الفصل الخامس

المشهد الأول

(المنظر: أمام منزل ليوناتو، في مساء يوم الزفاف. يدخل ليوناتو وأخوه أنطونيو.)

أنطونيو :
لو دَاوَمت على هَذا الحُزْنِ ستَقْتُلُ نَفْسَكْ.
ليسَ مِنَ الحِكْمَةِ دَعمُ هُجومِ الهمِّ عليكَ بِحُزنٍ أفتَكْ!
ليوناتو :
أرجُو أن تَتَوقَّف عن نُصحِكْ! إذ تَستَقْبِلُهُ أُذُنَاي
بلا نفعٍ كالمَاء السَّاقِطِ في الغِربَال. (٥)
لا تأتِ إليَّ بنُصحٍ أو تَسْريةٍ تُبهِجُ أُذُني،
بل بفَتًى تتَّفِق بَلايَاه وبلواي أنا!
أرِنِي رجُلًا غَالَى في حُبِّ ابنتِه فَرَحًا؛
فإذا بالفَرحةِ تَغرَقُ في بحرِ دموعٍ مثلي.
واطلب منه بأن يتحدَّثَ عن فضلِ الصَّبر! (١٠)
قِسْ طُولَ وعَرْضَ تأسِّي الرَّجُلِ بمأساتي،
وَازِنْ كلَّ الألحان المُؤسية لديه بألحاني،
لحنًا لحنًا أو قل حُزْنًا حُزْنًا في كلِّ ملامِحِ
هذا الحزن، وكُلِّ فُروعِ الحُزنِ وأشكال الحزن وصُوَرِه!
فإذا كان لِهَذا الرَّجُلِ بأن يَبْتَسمَ ويتحسَّسَ لحيَتَه، (١٥)
إذ يَتَنَحنحُ١ كي ينصَحَني بدلًا من إصدار الأنَّاتْ،
ويحاول أن يَشفِي الأحزانَ بأمثالٍ باليةٍ،
أو يُسْكِرَ سُوءَ الحظِّ بِخَمرٍ من أقوالٍ مُتحذلِقةٍ.
فائتِ به لي حتَّى أستقِيَ الصَّبرَ هنا منه!
لكنَّك لن تَعْثُرَ قطُّ على هذا الرَّجُلِ! فالناس، أخي، (٢٠)
لا تَقدِر أن تنصَحَ وتُواسي في الأحزان
إلا إن بَرِئوا منها! أمَّا إن ذاقُوا طَعْمَ الأحزان،
فإنَّ نصائِحَهُم تتحوَّلُ لمشاعِر ألمٍ طاحنة.
وهُمو من كانوا من قَبْل يُداوُون الغَضَبَ بأدوية فِكرية،
ويَغُلُّونَ المجنُونَ الهائِجَ بخيوط حريرٍ ناعمةٍ، (٢٥)
أو يَشفُون الألمَ بألفاظٍ، وعذابَ الجسمِ بكلماتْ!
لا! مِنْ واجِبِ أهْلِ الأرضِ جميعًا أن يُوصوا بالصَّبرِ
لمن يَرزَحُ في ألمٍ يتلوَّى من أثقالِ الأحزانْ.
لكن لن يغدُو أحدٌ ذا حذقٍ، بل لن يقدِرَ أن
يتحدَّثَ بحديثٍ نظريٍّ إن كابَدَ هو نفسُه (٣٠)
ما كابَدَه الغَيْر! وإذن لا تنصحني!
إذ يعْلُو صَوتُ الأحزانِ لديَّ على صوتِ الأقوالْ.
أنطونيو : في ذلك لا فرْقَ إذن بين الرَّجُلِ وبين الطِّفل.
ليوناتو :
اسكُتْ أرجوكْ؛ فأنا بشرٌ مِنْ لحمٍ ودماءْ،
لم نشهدْ صاحِبَ فلسفةٍ قَطْ (٣٥)
صَبَرَ على وَجَعِ الضِّرس!
لكنَّ فَلاسِفَةَ الأرضِ اكتَسَبُوا ألقابَ الأرباب،
وتحدَّوا ما يُنسَبُ لمصادفةٍ أو لضرارِ الأقدارْ!
أنطونيو :
كيف تُوَجِّهُ كلَّ سِهامِ الضُّرِّ إلى صدرِكْ؟
لمَ لا تجعلُ مَن ظَلَمَكَ يتلقَّى بعضًا منها؟ (٤٠)
ليوناتو :
ذاك حديثُ المنطقِ لا شكَّ! ذلك ما أعتزِمُه!
قلبي يُنْبِئُني ببراءة هيرو وتعرُّضها لِلظُّلم،
وعلى كلوديو أنْ يعرِفَ ذلك وكذلك دون بيدرو،
بل كلُّ فتًى يذكر ما يثلَمُ عِرضَ فتاتي!

(يدخل دون بيدرو وكلوديو.)

أنطونيو : ها قد أتى كلوديو والأميرُ في عَجَلَةْ. (٤٥)
دون بيدرو : عِمْتَ مَسَاءً عِمْتَ مساءً!
كلوديو : طابتْ أوقاتُكُما!
ليوناتو : هل تسمعان أيُّها الشَّرِيفَان؟
دون بيدرو : إنَّا ليوناتو لَفِي عَجَلَة!
ليوناتو :
في العَجَلَة يا مولاي نَدَامَةْ! لا بَأسَ … وداعًا يا مولاي!
أنتَ الآنَ إذَنْ في عَجَلَة؟! لكن غيرُ مُهِم!
دون بيدرو : لِمَ الشِّجَار هكذا يا أيُّها الشَّيْخُ الكَرِيم؟ (٥٠)
أنطونيو :
لوِ استَطَاعَ بالشِّجار رَفْعَ الظُّلمِ عنه؛
لباتَ بعضُنا قتيلًا!٢
كلوديو : مَنِ الذي يَظْلِمُهُ؟
ليوناتو :
الحقُّ أنَّك الذي يَظلِمُني! يا أيُّها المُرائِي! أنت!
(كلوديو يضع يده على مقبض سيفه.)
حَذَارِ أن تَمسَّ السَّيفَ أبدًا! فلستُ أخشَى جانِبك! (٥٥)
كلوديو :
شُلَّتْ هذي اليَدُ إنْ هي سبَّبَتْ الخوفَ لشيخٍ مِثلِك!
والحقُّ أنا لم أقصِدْ أن أُشْهِرَ سَيفي قط!
ليوناتو :
تبًّا لك تبًّا لك! لا تسخر منِّي أو تهزأ أبدًا!
ليسَتْ أقْوَالي أقْوَالَ الشَّيخِ الخَرِفِ أو الأحمقِ،
حتى أنتهز مزيَّة شيخُوخَتي بأن أتَفَاخَرَ بِفِعالي (٦٠)
أثناء شبابي، أو ما كنتُ سأفعَلُه لو لم أبلُغ هذا العُمر!
دَعني أُخبِرُكَ إذن يا كلوديو، ومباشرةً،
أنَّك أنزلتَ من الظُّلمِ ببنتي وبَرَاءتِها وبِنفسِي
قدرًا يُرغمُني أن أتَنَحَّى عن كُلِّ وقارِ الشَّيخ!
ها أنا ذا بالشَّعرِ الأشهَبِ وحَصَادِ جِراحِ العُمر (٦٥)
أتحدَّاكَ هنا لمُبارزتي رجلًا لِرجلْ!
ها أنا ذا أعلن ظُلْمَكَ لِفَتَاتي وهي بريئة،
وبأنَّكَ أطلقتَ من الإفكِ سِهامًا خَرَقَتْ قلبَ فتاتي خرْقًا،
حتى باتت تَرقُدُ في مَدْفَنِها مع أسلافِ الأسرة،
في قبرٍ ما رَقَدَ العارُ به قط (٧٠)
إلا عارُ فَضِيحَتِها، عارٌ دبَّره خُبْثُكْ!
كلوديو : خُبْثي أنا؟
ليوناتو : خُبْثُك يا كلوديو! وأكرِّر قولي: خُبْثُك!
دون بيدرو : جَانَبَكَ صوابُ القولِ هنا يا شيخ!
ليوناتو :
بل أُثبِتُ صِدْقِي بشَهَادَةِ جُثَّتِه،٣ إن جَرُؤ وقَبِل مُبَارَزَتي.
وبرغم براعتِهِ في فنِّ السَّيْفِ ودُرْبَتِه الدَّائِمة (٧٥)
ورغم فُتُوَّتِه الزَّاهِرة وسُلطان ربيعِ العُمر!
كلوديو : بُعدًا لكَ، لن أُضطرَّ إلى أن أشتَبِك مَعَك!
ليوناتو :
تُرَاكَ تستطيع هكذا تفادِيَ النِّزال؟ لقد قتلتَ طِفلتي،
فإن قَتَلْتَني يا أيُّها الغلام … تكونُ قد قتلتَ رجلًا!
أنطونيو :
لَسوف يقتُلُ الغداة منَّا اثنين! من الرجال حقًّا! (٨٠)
لكنَّ ذاك لا يهِم! عليه أولًا بقتْلِ واحدٍ وحَسب،
فإن غلبْتَني استعبِدني!٤
(ليوناتو يمنعه من الاشتباك مع كلوديو.)
بل خلِّ عنِّي يا أخي٥ حتَّى يُنازِلني!
هيَّا إذن يا أيُّها الغلام اتْبَعني! هيَّا إذن يا سيِّدي الغُلام!
يا سيِّدي الغُلام! لَسَوفَ يَغلِبُ الطِّعان عِندي فنَّكَ المُستحدَثْ!
قسمًا بما لي من شَرَف … لأهزِمنَّك! (٨٥)
ليوناتو : أخي …
أنطونيو :
لا تَجزَعْ! يَعلَمُ ربي كَمْ أحبَبْتُ أنا بِنتَ أخي،
ولقد ماتَتْ إذ أرْدَاها إِفكُ الخُبَثَاءِ،
فهل يتجَاسَرُ أحَدُهمُو أن يتصدَّى لمبارزةِ الرَّجُلِ الحقِّ
كما أتجاسَرُ إن أمسكْتُ بثُعبانٍ من طرْفِ لِسانِه؟ (٩٠)
غِلْمَانٌ وقُرُودٌ متباهون وأنذالٌ جُبَنَاء.
ليوناتو : يا أنطوني يا أخي …
أنطونيو :
هدِّئ مِنْ روعِكْ! ما بَالُك! إني أعرِفُهُم قطْعًا،
بل أعرِفُ ثِقَلَهُمو حتَّى أدنى خَرْدَلة!
غِلمانُ مُشاكَسَةٍ دونَ حياءٍ يتحلَّوْن بِطُرُز الملْبَس!
كلٌّ منهم كَذَّابٌ خدَّاعٌ مُنحَلٌّ يسخر ويشهِّر بسواه. (٩٥)
بل يتَّخذُ قِناعًا يُوحي بِضَرَاوة صاحِبِه وبِظاهِر قوَّتِهِ،
أو يُلقِي عِدَّة ألفاظٍ تتهدَّدُ أو تَذْكُرُ
كيف ينكِّل بعدوٍّ له — إن جرؤ على أن يتحدَّاه —
لا شيء بهِم غير الألفَاظ!
ليوناتو : ولكن اسمَعْ يا أخي يا أنطوني … (١٠٠)
أنطونيو : هيَّا! غيرُ مُهِمٍّ! لا تتدَّخلْ بل دَعْني أتصدَّى للأَمر.
دون بيدرو :
يا صاحِبَيْ العزَّة! لن نقطَعَ حبْلَ الصَّبرِ بصدْرِكما.
قلبي محزونٌ لوفاةِ ابنتِكَ ولكنِّي،
أُقسمُ بالشَّرفِ بأنَّ التُّهمَةَ ما زَادَتْ عَمَّا
هو حقٌّ وتَوَافَر كلُّ دليلٍ يقطعُ بِثُبُوتِه. (١٠٥)
ليوناتو : مولايَ مولاي …
دون بيدرو : لن أستَمِع إليك.
ليوناتو : حقًّا؟ هيَّا بنا إذن أخي!
أنطونيو : قطْعًا! أَوَ يتألَّمْ بعضٌ منا إن لم يسمَع!

