المتهمون الستة

عاد «تختخ» والأستاذ «قاسم» إلى منزل العجوز مرةً أخرى، كان الشاويش ما زال هناك، يدور في أنحاء المنزل باحثًا عن أيِّ دليل يَهديه … لم يكن هناك شيء على الإطلاق.

كان العجوز يبكي ويقول: ماذا حدث في هذه الدنيا … سرق اللصوص نقودي أمس … واليوم يسرقون أثاث منزلي … ماذا سيحدث بعد ذلك … وأين رجال الشرطة؟!

قال «تختخ» للرجل: هدِّئ نفسك يا سيدي … سوف يقبض الشاويش «علي» على اللصوص ويُعيد لك نقودك وأثاثك … فقط أرجو أن تتذكَّر كلَّ ما حدث … هل سمعت أي شيء غير عادي ليلًا؟

رد العجوز: لا … لم أسمع شيئًا، فبعد أن قامت أختي بإعداد طعام العشاء لي، تركتني وخرجت، فاستمعت قليلًا إلى الراديو، ثم نمت، وعندما استيقظت في الصباح ذهبت إلى غرفة الصالون وسحبت الستائر لتدخل الشمس، وأخذت أتحسَّس ما حولي … فلم أجد شيئًا في الغرفة … لقد سرق اللصوص كل ما أملك!

كان «الشاويش» يكتب كل ما يسمع، فقال للرجل: إنني أخشى عليك أنت من الاختطاف، ولا بد أن تذهب لتعيش مع أقاربك.

قال الرجل في ثورة: لا … إنهم جميعًا لصوص، إنهم يُريدون سرقتي.

قال الأستاذ «قاسم»: دع الرجل في رعايتي يا حضرة الشاويش … إن منزل أختي متسع، وفي إمكاننا أن نُعطيَه غرفة عندنا، وسأحتفظ بأحد مفتاحَي الفيلا معي، لأُحضر له ما يشاء من حاجات.

وتمَّ نقل العجوز إلى منزل الأستاذ «قاسم» الذي استدعى له طبيبًا؛ لأن العجوز كان في حالةٍ عصبية مخيفة، يَرتجف ويصيح كأنه جن، فقام الطبيب بإعطائه منومًا، وطلب ألا يتحدث إليه أحدٌ في موضوع السرقة حتى لا يُعاوده الهياج.

بقي «تختخ» في الفيلا يفحصها فترةً من الوقت لعله يعثر على دليلٍ أو أدلة يمكن أن تهديه إلى حل اللغز، ولكن كل شيء كان محيرًا للغاية، لقد كان العجوز يخفي نُقودَه في المنزل، ولكن أين؟ وكيف استطاع اللص أن يَسرق المبلغ؟ واقترب «تختخ» من الفراش، الذي لم يكن عليه سوى مرتبة واحدة، تحسَّسها «تختخ» فلم يجد فيها شيئًا غير عادي، وفكر «تختخ» في أن العجوز لم يكن يمكنه إخفاء النقود في المرتبة لأنه كان لا بدَّ أن يفك المرتبة، ثم يخيطها مرةً أخرى، وهي مسألة لا يمكن أن يقوم بها رجلٌ أعمى، كذلك كان واضحًا أن المرتبة لم تُفك منذ خيطت لأول مرة.

وكان «تختخ» كلما مضى في التفكير زاد الغموض، فإذا كانت النقود قد سرقت أمس، فلماذا جاء اللصوص لسرقة الأثاث؟! وهو أثاثٌ قليل لا يُساوي شيئًا! إلا … إلا إذا كان اللص أو اللصوص واثقون أن النقود ما زالت في أحد قطع الأثاث، فأخذوا الأثاث كله لتفتيشِه بهدوء.

قال «تختخ» محدثًا كلبه «زنجر»: ما رأيك يا «زنجر»؟ إنه لغزٌ عجيب!

وبدا «زنجر» كأنه فهم ما يقوله صاحبه، فأخذ يَنبح بحزن، وكأنه يفكر … أنه لا حل.

لم يجد «تختخ» للبقاء فائدة، فخرج، وأغلق الباب خلفه، ثم اتجه إلى منزل الأستاذ «قاسم» ليردَّ المفتاح الذي كان قد أخذه منه، حيث رحَّبت به أخت الأستاذ، ثم دعته لحديثٍ مع «قاسم»، فرحب «تختخ» بذلك لأنه كان يريد أن يعرف منه كلَّ ما شاهده أمس، وهو يجلس في شرفة منزله.

وبدا كأن الأستاذ «قاسم» كان مُستعدًّا لهذا السؤال، فقد أعد كشفًا بأسماء كل من تردد على منزل الرجل العجوز صباح اليوم السابق، الذي اكتشفت فيه سرقة النقود.

وما كاد «تختخ» يسأله عن هؤلاء الزوَّار حتى قدم له كشفًا بهم، وكان الكشف يضم ستة أشخاص:
  • (١)

    فتاةٌ شابة قضت فترة طويلة تركب الستائر.

  • (٢)

    الزبال الذي يأتي لأخذ الزبالة كل يوم.

  • (٣)

    رجلٌ يحمل حقيبة خشبية كبيرة، دخل وقضى فترة.

  • (٤)

    رجلٌ يركب سيارة نصر ١١٠٠ رقم ٩٩٩ الجيزة.

  • (٥)

    سيدة تحمل قفة على رأسها.

  • (٦)

    شابٌّ أنيق، قضى ٥ دقائق وخرج.

