المغامرة … تبدأ في السيرك

عندما ارتفعت إشارات الإنذار في المقرِّ السريِّ للشياطين لم يظنوا أن الأمر على هذه الدرجة من الأهمية؛ فلأول مرة تُحدَّد ساعة سفر الشياطين والمجموعة قبل أن يعرفوا طبيعة المهمَّة التي سيخرجون إليها … ففي حجرةِ أربعةٍ منهم دقَّت إشارة تعني «استعدَّ للسفر». في نفس الوقت كانت إشارات الإنذار للاجتماع السريع قد دقَّت في كل حجرات الشياطين اﻟ «١٣»، وكان الأربعة شياطين هم: «أحمد»، «قيس»، «رشيد»، «خالد».

عندما التقَوا جميعهم أمام باب قاعة الاجتماعات التقت أعْيُن الأربعة، فلم يكُن الآخرون يعرفون … وأخذوا أماكنهم في قاعة الاجتماعات، وبسرعة جاء صوت رقم «صفر» يقول: إن المسألة مسألة وقت؛ فالمجموعة التي حدَّدتُها يجب أن تنطلق بمجرَّد أن ينتهي الاجتماع الذي لن يطول.

عندما توقَّف رقم «صفر» قليلًا نظر الشياطين بعضهم إلى بعض، وفهموا بسرعة أن «أحمد» و«قيس» و«رشيد» و«خالد» هم المقصودون.

قال رقم «صفر»: إن هناك سباقًا الآن، وفي هذه اللحظة بالذات، بين السلطات الفرنسية، ومجموعة من عصابة «سادة العالم». وللأسف فإن «سادة العالم» يعرفون الأفراد الذين يُطاردونهم، وعليكم … سوف تتوقَّف نتيجة الصراع!

صمت رقم «صفر»، وفي نفس الوقت كانت أعين الشياطين ترقب لوحة الخرائط التي لم يظهر عليها شيء، وقطع عليهم صوتُ رقم «صفر» تساؤلهم قائلًا: إننا لا نعرف أين يقع بالضبط مركز قيادة عصابة «سادة العالم». ولا أستطيع أن أُحدِّد لكم المكان؛ ولذلك لم تظهر خريطة ما في اللوحة. المهم أن المسألة كما جاءتنا من عملائنا: لقد استطاعت العصابة أن تحصل على الخرائط الخاصَّة بالمفاعل النووي الذي ستُسلِّمه فرنسا إلى العراق، وهذه الخرائط على جانبٍ كبيرٍ من الأهمية، حيث قد أدخلت عليها تعديلات خاصةً للاستفادة من الطاقة الشمسية، حيث ترتفع درجة الحرارة في العراق.

إن هذه الخرائط تضمُّها حقيبة أوراق سوداء عليها حرفَي «إن. إس»؛ وهما الحرفان الأوَّلان من «نيو صن»، أو «الشمس الجديدة». إن المغامرة بدأت في «باريس»، ومن هناك سوف تبدأ حركتكم. إن كل شيءٍ جاهز حتى تبدءون عملكم. إنني لا أُريد أن أُعطِّلكم الآن، فعليكم بالانطلاق، وأتمنَّى لكم التوفيق.

انسحب صوت رقم «صفر»، وفي لمح البصر كان الشياطين جميعًا يأخذون طريقهم خارج القاعة، وعندما اتجه الأربعة إلى مكان السيارات كان بقية الشياطين يقفون في الشرفة الزجاجية العريضة يرقبون رحيلهم، ولم تمرَّ دقيقة حتى كانت سيارة الشياطين تخرج من المقر السري في سرعة الصاروخ، وبنفس السرعة أُغلقت الأبواب الصخرية للمقر، ثم أخذت السيارة تختفي أمام أعين الشياطين، حتى أصبحت نقطةً صغيرة، لم تلبَث هي الأخرى أن اختفت نهائيًّا.