(يخرج ليوناتو وأنطونيو.)

(يدخل بينديك.)

دون بيدرو : انظر انظر! أتى مَن ذَهَبْنَا نبحثُ عنه! (١١٠)
كلوديو : أهلًا يا سنيور! ماذا وراءكَ؟
بينديك (إلى دون بيدرو) : طابَ يومُك يا مولاي.
دون بيدرو : مرحبًا بكَ يا سنيور، فاتتكَ من لحظة فرصة فضِّ مُشاجرة.
كلوديو : كان سيقطع أنْفَيْنا شيخان سقطتْ أسنانُهما! (١١٥)
دون بيدرو :
ليوناتو وأخوه، ما رأيُكَ؟ لو كنَّا تقاتلنا فما كانا يستطيعان الصمود
في ظني لِفُتُوَّتِنا.
بينديك : لا أرى شجاعة حقَّة في مُبارزة ظالمة، لقد جِئتُ أطلبكما معًا. (١٢٠)
كلوديو :
بل بحثْنَا نحن عنكَ في كلِّ مكانٍ، إذ نعاني من اكتئابٍ شديدٍ،
ونتمنَّى أن نطردَه! هل تُسمِعُنَا بعضَ فكاهاتك؟٦
بينديك : إنها في غمدِ سيفي، فهل أُشهِرُها؟ (١٢٥)
دون بيدرو : هل تَنَحيتَ عن لماحيتِكَ حتى حملتها في غمدٍ بجانبِكَ؟
كلوديو :
لم يفعل ذلك أحدٌ قطُّ، وإن كان الكثيرون يتنحَّوْن عن عقولِهم!٧
أرجوكَ أنْ تُشهِرها كما يُخرِج الموسيقي آلتَه من صندوقِها، ثم يُشهِرُ
قوس الكمان ليعزِفَ، فأشْهِرها كي تُطرِبَنَا!
دون بيدرو : أقسم بشرفي إنه شاحِبُ الوجه! هل أنت مريضٌ أم غاضبٌ؟ (١٣٠)
كلوديو :
«شِد حيلك» يا رجل!٨ قد يقتل الهمُّ القطة٩ كما يقولون، ولكنك
قوي قادرٌ على قتْلِ الهمِّ!
بينديك :
يا سيِّدي! لَسوْف أواجِه لماحيتَكَ بطعنة قوية١٠ إذا هاجمتني، أرجوكَ
أن تختارَ موضوعًا آخر. (١٣٥)
كلوديو : إذن أعطِهِ رُمحًا آخر١١ فقد انكسرَ رُمحه الأخير في الضربة الأخيرة!
دون بيدرو : أقسم بهذا الضياء١٢ إن لونَه يزدادُ شحوبًا! أظنُّ أنَّه غاضبٌ حقًّا.
كلوديو : لو كان غاضبًا فما عليه إلا أن يُعلِنَ الهدنة.١٣ (١٤٠)
بينديك : هل تسمح لي بكلمة في أُذُنِكَ؟
كلوديو : لا قدَّر الله أن يتحدَّاني في مُبارزة!
بينديك (جانبًا إلى كلوديو) :
أنت وغدٌ، ولستُ هازلًا، وسأثبتُ صحتَها
مهما يكن أسلوب المبارزة، والسلاح المستخدَم فيها، وموعد (١٤٥)
وقوعِه. فاقبل التحدي أو سأعلن أنكَ جبانٌ. لقد قتلتَ آنسةً
رقيقةً، وسيقع وِزْرُ قَتْلِها ثقيلًا على رأسِكَ. ها أنا ذا أنتظر الرد!
كلوديو : لا بأسَ قد قَبِلْتُ، بشرط أن يكون لقاءً هنيئًا!
دون بيدرو : ماذا؟ وليمة؟ وليمة؟ (١٥٠)
كلوديو :
بالحق إني أشكره فقد دَعَاني إلى رأسِ عجلٍ وديكٍ سمين،١٤ وسوف
أجيد التقطيع وإلا فقل إنَّ سكِّيني باردة. هل تُقَدِّمُ لي أيضًا دجاجةً
بَرِّيَّةْ؟
بينديك : لماحيتُك يا سيدي تتبختر١٥ ولا تصل إلى شيء! (١٥٥)
دون بيدرو :
سأخبرك كيف امتدَحَتْ بياتريس لماحيتَكَ منذ يومين: قلتُ لها إن
لماحيتَك دقيقةٌ، فقالت «صحيح! فالدِّقَّةُ تعني ضآلة الحجم» فقلت
لها «لا بل هي كبيرة» فقالت «صحيح! قُلْ إنها غليظة» فقلتُ
«لا إنها حسنة» فقالت «تمامًا! ما دامت تُحسِنُ فلا تسيء لأحدٍ!»
فقلت «لا! إن السيِّدَ ذو عقلٍ» فقالت «مؤكد! وأصحاب العُقُول (١٦٠)
في راحة!»١٦ فقلتُ «لا، إنه يتكلَّمُ بأكثر من لسان» فقالت «أعتقدُ
ذلك، فقد حَلَفَ لي بشيء مساء الإثنين وحَنَثَ في قَسَمِهِ صباح
الثلاثاء، وهذا لسان خداع، أي لسانان». وهكذا جعلت تمسخُ١٧ (١٦٥)
شمائلك الخاصة ساعة كاملة. ومع ذلك فقد انتهتْ من ذلك كلِّه
إلى أن قالت وهي تتنهَّد إنك أوْسَمُ رجلٍ في إيطاليا.
كلوديو : وهو ما جعلها تبكي بُكاءً مُرًّا وتقول إنها لا تأبه! (١٧٠)
دون بيدرو :
ذلك ما قالته حقًّا، ولكنها رغم هذا كلِّه، إن لم تكن تمقته مقتًا
مميتًا فإنها تحبُّه١٨ حبًّا شديدًا. فلقد أخبَرتْنَا ابنة العجوز١٩ بكل شيء.
كلوديو :
كل شيء كل شيء، أضِف إلى ذلك أنَّ الله رآه وهو مختبئ في
الحديقة.٢٠ (١٧٥)
دون بيدرو :
ولكن متى نقوم بوضع قَرْنَيْ الثَّور الوحشي في رأسِ العاقِل
بينديك؟
كلوديو : نعم ونكتب تحت الصورة «هنا يقيم بينديك، الرجل المتزوج.»
بينديك :
وداعًا لكما. واسمع أيُّها الغلام: أنت تعرف ما أعتزمه، وسوف (١٨٠)
أتركك الآن لفكاهاتِكَ التي تشبِه ثرثرة النساء، إنك تُطلِقها كما
يعرض المتباهون سيوفَهم بعد أن كسروها عمدًا للإيحاء بأنهم حاربوا
بها، والحمد لله أنها لا تؤذي أحدًا. وأشكرك يا مولاي على
مجاملاتِك الكثيرة لكنني مضطرٌّ للرحيل.٢١ لقد فَرَّ أخوك النغِل من
مسينا، وقد اشتركتم جميعًا في قتْل آنسة رقيقة بريئة. وأمَّا مولاي (١٨٥)
الذي لم تنبت لحيتُه بعد فسوف أنازله فيما بعد، وحتى يحين ذلك
الوقت، فليتقبَّل مني السلام.

(يخرج بينديك.)

دون بيدرو : إنه جادٌّ.
كلوديو : بل جادٌّ أشدَّ الجد! ثِق أنَّ السبب حبُّه لبياتريس. (١٩٠)
دون بيدرو : وتحدَّاك للمبارزة.
كلوديو : أصْدَق تحدٍّ.
دون بيدرو :
ما أعجبَ الرجل إذا انْطَلَقَ لابسًا صِدَارَه وسِروالَه وخالعًا عبَاءَةَ
عَقْلِه! (١٩٥)
كلوديو :
إنه يبدو عملاقًا في عين القرد، ولكن القرد علَّامة إن قِيس بمثل
هذا الرجل.
دون بيدرو :
لكن انتظِر واسمعني! ويا قلبُ أَفِقْ وانظر بجدٍّ فيما قاله، ألم يقُل
إنَّ أخي قد فَرَّ؟

(يدخل الكونستابلان دوجبري وفيرجيز مع أفراد الحرس، ومعهم كونراد وبوراكيو.)

