العلوم الزائفة: مقدمة قصيرة جدًّا
يتناول هذا الكتابُ المفهومَ الشائك للعلم الزائف من زاويتَين تاريخية وفلسفية، ساعيًا إلى إجلاء الغموض الذي يكتنف عملية الفصل بينه وبين العلم الحقيقي. يستفتح الكتاب نقاشه بتسليط الضوء على معضلة التمييز، أي كيفية رسم الحد الفاصل الواضح بين ميدان العلم الحقيقي وميدان الزيف العلمي. وفي هذا السياق، يُعرّج على مقترح الفيلسوف كارل بوبر الذي قدَّم «معيار القابلية للدحض» كأداة للتمييز، مؤكدًا ضرورة خضوع أي نظرية علمية للاختبار وإمكانية دحضها بالتجربة. غير أن هذا المعيار لم يسلم من الانتقادات؛ إذ تبين أنه لا يستبعد طيفًا واسعًا من الأفكار التي تُعد تقليديًّا من قبيل العلوم الزائفة.
ويمضي الكتاب في استعراض رحلة العلوم الزائفة عبر التاريخ الطويل، مستعرضًا أمثلة كالتنجيم والخيمياء والعلاج بالطاقة، ومبينًا كيف أن الكثير منها حظي بمكانة «العلم» في عصور مضت قبل أن ينبذه المجتمع العلمي الحديث. كما يتطرق إلى النفوذ السياسي الذي قد يكتنف العلوم الزائفة، مستشهدًا بحالات مثل «الفيزياء الآرية» في ألمانيا النازية ونظريات الوراثة التي روَّج لها تروفيم ليسينكو في الاتحاد السوفييتي، حيث وُظِّفت الأيديولوجيا السياسية لدعم ادعاءات علمية زائفة لا أساس لها من الصحة.
علاوة على ذلك، يتفحَّص الكتاب الأسباب وراء استمرار بعض أفكار العلم الزائف في الانتشار، مشيرًا إلى عوامل بشرية عميقة كالحاجة إلى اليقين، والبحث عن تفسيرات مبسطة للعالم المعقد، والتأثيرات النفسية والاجتماعية لهذه المعتقدات. ويختتم الكتاب رحلته المعرفية بالإشارة إلى أن إشكالية التمييز بين العلم الحقيقي والزائف ليست قضية قابلة للحسم بيسر، لكن استيعاب تاريخ هذه المناظرات يسهم بشكل كبير في فهم طبيعة المعرفة العلمية نفسها.