وعندما كانت السيارة تَدْخُل المقر السري في القاهرة دَقَّ جرس التليفون، حتى إن الشياطين نظر بعضهم إلى بعض، ثم أسرع «قيس» إلى الداخل، فرفع سمَّاعة التليفون بسرعة واستمع، ثم وضع السماعة. كان الشياطين قد انضمُّوا إليه فقال: إن تذاكر الطائرة قد حُجزت، وسوف تُقلع من مطار القاهرة في الرابعة مساءً.

نظر «أحمد» في ساعة يده، ثم قال: لا بأس، إنه موعد مناسب؛ فنحن نحتاج لبعض الراحة.

اغتَسلوا وأكلوا بعض الفاكهة المحفوظة، وعندما كانت الساعة تقترب من الثالثة، قال «خالد»: ينبغي أن نرحل الآن … ولم يكَد يُنهي جملته حتى دَقَّ جرس التليفون القريب من «أحمد»، فرفع السمَّاعة فسمع: إن السيارة التي سوف تُقلُّكم، سوف تصل بعد دقيقة واحدة!

وضع «أحمد» السمَّاعة ونقل المكالمة إلى الشياطين، واستعدُّوا في لحظات، ثم أخذوا طريقهم إلى خارج المقر في نفس اللحظة التي وصلت فيها سيارة مرسيدس ٢٣٠ زرقاء.

ركب الشياطين بسرعة، وانطلق السائق. كانت الشوارع مُزدحمةً تمامًا في هذه الساعة من النهار، وكان الشياطين يرقبون هذا الزحام، غير أن أفكارهم كانت تدور حول أسرع مُغامرة حدثت، بل إنها أكثر غموضًا من أية مغامرة أخرى. إن السباق الذي يدور الآن لا بُدَّ أن يلحقوا به، وأن يكونوا طرفًا فيه، بل إن عليهم أن يُوقفوه في الوقت المناسب … كانت أفكارهم تأخذهم إلى مُغامرات سابقة في «باريس»، لكن هذه المرة قد يذهبون إلى أماكن لا يعرفون عنها شيئًا.

كانت السيارة تسير ببطء لشدة الزحام، لكنها فجأةً انطلقت؛ فقد تخلَّصت من زحام حي الأزهر التجاري، ثم حي الحسين إلى طريق صلاح سالم، إلى مصر الجديدة حيث يقع مطار القاهرة الدولي خارجها. وكان الشارع عريضًا بما يكفي. وشيئًا فشيئًا أخذت المباني تختفي، ثم ظهر فندق شيراتون المطار الجديد … وظهر المطار، وعندما كانت المسافة تقل بالتدريج، كانت تظهر حركة السيارات والركاب، وخلفهما كان يأتي صوت محركات الطائرات الرابضة في أرض المطار.

غادَروا السيارة في هدوء، ثم أخذوا طريقهم إلى صالة المطار حيث يقع مكتب شركة «الإيرفرانس»، وتسلَّم «رشيد» التذاكر، ولم يكُن قد بقي على إقلاع الطائرة وقتٌ طويل؛ فعندما كان «رشيد» ينظر إلى ساعة المطار كان صوت المذيعة الداخلية يتردَّد في الصالة يطلب من ركاب الرحلة المسافرة إلى «باريس» أن يأخذوا طريقهم إلى الطائرة. وعندما استقرُّوا في مقاعدهم كانت مذيعة الطائرة تتمنَّى للركَّاب رحلةً طيبةً وتطلب منهم ربط الأحزمة، وما هي إلا دقائق حتى كانت الطائرة تأخذ طريقها إلى الفضاء تقطع الطريق إلى أسرع مغامرة يدخلها الشياطين.

كان كل شيءٍ يخضع لعامل السرعة هذه المرة؛ فبرغم أن الطائرة قطعت رحلتها في نفس الوقت المحدَّد، والذي يعرفه الشياطين جيدًا، إلا أنهم لم يشعروا بمرور الوقت. كان المساء قد هبط على مطار «أورلي» الفرنسي، وأخذت الأضواء تلمع في المطار … الذي كان يظهر واضحًا. وبينما الطائرة تأخذ طريقها إلى الأرض كان الجو في الخارج يُنذر بمطر ثقيل؛ ولذلك فقد بدأ الرذاذ يُصافح الوجوه التي كانت تنزل من الطائرة ويلذعها برفق.

