خدعة … لثاني مرة

فجأةً ظهر في الأفق نقطتان صغيرتان أخذتا تقتربان شيئًا فشيئًا، وصوتهما يزداد وضوحًا.

وصاح «عثمان»: إنهما طائرتان هليوكوبتر … لا شك أنَّهما ستهاجمانا.

وأسرع الشياطين بإلقاء أنفسهم خلف مجموعة من الشجيرات الصغيرة، عندما انطلق سيلٌ من الرصاص يحصد قمة الجبل … كان مكان الشياطين مكشوفًا ولا حماية لهم، وهنا تأكد الشياطين الستة من شدة ذكاء زعيم «سادة العالم» الجديد … ذلك الذكاء الشديد الذي مكَّنَه من قيادة المنظمة الإجرامية الأولى في العالم.

ولكن الشياطين لم يكونوا أقل قوة أبدًا، أو أقل ذكاء.

وصوَّب الشياطين مدافعهم الرشاشة نحو الطائرتين، ولكنَّهما ناوَرَتا بمهارة، وابتعدت الاثنتان … ثم عادتا تهاجمان الشياطين على شكل رأس مثلث … بدون أن تُتِيحَا للشياطين سرعة الرد، وانطلق صاروخ من إحداهما، فألقى الشياطين بأنفسهم على الأرض، ودَوَّى انفجارٌ رهيبٌ نتج عنه حفرة متسعة في قمة الجبل، وانطلقت الطائرتان بعيدًا.

وصاح «أحمد» بانتصار: هذا هو ما كنَّا نحتاج إليه بالفعل.

وألقى الشياطين بأنفسهم داخل الحفرة التي صنعها الصاروخ، وغطَّياها بأغصان الأشجار واختفيا فيها.

وأقبلت الطائرتان مرةً أخرى وهما تواصلان حصد قمة الجبل برصاصهما … ولكن … لم يكن هناك أي أثر للشياطين، ولم يرد أحدهم بطلقة واحدة.

وكان من الواضح لقائدي الطائرتين وركابهما المسلحين أنَّ صاروخهما قد أصاب الشياطين، ووضع نهاية لهم … وكان الأمر بحاجة إلى تأكيد أخير.

اقتربت الطائرتان أكثر وأكثر من قمة الجبل … وحلَّقتا على ارتفاع منخفض … لم يكن هناك أي أثر للشياطين … ورفع قائد الطائرتين أصابعهما بعلامة النصر … وفي نفس اللحظة هتف «أحمد»: هيا بنا الآن.

وانطلق صاروخان من قلب الحفرة، وانفجرت الطائرتان بصوت رهيب، وتناثرت أشلاؤهما فوق الجبل … وابتسم الشياطين لأول مرةٍ منذ بَدء مهمتهم. وقال «عثمان»: لقد انتزعنا إحدى أشواك القنفذ … سيعرف الآن أنه يواجه نُمورًا لا تخشى أشواكه.

أحمد: دعونا نهبط الجبل بسرعة فنحن فوقه في خطر، وربما يفكر «القنفذ» في إرسال مَن يهاجمنا من عصابته مرةً أخرى.

قيس: معك حق يا «أحمد» … المهم الآن هو الوصول إلى مكان الفتيات وليس الاشتباك مع العصابة، فهذا يعطلنا.

خالد: لقد فقدنا الكثير من الوقت بالفعل بصعودنا هذا الجبل.

مصباح: ولكن لا أظن أننا سنستغرق وقتًا طويلًا في هبوطه.

وبسرعة خلع الشياطين قمصانَهم، وفوق ظهورهم كانت هناك مظلات الهبوط الصغيرة التي لا تحتل مساحة كبيرة.

وقفز الشياطين الستة من فوق قمة الجبل نحو الغابة البعيدة … وسبحوا في الهواء مثل مجموعة من الطيور البشرية مبتعدين عن الجبل والريح تدفعهم نحو الغابات … وأخيرًا انفتحت مظلاتهم، وتأرجحوا في الهواء … وفي وقت قليل كانوا يلمسون الأرض على حافة الغابات، وبسرعة لموا المظلات.

ولحسن حظهم كانت سيارتهم الجيب لا تزال في مكانها. ابتسم «أحمد» وهو يأخذ مكانه فوق عجلة القيادة … يبدو أن «القنفذ» شديد الثقة بنفسه، ولم يتوقع هبوطنا أحياء من فوق الجبل، ولذلك ترك سيارتنا.