دوجبري :
تعال هنا يا سيد. إن لم تستطع ربة العدالة ترويضَكَ، فلن تنجح (٢٠٠)
في استخدام ميزانِها المنطقي بعد اليوم. وما دمت باختصارٍ منافقًا
لعينًا فلا بُدَّ من النظر في أمرِكَ.
دون بيدرو : ما هذا؟ اثنان من أتباع أخي في القيود؟ ومن بينهما بوراكيو؟
كلوديو : استفسِر يا مولاي عما ارتكباه. (٢٠٥)
دون بيدرو : ماذا فعل هذان الرجلان أيُّها الضباط؟
دوجبري :
أقسم يا سيدي إنهما ارتكبا قولَ الزور. زِد على ذلك أنهما تفوَّها
بأكاذيب، وثانيًا٢٢ أتَيَا بمفتريات، وسادسًا وأخيرًا جاءا بالإفكِ في حقِّ
امرأة من الأشراف، وثالثًا زعما ما لا مبرر له، وفي الختام هما (٢١٠)
وغدان كاذِبان.
دون بيدرو :
أسألُكَ أولًا عمَّا فعلاه، وثالثًا أسألُك عمَّا اقترفاه، وسادسًا
وأخيرًا ما سبب احتجازِهما، وفي الختام ما التُّهمة التي توجِّهها
إليهما؟ (٢١٥)
كلوديو :
أحسنتَ البناء المنطقي ووفقًا للأقسام التي حددها، وأقسم إنه لمعنى
واحد ألبسه٢٣ أردية لفظية مختلفة.
دون بيدرو :
من الذي أسأتما إليه أيُّها السيدان حتى قُبِضَ عليكما وأُجريَ
التحقيق معكما؟ إن حديثَ هذا الكونستابل العلَّامة أعمقُ من أن
يُفهَم! ما جريمتكما؟ (٢٢٠)
بوراكيو :
أيُّها الأميرُ الرقيق. سأقدِّم إجابتي دون لفٍّ ودوران. أرجو أن
تصغي إليَّ وتسمحَ لهذا الكونت بأن يقتلني. لقد خَدَعْتُ عيونكما
نفسها، وما لم تستطع حكمتكما أن تكتشفه، كَشَفَ عنه هذان
الأحمقان الساذجان حين أصغيا إليَّ خُلسةً في جنح الليل، وأنا
أعترف لهذا الرجل كيف حرَّضني أخوك دون جون على تلويث (٢٢٥)
سمعة ليدي هيرو، وكيف أتى بِكما إلى الحديقة وجعلكما ترياني
أغازل مارجريت التي كانت ترتدي ثيابَ هيرو،٢٤ وكيف يا كلوديو
دَمَغْتَها بالعار في اللحظة المحددة لعقد قِرانكما. ولقد سجَّل هذان
اعترافي بذنبي في محضر التحقيق، وأُفَضِّلُ أن أختُمَ المحضر بخاتم (٢٣٠)
إعدامي على تكرار اعترافي المخزي. لقد ماتت الليدي نتيجة التهمة
الظالمة التي اشتركتُ مع سيدي في تدبيرِها. ولا أتوقَّعُ باختصارٍ أيَّ
شيء ما عدا جزاءَ المذنبِ الآثم.
دون بيدرو : أفَلَا يَجْرِي قَوْلُ الرَّجُل ِكَسَيْفٍ بتَّارٍ في دَمِكَ كلوديو؟ (٢٣٥)
كلوديو : أحسَسْتُ بأنِّي أتَجرَّع سُمًّا وهو يقوله.
دون بيدرو : لكنْ هَلْ كانَ أخِي مَنْ حَرَّضَكَ علَى ذَلِك؟
كلوديو : قطْعًا بلْ كافَأنِي بِعَطَاءٍ جَزْل ٍكي أُنْجِزَ خُدعَتَهُ.
دون بيدرو :
الغَدْرُ طَبْعُهُ واللُّؤْمُ في كِيَانِه،
وفَرَّ فورَ أن أتَى بِهذِه الخِيَانة.٢٥ (٢٤٠)
كلوديو :
أوَّاه يا هيرو الرقيقة! يلوحُ طَيْفُكِ الجَمِيلُ الآنَ لي
في الصُّورَةِ التي عَشِقْتُ أوَّلًا بَهاءَهَا الفَرِيدْ.
دوجبري :
هيا عودوا بالمدَّعِييْن.٢٦ لا بد أن يكون الكاتب قد «أصلح» السنيور٢٧
ليوناتو بحقيقة ما حدث. وأرجوكما أيها السيِّدان ألا تنسيا أن
تذكرا، على وجه التحديد، في اللحظة المناسبة والمكان المناسب، (٢٤٥)
أني حمار.

(يدخل ليوناتو وأخوه أنطونيو وكاتب الجلسة.)

ليوناتو :
مَنْ فِيكُم هَذا الوغْد؟ دَعْني أُبصِر عيْنَيه
حَتَّى أقْدِرَ أنْ أتَحَاشَاهُ إنْ شَاهَدْتُ شبيهًا (٢٥٠)
فيما بعد. مَنْ مِنْ هذين الوغد؟
بوراكيو : إنْ شِئتَ مَعرِفَةَ الذي أساءَ لَك. فانظُر إليَّ!
ليوناتو :
هل أنتَ ذاكَ السَّافِلُ الحَقير؟ أنتَ الذي
قتلتَ بالألفاظِ بِنْتِي البَرِيئة؟
بوراكيو : نَعَمْ، وَوَحْدِي!
ليوناتو :
كلَّا ليْسَ الأمرُ كذلكَ يا وَغْد! إنَّكَ تظلمُ نفسَك. (٢٥٥)
فهُنَا يقفُ اثنَانِ من الشُّرَفَاء٢٨
أمَّا ثالِث مَنْ شاركَ في القتْلِ فقد فَرَّ!
شكرًا لأميريْنا! شكرًا لكما قتْل فتاتي!
عملٌ يجدُرُ بالتَّسجيلِ إلى جانِبِ كلِّ فِعالِ لكما زهراء رفيعة!
ما أشجَعَ بل أجملَ هذا العمل إذا كان لأحدِكُما أن يذكُرَه! (٢٦٠)
كلوديو :
لا أدري كيف أُناشدُكَ الصَّبرَ، ولكني لا بُدَّ هنا
أن أتكلَّم، ولتَخْترْ أنت وسيلَةَ ثأرِكَ وقِصاصِك.
مُرْني أن أتحمَّل وأُكابِد ما يبتكرُ خيالُك من كفَّارة،
وافرِضه عليَّ لكي أمحُوَ إثمي، لكنِّي لم أتعمَّدْ، بل
كان الإثمُ نتيجةَ خَطَأٍ ضلَّلني. (٢٦٥)
دون بيدرو :
وبروحي أقسم إني مِثْلُه، لكنِّي أَبْغِي أنْ أُرضِيَ
هذا الشَّيْخَ الطَّيِّبَ، ولذلك أُعلن أنِّي أتحمَّلُ
أيَّة أثقالٍ رازِحةٍ يَفْرِضُها.
ليوناتو :
لا أسْتَطِيعُ أنْ أرجُوكُمَا ردَّ ابْنَتِي إلى الحياة؛
فَذَاكَ مُستَحِيلٌ، لكنَّني أرجُوكُما مَعًا بأن تُذِيعَا (٢٧٠)
بين كلِّ النَّاسِ في مسينا أنَّها
مَاتَتْ بريئة. (إلى كلوديو) إن كان حُبُّك
يَسْتَطيعُ بَذْلَ جُهدٍ صَادِقٍ في قَرْضِ بعض الشِّعْرِ
فاكْتُبْهُ، ثم علِّق الأشْعَارَ فوق قَبْرِها،
وغَنِّها لِعِظامِهَا! بل غَنِّها في هذِه الليْلَة! (٢٧٥)
وفي صَبَاحِ الغَدْ … عَلَيْكَ أن تَزُورَني في مَنْزِلي.
ما دُمْتَ لم تقدِر بأن تكونَ زَوجًا لابنَتِي،
فكُنْ إذن زوجًا لِبِنت أخِي! فالحقُّ أنَّ أخِي
لديه بنتٌ تُشْبِهُ ابْنَتِي التي تُوُفِّيَتْ … كأنَّها هِيَهْ!
وهيَ الوَرِيثَةُ الوَحِيدَةُ٢٩ لي وله. (٢٨٠)
فإنْ مَنَحْتَها الذي عَلَيْكَ مِنْ حَقٍّ لِبِنْتِ عمِّها؛
ما عَادَ عِنْدِي أيُّ ذِكْرٍ لِانْتِقَامٍ أو قِصَاصْ.
كلوديو :
يا سيِّدي النَّبيل! أبدَيْتَ مِن حَنَانِكَ الدَّفَّاقِ ما أسَالَ أدمعي!
إنِّي قبِلْتُ عَرْضَكَ الكَريمَ وافعَلْ ما تَشَاءُ بي —
أنا كلوديو البَائِسُ — مِن هذِهِ اللَّحْظَة! (٢٨٥)
ليوناتو :
وإذَن أنتظِرُ حُضُورَك في الغد، أمَّا اللَّيلَة فأنا
أستأذِنُ في أن أمضِي. وسنُجْري لا بُدَّ مقابلةً٣٠
تجمَعُ بين الآثِمِ هَذَا وشَرِيكَتِه مارجريت؛
إذْ أعتقد بأنَّ لها ضِلعًا في تلكَ الأُحْبُولةِ،
وبأنَّ أخَاكَ استأجَرَها لأداءِ الدَّورِ المرسوم. (٢٩٠)
بوراكيو :
قسمًا برُوحِي إنَّها بَريئة، بل لم تكُن تِلكَ الفتاةُ تَدْرِي
سِرَّ ما قَامَت به إذْ حادثَتْنِي آنذاك!
فإنَّها كانت، ولا تزال دائمًا، وفِيَّة وفاضِلة
في كُلِّ ما عَرَفْتُه بالحقِّ عَنْها.
دوجبري :
أضِف إلى ذلك يا سيِّدي أمرًا لم يسجِّله الكاتب في المحضر،
وهي أن المدَّعي الماثِل هنا، أي المجرم، دعاني حمارًا. أرجوكم أن (٢٩٥)
تذكروا ذلك عند تحديد عقوبتِه. كما سمعه الحرَّاسُ يتكلَّم عن
شخصٍ اسمه «ممسوخ»، ويقولون إنه يلبس في أذنه مفتاحًا وقفلًا٣١
يتدلَّى منه، وإنه يقترض النقود باسم الله، وإنه سار على هذا النهج
مدة طويلة ولم يسدِّد قرضًا واحدًا، حتى قسَت قلوبُ النَّاس وما (٣٠٠)
عادوا يقرضون الله شيئًا. فأرجوكم إجراء التحقيق معه في هذه
المسألة.
ليوناتو : أشكر لك حرصك وجهدك المخلص.
دوجبري :
إن معاليك تتحدث حديث شاب٣٢ يعرب عن أقصى الشكر والتقدير،
وأنا أحمد الله باسمك. (٣٠٥)
ليوناتو (يعطيه نقودًا) : خُذ في مقابل أتعابك.
دوجبري : حفظ الله المؤسسة الخيرية!٣٣
ليوناتو : انصرف الآن، وسأتولَّى عنك احتجاز سجينك وأشكرك.
دوجبري :
إني أترك مع معاليك وغدًا ضالًّا، وأرجو من معاليك التنكيل به (٣١٠)
حتى يكون عبرة لغيره، حفظ الله معاليك! أرجو لك الخير كله!
عافاك الله وردَّ عليكَ صحتكَ! وبكل خشوعٍ أستأذن في
الانصراف، وإذا كان لنا أن نرجو اللقاء مرة ثانية على خيرٍ فلا قدَّر
الله ذلك! هيَّا بنا يا ابن الحي! (٣١٥)

