلىَ أنْ يَفْنَى بلهيبِ الزَّفَرَات بأعمَاقِه!
ذلك موتٌ أَرحَمُ مِنْ مَوْتٍ بالضَّحِكِ والاستهزاءِ
قَرينِ السُّوءِ بموتِ المَرْءِ مِنَ الدَّغْدَغَةِ المَأْلُوفَةْ! (٨٠)
أورسولا : أفَلَا أخْبَرْتِ بياتريس حَتَّى تَسْتَمِعِي لِجَوَابٍ منها؟
هيرو :
كلَّا بل أوُثِرُ أنْ أقصِدَ بينديك، وسأنصحُهُ
بِمُغالبَةِ عواطِفِهِ المَشْبُوبَةْ! وأصارِحُكِ القولَ بأنِّي
سوفَ أحِيكُ قليلًا مِنْ وَصَمَاتٍ غير مشينَةْ،١٣
أُلْصِقُهَا بابنَةِ عَمِّي! لا يَعْرِفُ أحدٌ كَمْ تَنْجَحُ (٨٥)
أُحْدُوثَةُ سُوءٍ في إفسادِ الحُبِّ!١٤
أورسولا :
لا لا! كيفَ تُسِيئِينَ إلى ابْنَةِ عَمِّكِ ظُلْمًا وعَلَى
هَذَا النَّحْو؟ أَعْتَقِدُ بِأَنَّ لَدَيْهَا قَدْرًا مِنَ مَوْهِبَةِ التَّمْيِيِزِ
يُمَكِّنُها أنْ تَقْبَلَ رَجُلًا يَنْدُرُ أنْ يُوجَدَ مِثْلُهْ،
كالسنيورْ بينديكْ، ما دَامَتْ تَتَمَتَّعُ بِبَدِيِهَتِهَا البَارِعَةِ (٩٠)
اللَّمَّاحَةِ وَفْقَ الشَّائِعِ عَنْهَا!
هيرو :
لَيْسَ لَهُ في إيطَالْيَا مَنْ يُشْبِهُهُ،
لكنِّي أَسْتَثْنِي دَوْمًا زَوْجِي وحَبيبي كلوديو!
أورسولا :
أَرْجُو أَلَّا تَغْضَب مِنِّي مَوْلَاتِي حِينَ أُعَبِّرُ عَنْ رَأْيِي،
فالسِّنْيُورْ بِيندِيكْ، مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ والمَسْلَكُ، (٩٥)
بَلْ مِنْ حَيْثُ حَدِيثُ الشَّابِّ وفَرْطُ شَجَاعَتِهِ
لا يَعْدِلُهُ في إيطاليا شَابٌّ في الصِّيتِ الدَّاوِي.
هيرو :
فعلًا! يتَمَتَّعُ بينَ النَّاسِ بأَطْيَبِ سُمْعَةْ،
ولقد مَيَّزْتِ الرَّجُلَ شَمَائِلُهُ قبلَ ذُيُوعِ الصِّيتْ
أورسولا : ومَتَى تَتَزَوَّجُ مَوْلَاتِي؟ (١٠٠)
هيرو :
في كُلِّ الأَيَّامِ إذا حَلَّ الغَدْ! هَيَّا فَلْنَدْخُلْ حَتَّى
أَعْرِضَ لكِ بَعْضَ فَسَاتِيني فَتُشِيرِي مِنْ ثَمَّ عَلَيَّ
بِأَفْضَلِ مَا يَصْلُحُ لِزِفَافِ الغَدْ.
أورسولا (همسًا إلى هيرو. جانبًا) : وقعتْ في الفَخِّ أُؤَكِّدُ لَكْ! لَقَدْ اصْطَدْنَاهَا يا مولاتي!
هيرو (همسًا إلى أورسولا. جانبًا) :
لَوْ صَحَّ كَلَامُكِ كانَ الحُبُّ كَمِثْلِ الرَّمْيَةِ لا يَقْصِدُهَا الرَّامِي (١٠٥)
فإِلَهُ الحُبِّ يُعِدُّ الأشْرَاكَ لِبَعْضٍ ولِغَيْرِهِمُو السَّهْمَ الدَّامِي،

(يخرج الجميع ما عدا بياتريس.)

بياتريس :
ما هذِي النَّارُ بآذَانِي؟ هَلْ حَقٌّ ما سَمِعَتْهُ الآذَانْ؟١٥
أَتُرَانِي أُتَّهَمُ بأنِّي مُتَكَبِّرَةٌ ساخِرَةٌ وإلى هذا الحَدِّ أُدَانْ؟
وإذَنْ فَوَدَاعًا يا سُخْرِيَةُ وَدَاعًا يا زَهْوَ العذْرَاءْ!
لا يَكْمُنُ خَلْفَ تَكَبُّرِنَا وتَعَالِينَا مَجْدٌ بَلْ مَحْضُ هَبَاءْ! (١١٠)
لا تَيْأَسْ يا بِينْدِيكْ مِنْ حُبِّكَ فَلَسَوْفَ أُبَادِلُكَ غَرَامَكْ
وأُرَوِّضَ١٦ قَلْبِي البَرِّيَّ الشَّارِدَ بأَيَادِي حُبِّكَ وهُيَامِكْ
إنْ كُنْتَ تُحِبُّ فَسَوْفَ يَحُثُّكَ ما عِنْدِي مْنْ فَرْطِ حَنَانْ
أنْ تَرْبِطَ ما بَيْنَ عَوَاطِفِنَا المَشْبُوبَةِ بِرِبَاطٍ قُدْسِيٍّ وقِرَانْ
النَّاسُ تقولُ بأنَّكَ تَتَمَتَّعُ بِشَمَائِلَ عُلْيَا وجَدِيرٌ بِي (١١٥)
وأنا مِنْ دُوُنِ كَلَامِ النَّاسِ أُحِسُّ بذلكَ في قَلْبِي.

(تخرج.)

المشهد الثاني

(المكان: منزل ليوناتو أو مكان قريب منه. يدخل دون بيدرو، وكلوديو وبينديك وليوناتو.)

دون بيدرو : لن أمكث هنا إلا ريثما تعقد قرانك، ثم أعود إلى أراجون.
كلوديو : أود أن أصحبك يا مولاي، إن تكرمت وسمحت لي.١٧
دون بيدرو :
كلَّا! إنك بذلك تضع لطخة كبرى على الرونق القشيب لزواجك، (٥)
تشبه من يعرض على الطفل رداءً جديدًا اشتراه له ثم يمنعه من
لبسه! لن أطلب صحبة أحد إلا بينديك، فإنه المرح كله،١٨ من ناصية
رأسه إلى أخمص قدمه! ولقد قطع وتر القوس في يد الرامي، رب
الحب، مرتين أو ثلاثًا، فأصبح الوغد الصغير١٩ عاجزًا عن إصابته
بسهامه! وقلبه سليم مثل الناقوس،٢٠ ولسان الناقوس لسانه، إذ ينطق (١٠)
لسانه بما يخطر في قلبه.٢١
بينديك : أيها الرجال! لقد تغيَّر حالي!
ليوناتو : ذلك ما أظنه! يُخيَّل لي أنك مكتئب. (١٥)
كلوديو : أرجو أن يكون عاشقًا!
دون بيدرو :
بل يا له من وغدٍ! لقد نجح في مراوغة الحب! ليس في عروقه
نقطةُ دَمٍ حَقَّةٌ يستطيع الحب أن يَمَسَّها حقًّا! فإذا كان مكتئبًا فلأنه
يحتاج للمال.
بينديك : ضِرْسِي يؤلمني! (٢٠)
دون بيدرو : اخْلَعْهُ!
بينديك : بل وأشنُقُهُ!
كلوديو : بل اشنُقْهُ٢٢ أولًا ثم اخلَعْه!
دون بيدرو : عجبًا! هل تتأوَّه من وجع الضرس؟
ليوناتو : حيث لا يوجد إلا أحد أخلاط البدن أو السوس!٢٣ (٢٥)
بينديك : كل شخص يستطيع التغلب على الحزن إلا المحزون.
كلوديو : ومع ذلك فأقول إنه عاشق.
دون بيدرو :
لا تبدو عليه مخايل الهوى،٢٤ إلا إذا كان هواه التنكر في أزياء
الأجانب، كأن يصبح هولنديًّا اليوم، وفرنسيًّا غدًا، أو يجمع بين (٣٠)
جنسيتين في آنٍ واحد، فيكون ألمانيًّا من الخاصرة إلى القدمين،
بسراويل فضفاضة، وإسبانيًّا من العَجُزِ إلى الرقبة، من دون
صدار.٢٥ فإذا لم يكن به هوى لهذا الحمق، ويبدو أنه يهواه، فلن (٣٥)
يكون بالأحمق في أيدي الهوى،٢٦ حسبما تريد أن توحي لنا به.
كلوديو :
لو لم يكن قد وقع في حب امرأة فلن نصدق أمارات الحب
القديمة.٢٧ إنه ينظف قبعته بالفرشاة كل صباح، فَعَلَامَ يدل ذلك؟
دون بيدرو : هل شاهده أحد في صالون الحلاق؟ (٤٠)
كلوديو :
كلا ولكنَّ مساعد الحلاق شوهد معه، والشَّعْرُ الذي كان يزين خَدَّهُ
مِنْ قبلُ أصبح حشوًا لكرات التنس.
ليوناتو : حقًّا! يبدو أصغر سِنًّا بعد أن حلق اللحية. (٤٥)
دون بيدرو : لا بل ويَتَعَطَّر بالمِسْكِ! ألا تستطيعون تمييز ذلك العطر؟
كلوديو : والخلاصة أن الشاب الظريف عاشق!
دون بيدرو : أبرز الأمارات اكتئابه.
كلوديو : ومنذ متى كان يغسل وجهه بالعطر؟ (٥٠)
دون بيدرو :
نعم أو يستخدم مستحضرات التجميل؟ وأنا أسمع ما يقولون عنه
في هذا الصدد!
كلوديو :
بل إنه يحبس روحه الساخرة في وتر من أوتار العود، لا يصدر إلا
نغمات متفاوتة متباعدة!
دون بيدرو : حقًّا ذلك أكبر دليل قاطع، والخلاصة؟ الخلاصة أنه عاشق. (٥٥)
كلوديو : لا بل إني أعرف من تحبه.
دون بيدرو : ليتني أعرفها أنا الآخر! ولا بد أنها لا تعرف حقيقته.
كلوديو : بل تعرفه وتعرف عيوبه، ومع ذلك تفنى في حبه!٢٨ (٦٠)
دون بيدرو : وتموتُ فَتُدفَنُ مُلْقَاةً على ظَهْرِها.
بينديك :
ليس في هذا علاج لوجع الضرس! (إلى ليوناتو) أرجوك أيها
السنيور الموقر أن تصحبني قليلًا حتى أقول لك ثماني أو تسع
كلمات حكيمة٢٩ أعددتها ولا أريد أن يسمعها هذان المُهَرِّجَانْ!٣٠ (٦٥)

(يخرج بينديك مع ليوناتو.)