قرأ «تختخ» القائمة مرتين ثم قال: إنها قائمةٌ طويلة، وستحتاج إلى وقتٍ طويل حتى يُمكن معرفة كل هؤلاء الناس، ونعرف منهم ماذا كانوا يفعلون هنا، خاصة ونحن لا نَستطيع استجواب الرجل العجوز حاليًّا.

وبعد أن شكر الأستاذ «قاسم» خرج، واتجه إلى ناحية منزل العجوز حيث ترَكَ دراجته، وفجأة خطر له خاطر … هذه السيارة التي جاءت أمس ليلًا عندما كان موجودًا … إنه الوحيد الذي كان موجودًا عندما حضرت … هل هي التي حملت الأثاث؟! بالتأكيد هي … وفي إمكانه أن يبحث عن آثار العجلات، لعلها تُساعده في الوصول إلى السيارة.

وبسرعة أخرج «تختخ» ورقًا وقلمًا من جيبه، ثم انحنى على الأرض حيث استطاع تمييز آثار العجلات … لقد كانت سيارة كبيرة، فآثار العجلات واسعة، وعميقة، ومن الممكن تمييزها، وفعلًا استطاع «تختخ» أن ينقل بالقلم رسمًا متقنًا لشكل الآثار، ثم أخذ يتابع الآثار حتى نهاية الشارع، وهناك كان عمود النور وكانت الآثار تمر بجانبه مباشَرة، فلفت نظر «تختخ» أن هناك آثار طلاء أزرق على جانب العمود، وعلى ارتفاع نحو متر منه، واستنتج «تختخ» فورًا أن السيارة وهي تدور مسرعةً لتخرج من الشارع رقم ٩٣ احتكت بعمود النور … فهي إذن سيارة من سيارات الأثاث الكبيرة — كما رآها ليلًا — وهي زرقاء اللون … وهناك آثار خدش واضح على جانبها على ارتفاع متر تقريبًا … وقال «تختخ» لنفسه: صحيحٌ أنني لم أعثر على حقيبة «مُحب» أمس، ولكن زيارتي الليلة كانت مُفيدة للحصول على أدلةٍ هامَّة قد تكشف بعض جوانب هذا اللغز الغامض.

وقفز «تختخ» إلى دراجته، بعد أن وضع «زنجر» في السلة التي خلفه، وأخذ طريقه عائدًا إلى منزله.

وفي المساء … اجتمع المغامرون الخمسة عند «تختخ»؛ فقد كان أمامهم عملٌ كثير، وأخذ «تختخ» يروي للأصدقاء القصة كاملة … ويعطي كلًّا منهم كشفًا بالأسماء التي زارت منزل العجوز صباح أمس … قالت «لوزة»: لقد عثرنا على لغزٍ معقد … ويجب أن نعمل بحماسة لحلِّه قبل الشاويش.

رد «عاطف»: أخشى أن يكون هذا اللغز أكبر منَّا!

تختخ: سنحاول على كل حال … والقائمة التي معكم يُعتبر كل اسم فيها موضع شك، فإذا تأكَّدنا من براءة واحد شطبنا عليه، وبحثنا عن الآخر.

مُحب: المشكلة بالنسبة لي هي الحقيبة الضائعة، فإنَّني أخشى أن يعثر عليها الشاويش فيضعني في قائمة المتشبه فيهم … وهذه كارثة.

نوسة: سنُعاود البحث عنها على كل حال … وما دام «تختخ» لم يعثر عليها، فإن الشاويش قد لا يستطيع أيضًا.

تختخ: المهمة الآن التركيز على البحث عن المشتبه فيهم، فإذا عثرنا على اللص، فلن تكون الحقيبة مشكلة بالنسبة ﻟ «مُحب».

نوسة: بالمناسبة يا «تختخ» لقد عرفتُ من الغسالة التي تعمل عندنا أنها كانت تعرف الرجل العجوز منذ زمنٍ بعيد … وقالت لي إنه كان يعمل منجدًا … هل هذه المعلومات تفيدنا؟

تختخ: طبعًا … إنها مفيدة جدًّا؛ فمعنى هذا أن العجوز يستطيع أن يُعدَّ مخبأً ممتازًا لنقوده في أي كرسي أو مخدة.

لوزة: ما معنى المنجد يا «تختخ»؟

تختخ: إنه الرجل الذي يكسو الكراسي بالقماش، ويصنع الستائر ويحشو المراتب والمخدات … ثم مضى «تختخ» يقول: والآن، سأوزع على كل واحدٍ منكم رسمًا لآثار عجلات السيارة التي نقلتْها، وأريد من كل واحدٍ منكم أن يَبحث عن سيارة نقل أثاث زرقاء، بها خدش على ارتفاع متر، ولها نفس شكل العجلات التي في الرسم، وكذلك السيارة رقم ٩٩٩ … ما رأيكم؟

لوزة: أظنُّ أنني أعرف السيدة التي كانت تحمل القفة؛ فقد شاهدتها مرارًا تمرُّ بالبيوت لتبيع الخضار والبيض، وسوف أقوم بجولةٍ للبحث عنها غدًا.

نوسة: وأنا أستطيع تتبُّع الزبال، وسوف أسأل الزبال الذي يأتي إلينا عن اسمه، وأذهب لمقابلته والحديث معه.

تختخ: هذه آراء ممتازة، وسأقوم أنا بمُتابعة الفتاة الشابَّة، والشاب الأنيق.

عاطف: وأنا سأُتابع الرجل ذو الحقيبة الخشبية.

مُحب: وأنا أتابع السيارة رقم ٩٩٩ … وأبحث عن حقيبتي أيضًا؛ فهي دليلٌ آخر.

وضحك الجميع لملاحظة «مُحب»، واتفقوا على أن يبدأ العمل في اليوم التالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