(يخرج دوجبري مع فيرجيز.)

ليوناتو : إلى اللقاء في غدٍ إذَنْ يا أيُّها الشَّرِيفَان.
أنطونيو : إلى اللِّقَاءِ أيُّها الأشراف! نَرَاكُمو صباحَ الغَد!٣٤
دون بيدرو : لن نُخلِفَ موعِدَكُم.
كلوديو : وسأبكي اللَّيلَة هيرو.
ليوناتو (إلى الحراس) :
فلْتصحَبُوا هذيْن واتبعُوني. لا بُدَّ أنْ نَسْتَجْوِبَ الفَتَاة مارجريت،
حتى تقُولَ كيفَ وثَّقَتْ علاقَتَها بذلكَ الشَّقِيَّ التَّافِهِ! (٣٢٠)

(يخرج الجميع.)

المشهد الثاني

(المنظر: بالقرب من منزل ليوناتو. يدخل بينديك ومارجريت.)

بينديك :
أرجوكِ يا آنسة مارجريت، يا أيُّتها الرقيقة، ساعِديني على مخاطَبة
بياتريس، وسوف أكافئُكَ خيرَ مكافأة.
مارجريت : هل تكتب لي إذن «سونيتة» تتغزَّلُ فيها بجمالي؟ (٥)
بينديك :
وبأرفع أسلوبٍ يا مارجريت، بل لن يستطيعَ رجلٌ في الدنيا أن
يأتي بشيء فوقه! فالواقع الجميل أنَّكِ جديرة به.
مارجريت : لن يأتي رجلٌ فوقي؟ تعني أنني سأبقى دائمًا في «البدروم»؟٣٥ (١٠)
بينديك :
سرعة بديهتِكَ كسرعة كلب الصيد … سرعان ما يأتي بالفريسة في
فمِه!
مارجريت :
ولماحيتك طرفُها غير حاد مثل سيوف لاعبي «الشيش» … تصيب
ولا تجرح!
بينديك :
أليق ما تكون بالرجل يا مارجريت! فلن تجرح امرأة! وإذن أرجوكِ (١٥)
أن تنادي بياتريس، سَلَّمتُ لكِ وأُقَدِّمُ دِرعي!٣٦
مارجريت : بل قدِّمْ لنا السُّيوف، فلدينا معشر النساء دروعنا!٣٧
بينديك :
إذا استعملتِها يا مارجريت فرَكِّبي السِّنان بين شِقَّيْها، فهي أسلحة (٢٠)
خطِرة على العذارى.
مارجريت : سأطلب من بياتريس أن تأتيكَ، ولديها فيما أظن ساقان!

(تخرج مارجريت.)

بينديك :
وإذن فسوف تأتي. (٢٥)
(يغني)
ربُّ الغرامِ عِندَنَا،
في عَرْشِه من فَوقِنَا،
وإنَّه يَعرِفُني، وإنَّه يَعرفُني،
وكيف يُرثَى لي هُنَا.٣٨
أقصد يُرثَى لي في الغناء! وأما في الحبِّ فما فاقني أحدٌ في صِدْقِ (٣٠)
العاطفة! لا لياندر٣٩ السبَّاح الماهر، ولا طرويلوس٤٠ أوَّل من استعان
بوسيطٍ، ولا بما يملأ صفحات كتابٍ كاملٍ من أسماء من يزعمون
الحب، والذين تجري أسماؤهم بيُسرٍ في الطريقِ الممهَّد للشِّعْر
المرسل! فإن أحدًا منهم لم يكابد حقًّا ما كابَده قلبي المسكين في
الحبِّ. ولكن والله لا أستطيعُ التعبيرَ بالقوافي عنه. ولقد حاولتُ،
فلم أجد قافية لكلمة «آنسة» غير «ناعسة» وهي قافية ساذجة، ولا (٣٥)
لكلمة «الحزن» غير «القرن» وما أصلب ذلك! ولا «للمعهد» غير
«المقعد» … وهي قافية٤١ طفولية، بل إنها قوافٍ تُنذِر بالسوء! كلَّا لم
يكن كوكب٤٢ القوافي طالعي يوم ميلادي، ولا أستطيع أن أطارح
الغرام بلغة الاحتفالات!٤٣ (٤٠)
(تدخل بياتريس.)
بياتريس! هل قَبِلْتِ أن تأتي حين طلبتُكِ؟
بياتريس : نعم يا سنيور، وسأنصرف حين تطلب مني.
بينديك : امكثي إذن حتى أقول لك متى!
بياتريس :
لقد قلتَ متى وإذن إلى اللقاء! لكنني أولًا أريد أن أعود بالذي (٤٥)
أتيتُ من أجلِه،٤٤ وهو أن أعرفَ ما حَدَثَ بينك وبين كلوديو.
بينديك : لا شيء سوى الشتائم! وإذن دعيني أُقبِّلُكِ.
بياتريس :
الشتائم ريحٌ خبيثة، والريح الخبيثة أنفاسٌ خبيثة، والأنفاس الخبيثة
كريهة!٤٥ وإذن أرحَلُ دون قُبُلاتٍ! (٥٠)
بينديك :
أرهَبْتِ الكلمة حتى فَرَّتْ من معناها الصَّحيح! ما أقوى لماحيتك!
لكن دعيني أقول بوضوحٍ لكِ إنَّ كلوديو تلقَّى دعوتي للنِّزال، وما
لم يصِلْني ردُّهُ في القريب العاجل سوف أعلن في الناس أنه جبان. (٥٥)
أرجوكِ أن تخبريني الآن: من أجل أي عيبٍ من عيوبي أحْبَبْتِنِي
أولًا؟
بياتريس :
من أجلِها جميعًا، فقد أقامت دولة مُحكَمَةً من السوء لا تسمح
باختلاط أية محامد بالعيوب، ولكن من أجل أي محامدي كابدت (٦٠)
الحبَّ أولًا لي؟
بينديك :
«كابدت الحب» تقولين؟ تعبيرٌ صائب! فأنا أكابد الحب حقًّا، لأنني
أحبك ضد إرادتي.
بياتريس :
بل على الرغم من قلبك في ظني. وا أسفا للقلبِ المسكين! إن
كنتَ أَكْرَهْتَهُ من أجلي، فسوف أكْرَهُهُ من أجلِكَ، فلن أحب أبدًا (٦٥)
شيئًا يكرَهُهُ صديقي.
بينديك : لديكِ ولديَّ من الحكمة ما يفرض الصراع في تطارح الغرام.
بياتريس :
ولكنها لا تظهر في هذا الاعتراف، ولن تجد حكيمًا من بين عشرين
يُقْدِمُ على امتداح ذاتِه.
بينديك :
هذا مفهومٌ قديمٌ بالٍ يا بياتريس، وينتمي إلى أيام الجيران
الأخيار!٤٦ فإذا لم ينشئ الرجل في هذا العصر ضريحًا له قبل أن
يموت، فلن يذكره أحدٌ عندما يتوقف رنين ناقوس النعي وتجف
دموعُ أرملتِه.
بياتريس : وكم يطول هذا الوقت في رأيكَ؟
بينديك :
سؤالٌ وَجِيه! ساعةً في الرَّنِين ورُبْعَ ساعةٍ في البكاء. وهكذا فإذا (٧٥)
لم يكُن ضميرُ المرءِ ينهشه نهشَ «السادة الديدان»،٤٧ عليه أن يرى
الحكمة في الثناء على فضائِله، كما هو حالي الآن! ويكفي ذلك
إطراءً لذاتي، شاهدًا بنفسي على جَدَارتي به! والآن أخبريني: كيف (٨٠)
حال بنت عمك؟
بياتريس : في أسوأ صحة.
بينديك : وكيف حالك أنت؟
بياتريس : في أسوأ صحة كذلك!
بينديك :
صلِّي لله، وأحبِّيني تتحسَّنْ صحتُكِ. أتركك الآن إذ أرى شخصًا (٨٥)
مُقبِلًا في عجلة.

(تدخل أورسولا.)

أورسولا :
مولاتي! لا بُدَّ أن تأتي إلى منزل عمِّك! فهناك ضجة هائلة! ثبت أن
مولاتي هيرو اتُّهمَت ظلمًا، وأن الأمير وكلوديو وقعا ضحية خدعة
هائلة، وأن دون جون هو الذي دبَّر هذه المؤامرة كلها! وقد فرَّ (٩٠)
واختفى! هل تأتين حالًا؟
بياتريس : ألن تأتي لتسمعَ هذه الأنباء يا سنيور؟
بينديك :
سأحيا في قلبك، وأموتُ في حجرك، وأُدفَنُ في عينيك … وكذلك
سأذهب معَكِ إلى منزِلِ عمِّكِ! (٩٥)

(يخرج الجميع.)