ضحك «عثمان» وقال: لا بد أنه سيَعَضُّ أصابع قدميه ندمًا عندما يعرف ما جرى للطائرتين.

ومن بعيد ظهرت سيارات الشرطة وهي تحاصر الجبل، وتطوِّقه بعد انفجار الطائرتين، وكان الاضطراب يسود المكان، والآلاف من البشر قد تجمعوا أسفل الجبل.

تبادل الشياطين الستة نظرة متفاهمة، وقاد «أحمد» السيارة الجيب مبتعدًا عن المكان … عائدًا إلى العاصمة مرة أخرى، والليل قد هبط على المكان.

كانت سرعة السيارة الجيب عالية جدًّا، و«أحمد» يقطع بها الطريق المظلم على حدود الغابات، وقد أضاء الكشَّافين الأماميين؛ لينيرا الطريق أمامه مثل عيني وحش خرافي تنفثان النار على الطريق، حتى إن القردة والحيوانات البرية راحت تجري صارخة مبتعدة.

وفجأة صاح «فهد»: حاذر يا «أحمد».

وجاء التحذير متأخرًا، فمن قَلْب الظلام برز قطيعٌ من الفيلة ليسدَّ الطريق، وقد أثارته أضواء السيارة القويَّة.

وكان من المستحيل تفادي القطيع … كما كان الاصطدام به يعني النهاية المؤكدة للشياطين عندما تهجم عليهم الفيلة فتحطمهم في ثورة غضبها الهائلة.

ولكن الشياطين لم تكن تعرف لكلمة المستحيل موضعًا في قاموسها العملي … خاصة «أحمد».

في نفس اللحظة التي جاء فيها تحذير «فهد» ﻟ «أحمد»، أدار «أحمد» عجلة القيادة بقدر المستطاع، وضغط فوق دواسة البنزين، فزأرت السيارة الجيب بصوت حاد، ودارت حول نفسها كوحش صريع، ثم اندفعت لتصطدمَ بأقرب شجرة.

وحدث ما توقعه الشياطين، فقد اهتاجت الفيلة لما حدث، وظنَّت الجيب عدوًّا يحاول معاكستها، فزأرت في غضب رهيب، واندفعت تدك الأرض نحو السيارة.

وصاح «عثمان»: غادروا السيارة في الحال وإلا سَحَقْتنا الفيلة.

وقفز الشياطين من أماكنهم داخل السيارة، واندفعوا يَعْدون في قلب الغابة، وقبل أن يبتعدوا بأقل من خمسين مترًا، دَوَّي انفجار هائل هزَّ المكان كأنَّه زلزال، وتناثرت السيارة الجيب وقد تحولت إلى شظايا.

سقط الشياطين على الأرض من شدة الانفجار، وتبادلوا النظرات ذاهلين … وأسرعوا يتسلقون رءوس الأشجار هاربين من أمام قطيع الفيلة الذي اندفع يجري في كل اتجاه، وقد أصابه الانفجار بالجنون.

وبعد وقت هدأت الفيلة، وابتعدت تمامًا، فهبط الشياطين إلى الأرض، واقتربوا من سيارتهم المحطمة التي أمسكت بها النار، وقد سقط عدد من الفيلة قتلى بسبب الانفجار.

قال «أحمد» غير مصدق: لقد كانت هناك قنبلة موقوتة شديدة الانفجار في سيارتنا.

فهد: ولولا هذه الفيلة واعتراضها طريقنا لكانت نهايتنا.

عثمان: يبدو أنَّ زعيم «سادة العالم» الجديد ليس من الغفلة التي تصورناها … لقد وضع في حُسبانه احتمال نجاتنا وركوبنا سيارتنا مرةً أخرى؛ ولذلك وضع رجالُه قنبلةً موقوتةً داخل السيارة؛ لتنفجرَ ونحن فيها.

وتَنَدَّت قطرات من العرق فوق جبهة «مصباح» وقال: وما العمل الآن؟ إنَّنا في موقف سيئ؛ فالوقت ليلٌ، والمدينةُ بعيدة، وكل ثانية تمرُّ علينا ليست في صالحنا أبدًا.

تَبَادَل الشياطين النظرات في صمت … وبدا كأنَّ الطبيعة التي أنقذتهم من الموت منذ دقائق، قد تحالفت ضدهم مرةً أخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