دون بيدرو : أقسم سوف يفاتحه في موضوع بياتريس!
كلوديو :
هذا صحيح! وأتوقع أن تكون هيرو ومارجريت٣١ قد أكملتا الآن
لعب دوريهما مع بياتريس، وهكذا فلن يشتبك الدُّبُّ مع الدُّبَّةِ في
صراع حين يلتقيان! (٧٠)

(يدخل دون جون ابن السفاح.)

دون جون : مولاي وأخي! بارك الله فيك.
دون بيدرو : عمتَ مساءً٣٢ يا أخي.
دون جون : أريد أن أتحدث معك، إذا كان وقتك يسمح.
دون بيدرو : في خلوة؟ (٧٥)
دون جون : إن شئت، ولكن من حق الكونت كلوديو٣٣ أن يسمع فالموضوع يعنيه.
دون بيدرو : وما الموضوع؟
دون جون (إلى كلوديو) : هل تعتزم يا صاحب العزة الزواج غدًا؟ (٨٠)
دون بيدرو : تعرف ذلك.
دون جون : أشك في ذلك حين يعرف ما أعرف.
كلوديو : لو كنتَ ترى أية عقبة، فاكشف عنها أرجوك.
دون جون :
قد تظن أنني لا أحبك! دع حقيقة ذلك تتكشف فيما بعد، وعَدِّلْ (٨٥)
حُكْمِكَ عليَّ بما سوف أُبَيِّنُهُ الآن. إن أخي يحبك حُبًّا جَمًّا، في
رأيي، ويُعِزُّكَ إعزازًا كبيرًا، وساعد في تدبير زواجك المقبل. فيا لها
من معونة خاطئة، ويا له من جهد ساء بذله!
دون بيدرو : لماذا؟ ماذا في الأمر؟ (٩٠)
دون جون :
هذا ما جئتُ لأخبركم به، ولنتجاوز التفاصيل لأن سيرة الفتاة
مضغة في الأفواه من زمن بعيد، ولنقُل وحسب إنها خائنة.
كلوديو : مَنْ؟ هيرو؟
دون جون : نعم هي، هيرو ابنة ليوناتو، حبيبتك، وحبيبة كل رجل! (٩٥)
كلوديو : خائنة؟
دون جون :
الكلمة ألطف من أن تصور خبثها! بل أقول إنها أسوأ من خائنة،
وإذن فاختر صفة أسوأ حتى أطلقها عليها. أرجو ألا تدهش قبل أن (١٠٠)
يأتيك البرهان، وما عليك إلا أن تصحبني الليلة حتى ترى من
يدخل من شباك مخدعها!٣٤ حتى في الليلة السابقة ليوم زفافها! فإذا
كنت لا تزال تحبها بعد ذلك فاعقد قرانك عليها، ولكن الأكرم
لسمعتك أن تغيِّر رأيك.
كلوديو : هل هذا ممكن؟ (١٠٥)
دون بيدرو : لا أظن ذلك.
دون جون :
إن لم تجرؤ على الوثوق بما تشاهده عيناك، فلا تقبل ما يدل عليه!
فإذا اتبعتني فسوف أريك ما فيه الكفاية، وعندما ترى وتسمع المزيد
فافعل ما يتفق معه. (١١٠)
كلوديو :
لو شاهدتُ الليلة شيئًا فلن أتزوجها قطعًا! وغدًا في الكنيسة،
عندما يحين الموعد المضروب لعقد القِران، سوف أفضحها على
الملأ!٣٥
دون بيدرو :
وما دُمْتُ قد خطبتُها باسمك حتى تفوز بها، فسوف أشاركك في
إعلان عارها! (١١٥)
دون جون :
لن أعيبَها بالمزيد حتى تكونا شاهدين على ما أقول. تكتَّما الأمر
واصبرا حتى منتصف الليل، ولتكشف القضية وحدها عن نفسها!
دون بيدرو : يا لَليوم الذي أصبح منحوسًا!
كلوديو : يا لها من عَقَبَةٍ مِنْ شَرٍّ غير منتظرٍ! (١٢٠)
دون جون :
بل يا له من بلاءٍ نجحنا في تحاشيه! ذلك ما سوف تقوله حين ترى
ما يحدث!

(يخرج الجميع.)

المشهد الثالث

(المنظر: شارع، في جانبٍ منه أريكة وكوخ مسقوف. يدخل دُوْجبِريِ وهو الكونستابل، أي رئيس وحدة الشرطة، ومعه زميله فيرجيز، وأفراد الحرس، ومن بينهم جورج سيكول وهيو أوتكيك، وكلهم مواطنون يقيمون في الحيِّ نفسه).٣٦
دوجبري : هل أنتم صالحون ومخلصون؟
فيرجيز : نعم وإلا حَلَّ عليهم، للأسف، عِقَابُ الخلاص٣٧ بَدَنًا ورُوحًا!
دوجبري :
لا! هذا عقاب أجمل من أن يَحُلَّ بهم، إذا كانوا يضمرون أي (٥)
ولاء، وهم المختارون رسميًّا للحراسة!
فيرجيز : إذنْ أصدِرْ إليهم التعليمات يا دُوْجبِرِي! يا ابن هذا الحي!
دوجبري :
فلأسأل أولًا من «اللامستحق» أكثر من غيره٣٨ في رأيكم أن يتولى
الرئاسة؟ (١٠)
الحارس١ : هيو أوتكيك يا سيدي أو جورج سيكول، فهما يستطيعان الكتابة والقراءة.
دوجبري :
تعال هنا يا ابن هذا الحيِّ يا سيكول! (يتقدم منه سيكول) لقد أنعم
الله عليك باسم حسن!٣٩ الوسامة منحة تمنحها ربة الحظ، وأما القراءة (١٥)
والكتابة فموهبة فطرية.
سيكول : وكلاهما أيها الكونستابل الرئيس …
دوجبري :
وكلاهما عندك! كنت أعرف جوابك هذا! وأما الوسامة يا سيدي،
فاحْمَدْ الله عليها واشْكُرْهُ ولا تتفاخر بها! وأما قدرتُك على القراءة (٢٠)
والكتابة، فدَعْها تظهر عندما لا تدعو الحاجة٤٠ إلى الانتفاع بهذه
القدرة! الرأي السائد هنا أنك أبعد الناس عقلًا٤١ وصلاحيةً لرئاسة
نوبة الحراسة، وهكذا فاحمل أنت المصباح.٤٢ (يُسَلِّمُ المصباح إلى
سيكول) هذه تعليماتك: عليك أن تلقي «الانقباض»٤٣ على كل (٢٥)
مشرد تراه، وعليك أن تأمر أي رجل بالوقوف.
سيكول : وإذا لم يقف؟
دوجبري :
لا عليك! لا تلتفت إليه! دعه يمضي، وادع على الفور باقي الحرس
إلى اجتماع حتى تشكروا الله أن خلَّصكم من وغدٍ سافل! (٣٠)
فيرجيز : لو لم يقف حين يؤمر لن يكون من رعايا الأمير.٤٤
دوجبري :
صحيح، وليس على الحراس أن يتعاملوا إلا مع رعايا الأمير!
وعليكم أيضًا ألا تحدثوا أية جلبة في الطرقات، فإن ثرثرة الحراس
وحديثهم ما بينهم أشد ما «يطاق»٤٥ وما لا يمكن احتماله! (٣٥)
الحارس : إننا نفضِّل النوم على الحديث، ونعرف ما هو خليق بالحرس!
دوجبري :
هذا حديثُ حارسٍ خبيرٍ بالغِ الهدوء، إذ لا أستطيع أن أرى أي
ضرر في النوم!٤٦ ولكن احرصوا ألا تُسرَقَ أسلحتكم.٤٧ وعليكم أيضًا (٤٠)
أن تطوفوا بالخمارات وتأمروا السكارى بأن يعودوا للرقاد في
منازلهم.
الحارس : وإذا لم يطيعوا الأمر؟
دوجبري :
اتركوهم إذن حتى يُفِيقُوا! فإذا لم يفهموكم فأحسنُ ردٍّ أن تقولوا (٤٥)
إنكم ظننتم أنهم أفضل من ذلك!
الحارس : لا بأس يا سيدي.
دوجبري :
وإذا قابلت لصًّا فقد تشتبه، بموجب منصبك، في أنه ليس شريفًا.
وبالنسبة لأمثال هؤلاء، كلما أقللتم من التعامل معهم كان ذلك (٥٠)
أدعى لزيادة شرفكم.
الحارس : لو كنَّا واثقين أنه لص، أفلا نلقي القبض عليه؟
دوجبري :
الحق أنه من حقكم بموجب منصبكم، ولكن أعتقد أن من يلمس (٥٥)
الزفت يلوِّث يده.٤٨ وأكثر الأساليب سَلْمًا لكم إذا قبضتم على سارق
أن تدعوه يكشف عن حقيقته ثم يسترق الخطى هاربًا٤٩ منكم!
فيرجيز : دائمًا ما كنت توصف بأنك رجل رحيم يا شريكي. (٦٠)
دوجبري :
صحيح! إني أستنكف أن أشنق كلبًا٥٠ طائعًا مختارًا، فما بالك برجلٍ
فيه ذرة من شرف!
فيرجيز :
وإذا سمعتم بكاء رضيع بالليل فلا بد أن تنادوا الحاضنة وتطلبوا منها
إسكاته!
الحارس : فإذا كانت الحاضنة نائمة ولا تستطيع سماعنا؟ (٦٥)
دوجبري :
ارحلوا إذن في هدوء ودعوا الطفل يوقظها بصراخه! فالنعجة التي
لا تسمع حملها وهو يرغو لا تقدر أن تستجيب للعجل حين يخور!٥١ (٧٠)
فيرجيز : هذا جد صحيح.
دوجبري :
انتهت التعليمات. أنت يا رئيس الحرس تمثِّل شخص الأمير نفسه؛
فإذا قابلت الأمير ليلًا جاز لك أن تحتجزه.٥٢
فيرجيز : لا! قسمًا بالبتول! لا أظن أنه يستطيع ذلك. (٧٥)
دوجبري :
أراهن بخمسة شلنات مقابل شلن واحد على ذلك مع أي شخص
يعرف اللوائح.٥٣ له أن يحتجزه، إلا إذا اعترض الأمير، فالواقع أن
واجب الحرس ألا يُغْضِبوا أحدًا،٥٤ والمرء يغضبُ إذا احتُجِزَ ضد
إرادته. (٨٠)
فيرجيز : أقسم بالبتول هذا رأيي!
دوجبري :
ها ها ها!٥٥ والآن يا سادة طابت ليلتكم، وإذا طرأ أمر بالغ الأهمية
فاستدعوني، واعملوا بمشورة زملائكم، ومشورتكم،٥٦ وطابت
ليلتكم! (إلى فيرجيز) هيا يا ابن هذا الحي! (يبدأ دوجبري (٨٥)
وفيرجيز في الخروج).
سيكول :
وهكذا أيها السادة سمعنا التعليمات. فلنجلس جميعًا على أريكة
الكنيسة حتى الساعة الثانية، ثم نأوي جميعًا إلى الفراش.
دوجبري (يعود) :
كلمة أخرى يا جيراني الشرفاء: أرجوكم مراقبة باب منزل
السنيور ليوناتو، إذ يقام الزفاف فيه غدًا ولا بد أن يكثر الليلة عنده (٩٠)
الهَرْجُ والمَرْجُ! أستودعكم الله، «واستفتحوا» عيونكم أرجوكم!