المشهد الثالث

(المنظر: فناء كنيسة، وفيه مدفن أسرة ليوناتو. يدخل كلوديو، ودون بيدرو، وثلاثة أتباع أو أربعة، ومن بينهم أحد اللوردات، وبعض الموسيقيين، يحملون الشموع.)٤٨
كلوديو : هل هذا مدفن أسرة ليوناتو؟
اللورد :
نعم يا مولاي.
(يقرأ اللورد نص الأبيات٤٩ التي سيضعها على شاهد القبر.)
قَتَلتْ ظلمًا ألسِنَةُ الشَّرِّ
هيرو مَنْ تَرقُدُ في هذا القَبْرِ
والموتُ يُعَوِّضُها عنْ ظُلْمِ البشرِ (٥)
بذُيُوعِ الصِّيتِ على مَرِّ الدَّهرِ
وإذن فالرُّوحُ وإنْ ذَهَبتْ في عارْ
تحيا في الموت بصِيتٍ وبمَجْدٍ سيَّار،
(يعلق اللورد الورقة على شاهد القبر)
فلتمكُثْ فَوْقَ القبرِ على مَرِّ الأزمانِ،
كي يَبْقَى المدحُ طويلًا إنْ سَكَتَ لِسَاني. (١٠)
كلوديو : والآن عازِفِي الألحان أنشِدوا الترنيمة الوَقُورة.

(تُعزف الموسيقى.)

(يبدأ الغناء٥٠ منشدٌ واحدٌ أو أكثر.)
المنشد :
أرْجُو يا ربَّة٥١ هذا اللَّيل الصَّفحَ بِبَابِكْ،
عَمَّن قَتَلُوا عَذْرَاء وفارِسة في مِحرابِكْ.٥٢
وهُمو بأهازِيجِ الأحْزَانِ الحرَّى يتغنَّون،
وكذلك حولَ ضَرِيحِ العذراءِ يَطُوفُون! (١٥)
يا مُنتصَفَ الليلٍ أعنَّا فيما نُصدِرُ من أنَّات،
ساعِدنا بالزَّفراتِ المُلتهِبَة حُزنًا والآهاتْ.
إنَّا يُثقلُنا الهمُّ ويُضنينا!
وانفتَحي يا أبواب مدافِنِنا كي يخرُجَ موتانا،
في يومِ البعثِ إذا غَرَبَتْ ربقةُ دُنْيَانَا.٥٣ (٢٠)
إنَّا يُثقلنا الهمُّ ويُضنِينا!
اللورد :
والآنَ إذَنْ طَابَتْ لَيْلَةُ هذِي الأعظمْ،
وإذا حالَ الحوْلُ أعَدْتُ طُقُوسي أترحَّمْ.
دون بيدرو :
عِموا صباحًا أيُّها السَّادة! وأطفِئوا المَشَاعِلْ! قد انتهت
ذِئابُ هذا اللَّيلِ من فرائِسِ الظَّلام! بل وانظُرُوا نَهَارَنا الرَّقِيق (٢٥)
مقبِلًا أمَامَ ربِّ الشَّمسِ فيبوسَ٥٤ الذي أتى في موكِبِه!
قد رقَّشَ النَّهارُ بالضِّيَاءِ صَفْحَة الشَّرقِ الذي ما زَال نائمًا!
شُكرًا لكُم جميعًا واترُكُونا الآن، إلى اللِّقاء.
كلوديو : عِمتُم صباحًا أيُّها السَّادة! تفرَّقوا على خيرٍ إذن!

(يخرج الموسيقيون واللوردات.)

دون بيدرو :
هيَّا بِنَا كي نَرْتَدِي المَلابِسَ التي تَليِق باحتِفالِنَا، (٣٠)
وبعدَهَا نمضي إلى بيتِ ليوناتو.
كلوديو :
أرجُوكَ يا ربَّ الزَّواج٥٥ أن تُعينَنَا على النَّجاحِ، كي
نُزيلَ أحزانَ الذي كُنَّا بلوْنَاه بهذا الكَرْب!٥٦

(يخرجان.)

المشهد الرابع

(المنظر: منزل ليوناتو. يدخل ليوناتو، وبينديك، ومارجريت، وأورسولا، وأنطونيو، والقس فرانسيس، وهيرو، وبياتريس.)

القس : ألَمْ أقُل لَكُم بأنَّها بَرِيئَة؟
ليوناتو :
وتشمَلُ البَرَاءَة الأميرَ والفتى كلوديو! إذ وجَّهَا
إلى الفتاة تُهمَة قامَتْ على خَطَأٍ سمِعْتَنَا نُناقِشُه.
لكنَّ مارجريت أيضًا أخطأتْ٥٧ وزلَّت في غُضُونِ ذلِكَ،
حتى ولَوْ مِنْ دُونِ قَصدٍ! كما بَدا (٥)
ممَّا انتَهَى إليْهِ تَحقِيقُ القضيَّةِ كُلِّها.
أنطونيو : يُسعِدُني أنَّ المسألَةَ انتَهَتِ الآن بخَيرٍ.
بينديك :
وأنا أيضًا! ذاكَ وإلَّا كُنْتُ سأُضْطَرُّ وفاءً بالعهدِ
إلى أن أدْعوَ ذلكَ الشَّابَّ كلوديو٥٨ لمحاسبَتِه.
ليوناتو :
وإذنْ يا بِنتي اختبِئي أنتِ وكلُّ وصيفاتِكْ، (١٠)
وامكُثْنَ جميعًا في إحدى الحُجُرات معًا.
وإذا أرسلتُ إليكُنَّ تَعَالَيْن بأقنعةٍ فَوْقَ الوَجه؛
إذ وَعَدَ أمير الدولة وكلوديو بزيارتِنا في هذي الساعة.
(إلى أنطونيو)
تعرِفُ ما كُلِّفْتَ أخي أنطونيو بِه:
لا بُدَّ بأنْ تتظاهرَ أنَّكَ والدُ بنتِ أخيكْ (١٥)
وتُقَدِّمها كي يتزوَّجَها الشابُّ كلوديو.
أنطونيو : ولَسَوْفَ أقومُ بهذا الدَّوْر بجدٍّ صارِم.
بينديك : وأراني مضطرًّا يا قسُّ إلى طَلَبِ مُساعدتِكَ
القس : ماذا تبغِي أن أفعَلَ يا سنيور؟
بينديك :
إمَّا عقدُ قِراني أو إهلاكي! أحدهما!
يا سنيور ليوناتو! الواقعُ أنَّ بياتريس بِنتَ أخيك (٢٠)
تنظر لي نظراتٍ من عينِ رِضا!٥٩
ليوناتو : أفلم تقترِض العينَ المذكورة من بنتي؟ هذا عينُ الحق!
بينديك : وأبادلُها ما تُضمِر وبعينِ الحب.
ليوناتو :
أظنُّ أنَّك اقترضتَ قوَّة الإبصار فيها من كلامي (٢٥)
ومن كلوديو والأمير، لكن تُرى ماذا تريد؟
بينديك :
إجابةٌ يا سيدي كاللُّغزِ لا تُفهَم!
لكنَّ ما أُريدُهُ أن تُبديَ الرِّضا،
وأن تُساعدَنَا هُنا هذا الصباح على ارتباطٍ
بالقِران الأشرف! وهو الذي أحتاج أن (٣٠)
تُعيننا عليه أيُّها القس المُبارَك.
ليوناتو : قلبي يُحِبُّ ما تُحب.
القس : ومعونتي حاضرةٌ! ها قد أتى كلوديو والأمير.

(يدخل دون بيدرو وكلوديو وبعض الأتباع.)

دون بيدرو : عِمتم صباحًا أيُّها الجمعُ الكريم.
ليوناتو :
أنعِم صباحًا يا أمير! أنعِم صباحًا يا كلوديو! (٣٥)
إنَّا هنا ننتظِر! تُراكَ لا تزال عازمًا
على الزَّواجِ اليومَ من بنت أخي؟
كلوديو : لن يتغيَّر رأيي حتى لو كانت حبشيَّة.٦٠
ليوناتو : اذهَب أخي فادعُها! وها هو القسُّ تجهَّزْ.

(يخرج أنطونيو.)

دون بيدرو :
عِمْتَ صباحًا بينديك! عَجبًا تُرى ما الأمر؟ (٤٠)
كيف اكتسيْتَ وَجْهَ فِبراير؟ فَشَاعَ في
محيَّاكَ الصقيعُ والغَمَامُ والعواصفْ؟
كلوديو :
قد خَطَرَ له في ظني منظرُ ذاكَ الثَّورِ الوحشي!
عبثٌ! لا تخشَ هنا شيئًا! فسنطلي طرفيْ قرنيْك بِعَسْجدْ!
وستشهد قارة أوروبا٦١ جمعاء وقد ضحِكت منكَ، (٤٥)
كما ضحِكت حسناءٌ تُدعى أوروبا من جوف الجبَّار،
حين تقمَّصَ دور الثَّوْر العاشق وتحلَّى بالنُّبل.
بينديك :
جوف تقمَّص ذاك الجسَدَ، وكان خُوارُ الثَّوْر جميلَ الأصداء.
وكذلك بعضُ غريبِ الثِّيرانِ علَا بقرةَ والدِكَ الحسناء٦٢
فأنجبَ عِجلًا من هذا العَمَلِ السامي الأنْبَلِ، (٥٠)
يُشبهُك تمامًا فثُغاؤُك كثُغاء العِجلِ الأمثَلْ.
(يدخل أنطونيو وهيرو وبياتريس ومارجريت وأورسولا، وكلٌّ منهن ترتدي قناعًا.)٦٣
كلوديو :
هذي الغمزة ديْنٌ سأسدِّده يومًا ما! ها قد وصل فريقٌ
يستدعي تسديدَ دُيُون أخرى! من منكنَّ الآنسة المكتوبة لي؟

(أنطونيو يقود هيرو من يدها.)

