بداية لغز

دخل «تختخ» غرفته، فارتدى ثياب «قارئ الكف» ثم أسرع بالخروج، وبينما هو في الطريق التقى ﺑ «عاطف»، فأطلق صفارة خاصة عرف منها «عاطف» شخصية «تختخ»، فاقترب منه فهمس في أذنه: إنني ذاهبٌ الآن إلى منزل الشاويش «فرقع»؛ فالكلب عنده، وفي الغالب قد حبسه في الصندوق الموجود خلف البيت، سوف أشغل من أجده في منزل الشاويش، وعليك أن تُخرج «زنجر»، وتعود به إلى البيت.

وافترق الصديقان، فأسرع «تختخ» إلى بيت الشاويش، وتبعه «عاطف» من بعيد.

كانت الغسَّالة «فتحية» وولدها «سيد» في بيت الشاويش، ففتح «سيد» الباب، ولم يكد يرى «قارئ الكف» حتى قال: هل تَعرف الكلب الذي تحدث عنه الشاويش أمس؟ لقد استطعت سرقته … وأعطاني الشاويش عشرة قروش … إنني ذكيٌّ جدًّا … فقد خدعتُ الكلب بقطعة لحم، ووضعت عليه كيسًا من الخيش، ثم حملته إلى هنا.

عرف «تختخ» كيف سُرق الكلب، فأحسَّ بالغضب الشديد، ولكن وجهه ظل هادئًا ومد يده فأخرج خمسة قروش أعطاها للولد، وقال له: إنك ولدٌ ذكيٌّ جدًّا … خذ هذه، واذهب فاشتر قطعة شيكولاتة.

فرح «سيد» بالقروش الخمسة، فاختطفها وطار إلى الشارع بعد أن استدعى والدته لمقابلة «تختخ»، فرحَّبت «فتحية» به كثيرًا.

أخذ «تختخ» يقرأ كف «فتحية»، في حين أن أذنَيه تتسمعان لما يحدث خلف البيت، وبعد أن أمضى نحو ساعة في الحديث إلى «فتحية» تركها وخرج.

عاد «تختخ» إلى منزله مسرعًا، فخلع ثياب التنكُّر، ولم تمض لحظات حتى سمع صفارة «عاطف» في الخارج فأشار له بالدخول، فدخل.

سأله «تختخ» بلهفة: ماذا فعلت؟ … هل تم كل شيء على ما يرام؟

رد «عاطف» بحماسة: طبعًا … وقد أخذتُ «زنجر» ووضعت مكانه قطة الشاويش التي وجدتها هناك.

تختخ: وأين «زنجر» الآن؟

عاطف: إنه في مسكني، لقد كان الكلب المسكين جائعًا جدًّا، وقد تركته يأكل غداءً شهيًّا من اللحم.

ضحك «تختخ» وقال: سوف يَستدعيني أبي الآن للذهاب معه إلى منزل الشاويش، فعليك بالعودة إلى بيتك، وانتظار بقية الأصدقاء، وسوف أنضمُّ إليك سريعًا.

وبعد دقائق كان «تختخ» … ووالده في الطريق إلى منزل الشاويش، وكان والد «تختخ» غاضبًا يقول: كيف تحوَّل هذا الكلب الوديع إلى سارقٍ للفراخ؟ لا بدَّ أن هذا الشاويش عنده أدلة قوية حتى يقبض على الكلب بهذا الشكل.

ولكن «تختخ» لم يردَّ، بل ظل ساكتًا في انتظار المفاجأة.

ووصَل الاثنان إلى منزل الشاويش، فوجداه في انتظارهما، فدعاهما إلى فنجانٍ من الشاي، ولكن والد «تختخ» رد قائلًا: آسفٌ فليس عندي وقتٌ لتناول الشاي، وأرجو أن تريني الكلب فورًا.

وتقدَّمهما الشاويش إلى حوش المنزل الخلفي، حيث كانت هناك عشة من الخشب والسلك، مد الشاويش يده ففتح بابها قائلًا: «هذا هو الكلب …»

ولكن بدلًا من أن يظهر «زنجر» ظهرت قطة الشاويش البيضاء الكسول وهي تتمطَّى!