(يخرج دوجبري وفيرجيز.)

(ينزوي الحراس في ركن يمكِّنهم من سماع الحوار التالي.)

(يدخل بوراكيو وكونراد.)

بوراكيو : أين أنت يا رفيق؟
سيكول (جانبًا إلى الحراس) : صمتًا! لا تتحركوا!
بوراكيو : أقول يا رفيق!
كونراد : أنا هنا يا رجل … عند كوعك! (٩٥)
بوراكيو : أقسم إني أحسست بحكة فظننت أن وغدًا يتبعني!
كونراد : لسوف أردُّ لك الإهانة يومًا ما، والآن واصِل حكايتك.
بوراكيو :
اقترب مني ولنقف معًا تحت هذه السفينة إذ بدأ الرذاذ يتساقط، (١٠٠)
وسوف أبوح بالحقيقة كلها ككُلِّ سِكِّيرٍ صادق!٥٧
سيكول (جانبًا إلى الحراس) : خيانة ما أيها السادة! فاقتربوا!
بوراكيو : وهكذا! اعلمْ أني كسبت ألف دينار من دون جون! (١٠٥)
كونراد : هل يُعقل شراءُ أيِّ شَرٍّ بهذا الثمن الباهظ؟
بوراكيو :
الأحرى بك أن تسأل كيف يتمتع أي شرٍّ بهذا الثراء. فإنه حين
يحتاج الأشرار الأغنياء إلى الأشرار الفقراء، فللفقراء أن يطلبوا (١١٠)
السعر الذي يريدونه.
كونراد : هذا عجيب!
بوراكيو :
عجبك دليل جهلك! تعرف مثلًا أن طراز الصدار أو القبعة أو
العباءة لا يكشف عن شخصية صاحبه قط! (١١٥)
كوانراد : نعم فهي مجرد ملابس.
بوراكيو : أقصد الطراز.
كونراد : نعم الطراز هو الطراز.
بوراكيو :
خسئت! لكأني أقول إن الأحمق هو الأحمق! ولكن ألا ترى كيف
أن هذا الطراز لص ممسوخ؟ (١٢٠)
حارس (جانبًا لزملائه) :
أعرف ممسوخ هذا! لم يتوقف عن السرقة الآثمة في
السنوات السبع الماضية،٥٨ وهو يغدو ويروح متظاهرًا بأنه من السادة!
أذكر اسمه.
بوراكيو : هل سمعت أحدًا؟
كونراد : لا! كانت دوارة الريح فوق سطح المبنى.٥٩ (١٢٥)
بوراكيو :
كنت أقول: ألا ترى كيف أن الطراز لص ممسوخ، كيف يدير
رءوس ذوي الطبع الحار ما بين سن الرابعة عشرة والخامسة
والثلاثين، فأحيانًا ما يجعلهم يظهرون في صورة جنود فرعون٦٠ في
اللوحة الحائلة الألوان، وأحيانًا في صورة كهنة «بعل»٦١ في الرسوم
على نوافذ الكنائس القديمة،٦٢ وأحيانًا في صورة هرقل الحليق في (١٣٠)
الرسوم المنسوجة في الطنافس المطرزة التي علاها السناج وأكلتها
العثة، وحيث يغطي ملتقى الفخذين كِسَاءٌ في ضخامة هراوة هرقل
الحليق!٦٣
كونراد :
أفهم ذلك كله، وأفهم أن الطراز يُبْليِ من الثياب أكثر مما يحتاجه
الإنسان. ولكن ألم يُدِرْ الطراز رأسك أيضًا فتركت حكايتك (١٣٥)
لتحدثني عن الطراز؟
بوراكيو :
على الإطلاق! اعلم أني الليلة طارحت مارجريت الغرام،٦٤ وهي
وصيفة الليدي هيرو، بعد أن ارتدت طراز ملبس مولاتها، وكنت
أناديها باسم هيرو! لقد انحنت من شباك مخدع مولاتها، وقالت (١٤٠)
لي: «طابت ليلتك» ألف مرة،٦٥ ولكني أسأت رواية هذه الحكاية!
كان لا بد أن أقول لك أولًا كيف أن مولاي دون جون خدع كلوديو
والأمير برواية كاذبة، وجعلهما يختبئان معه على مسافة بعيدة في
البستان حتى يشهد الجميع هذا اللقاء الغرامي.
كونراد : فظنوا أن مارجريت هي هيرو؟ (١٤٥)
بوراكيو :
اثنان منهم فقط، الأمير وكلوديو، ولكن مولاي الشيطان كان
يعرف أنها مارجريت. وقد ساهمت الأيْمان التي حلفها لهم، والتي
جعلتهما على استعداد للتصديق، إلى جانب ظلام الليل الدامس،٦٦
في خداعهما، ولكن العامل الأول كان دوري الشرير الذي أكد كل (١٥٠)
وشاية كاذبة أتى بها دون جون! وهكذا مضى كلوديو غاضبًا،
وأقسم أن يلاقيها غدًا صباحًا وفق الموعد المقرر في الكنيسة، وأن
يقوم هناك أمام ضيوف حفل عقد القران جميعًا بفضحها ودمغها
بالعار، وأن يروي ما شاهده عشية الحفل، كيما تعود إلى منزلها (١٥٥)
دون زواج.
الحارس١ (منقضًّا عليهما فجأة) :
نُلقِي القبضَ عليكما باسم الأمير! لا
تتحركا!
سيكول :
استدعوا الكونستابل رئيسنا المحترم! لقد «استكشفنا»٦٧ أخطر قضية (١٦٠)
خيانة سمع بها أحد في الدولة!
الحارس١ :
ومن بينهم شخص يُدعى «ممسوخ»، وأنا أعرفه، فعلى جبهته
خصلة طويلة.٦٨
كونراد : يا سادتي الضباط! يا سادتي الضباط!
سيكول : لَسوف نُرْغمكَ على إحضار الممسوخ دون شك! (١٦٥)
كونراد : يا سادتي الضباط! يا …
سيكول : لا تنطق بكلمة واحدة! إننا نقبض و«نطيعك»٦٩ بالذهاب معنا!
بوراكيو (إلى كونراد) :
الأرجح أن نصبح بضاعة ثمينة، ما دام هؤلاء الرجال (١٧٠)
قد اصطادونا بحرابهم.٧٠
كونراد :
ثِق أنها بضاعة مطلوبة وسيجري التحقيق معها.٧١ (إلى الحرس) هيا
بنا! سوف نطيعكم.

(يخرج الجميع.)