ليوناتو : هذي هيَه! وإنني وهبتُها لك!
كلوديو :
إذنْ أنا صاحبُها.
(إلى هيرو) أيتُّها الرقيقة! أريدُ أن أرى وجْهَكِ. (٥٥)
ليوناتو :
ذاك محالٌ إلا إنْ أمسكْتَ بيدِها
في حَضْرَة هذا القِسِّ وأقسمْتَ بأنْ تتزوَّجَها.
كلوديو :
هاتي يدكِ أمام القسِّ الربَّاني:
فأنا زوجُك إن رُقتُ بعينيكِ.٦٤
هيرو (تخلع القناع) :
ولقد كنتُ أنا زوجتَكَ الأخرى في أثناءِ حياتي (٦٠)
ولقد كنتَ كذلِكَ زوجي الآخَرَ في أثناءِ غَرَامِكَ.
كلوديو : هيروُ أخرى!
هيرو :
لا أنصَعَ من ذلك! هيرو الأولى ماتَتْ مُتَّهَمة! (٦٥)
لكنِّي أحيا واثِقَة أني عَذْراءُ وُثُوقي بحَيَاتي!
دون بيدرو : هذي هيرو الأولى! بل مَنْ ماتت!
ليوناتو : بل يقتصِرُ الموْتُ أيا مولاي على أيَّامِ حَيَاة التُّهْمَة!
القس :
في طَوْقِي تَخْفِيفُ الحَيْرة عِنْدَكمو،
فإذَا أكْمَلْنَا كُلَّ شَعَائِرِنَا القُدسيَّة،
أعْلَنْتُ لكُمْ بالتَّفْصِيلِ حَقِيقَةَ مَوْتِ الغَادة هيرو!
وإلى أن يحدُثَ هذا لا يَدْهَش أحَدٌ منكم بل فليَقبَلْ (٧٠)
هذا الوَاقِعَ وبِصَدْرٍ رَحْبٍ ولنَمضِ على الفَوْرِ إذن لِكَنِيسَتِنَا.
بينديك : أرجُوكَ تمهَّل يا كَاهِنْ! (إلى أنطونيو) من فِيهِنَّ بياتريس؟
بياتريس (وهي تنزع القناع) : ذَلِكَ اسْمِي! ماذا تَبْغي؟
بينديك : ألا تُحبِّينني؟
بياتريس : لا! لا أكثرَ من حُبِّي لِلعقل.
بينديك :
وإذنْ ضُلِّلَ عمُّكِ وأميرُ الدَّولةِ وكلوديو! (٧٥)
فلقد حَلَفُوا بِغَرامِك لي!
بياتريس : وأنتَ؟ ألا تحبُّني؟٦٥
بينديك : حقًّا لا! لا أكْثَرَ من حُبِّي للعقل!
بياتريس :
وإذنْ ضُلِّلَتْ ابنةُ عمِّي ووصيفتُها أورسولا وكذلك مارجريت!
إذ أقسمْنَ بحُبِّكَ لي!
بينديك : حَلَفُوا إنَّك أضناكِ غَرَامي. (٨٠)
بياتريس : والفتيات حَلَفْنَ بأنَّكَ من حُبِّي كِدتَ تمُوتْ!
بينديك : لمْ يَحْدُثِ الذي رَوَيْنه! إذن فأنتِ لا تُحبِّينني.
بياتريس : كلَّا وحقًّا إنما بِقَدْر ما يَرُدُّ صاحبٌ صنيعَ معروفٍ لِصاحبِه!
ليوناتو : اعْتَرِفي يا بِنْتَ أخِي! كُلِّي ثقةٌ في حُبِّكِ لِفتَانَا الأكْرَمْ!
كلوديو :
وأنا أُقسِمُ إنَّ فَتَانا يهوَاهَا، وإليكم هذي الوَرَقَةْ! (٨٥)
والخطُّ بها خطُّ يدِه! وبها سُونيتهْ
الشِّعرُ المكسُورُ٦٦ بها من إنْشَاءِ قَرِيحَتِهِ وَحْدَه،
وهي مُوَجَّهَةٌ لبياتريس.
هيرو :
وإليكُم أُخْرَى! وبخطِّ يَدِ ابنَةِ عَمِّي، كانت في جَيْبٍ في
سُتْرتِها وتُعبِّر فيها عن حبٍّ دفَّاقٍ لِفتاها بينديك! (٩٠)
بينديك :
معجزة! هاتان يدانا تفضحان قلبينا. هيا! سوف أتزوجك ولكني،
قسمًا بنور النهار، أتزوجك من باب الشفقة!
بياتريس :
لن أرفضَكَ ولكني، قسمًا بهذا اليوم الجميل، لم أقبَلْ إلَّا بعد
إلحاحٍ شديدٍ … وأيضًا لإنقاذ حياتِكَ، إذ سمعت أن صحتَك قد (٩٥)
تدهورت.
ليوناتو : صمتًا! (إلى بياتريس) سأغلِقُ فَمَكِ!

(يأخذ بياتريس من يدها ويسلمها إلى بينديك.)

دون بيدرو : كيف حالك يا بينديك … أيُّها الرجل المتزوج؟
بينديك :
أؤكد لكَ أيُّها الأمير أن حشدًا كاملًا من الساخرين لن يستطيعوا
بفكاهاتِهم تغييرَ موقفي، هل تتصوَّر أنني آبه للهجاء أو للسخرية؟ (١٠٠)
كلَّا! لو انهزم الرجلُ أمام ثمار القرائح فلن ينجح حتى في ارتداء
الملابس الأنيقة. وباختصارٍ فما دمتُ اعتزمتُ الزواجَ، فلن يثنيني
عن عزمي هجومُ الدنيا كلها عليه. وإذن فلا تسخر مني قط بسبب
انتقاداتي السابقة له. إذ إن الإنسان كائنٌ متقلِّبٌ، وهذا ما انتهيت (١٠٥)
إليه.٦٧ وأما أنت يا كلوديو فقد كنتُ أعتزمُ أن أقهرَكَ، ولكن ما دمت
ستصبح لي نسيبًا فعِش سالمًا وحافِظ على حبِّ قريبتي.
كلوديو :
كنتُ أتمنى أن تستعصي على حبِّ بياتريس حتى أرغمَك بالقوة (١١٠)
على ترك الحياة الفردية وقبول الحياة الزوجية والخيانة الزوجية، وهو
ما لا بد أن يحدث الآن لو لم تراقبك قريبتي مراقبة شديدة.
بينديك :
دِعَكَ الآن من هذا! لقد غدونا أصدقاء! فلنحتفل برقصة قبل (١١٥)
الزواج، لتخفيف أثقال نفوسِنا وأقدام زوجتينا!٦٨
ليوناتو : الحفل الراقص فيما بعد.
بينديك :
بل قبل الزواج وأقسم! وإذن فاعزفوا أيها الموسيقيون! أيها الأمير،
أنت جادٌّ متجهم؛ فاتخذ لك زوجة! اتخذ لك زوجة! لا توجد (١٢٠)
عصا أشدَّ جلالًا من عصا في طرفها قرن.٦٩

(يدخل رسول.)

الرسول :
مَوْلَاي قد قَبَضُوا على أخِيكَ جُونْ يُحَاوِلُ الفِرَارْ
وأرجَعُوه في حِرَاسَةِ الجُنُودِ مَخْفُورًا إلى مسينا.٧٠
بينديك :
نؤجل التفكير في أمره إلى الغد، وسوف أبتكر عقوبات طريفة تليق (١٢٥)
به. اعزفوا أيها العازفون!

(يبدأ الرقص وعندما ينتهي يخرج الجميع.)