نظر والد «تختخ» إلى الشاويش في احتقارٍ وقال: آسفٌ جدًّا يا حضرة الشاويش … كيف تُضيِّع وقتي بهذا الشكل؟! إنني لا بد أن أشكوك إلى رؤسائك؛ فهذا عبثٌ لا يَليق برجال الأمن.

ظل «تختخ» صامتًا، في حين وقف الشاويش مفتوح الفم، مذهولًا لا يُصدِّق أن الكلب قد تحوَّل إلى قطٍّ بهذه السرعة، وأخذ ينظر إلى «تختخ» في غيظ، وهو متأكِّد أن «تختخ» هو الذي استبدل بالكلب القطة … ولكن كيف يُثبت ذلك؟ كيف … كيف؟!

وانصرف «تختخ» ووالده، وفي الطريق استأذن «تختخ» في الذهاب إلى أصدقائه، فأذن له والده.

استقبل «زنجر» «تختخ» استقبالًا عاطفيًّا، فقفز إلى ذراعيه، وأخذ يلحس وجهه، ويطلق نباحًا رقيقًا تعبيرًا عن فرحته بلقاء صديقه.

ولم يكدْ «تختخ» يجلس حتى استمع إلى تقارير الأصدقاء عن جولاتهم في المعادي.

وكان أهم التقارير من «مُحب» الذي قال: فكَّرت في الذهاب إلى أطراف «المعادي»، حيث يأتي بعض الرعاة بأغنامهم؛ فقد يكون أحدهم أُعجب بالكلب فأخذه؛ لأنهم يحبون الكلاب، وأخذت معي شنطة الخضار الحمراء الخاصة بطباختنا ووضعت فيها بعض الطعام ﻟ «زنجر»، وبعد أن سرت طويلًا وصلت إلى الشارع رقم ٩٣، وتذكَّرت حديثنا عن المنزل الصغير الذي يبدو مهجورًا، ولما كان حول المنزل شُجيرات كثيرة وغابٌ كثيف؛ فقد تصورت أن «زنجر» قد يَحضُر إلى المكان لأنه جاء معنا أمس، فاتجهت إلى البيت، ودخلت من الممر الواقع أمام الباب بعد أن ركنت دراجتي على السور، وأخذت أدور حول المنزل، ولم أستطع مغالبة فضولي، فنظرت من نافذةٍ جانبية … ورأيت …

وتوقف «مُحب» قليلًا ليسترد أنفاسه فقال الأصدقاء في اهتمام: ماذا رأيت؟

عاد «مُحب» إلى الحديث قائلًا: رأيت رجلًا عجوزًا نائمًا في فراشٍ صغير، ساكنًا تمامًا كأنه ميت، وكانت هناك فتاة تقوم بتركيب الستائر على النوافذ بعد تنظيفها، ولم يكن في المنزل أحدٌ آخر، وبينما أنا واقفٌ، سمعت صوت أقدام مُقبلة، وخشيت أن يراني أحد فجريت، وتعثرت … ثم قمتُ واقفًا وعاودت الجري وركبت دراجتي وأتيت إلى هنا …

سأل «تختخ»: ألم يحدث أي شيء آخر؟

مُحب: للأسف الشديد فقدتُ شنطة الخضار … ولا أدري أين وقعت مني … وإن كنت أعتقد أنها وقعَتْ عندما وقعتُ أنا على الأرض!

نوسة: سوف تُجنُّ طباختنا عندما تفاجأ بضياع شنطتها، خاصة أنها شنطة غالية لا مثيل لها في المعادي؛ فقد أحضرها أبي حينما كان في لبنان في العام الماضي.

قال «تختخ»: لا داعي للخوف، فسوف نذهب الآن لزيارة الأستاذ «قاسم» الكويتي، ومنزله كما تعرفون مقابل لمنزل الرجل العجوز، وسوف نجد فرصةً للبحث عن الشنطة وإحضارها.