المشهد الرابع

(المنظر داخل منزل ليوناتو … تدخل هيرو ومارجريت وأورسولا.)

هيرو : عزيزتي أورسولا! أيقظي ابنة عمي بياتريس واطلبي إليها النهوض.
أورسولا : سمعًا وطاعةً مولاتي.
هيرو : واطلبي إليها الحضور.
أورسولا : سمعًا وطاعة. (٥)

(تخرج أورسولا.)

مارجريت : أقسم إن الياقة المُنَشَّأةَ الأخرى أجمل.
هيرو : عفوًا يا مارجريت العزيزة! سألبس هذه الياقة.
مارجريت : بل أقسم إنها ليست بديعة وسوف توافقني ابنة عمك.
هيرو : بنت عمي مغفلة، وكذلك أنت. لن ألبس إلا هذه الياقة.(١٠)
مارجريت :
في غرفتك الخاصة «باروكة» جديدة تعجبني كثيرًا، لو أن لون
الشعر كان «أغمق» قليلًا! وفستانك من طراز نادر المثال، بالحق!
ولقد شاهدت فستان دوقة ميلانو الذي امتدحوه مدحًا كثيرًا. (١٥)
هيرو : لا! يقولون إنه يفوق ما عداه.
مارجريت :
أقسم إنه لا يزيد عن رداء للمنزل إن قورن بفستانك! حقًّا إنه
منسوج بخيوط مُذَهَّبَة، وبه فتحات تكشف ثراء النسيج من تحته،
ومُوَشِّي بالفضة، ومُرَصَّعٌ باللآلئ، وبه أكمامٌ داخلية وخارجية، وله
حواشٍ تحيط به مُحَلَّاةٌ بخيوط حريرية يضرب لونها إلى الزرقة،٧٢ (٢٠)
ولكن فستانك ذو طراز رهيف بديع رشيق ممتاز، ويساوي عشرة
منه!
هيرو : اللهم أسعِدْنِي بارتدائه، إذ يُثقِل قلبي هَمٌّ عظيم.
مارجريت : سرعان ما يزيد ثِقَلًا بمقدار وزن رجل.٧٣ (٢٥)
هيرو : تبًّا لك! ألا تستحين؟
مارجريت :
مِمَّ يا مولاتي؟ مِنْ ذكرِ أمرٍ شريف؟ أليس الزواج أمرًا شريفًا حتى
للمتسول؟ أليس مولاكِ شريفًا من دون زواج؟ أظنك تريدينني أن
أقول ولا مؤاخذة،٧٤ بمقدار وزن زوج!٧٥ لن يغضب مني أحدٌ إذا لم (٣٠)
يسئ فهم صراحتي وصدقي، وما العيب في أن أقول «أثقل بمقدار
زوج»؟ لا عيب في رأيي إذا كان زوج المرأة وكانت الزوجة زوجته،
وإلا خَفَّت الموازين ولم تثقل!
(تدخل بياتريس.)
وإلا فاسألي ليدي بياتريس؛ ها هي ذي مقبلة. (٣٥)
هيرو : صباح الخير يا بنت العم.
بياتريس : صباح الخير يا هيرو الجميلة.
هيرو : كفى الله الشر! أفي صوتك نغمة وعكة؟
بياتريس : أظن أنه لا أنغام أخرى لديَّ.
مارجريت :
فلنصفِّق على إيقاع أغنية «في ضوء الحب»،٧٦ فليس لها «كوبليه» (٤٠)
يتكرر. عليكما الغناء وعليَّ الرقص!
بياتريس :
هل يسهل «إيقاعك» في ضوء الحب؟ إذن لو كان لزوجك
إسطبلات كثيرة، سيكثر العاملون في أجرانه، ويكثر أطفالك!
مارجريت : يا له من تفسير غير شرعي! إني أحتقره وأطؤه بقدميَّ! (٤٥)
بياتريس :
إنها الخامسة صباحًا تقريبًا يا بنت العم! آن وقت استعدادك. أقسم
لديَّ نزلةُ بردٍ شديدة! (تعطس) «اتشو!» هاي هو!
مارجريت : ماذا وراء ذلك: صقرٌ أم فرسٌ أم زوج؟
بياتريس : بل صداعٌ وحسب! (٥٠)
مارجريت :
أمَّا إذا عَيَّرتِ دينَكِ٧٧ وقَبلتِ الزواج فلنْ نثقَ بعدَ الآنَ بشيءٍ ولو
الاهتداء بالنجم القطبي!
بياتريس : ترى ماذا تعني هذه الحمقاء؟
مارجريت : لا شيء، ولكن، فليحقق الله لكل فرد ما يتمنى قلبه. (٥٥)
هيرو : لقد أهداني الكونت هذا القفاز، وهو مُعَطَّر بعطر رائع!
بياتريس : لا أستطيع الشم يا بنت عمي فلقد ملأ الزكام أنفي.
مارجريت : عذراء وامتلأت! هذا البرد أتى بالخير!٧٨ (٦٠)
بياتريس : كان الله في عوني! كان الله في عوني! منذ متى بدأْتِ التفكُّه؟
مارجريت : منذ انتهيت أنتِ منه!٧٩ أفلا يلائمني التفكُّه كثيرًا؟
بياتريس : لم نشهده كثيرًا، اجعليه طرطورًا لك!٨٠ أقسم إني مريضة. (٦٥)
مارجريت :
خُذِي عُودًا من نبات «كاردوس بينديكتوس»٨١ واغليه في الماء، ثم
قطِّري الماء، وضُمِّيه إلى قلبك، فهو علاج القلب الوحيد!
هيرو : هذا نباتُ الشَّوكِ وأنت تَشُكِّينها به! (٧٠)
بياتريس :
بينديكتوس؟ لماذا بينديكتوس؟ هل تخفين معنى معينًا٨٢ في لفظ
بينديكتوس؟
مارجريت :
معنى؟ كلا وأقسم! لا أقصد معنى معينًا، بل أقصد نبات الشوك
المقدس وحسب. وربما ظننت أنني أظن أنك عاشقة؟ كلا قسمًا
بالبتول! لم يبلغ بي الحمق أن أظن ما أريد، ولا أريد أن أظن ما (٧٥)
في طوقي، بل إنني لا أستطيع أن أظن، لو أنني استطعت صرف
خاطري عن أن أظن فيك العشق،٨٣ أو أنك سوف تعشقين في
المستقبل، أو إن كنت تستطيعين الوقوع في الغرام. وكان ذاك حال
بينديك، لكنه الآن غدا كسائر الرجال. كان يقسم في الماضي أنه لن (٨٠)
يتزوج أبدًا، ولكنه الآن — وبرغم ما أقسم عليه — يأكل طعامه كالناس٨٤
دون تبرم! لا أعرف كيف يمكن أن تتغيري أنت أيضًا، لكنني أعتقد
أنك تنظرين بعينيك مثل سائر النساء.
بياتريس : ما هذه السرعة التي يجري بها لسانك؟ (٨٥)
مارجريت : ليست سرعة فرس جامح!

(تدخل أورسولا.)

أورسولا :
احتجبي يا مولاتي!٨٥ فقد حضر الأمير والكونت والسنيور بينديك
ودون جون وجميع أعيان البلدة ليصاحبوك إلى الكنيسة.
هيرو :
أرجوكن مساعدتي في ارتداء ملابسي! هيا يا بنت عمي الكريمة (٩٠)
ويا مارجريت اللطيفة وأورسولا الرقيقة.

(يخرج الجميع.)

المشهد الخامس

(المنظر أمام منزل ليوناتو. يدخل ليوناتو ودوجبري الكونستابل، وفيرجيز نائبه.)

ليوناتو : ماذا تريد مني أيها الشريف يا ابن الحيِّ؟
دوجبري : أقسم يا سيدي إني أريد محادثتك٨٦ في أمرٍ يغمُّك٨٧ بشدة.
ليوناتو : أرجوك الإيجاز إذن، فأنت ترى مدى انشغالي الآن. (٥)
دوجبري : أقسم إن هذا هو الأمر.
فيرجيز : نعم! بالحق هذا هو الأمر.
ليوناتو : وما هو الأمر يا صديقيَّ الكريمين؟
دوجبري :
إن المواطن الكريم فيرجيز يا سيدي يخرج في كلامه قليلًا عن
الموضوع، فهو عجوز يا سيدي، وعقله لم يعد بليدًا٨٨ كما أرجو له (١٠)
بعون الله أن يكون، ولكنه، وأقسم، شريفٌ يشهد جبينه على
شرفه.
فيرجيز :
نعم والحمد لله! لا أقِلُّ شرفًا عن أي رجل حيٍّ! لن تجد عجوزًا
يزيد شرفًا عني.
دوجبري : المقارنات عطرة!٨٩ فاقتصد في كلماتك يا فيرجيز يا ابن الحي! (١٥)
ليوناتو : أنتم مُمِلُّونَ يا أبناء الحي.
دوجبري :
نشكر معاليك على ذلك،٩٠ ولكننا من العسكر الفقراء في خدمة
الدوق. ولكن الحقيقة أنني، من ناحيتي، لو كنت مُمِلًّا كأحد
الملوك فربما طاوعني قلبي أن أهب معاليك كل ما لديَّ. (٢٠)
ليوناتو : تهبني كل ما لديك من مَلَلْ؟
دوجبري :
بل حتى لو زاد عما هو عليه بألف جنيه، «فالقدائح»٩١ الصارخة
فيك التي أسمعها عنك لا تقل عن «القدائح» في أي رجل في
المدينة، وعلى الرغم من فقري، يسعدني سماعها. (٢٥)
فيرجيز : وأنا كذلك.
ليوناتو : ليتني أعرف ما تريدان قوله.
فيرجيز :
أقسم إننا يا سيدي، «باستثناء»٩٢ نوبة حراستنا الليلة، ولا تؤاخذنا يا
صاحب المعالي، قبضنا على اثنين من عتاة المجرمين في مسينا. (٣٠)
دوجبري :
إنه رجل عجوز كريم يا سيدي، وهو يتكلم ويتكلم وحسب! فكما
يقولون «عندما تأتي الشيخوخة يذهب الذكاء».٩٣ كان الله في
عوننا، لقد كان مشهدًا جديرًا بالنظر! ولكنك أجدت القول حقًّا يا
فيرجيز يا ابن الحي. والحق أن الله خلقه رجلًا كريمًا! وعندما يركب (٣٥)
اثنان فرسًا واحدًا، فلا بد أن يجلس أحدهما خلف الآخر. إنه
شريف حقًّا يا سيدي وأقسم على ذلك، مثل أي رجل كسر رغيف
خبز! ولكننا ما دمنا نعبد الله، فالناس ليسوا سواسية، وا أسفا يا
ابن الحي الطيب!
ليوناتو : حقًّا يا ابن الحي! إنه يقصر عنك كثيرًا.٩٤ (٤٠)
دوجبري : نِعَمٌ يُنعم بها الله.
ليوناتو : أنا مضطر للذهاب.
دوجبري :
كلمة واحدة يا سيدي. إن حراسنا قد «أدركوا»٩٥ فعلًا شخصين
يثيران الشبهات،٩٦ ونريد التحقيق معهما هذا الصباح أمام معاليك. (٤٥)
ليوناتو :
قوما أنتما بالتحقيق، وأخبراني بالنتيجة؛ إنني الآن في عجلة
شديدة، كما يظهر لكما.
دوجبري : يكفي هذا.٩٧
ليوناتو : تفضَّلا فاشربا بعض هذا النبيذ قبل الذهاب، إلى اللقاء!