النهاية٧١
١  «إذ يتنحنح» في الأصل (cry “hem”) أي يقول «إِحِمْ» كأنما يتنحنح استعدادًا للحديث، وكان الشائع أن ذلك يسبق الحديث الممل الذي لا جديد فيه.
٢  ليس من الواضح إن كان أنطونيو يعرف أن «موت» هيرو وهمي، فلم يكن موجودًا أثناء الاتفاق على الخطة التي وضعها الكاهن، وإن كان يظهر في ذلك المشهد في بعض عروض المسرحية.
٣  «بل أثبت صدقي بشهادة جثته» كان الفصل في نزاع بالمبارزة يُعتبَر نوعًا مقبولًا من أنواع المحاكمة القضائية، ما دام الله هو الذي يحدد من يكسب القضية بالفوز في النزال.
٤  «فإن غلبتني استعبدني» كان هذا مثلًا سائرًا، والمعنى واضح أي إن غلبتني فافعل بي ما تشاء، وهو في الأصل (win me and wear me!).
٥  «بل خلِّ عنِّي يا أخي»: حماس أنطونيو للنزال يتناقض مع نصحه لأخيه ليوناتو أولًا بالصبر الجميل والتأني والتعقُّل، وفي حماسه مخاطرة بأن يصبح صورة ساخرة من اندفاع ليوناتو لتحدي كلوديو، وبعض العروض المسرحية تؤكد ذلك بإبراز الجانب الفكاهي في إصراره على عدم الإصغاء لرجاء أخيه.
٦  «هل تُسمِعُنا بعضَ فكاهاتك؟» لاحِظ روح المرح عند كلوديو (ودون بيدرو) كأنما لم يأثم في حق هيرو على الإطلاق، والنقاد لا يعلقون على ذلك كأنه الوضع الطبيعي.
٧  «هل تنحيت عن لماحيتك … عن عقولهم» يتلاعب دون بيدرو وكلوديو بالمعاني المختلفة لكلمة (wit) التي شرحتها في المقدمة، بروح المرح التي يفتقدها بينديك، لكنهما يفترضان أنه حقًّا «مضحك الأمير» الذي أشارت إليه بياتريس في ٢ / ١ / ٢٢٣، ولم أستطع محاكاة توريتهم في الترجمة فاقتصرت على المعنى، من دون استخدام الكلمة نفسها.
٨  «شد حيلك يا رجل!» الأصل: (What, courage, man!) لا مقابل له بالفصحى ولا مناص من العامية!
٩  «قد يقتل الهم القطة» كان من الأمثلة الشائعة مثل «الفضول قتل القطة» والقطة في هذين المثلين لا تحمل دلالة خاصة؛ فالمقصود هو أن الهم فتاك قاتل (مثل الفضول). وربما كان كلوديو في هذا الحوار يسخر مما يظنه معاناة بينديك من الحب، وإن كان الحوار كله يوحي بأنه لا يعتقد حقًّا أن بينديك جاد.
١٠  «لَسوف أواجه لماحيتك بطعنة قوية» الصورة من مبارزة الفرسان فوق ظهر الخيل إذ يركض فارسان من ناحيتين متقابلتين نحو بعضهما البعض وفي يد كلٍّ منهما رمحٌ طويلٌ يريد أن يطعن به غريمه أو يوقعه من فرسه إلى الأرض، وهو ما يسمى مضمار الهجوم أو (the career) والهجوم نفسه هو (charge). ولما كان نقْل دقائق الصورة يقتضي الشرح الذي يفسد الحوار اكتفيتُ بالمعنى.
١١  «أعطه رمحًا آخر» الصورة مستمرة.
١٢  «بهذا الضياء» (by this light) قد يعني ضوء النهار أو ضوء الشموع، ولم أشأ التحديد لأن ذلك من شأنه تحديد وقت الحدث وهو غير محددٍ في الأصل.
١٣  «يعلن الهدنة» هذا هو المقصود بتعبيرٍ اصطلاحي قديم هو (turn his girdle) أي يغيِّر وضع الحزام في وسطه، وكان يعني إما أن يأتي الفارس بمقبض الخنجر إلى متناول يده أو يبعده عن متناول يده، ولم يستطع أحد الشرَّاح تحديد منشأ المصطلح، الذي يمثِّل قصة قديمة أتت بهذا المثل الذي اكتفيت بمعناه وحسب.
١٤  يعدِّد كلوديو أنواع الطعام المعتادة في الولائم الفاخرة، ولكن كل نوعٍ له دلالة أخرى ثقافية انقرضت، ومن المحال على الجمهور اليوم إدراكها وهي في مجملها شتائم مُضمَرة، فالعجل يشير إلى الحمق بسبب صغر سنِّه، والديك السمين كان ديكًا مخصيًّا ومن ثَمَّ فهو دليلٌ على الجبن، والدجاجة البرية رمز الغباء بسبب سهولة خداعها وصيدها.
١٥  «تتبختر» (ambles) هذا وصف لمِشية الفرس الذي لا يخب (canter, trot) ولا يركض (gallop) أي إنه لا يقطع أرضًا.
١٦  «أصحاب العقول في راحة» تعبير (wise gentleman) كان تعبيرًا ساخرًا آنذاك (يقابل التعبير المصري) وكان دائمًا ما يُطلَق على الغبي أو المأفون، وهذه حالة من حالات الاتفاق الثقافي.
١٧  «تمسخ» الأصل (trans-shape) ويعادل (metamorphose) في معناه أي يسخط أو يمسخ، وهو ما تقول هيرو إنه دأب بياتريس في ٣ / ١ / ٥٩–٧٠.
١٨  «إن لم تكن تمقته … فهي تحبه» تطرُّف المرأة في الحب والكراهية كان مضرب الأمثال، ويشير النقاد إلى وجود عبارة مماثلة عند جون لِيلِي في تشريح اللماحية.
١٩  «ابنة العجوز» أي هيرو.
٢٠  «رآه الله وهو مختبئ في الحديقة» إشارة إلى ما جاء في سفر التكوين،٣: ٨ من أن الله رأى آدم وحواء بعد العصيان يختبئان في الحديقة خجلًا.
٢١  «مضطر للرحيل» تنفرد كلير ماكيتشيرن بتفسير عبارة:
I must discontinue your company.
بأنها تعني الاستقالة من عمله عند دون بيدرو، وظاهر اللفظ لا يوحي إلا بالمعنى الذي أوردته ولا يعلق عليه ناقد أو شارح آخر، وعلى هذا فهمته؛ إذ لا يوجد في المسرحية ما يؤكده بل إن الصفاء يعود آخر الأمر بين الجميع.
٢٢  «وثانيًا» يحاول دوجبري تعديد اتهاماته بأسلوب القضايا المنطقية، وخلْطه الطريف يحاكيه دون بيدرو ساخرًا.
٢٣  لا يعلِّق النقاد على صورة الملبس التي ألمحتُ في المقدمة وفي الحواشي إلى أنها من الصور الأساسية في المسرحية؛ فتغيير «طراز» الملبس حتى لغويًّا يغيِّر هوية صاحبه.
٢٤  «كانت ترتدي ثياب هيرو» يقول چ. س. سميث في طبعته للمسرحية عام ١٩٠٢م، وفق ما يشير إليه المحدثون، إن شيكسبير «يضيف هذه اللمسة المهمة هنا للمرة الأولى، وهي آخر رواية لما حدث في منتصف الليل عشية الزفاف»، ولا يبيِّن النصُّ بوضوحٍ سببَ إقدام مارجريت على ذلك، وإن كنَّا نستشِفُّ مما سبق أن بوراكيو أقنعها بتمثيل دوري هيرو وكلوديو معه من باب التفكُّه والتسرية، وأنها اقتنعت بفكرة بوراكيو وأطاعته بدافع الحب (انظر الحاشية على السطر ٢ / ٢ / ٤٠ عاليه حيث أقدم هذا الرأي).
٢٥  السطران موزونان مقفَّيان في الأصل، وحاكيتهما في حدود الطاقة رغم الإقواء في القافية العربية.
٢٦  دوجبري يقول «المدعيين» ويقصد المَدَّعى عليهما أي «المتهمَيْن»، وترجمتُ الخطأ الذي وقع فيه بسبب وضوح مقصده في السياق.
٢٧  «قد أصلح السنيور» أي «أطلع السنيور» وترجمتُ الخطأ لأنه لا يضر السياق، وقد تيسَّر ذلك بسبب توازي بناء «أصلح» مع «أطلع» مثل توازي (informed) الكلمة المقصودة، مع (reformed) المنطوقة.
٢٨  «من الشرفاء» يبدو أن هذه سخرية من جانب ليوناتو، على غرار ما يقوله مارك أنطوني في يوليوس قيصر عن بروتوس ورفاقه (٣ / ٢ / ٨٣-٨٤).
٢٩  «وهي الوريثة الوحيدة» نسي شيكسبير تمامًا ما سبق ذكره عن وجود ابن لأنطونيو في ١ / ٢ / ١-٢.
٣٠  يقول النقاد إن دون بيدرو وكلوديو كثيرًا ما يخرجان في هذه اللحظة، وفي هذه الحالة ينقل السطران ٣١٧-٣١٨ إلى هذه النقطة في الحوار، وقد يحذفان.
٣١  اختلط أمر كلمة lock على دوجبري، فثبت في ذاكرته أنها تعني القفل، ومن ثمَّ أتى ذهنه المشوش بمفتاح للقفل، بل وتوسَّع في وصف ممسوخ أفندي المذكور فجعله يقترض المال باسم الله.
٣٢  «تتحدث حديث شاب» يقصد دوجبري حديث «كهل»، ولكن خطأه له دلالة فكاهية، ولهذا أبقيته، بل إنه قد ينقل المعنى البعيد أو غير المقصود لدوجبري.
٣٣  «حفظ الله المؤسسة الخيرية!» والأصل (God save the foundation!) وكانت هذه العبارة صيغة شكر من يتلقون «الإحسان» عند أبواب الجمعيات الخيرية والأديرة.
٣٤  «لا قدَّر الله ذلك!» الأصل (God prohibit it!) والمقصود فليت الله ييسِّرَهُ لنا، ولم أغيِّر كلام دوجبري لأن تأثيره الفكاهي على المسرح أساسي لتصوير شخصيته.
٣٥  «لن يأتي رجل فوقي» التورية هنا واضحة، فالمعنى الظاهر أنه لن يأتيها رجل فوقها مكانةً أو منزلةً اجتماعية، والباطن أنها لن يعتليها رجل أي لن تتزوج، وكلاهما يفهمه بينديك «اللمَّاح». وأما «البدروم» فيعني الطابق السفلي حيث يعيش الخدم، أي إنها تشير إلى بقائها في طبقتها الاجتماعية الدنيا.
٣٦  «وأقدم درعي» يقول الدكتور جونسون إن تقديم الدرع معناه الاستسلام أو استبعاد أي نية للدفاع عن النفس.
٣٧  إشارات مارجريت الجنسية واضحة.
٣٨  ٢٦–٢٩ كانت هذه الفقرة الأولى من أغنية شائعة آنذاك، ويتوسَّع الشرَّاح في تاريخها، وهو لا يهمنا.
٣٩  «لياندر» سبقت الإشارة إلى لياندر في الحاشية على ٤ / ١ / ٧٩، وأضيف هنا أن بينديك يتجاهل أن ذلك «السباح الماهر» غرق، وكان كريستوفر مارلو، معاصر شيكسبير، قد عالج هذه القصة في هيرو ولياندر التي نُشِرت عام ١٥٩٨م، وإن كانت أصداء تلك القصيدة البادية في حلم ليلة صيف تدل على أنه قد اطَّلع على القصيدة مخطوطة أي قبل نشرها.