وخرج الأصدقاء جميعًا، فأعادوا الكلب أولًا إلى منزل «تختخ»، ثم انطلقوا في طريقهم إلى الشارع رقم ٩٣.

وبعد رحلةٍ مُمتعة على الدراجات، وصل الأصدقاء إلى الشارع، ولحسن حظهم وجدوا الأستاذ «قاسم» يجلس في شرفة المنزل، يستمتع بالشمس فلم يكد يراهم حتى قام واقفًا مُرحِّبًا بهم.

قال الأستاذ «قاسم»: مرحبًا بكم … إنني أحب مصر لهذا الجو الدافئ في الشتاء … وقد قضيت فترة الصباح كلها جالسًا هنا، أرقب الناس، وأستمتع بالشمس وبرائحة الأزهار!

وقبل أن يرد الأصدقاء بكلمةٍ واحدة، سمعوا صراخًا يصدر من منزل الرجل العجوز، وبرغم أن الشارع كان يفصل بين المنزلين إلا أنهم جميعًا سمعوا صوت الاستغاثة واضحًا … وكان صوت رجل يصيح … النجدة … النجدة … نقودي … لقد سُرقت نقودي … النجدة.

ذهل الأصدقاء والأستاذ «قاسم» لحظات، ثم قفز «تختخ» مسرعًا واجتاز الشارع، ودخل منزل الرجل، وكانت الفيلا في وسط الحديقة، وتتكون من غرفتين، واحدة أمامية للصالون، والثانية خلفية للنوم.

واجتاز «تختخ» باب المدخل الذي كان مفتوحًا، واتجه إلى مصدر الصوت حيث وجد العجوز في فراشه، يصيح في طلب النجدة، وكانت بجواره سيدة في منتصف العمر تُحاول تهدئته، ولكنه لم يكفَّ عن الصراخ.

لاحظ «تختخ» أن الرجل كان يتحسَّس الأغطية بيديه، ويرفع المخدات ويلقيها على الأرض، وهو ينظر إلى الأمام في اتجاهٍ واحد، دون أن يُغادِر مكانه، فأدرك «تختخ» أن الرجل أعمى.

قال «تختخ»: ماذا حدث يا سيدي، ولماذا كل هذا الصراخ؟

رد الرجل في عصبية: لقد سرقوا نقودي، ادخار العمر كله … ألف جنيه كاملة … استدعوا الشرطة حالًا.

قال «تختخ»: لا فائدة من الصراخ يا سيدي، هل تقول لي متى سُرقت؟

رد الرجل: لقد كانت معي حتى الفجر، واستمعت إلى نشرة الساعة السابعة صباحًا، وهي معي … نقودي … ألف جنيه … ألف جنيه.

وعاد الرجل إلى هياجه، ورفض أن يُجيب عن أي سؤالٍ آخر، فقالت السيدة ﻟ «تختخ»: إنه شقيقي … اسمه «شاكر» وهو ضعيف جدًّا لا يستطيع مُغادَرة فراشه … وقد أصيب بالعمى منذ سنتين.

سألها «تختخ»: وما هي حكاية النقود هذه؟

قالت السيدة: إنه مبلغ نحو ألف جنيه كان يدَّخره، ولم يَقُل لأي إنسان على مكانه، فقد كان يخشى أن يسرقه الناس … حتى أنا أخته لم يَقُل لي على مكانه.

وكان بقية الأصدقاء قد حضروا، فوقفوا يلاحظون ما يحدث في الغرفة، دون أن ينطقوا بكلمةٍ واحدة، وكان الرجل مستمرًّا في صياحه واستغاثته، فقال «تختخ»: لا فائدة … لا بد من إبلاغ الشرطة … فهذا حادث سرقة عادي … هيا بنا.

عاد الأصدقاء إلى منزل الأستاذ «قاسم» الذي كان يرتدي ثيابه ليلحق بهم، فروى له «تختخ» ما حدث، ثم استأذنه في استعمال تليفونه لإبلاغ الشرطة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