(يدخل رسول.)

الرسول : مولاي! إنهم ينتظرونك حتى تزف ابنتك إلى زوجها. (٥٠)
ليوناتو : سآتيهم فورًا، فأنا جاهز.

(يخرج ليوناتو مع الرسول.)

دوجبري :
اذهب يا شريكي الكريم … اذهب إلى فرانسيس سيكول، واطلب
منه أن يحضر قلمه ودواة الحبر إلى السجن، وسوف نقوم الآن
بالتحقيق مع هذين الرجلين. (٥٥)
فيرجيز : وعلينا الالتزام بالحكمة فيه.
دوجبري :
لن ندخر أي ذكاء قطعًا، في هذا الرأس (مشيرًا إلى رأسه) ما
سوف يوقعهم في حيرة، ولكن أحضر الكاتب النحرير حتى يسجل
محضر التحقيق، وسوف نتقابل في السجن. (٦٠)

(يخرج الجميع.)

١  المنظر نفسه، في الحديقة، إلى جانب وجود مكان لاختباء بياتريس، ولكن هذا المكان لا بد أن يختلف عن مكان اختباء بينديك، وقد تفنَّن بعض المخرجين في ابتكار مكان يبرر إصابة بياتريس بنزلة برد (في المشهد الرابع من هذا الفصل) فجعلوا المكان بعض الغسيل الذي لا يزال مبللًا، أو بركة ضحلة، أو تحت بعض النباتات التي ترويها هيرو وأورسولا!
٢  «الخميلة الملتفَّة» المقصود أن الأغصان تلتف وتتشابك فتشكِّل ما يشبه التعريشة أو السقيفة النباتية فوق الممر الممتد بين الأشجار، والنباتات في هذه الحالة هي زهر العسل الذي يشبه الكرم في نموه، واسمه العربي العلمي صريمة الجدي، ولكنني فضَّلت الاسم الأيسر والأكثر شيوعًا.
٣  سبق تحليلي لصورة رجال الأمير الذين يتمردون على سلطة ولي نعمتهم في المقدمة، وأضيف هنا أن هاري بيرجر يقول في دراسته المشار إليها «إن هذا تحليل في غير مكانه للموقف كله … فبياتريس هي التي تتمرد على من تتمتع لديه بالحظوة، دافعة بكبرياء عذريتها ضد القوى الذكورية التي أنضجتها، أي الطاقة الشمسية للآباء والأمراء والمعجبين» (ص٣٠٦). وهو تخريج طريف، ولكن مكانه الهامش أو الحاشية وحسب.
٤  «مثل الطير الحاذق» في الأصل (lapwing) واسمه الشائع اليوم (plover) ويقابله بالعربية الزقزاق، وأما الاسم الذي وصفته بالشيوع فهو الزقزاق الشامي، وهو (green lapwing) والمقصود أي طائر يتحاشى الصياد بأن يطير قريبًا من الأرض فيصعب اصطياده لصعوبة رؤيته أو تحديد مكانه الدقيق أو مكان اختفائه، وقد استعضت عن الاسم المحدد بذكر أهم صفة للطائر وهي الحذق والحرص، إذ وجدت في الصفة تحقيق الصورة التي يرسمها شيكسبير. وتقول كلير ماكيتشيرن إن الصورة قد تصف حذق بياتريس وحرصها في التخفي عن الفتاتين، وتضيف إن صورة الطائر كانت تستعار في الأعمال الأدبية في ذلك العصر لوصف خداع المرأة بصفة خاصة، ولكن هذه دلالة ثقافية بعد العهد بها ويصعب إبرازها لجمهور المسرح المعاصر مهما تكن لغة المسرحية.
٥  «أزهار العسل» في الأصل اسم الشجرة التي تنمو عليها هذه الأزهار وهي (woodbine) وليس لها اسم سوى صريمة الجدي، فاستعضت «باسم» الزهر عن الشجرة التي تنبتها.
٦  «كالصقر البري النافر» (haggard) وهي أنثى الصقر البري التي لم تُروَّض بخلاف الصقور التي يرعاها المربون منذ أن يفقس البيض ويدربونها على الصيد، ومن ثم كانت صورتها تُستعَار للدلالة على المرأة المتمردة البارعة في الخداع والمولعة بالتظاهر بالتمنُّع. ويستخدم الصورة شيكسبير في ترويض السليطة (٤ / ٢ / ٣٩) كما يستخدمها لِيِلِيِ في تشريح اللماحية، ويورد فيرنيس في طبعته للمسرحية مقتطفًا من رسالة عن الصقور والصيد كتبها إدموند هنت، يصف فيها أحوال هذا الطائر. والطريف أن بياتريس تستخدم هذه الصورة نفسها في السطر ١١٢ من هذا المشهد حين تقول «وأروض قلبي الشارد بأيادي حبك وهيامك.»
٧  شرحت هذه الصورة المعقدة في المقدمة، وأتوسَّع هنا قليلًا فأقول إن هيرو تُشَبِّهُ بريق عيني بياتريس ببريق نَصْلَيْ سيفين في يَدَي فارسين على صهوة فرسين! وأما السيوف فهي سيوف سخرية واستهزاء، ويكفي بريقها لإحداث الرعب والرهبة! وقد أجهدتني هذه الصورة في الترجمة بسبب صعوبة ضغط هذه المعاني كلها في عشر كلمات أو أقل، مثلما أدهشني صدورها من فم «الصامتة» «المطيعة» هيرو!
٨  «رمح بسنان سيئ» الأصل (ill-headed) أي بسنان غير حادٍّ، ولا يجرح.
٩  «فص عقيق» كان الخاتم الذي يُرَكَّبُ فيه فص عقيق عادةً ما يحمل صورة مصغرة في هذا الفص نفسه، فإذا كانت تلك صورة قزم أصبحت أقبح ما يكون.
١٠  ٥٩–٦٨ يورد النقاد آراء لِيلِي الذي يقول إن هذه النزعة إلى قلب طبيعة الأشياء أو وصفها بأضدادها كانت من سمات المرأة.
١١  «قد تثقلني بفكاهات تكتم أنفاسي فأموت» الصورة مستقاة من أسلوب تعذيب المجرم الذي يرفض الإفصاح عن شيء بوضع أثقال فوق جسده وزيادتها تدريجيًّا حتى يتكلم.
١٢  «مثل الجمر المطمور» كان طمر الجمر يبقي على النار موقدة فترة طويلة، وتتردد هذه الفكرة في الأمثال السائرة في تلك الفترة.
١٣  «وصمات غير مشينة» تقول هيرو إنها سوف تصمُ ابنة عمِّها بوصمات تنحصر في الصغائر وتتجنب الكبائر، وعلى رأس هذه الكبائر بالنسبة للمرأة الفجور أي التخلي عن العفة. ويكثر النقاد في تحليل هذا التمييز، فبعضهم يرى في التعبير مفارقة ما دامت الوصمة لا تكون إلا شائنة، وبعضهم يقول إن كَيْدَ هيرو ارتدَّ إلى نحرها حين وصمها دون جون بالفجور، والبعض يضرب أمثلة لما هو غير شائن من الوصمات مثل الزلة غير المقصودة أو مظاهر الضعف البشري التي لا تصل إلى درجة الخطيئة.
١٤  «إفساد الحب» (empoison liking) وصورة السم ليست خاصة بل مقصدها عام، وعادةً ما يقتصر استخدامها في العربية على «الجو المسموم» وأمثال ذلك.
١٥  تتحدث بياتريس هنا بالشعر لأول مرة في المسرحية، فتقدم ما يسميه النقاد السونيتة الناقصة، وهو نادر في حالتها وإن كنا سنسمع أنها ألَّفَت سونيتة في حب بينديك في آخر المسرحية.
١٦  كان الشائع أن ترويض الصقور لا يمكن النجاح حقًّا فيه إلا بالحب!
١٧  يعلِّق النقاد على دلالة رغبة كلوديو في اصطحاب الأمير قائلين إن ذلك يدل على عدم نضج كلوديو وعدم إدراكه معنى زواجه، كما يؤكد ما يُسمَّى بصداقة الرجال وتضامنهم (نادي رجال مسينا عند بيرجر) في مقابل العلاقة بين الجنسين.
١٨  «فإنه المرح كله» تعليق ساخر من جانب دون بيدرو على حال بينديك الذي بدت عليه أعراض «الحب» فحاول إخفاءها بحلق لحيته والتظاهر بوجعٍ في أحد أضراسه.
١٩  «الوغد الصغير» أي كيوبيد رب الحب.
٢٠  «سليم مثل الناقوس» (as sound as a bell) كان هذا مثلًا شائعًا وأصبح الآن من مصطلحات اللغة الإنجليزية الجارية.
٢١  «ينطق لسانه بما يخطر في قلبه» هذا تحوير لمثلٍ سائر هو «أفكار الأحمق جوفاء كصليل الأجراس» أي (As the fool thinks, so the bell chinks).