٤٠  «طرويلوس» كان اسمه يرمز، مثل اسم لياندر، للعاشق التَّعِس، ولكنه ذو دلالة خاصة هنا لأنه استعان بوسيطٍ، كما يقول بينديك، هو عم الفتاة بانداروس، في الوصول إلى فراش حبيبته، ولكنها هجرته آخر الأمر، وقد عالج قصتهما جيفري تشوسر في قصيدته طرويلوس وكريسيد كما عالجها شيكسبير في مسرحيته التي تحمل اسميهما فيما بعد.
٤١  القوافي تختلف بطبيعة الحال من لغة إلى لغة، لكنه ما دام القصد إبراز سخافة القوافي التي تخطر على بال بينديك فلا بد من العثور على مقابلات في اللغة المترجَم إليها (أي اللغة المستهدَفة) وما يُعتبَر قافية بالإنجليزية لا يُعتبَر كذلك بالعربية، مثل القافية الأولى هنا وهي (lady) و(baby) فالحركة (أي حرف العلة) لا تُعَد قافية بل ولا رَوِيًّا (الحرف الأخير الذي تُبنَى عليه القافية) في العربية، وهكذا كان لا بد من الإتيان بما يُعتبَر قافية بالعربية مثل آنسة وناعسة، ولاحِظ أن التاء المربوطة أو الهاء لا تُعتبَر رَوِيًّا، وقِسْ على ذلك القوافي الأخرى مثل «الحزن» و«القرن» (horn) والمعهد (school) والمقعد، واختيار الكلمة التي ينطبق عليها وصف بينديك للقافية، فالمترجِم هنا لا يترجم ألفاظًا بل حالة تشابه تدعو للسخرية، وبحيث تكون السخرية هي «المادة» المترجَمة في الواقع.
٤٢  أي إن الكوكب الذي كان طالعًا يوم ميلادي لم يكن كوكب قوافٍ شعرية، كأنما كُتِب عليه أن يقول النثر ما عاش!
٤٣  «لغة الاحتفالات»: (festive terms) يقصد بينديك أن يسخر من عادة كتابة النظم في مناسبات أو حفلات معينة، وهو ما يُطلَق عليه أحيانًا شعر المناسبات، الذي يتميز بروحٍ تقليدية وبجودة السبك الذي لا يشهد إلا بالبراعة اللغوية «لصانعه»، وكان من أهم «المناسبات» آنذاك «خطبة امرأة»، إذ كان ذلك يتطلَّب نظم قصيدة، أو استعارة أبياتٍ من قصائد «المحترفين» تناسب «الحفل»، أو حتى ليستعين بها العاشق في الوصول إلى قلب محبوبته، ويقول أحد الشرَّاح إن بينديك قد يقصد اللغة غير الجادة أو «لغة العطلات»، والطريف أن بينديك نفسه ينجح آخر الأمر في كتابة سونيتة مهداة إلى بياتريس أو في حبِّها!
٤٤  يعتمد المخرجون على هذا السطر في جعل بياتريس تتجه إلى باب الخروج، ثم تقف وتتردَّد، أي إنهم يجعلون حركتَها الجسدية على خشبة المسرح ترجمة مادية لحركة قلبِها.
٤٥  تعود بياتريس إلى «استعراض» مهارتِها اللغوية القائمة على الأسلوب اليوفوي من خلال اللماحية أو سرعة البديهة التي تمكِّنها من بناء حُجَّة تتفكَّه بها. والحوار التالي كله دليلٌ على ذلك حتى السطر ٨٦.
٤٦  «من أيام الجيران الأخيار» يشير بينديك إلى مَثَلٍ قديمٍ يقول «مَن له «جيران» سوءٍ يسعده امتداح ذاتِه»، ولكن الكلام الذي يسمعه جمهور المسرح يظل غامضًا، خصوصًا بعد أن أصبح هذا المثل مهجورًا أو حتى مجهولًا.
٤٧  «نهش السادة الديدان»، في هذا إشارة غير مباشرة إلى إنجيل مرقس «حيث دودهم لا يموت، والنار التي لا تُطفأ» ٩: ٤٦.
٤٨  يقول كوكس في كتابه المشار إليه عن تاريخ إخراج مسرحيات شيكسبير إن جرد قِطَعِ الديكور في مسرح روز عام ١٥٩٨م أثبت وجود قطعة ديكور تمثِّل قبرًا، وهكذا فمن الممكن أن تكون هذه جزءًا من الديكور المسرحي في مسارح عصر النهضة (ص٢٢٥). ويناقش الشُرَّاح بالتفصيل احتمالات أداء الأغاني هنا، وتحديد من يغنيها، وهذا أمر إخراجي محض لا يهمُّ القارئ العربي.
٤٩  الأبيات: يقول الشرَّاح إن الأداء هنا موزَّع على أكثر من صوت، وإن كلوديو لا يلقي الأبيات بسبب كدره الشديد، وإن اللورد قد يكون أحد المنشدين وحسب.
٥٠  الأغنية: قد يكون المغني هو بالتازار، وقد تكون أغنية جماعية.
٥١  «ربة هذا الليل»: ديانا أو أرتميس، ربة القمر والعفة، وكانت تعمل بالصيد. انظر «مثل ديانا ربة هذا القمر السيَّار» (٤ / ١ / ٥٦) والصورة الشعرية تُعيد ديانا إلى «حالتِها العذرية» وتمثِّل محاولة لإرضاء الربة التي أدى غضبُها إلى اكتساب أكتيون قرنين (رمز الديوث) (أوفيد، مسخ الكائنات، ٣ / ١٣٨–٢٤٩).
٥٢  «عذراء وفارسة في محرابك» يشير إليها النص بصيغة المذكر (فارس) ولكنني جعلت الكلمة مؤنثة خوفًا من الخلط، ويقول الشرَّاح إنَّ صورة المرأة العفيفة، مثل ديانا، كثيرًا ما كانت تُرسَم مرتدية ملابس الرجال، كأنما إثباتٌ لطهرها، مثلما يفعل سبنسر في ملكة الجان (في الكتاب الثالث) ومثلما يفعل ميلتون في كوموس عندما يصف الليدي قائلًا:
من تحفظُ عِفَّتها تلبسُ دِرعًا من فولاذٍ كاملةً،
كالحورية تحملُ جُعبةَ أسْهُمِها المشحوذةْ؛
إذ تذرعُ آمنةً غاباتٍ لفَّاءَ وربواتٍ جرداء،
وتلالًا ساءت سُمْعَتُها، وصحاريَ مُقفِرةٍ خطِرة،
حتى ما يجرؤ وحشيٌّ ذو طبْعٍ ضارٍ،
أو قاطعُ طُرقٍ أو رجُلٌ جَبَلِيٌّ فتَّاكٌ،
أن يقْرَبَها ويُلَوِّثَ عُذْرِيَّتَها الطاهرة العَفَّةْ.
(كوموس، ٤٢٠–٤٢٦، من طبعة لونجمان ١٩٦٨م)
٥٣  يرى الشرَّاح أن معنى البيتين «محيِّر» ولكنني أرى فيه إلماحًا من خلال صورة البعث بما سوف يحدث حين «تعود» هيرو إلى الحياة، أي تُبعَث من جديدٍ. وقد تجنَّبتُ في الترجمة الشروح الخلافية التي أتى بها بعض النقاد والتزمت بخطِّ المعنى الأساسي.
٥٤  «فيبوس رب الشمس»: كان الرومان يصورونه في صورة سائق عربة تجرُّها خيول الشمس.
٥٥  «رب الزواج» في الأصل (Hymen) فجئتُ في الترجمة بمعنى الاسم الذي لا يعني شيئًا للقارئ العربي.
٥٦  لاحِظ أنني غيَّرتُ البحر هنا مجاراةً لتغيير شيكسبير بحره في هذا الجزء.
٥٧  «أخطأت» يبدو أن خطأها كان ينحصر في استعارة ملابس سيدتها، إذا صدَّقنا ما يقوله بوراكيو (٥ / ١ / ٢٩٢) «بل لم تكن تلك الفتاة تدري/سر ما قامت به إذ حادثتني آنذاك.»
٥٨  «الشاب كلوديو» تأكيد جديد على يفوع كلوديو.
٥٩  «عين رضا» المعنى المضمَر هنا هو أن اختلاف النظر يؤدي إلى اختلاف صور الأشياء. وقد سبق لكلوديو التعبير عن المعنى نفسه في «ولسوف تقيم الريبة فوق جفوني/لتحول كل جمال لخواطر ضُرٍّ /كي يفقد للأبد الفتنة والسحر» (٤ / ١ / ١٠٦–١٠٨).
٦٠  «حبشية» أي من أمة أجنبية وانتماء عنصري أجنبي، ومن ثَمَّ فليست جذابة.
٦١  «أوروبا» ترد عند شيكسبير دون تحديد المقصود اعتمادًا على معرفة الجمهور، فأضفت وصفًا لكل من معنييها إيضاحًا للقارئ العربي. والحسناء أوروبا كانت أميرة فينيقية سحر جمالها جوف، رب الأرباب، فحوَّل صورته إلى صورة ثور عاشق جذاب حتى يقتنصها ويحملها معه عبر البحر إلى جزيرة كريت (أوفيد، مسخ الكائنات، ٢ / ٨٣٣–٨٧٥).
٦٢  «علا بقرة والدك الحسناء» «علا» في الأصل (leaped) أي وثب فوقها بمعنى عاشرها، وبينديك يرد هنا على كلوديو بوصفه (أي وصف كلوديو) بأنه ابن سفاح وبأنه ابن لوالدة خائنة، وذلك بألفاظ مهذبة في الظاهر وإن كان معناها واضحًا. و«نغمة» هذه الفكاهات تعتمد على أسلوب إلقائها على المسرح.
٦٣  الإرشادات المسرحية وفق ما أمر به ليوناتو تضع الفتيات أقنعة على وجوههن.
٦٤  «إن رقتُ بعينِكِ» أي إن كلوديو يتيح لهيرو فرصة رفضه إن لم يرُق لها شكله.
٦٥  ٧٥–٧٧ ترد هذه السطور منثورة في طبعة الفوليو التي تجعل كل ما يقوله بينديك وبياتريس نثرًا.
٦٦  «الشعر المكسور»: (halting) في الأصل، وهو المعنى المقصود، فالصورة تعني حرفيًّا بحرًا شعريًّا أعرج! و«من إنشاء قريحته وحده» في الأصل (of his own pure brain).
٦٧  «إذ إن الإنسان كائن متقلب، وهذا ما انتهيت إليه» يقلِب بينديك ترتيب الجملة، وكان يقصد أن يقول «قد انتهيت إلى قَبولِ الزواج وهو ما يثبت أن الإنسان كائن متقلب.»
٦٨  «تخفيف … أقدام زوجتينا» أي تسهيل رفعهما لأقدامهما، والإشارة الجنسية مضمرة، ولكنها ما دامت في كنف الزواج لم يعترض عليها أحدٌ.
٦٩  «في طرفها قرن» كان القرن كما سبق رمزًا للديوث.
٧٠  من الغريب أن ينطق الرسول بالنظم في هذا الجو النثري.
٧١  هذه هي المسرحية الشيكسبيرية الوحيدة التي تنتهي صراحةً برقص الجميع، والمعتاد أن يقدِّم المهرج رقصة منفردة، ويكثر النقاد من تحليل ذلك وهو ما لا يفيدنا كثيرًا في هذا السياق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