٢٢  في الفعل (to draw) تورية من المحال إخراجها بالعربية، فحين يرتبط بالفعل (hang) يتغير معناه، لأن (draw) يعني حين ذاك بَقْرَ البطن بمعنى إخلائه من الأحشاء، وكان عقابُ الخونة التقليدي يتكوَّن من الشنق وبقر البطن وقطع الجسم أربعة أجزاء والصيغة المعروفة (to be hang’d, drawn and quartered) هي التي يتلاعب بها كلوديو. والفعل (hang) يتضمن تورية مركبة، فحين يقول بينديك: (hang it!) يعني «عليه اللعنة» وحين يقول كلوديو (hang it) يعني اشنقه! ولكن للكلمة معنى آخر هو «يعلق» وكانت عيادات الأسنان تعلق أضراسًا في الفاترينة للإعلان عن عملها. وكان عليَّ هنا أن أحافظ على استمرار المعنى في الحوار ولو ضحيت ببعض جوانب التورية.
٢٣  يتوسَّع الشرَّاح في ربط وجع الضرس بخللٍ في أحد أخلاط البدن الأربعة، وهي دلالة ثقافية لا تخطر ببال جماهير اليوم في المسرح.
٢٤  يتلاعب دون بيدرو بكلمة «الهوى» فيستخدمها مرة بمعنى «محب» ومرة بمعنى «غاوي» العامية، ولاحظ أن كلمة غاوي العامية تعني المحب أيضًا (الغاوي ينقط بطاقيته) أي كما يقول أحمد شوقي (بالعامية) اللي يحب الجمال/يسمح بروحه وماله.
٢٥  ٣٠–٣٤ حُذِفَتْ السطورُ التي تشير إلى الأجانب من طبعة الفوليو لعدة أسباب يشرحها النقاد. ولكنها تهمنا لأنها تكشف عن انشغال الأبطال بالملابس وطُرُزِها، وهو ما يصبُّ في وعاء الصورة المحورية في المسرحية أي أهمية الظاهر وطُرز الملبس، فارتداء الوصيفة مارجريت ملابس سيدتها هيرو يُقْنِعْ الرائين بأنها هيرو، واهتمام بينديك بأناقته، كما يقول، يعني انحصاره في ذاته ورفضه للزواج، وانظر تعليق بوراكيو على «طراز الملبس» الذي يعتبره لصًّا ممسوخًا، وهو مصيب في هذا لأن طراز الملبس «يسرق» الهوية بمعنى أنه يطمس حقيقة الشخص.
٢٦  يعود دون بيدرو هنا إلى التلاعب بكلمة الهوى.
٢٧  كانت أنغام العود الشجية مرتبطة بأغاني الغرام، والحزين منها خصوصًا. وقد شرحت الصورة المقصودة في الترجمة، بدلًا من تقديمها كما هي، فقلت إنه يصدر نغمات متفاوتة متباعدة والأصل يقول (now governed by stops) والمقصود بالاسم هنا علامات وضع الأصابع على الوتر (أو ما يُسمَّى عند الموسيقيين أماكن «العَفْق») أي إنه لم يعد يصدر أنغامًا متصلة (مثل الكمان) أو متوافقة (مثل البيانو) بل متقطعة يبتعد بعضها عن بعض. و(stops) يقابلها في الجيتار (frets) لأنها بارزة.
٢٨  «تفنى في حبه» في الأصل (dies for him) وفي كلمة (die) إيحاء جنسي مضمر يتعذر إخراجه بالعربية، ولما كان دون بيدرو يواصل استغلاله للتورية جعلته يبدأ رده بكلمة «تموت» (المنقولة من عبارة كلوديو) ثم أردفتها بما يقول بأنها ستدفن ملقاة على ظهرها أي أثناء الجماع، ولكن محرري طبعات شيكسبير في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كانوا يرفضون قبول الإيحاءات الجنسية (وربما عجز بعضهم، كما يقول المحدثون، عن إدراكها) فغيروا العبارة إلى «وهي ملقاة على بطنها».
٢٩  يتفنن الشرَّاح في تخمين طبيعة «الكلمات الحكيمة»، ولكنني أرى أن شيكسبير يريد إخلاء المسرح حتى يتسنى لدون جون حبك أحبولته.
٣٠  «المُهَرِّجَان» في الأصل (hobby-horses): وهو يشير إلى المهرج الذي كان يلبس زيًّا خاصًّا مجدولًا من الخيزُران والخوص على شكل حصان، ويتقافز في هذا الزي على المسرح أثناء «رقصة موريس» التي يقتصر أداؤها على الرجال.
٣١  «هيرو ومارجريت» الواقع أن أورسولا لا مارجريت هي التي تشارك هيرو في تنفيذ المتفق عليه. وقد يكون كلوديو قد أخطأ عن غير قصدٍ أو جهلًا بمن سيلعب الدور أو توقعًا لقيام مارجريت بهذا الدور بسبب حيويتها الدافقة. وربما كان شيكسبير يريد أصلًا أن تقوم مارجريت بهذا الدور ثم عدل عن ذلك ونسي تصحيح العبارة.
٣٢  «عمت مساءً» تحية تقال في أي وقت بعد الظهر.
٣٣  «ولكن من حق الكونت كلوديو» ربما يقول دون جون ذلك حتى يستبقي كلوديو الذي يتحرك مبتعدًا لإخلاء الجو.
٣٤  «من يدخل من شباك مخدعها»: يتناقض هذا مع الخطة التي وضعها بوراكيو في المشهد الثاني من الفصل الثاني، ومع التهمة التي يوجهها دون بيدرو بأن هيرو كانت وحسب «تتحدث مع وغدٍ من شباك المخدع» (٤ / ١ / ٩١) (انظر المقدمة حيث أناقش تعديل شيكسبير للمادة التي استقاها من «مصادره»).
٣٥  «سوف أفضحها على الملأ»: يختلف هنا شيكسبير عمن سبقه في نزوع كلوديو إلى «الإعلان» و«المصادر» تجعل الخاطِب يُرسِل مِرسالًا يتضمن فسخَه للخطبة وحسب.
٣٦  انظر الحديث عن أفراد الحرس في حواشي الشخصيات.
٣٧  «عقاب الخلاص» يخطئ دوجبري بانتظامٍ؛ فيأتي بضد ما يقصده مثل فيرجيز الذي يقول هنا (salvation) وهو يقصد (damnation)، والمترجم هنا يواجه معضلة حقيقية: هل يترجم ما يقول الشخوص ويسمعه النظارة في المسرح، أم يترجم ما كان ينبغي أن يقولوه أي ما قصدوا إلى قوله وجاءوا بنقيضه؟ وبعد دراسة آراء النقاد وشرَّاح النص قرَّ رأيي على الالتزام بما في نص شيكسبير مع «تلوينه» بحيث يتضح للقارئ الخطأ، وانحصر تلويني هنا في استعارة كلمة «عقاب» من بداية قول دوجبري وتكرارها في قول فيرجيز السابق، وهي كلمة لا تضيف شيئًا إلى المعنى بل تصِفه وحسب، وهي واردة أيضًا في الحوار باعتباره نسقًا متكاملًا، وحتى خارج مثل هذا النسق لك أن تقول «حُكِمَ على اللص بالحبس» أو حُكِمَ عليه «بعقوبة الحبس»، ومَزِيَّةُ وجود هذه الكلمة المكررة إيضاح أن فيرجيز يقصد «العقاب» وهو الذي لا يكون دينيًّا إلا بدخول النار، وهو ما تعنيه الكلمة المقصودة الغائبة. وشجعني على ذلك قول أحد النقاد (انظر المقدمة) إن «الخلاص» قد يكون عقوبة إذا كانت الكلمة تعني التكفير عن الذنب بأداء عملٍ شاق أو مكابدة أهوال معينة، و«الكفارة» التي نعرفها في المسيحية تتضمن ذلك (مثلما تتضمنه في الإسلام). ونحن نقرأ كيف سار الملك هنري الثاني حافيًا من لندن إلى كنتربري وجعل الكهنة يجلدونه تكفيرًا عن ذنبه في الأمر بقتل القديس توماس آ بيكيت، فكفارته كانت في سبيل الخلاص. وأذكر ما يقوله علماء اللغة العرب عن الأضداد في اللغة العربية تفسيرًا لها، من أن الشيء ونقيضه يلتقيان، ونحن نستخدم بالعامية الكلمة في سياق الإثبات والنفي معًا، فنقول «إياك ألاقي معاك فكة عشرة جنيه» ونقول «إياك تروح له تاني!»
٣٨  «من اللا مستحِق أكثر من غيره» يقصد دوجبري «المستحِق» ولكن ما يقوله صحيح من زاوية معينة، ففي الحكومة يشغل المناصب أشد الأفراد «عدم استحقاق» لها (انظر الحاشية السابقة).
٣٩  «أنعم الله عليك باسم حسن» كان الفحم الحجري المشحون بحرًا من نيو كاسل أجود من الفحم النباتي (charcoal) الذي يبيعه الفحامون في لندن (انظر حواشي الأسماء).
٤٠  «عندما لا تدعو الحاجة» يقصد العكس، ولكن قوله يتضمن سخرية «صحيحة» من رجال الحكومة، خصوصًا طبقة البيروقراطية الناشئة آنذاك.
٤١  «أبعد الناس عقلًا» يقول دوجبري (most senseless) وهو يقصد (sensible) ورأيت أن آتي بكلمة تحتمل المعنيين، فبُعدُ العقل قد يعني «أبعد الناس عن العقل» وقد يوحي ببعد النظر، وقد ينطبق المعنيان على سيكول فعلًا!
٤٢  وجود المصباح على خشبة المسرح الإليزابيثي كان دليلًا على أن الليل قد حلَّ.
٤٣  «تُلقي الانقباض» المقصود كما هو واضح «تلقي القبض»، ولكن أفلا يؤدي القبض على بوراكيو وكونراد إلى «انقباضهما»؟ وقد يستعين الممثل على خشبة المسرح في توصيل ما كان يرمي إليه بإشارة من يده تفيد القبض والإمساك باللص، وقد يستعين بالتردد في التلفظ بالكلمة فيقول «تلقي اﻟﻘ … اﻟﻘﺒ… الانقباض» فيصل معناه إلى الجمهور ويصل الخطأ ذو الدلالة أيضًا!
٤٤  «لن يكون من رعايا الأمير» يقصد فيرجيز أن الولاية القضائية للأمير لا تنطبق عليه، ولكن فيرجيز يفهم العبارة حرفيًّا، وهذا مصدر الفكاهة.
٤٥  «أشد ما يطاق» المقصود طبعًا ما لا يُطاق، ولكن الطريف أن الكلمة العربية قد تعني ذلك، فالتفسير المعتمَد للآية القرآنية وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ تعني وعلى الذين لا يطيقون الصوم (لأسبابٍ صحية أو بسبب التقدم في السن) ويردف دوجبري ذلك بعبارة تشرح ما يعني، وهي صريحة وصحيحة!
٤٦  ولع الحراس بالكسل والنوم كان مصدرًا للتفكُّه الدائم.
٤٧  «أسلحتكم» كان السلاح المعتاد في أيدي الحراس حربة طويلة وفي رأسها فأس، ولما لم أجد مقابلًا دقيقًا لها استعضت بالكلمة ذات المعنى العام.
٤٨  «من يلمس الزفت يلوث يده» كان ذلك مثلًا سائرًا، وإيقاع النظم واضح فيه.
٤٩  لاحِظ كيف يسترق السارق الخطى هاربًا!
٥٠  «أشنق كلبًا» كانت تصدر على الحيوانات أحيانًا عقوبات قانونية، انظر قول بينديك «لو كان كلبًا وصدر منه هذا العواء لشنقوه!» (٢ / ٣ / ٨٠).
٥١  «العجل حين يخور» يقصد دوجبري «الأحمق حين يصيح» والأحمق الذي يقصده هو الحارس الذي يطلب من المرأة إسكات رضيعها، ولكن صياغة دوجبري توحي للسامع بأنه يستشهد بمثلٍ سائرٍ. لاحِظ ورود صور الحيوان هنا في غير ما أشار إليه النقاد من دلالتها على تحويل العاشق إلى حيوان (انظر المقدمة).
٥٢  «أن تحتجزه» الأصل هو (stay) والمعنى الحرفي أن تعتقله أو على الأقل أن تستوقفه للتحقيق معه، وتتكرر الكلمة في ٧٧ أدناه.
٥٣  «اللوائح» المقصود ما يصدره البرلمان من مراسيم قبل أن تصبح جزءًا من القانون العام، ولكن الحالة التي يناقشها من شأن القانون العام لا اللوائح المذكورة.
٥٤  «ألا يغضبوا أحدًا» المقصود ألا يغضبوا أحدًا من علية القوم، وهكذا فالمشهد يصور ضعف النظام الذي يقصر تولي مهمة الحراسة على الطبقات الدنيا ثم يحرم أفرادها من تطبيق القانون على من يعلوهم في المرتبة الاجتماعية.
٥٥  «ها ها ها» هذا يمثِّل صيحة انتصار وزهو لما أثبته دوجبري من خطأ فيرجيز.
٥٦  «واعملوا بمشورة زملائكم ومشورتكم» أي طبِّقوا ما تنصحون به الغير على أنفسكم أيضًا، والمثل الشائع آنذاك يقول «اعمل أنت أولًا بما تشير به على غيرك»، وكان ذلك واردًا في اليمين الذي يُقسمه المحلَّفون في المحاكم.
٥٧  «كَكُلِّ سكِّير صادقٍ»: ربما كانت إشارة إلى أن المخمور ينطق بالصدق، ومن ثَمَّ فإن صفة الصدق توحي بأكثر من صفة «حقيقي»، إيماءً إلى المثل اللاتيني القديم الذي يقول (in vino veritas) أي «الصدقُ يخرجُه النبيذ» (انظر حواشي الشخصيات)، والطريف أن بوراكيو وكونراد يقدَّمان على المسرح دائمًا في حالة سُكرٍ بيِّنٍ.
٥٨  «السنوات السبع الماضية» الرقم لا يعني عددًا محددًا بل يفيد الكثرة وحسب.
٥٩  «فوق سطح المبنى» قد يقصد به سطح السقيفة أو حتى مبنى المسرح نفسه!
٦٠  «جنود فرعون» المقصود فرعون موسى الذي غرق مع جنوده في البحر وهم يطاردون بني إسرائيل (الخروج ٤: ٢٣–٢٨).
٦١  «كهنة بعل»: كان بعل الرب السومري للرياح والزراعة، وكان كهنته (عبدة الأصنام) مشهورين بارتداء الملابس الفاخرة الزاهية، وكان الاتجاه الديني آنذاك يربط بين ذلك وبين الكفر.
٦٢  «نوافذ الكنائس القديمة» كانت الشبابيك ذات الزجاج الملون من العلامات المميزة للطقوس الكاثوليكية، وكان يُشتمُّ فيها رَوْح الوثنية.
٦٣  «هرقل الحليق» من المحتمل أن بوراكيو يخلط هنا بين هرقل وبين شمشون الذي قُصَّ شعره ففقد قوته، وقد يشير بوراكيو السكران إلى قصة ارتداء هرقل ثياب المرأة، ولو أنه في هذه القصة غير حليق وذو لحية، كما يصوره سيدني في مقاله دفاع عن الشعر، ويقول ميرز في طبعة نيو كيمبريدج إن لوحة «هرقل في مفترق الطرق» كانت شائعة في ذلك العصر وتمثِّل صورة الشاب ذي القوة والعنفوان الحليق اللحية، الذي يقف موقف الحيرة بين الفضيلة والرذيلة. وتقول كلير ماكيتشيرن إن بوراكيو يخلط في هذيان السكارى، وإن كان هدف تصويره واضحًا وهو الإشارة إلى مثال الشاب الأنيق المهندم الحليق الذي يتناقض مظهره مع التصاوير التي تبدو في اللوحات البالية والنوافذ القديمة.
٦٤  ١١٤–١٣٦ الاستطراد الذي ينطلق فيه بوراكيو عن طرز الملبس، وكيف أنها تمسخ الإنسان، وكيف أن الطراز لص ممسوخ (وهو يعني «ماسخ» ولكني التزمت بما يقول، خصوصًا لأن كلمة ماسخ العامية تصف غير المستطاب من كل شيء) استطراد في ظاهره خارجٌ عن «الموضوع»، ولكنني أتصور، رغم حذف المخرجين له عادةً من العروض المسرحية، أنه مهم أولًا لأنه ينتهي إلى أن اختلاف طراز ملبس مارجريت جعلها تصبح هيرو في عيني كلوديو ودون بيدرو، أي سلبها هويتها (فهو لِصٌّ) ومسخها فجعلها تكتسب هوية شخص آخر، وثانيًا لأنه يبرر تأملاته عن تقلب أمزجة «ذوي الطبع الحار» أي الشباب، وهم أبطال المسرحية الأربعة (كلوديو وبينديك وهيرو وبياتريس) فيما يتعلق باختيار شريك الحياة، وثالثًا لأنه يؤكد التناقض بين طرز ملابس «الكبار» وسلوكهم، كما أدركه في علاقته بدون جون وكلوديو ودون بيدرو.
٦٥  «ألف مرة» الواضح أن مارجريت لعبت دور العاشقة التقليدية مثل جوليت.
٦٦  «ظلام الليل الدامس» يختلف شيكسبير في هذا عن «مصادره» التي تقول إن الليلة لم تكن حالكة الظلام.
٦٧  «استكشفنا» يقصد اكتشفنا أو كشفنا عن، وقد حاولت استخدام كلمة توحي بالمقصود الذي يُفهَم من السياق ومن أصل الكلمة، دون الإتيان بالمعنى البعيد في خطأ سيكول، إذ يقول (recovered) بدلًا من (discovered) وسواء كان ما يقوله يعني حرفيًّا «استعدنا» (أو استرددنا) أو (recovered) بمعنى أعدنا إخفاء، كما يقول النقاد، فلن توحي الكلمة العربية للجمهور العربي بما توحي به مقابلتها الإنجليزية (على خطئها) للجمهور الناطق بالإنجليزية، ولهذا أحببت الإيحاء بالتأثير الذي أتصوره، ما دام السامع الإنجليزي سوف يفهم المراد لاشتراك الكلمة الخطأ والكلمة المقصودة في الجذع نفسه. وطبعة فولجر تنص هنا على خروج الحارس الثاني، تنفيذًا لقول سيكول «استدعوا الكونستابل» وتنص على عودته إلى المسرح مع دوجبري وفيرجيز بعد السطر ١٦٣، وذلك استنادًا إلى ما ورد في طبعة غير مصححة من طبعات الكوارتو الأولى تورد ذكرًا للكونستابل دون نسبة أي حوار له، كما تنسب هذه الطبعة (فولجر) قول سيكول في السطر ١٦٩ إلى دوجبري، ولم أجد ذلك في أية طبعة أخرى فتجاهلته.
٦٨  «خصلة طويلة» (في الأصل lock) عادةً ما كانت مُنْسَدِلَةً ومزينة بتذكار من تذكارات المحبوبة. والكلمة نفسها تعني «القفل» بالإنجليزية، وهو المعنى الذي يعلق بذهن دوجبري فيعود إليه في ٥ / ١ / ٢٩٧، ولكنَّ بُعْد التورية ينسينا الإشارة إليها هنا.
٦٩  «نطيعك» أي نأمرك، ولم أجد وسيلة لنقل خطأ الاستخدام.
٧٠  «بحرابهم» في كلمة (bills) تورية لأنها قد تعني إلى جانب الحراب وثائق البيع والشراء.
٧١  «مطلوبة وسيجري التحقيق معها» الأصل (in question) يفيد المعنيين فأتيت بهما جميعًا.
٧٢  ٧–٢٠ راعيتُ في ترجمة هذه السطور أن تشرح نفسها أي ألا تحتاج إلى هوامش.
٧٣  «بمقدار وزن رجل» إشارة مارجريت الجنسية واضحة.
٧٤  «ولا مؤاخذة» هو التعبير العامي الوحيد الذي يقابل (saving your reverence) ولم أستطع إيجاد مقابل «فصيح» له. والمشهد مغرق في العامية أو الفصحى الدارجة.
٧٥  تلعب مارجريت هنا على ضرورة أن يعاشر الزوج زوجته لا زوجة رجل آخر، وكذلك الحال بالنسبة للزوجة، ونحن نعرف حتى الآن الفكاهة الشائعة حين يسأل أحد اثنين عن حالتهما الاجتماعية فيقولان «متزوجان، من بعضنا البعض» (married, to one another). وأهم ما في هذا المشهد إقدام مارجريت على التلاعب اللفظي الذي يُعتبَر من سمات الأسلوب اليوفوي أيضًا، كأنما لتبدي تطلعاتها الطبقية.
٧٦  «هل يسهل إيقاعك في ضوء الحب» لاحِظ تلاعب بياتريس بكلمة «إيقاع»، وهو يقابل التلاعب بلفظة (light) التي تستخدم أولًا بمعنى الضوء ثم بمعنى «الخفة»، وعبارة بياتريس ذات إباحية صريحة فهي تسألها إن كانت سريعة «الوقوع» أمام من تحب (أي سريعة المضاجعة) وتستكمل الإشارة إلى ذلك بإمكان إنجابها أطفالًا من العاملين في أجران زوجها وإسطبلات خيله. وكلامها يتضمن بعض التوريات التي أتيت بمعانيها الظاهرة والخفية.
٧٧  «إذا غيرت دينك»: الأصل (turned Turk) أي إذا كفرت بعداوتك للزواج. ولاحِظ أن مارجريت تتوقع أن تكون بياتريس قد عدلت عن عداوتها بعد ما سمعته من حديث هيرو وأورسولا، فهي التي شاركتهما تدبير مشهد «استراق» السمع السابق.
٧٨  «عذراء وامتلأت» أي كيف تمتلئ بطنها بطفل وهي عذراء؟ وتوحي مارجريت بمعانٍ إباحية أوضح مما يحتاج إلى شرح. وأما قولها «هذا البرد أتى بالخير!» فيعني في الواقع «إنك أصبت بنزلة برد شديدة» ولكن الصياغة تواصل التلميح الإباحي.
٧٩  «منذ انتهيت أنت منه» تقول مارجريت ذلك راجيةً أن يكون حبها لبينديك جعلها تقلع عن أسلوب حديثها المألوف.
٨٠  «اجعليه طرطورًا لك» أي إنك سوف تظلين حمقاء (موحية باستمرار تدني طبقتها الاجتماعية) مهما تفكَّهت وحاولت مجاراة السادة في فكاهاتهم اللماحة! وهذا التفسير النقدي الذي يتردد فيما قرأت يؤكد، كما تقول صاحبات النقد النسوي، أن بياتريس قد تتمرد على مكانة المرأة التقليدية في المجتمع ولكنها لا تعارض الأوضاع الطبقية السائدة.
٨١  «نبات كاردوس بينديكتوس» هذا هو الاسم اللاتيني لنبات الشوك المعروف أي (thistle) وهو يُسمَّى أو يوصف بأنه مبارك (وهذا هو معنى الكلمة اللاتينية) لأنه كان يتمتع بخصائص علاجية مشهود بها، والواضح أن مارجريت تقصد التورية التي توحي «باسم» بينديك، وهذا ما تسأل عنه بياتريس.
٨٢  «هل تخفين معنًى معينًا؟» أي هل تقصدين إشارة خفية، والمقصود أن الإشارة جارحة لأن مارجريت تنكر ذلك في ٧٣ إنكارًا باتًّا.
٨٣  لاحِظ بناء عبارات مارجريت التي تتسم بالتوازي والتكرار طموحًا إلى تحقيق إحدى سمات الأسلوب اليوفوي.
٨٤  «يأكل طعامه كالناس» أي يعترف بشهواته البشرية «الطبيعية».
٨٥  «احتجبي يا مولاتي» أي ادخلي غرفة نومك، فالواضح أن الحدث هنا كان يقع في قاعة عامة من قاعات المنزل الكبير.
٨٦  «أريد محادثتك» يقول دوجبري (confidence) بدلًا من (conference) ولم أغيِّر المقصود لأن الكلمة التي يأتي بها خطأ توحي بمعنى «الاختلاء» أو «السرية» (ومنها جاءت كلمة confidential) وصوتها بالإنجليزية على المسرح يوحي بالمعنى المقصود، كما أنني لو غيَّرتها في مستهل المشهد إلى كلمة «ثقة» مثلًا لعجز المشاهِد أو القارئ عن متابعة ما يحدث تمامًا.
٨٧  «أمر يغمُّك» المقصود «يهمُّك»، وقد وجدت التماثل الصوتي كافيًا بالعربية لموازاة التقابل الصوتي بين (concerns) المقصودة و(discerns) المنطوقة، كما أن ارتباط الهم بالغم في العربية يكفي للارتباط بين الكلمتين، والحق أن هذا الأمر يهم ليوناتو (أي يأتيه بالهم كما سنرى) مثلما يغمُّه!
٨٨  «لم يعد بليدًا» يقصد لم يعد حاد الذهن، وإن كان الحدث يثبت (مثل الحوار) أنه لا يزال بليدًا!
٨٩  «المقارنات عطرة» يقصد عطنة، والتشابه في العربية بين اللفظتين يماثل التشابه بين الكلمتين الإنجليزيتين، فهو يقول (odorous) ويقصد (odious).
٩٠  يتصور دوجبري أن كلمة «مُمِل» كلمة مديح، وربما تصور أنها مشتقة من المال، كما يتضح من بقية حديثه.
٩١  «القدائح» يقصد «المدائح» أي إنه يخلط بين (exclamations) وعكسها (acclamations) فقال الأولى وهو يريد الثانية.
٩٢  «باستثناء» يقصد «في أثناء».
٩٣  «عندما تأتي الشيخوخة يذهب الذكاء» هذا تعديل للمثل الذي يقصده دوجبري وهو «عندما تدخل الخمر يخرج الذكاء».
٩٤  «إنه يقصر عنك كثيرًا» أي في طاقة الحديث، ولكن دوجبري يتصور أن المقصود أنه أقصر منه (في الطول) وعادةً ما يجسد المخرجون سوء الفهم المذكور بجعل الممثل الذي يلعب دور فيرجيز أقصر من ممثل دور دوجبري.
٩٥  «أدركوا»: المقصود «قبضوا على» فهو يقول (comprehended) بدلًا من (apprehended) والكلمتان تشتركان في جذر واحد، بل وجذع واحد يستخدم حتى الآن بالمعنيين جميعًا ومنه أتت (prehension) الكلمة التي تعني الإدراك الذهني أو الإدراك المادي، أي تجمع بين «الفهم» (المعنى الخطأ هنا) و«الإمساك» (المعنى المقصود) وإدراك اللص هو اللحاق به وإمساكه، فوجدت في هذه الكلمة الحل!
٩٦  «يثيران الشبهات» لم أغيِّر المعنى الذي يرمي إليه دوجبري استنادًا إلى أن الكلمة التي يخطئ دوجبري في استخدامها توحي مباشرةً بالمعنى الذي يرمي إليه، بسبب التشابه الشديد في النطق، فهو يقول (auspicious) بدلًا من (suspicious) والأولى تعني يبشِّران بالخير، والثانية يثيران الشبهة، ولكن الضغط في نطق كل منهما (النَّبْر) يقع على المقطع الثاني الذي يكفي مع بقية العبارة للإيحاء بالمقصود.
٩٧  «يكفي هذا» لم أغيِّر خطأ دوجبري هنا أيضًا لأنه ينحصر في استبدال حرف بحرفٍ، فيقول (suffigant) بدلًا من (sufficient).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