كان الشياطين يأخذون طريقهم إلى خارج أرض المطار التي بدت مُبلَّلةً بمياه المطر، وما كادوا يدخلون الدائرة الجمركية حتى بدأت عاصفة شتوية، وكأن السماء كانت تنتظر وصولهم، واضطُر الركَّاب جميعًا أن ينتظروا قليلًا حتى يهدأ الجو، إلا أن المطر كان يزداد، وتناثرت كلمات الركَّاب في الصالة الواسعة، وعلت سُحب لفائف التبغ التي كانت ترسم دوائر فوق رءوس أصحابها، وكانت أعين الشياطين تنتقل بين الركَّاب وحقائبهم التي يحملونها، ولم يكُن هناك ما يَلفت النظر.

فجأةً دوَّى صوت الميكروفون في الصالة يتردَّد محدِّدًا تلك الأسماء: السادة «دام رام»، «ديسوسي»، «ريشاراك»، «دال توي». أَنصَت الشياطين إلى هذه الأسماء التي تتردَّد، فهمس «أحمد»: إننا المقصودون!

تحرَّك الشياطين في هدوء في اتجاه الميكروفون، وعند حجرة الإذاعة تقدَّم «أحمد» قائلًا: إنني «دام رام»!

ردَّ مُوظَّف الإذاعة: هناك مكالمة تليفونية لك!

اتجه «أحمد» إلى كابينة التليفون، ثم نظر إلى الموظَّف فأشار إلى الكابينة رقم «٤»، واختفى «أحمد» داخلها، وعندما رفع السمَّاعة سمع جملةً واحدةً فقط: السيارة الصفراء أمام الباب!

وضع «أحمد» السمَّاعة وشكر الموظَّف، وعاد مُسرعًا إلى الشياطين ونقل إليهم الرسالة، فتحرَّكوا في اتجاه الباب، وكانت السماء لا تزال تَصب أمطارًا غزيرةً على المكان، في نفس الوقت الذي كان يتحرَّك فيه البعض تحت حماية المظلات، لم يكَد الشياطين يصلون إلى الباب حتى كانت سيارة «بورش» صفراء تقف أمامهم، وقفزوا داخلها وانطلقت كالصاروخ.

في منتصف الطريق إلى قلب «باريس» توقَّف السائق، ثم نزل وانحنى في أدبٍ وهو يقول: معذرةً يجب أن أنصرف الآن!

قفز «خالد» إلى عجلة القيادة، ثم انطلق إلى المقر السري في «باريس» … التي كانت تغرق في الضوء الذي يبدو كخيوط من الفضة مع نزول المطر، وعندما دخلوا المقر السري كان جهاز الاستقبال يستقبل رسالة، فأسرع «أحمد» لالتقاطها.

كانت الرسالة من رقم «صفر»: «إن «ميمو» مُهرِّج السيرك هو نفسه «مايلز» قائد المجموعة التي قامت بسرقة الخرائط السرية. احضُروا عرض الليلة!»

نقل «أحمد» الرسالة إلى بقية الشياطين، ثم رفع سمَّاعة التليفون وطلب رقمًا سريًّا، ثم قال بسرعة: أربع تذاكر في السيرك! ولم يأتِه الرد سريعًا، ففكَّر قليلًا، ثم قال: هل تسمعني؟!

وجاءه الرد: نعم، التذاكر حُجزت الآن!

فشكره، ثم وضع السمَّاعة ونظر في ساعة يده، وقال: يجب أن نتحرَّك فورًا؛ فلم يعُد هناك وقت طويل على بداية العرض!

أسرع الشياطين بتغيير ملابسهم وأخذوا طريقهم إلى الخارج، كانوا يلبسون ملابس السهرة تمامًا كأي باريسيٍّ يخرج لقضاء سهرة طيبة، وقد تعطَّروا جيدًا، وبدت خطواتهم المتمهِّلة وكأنهم من عجائز «باريس»، ثم ركبوا «البورش» الصفراء، واتجهوا إلى حيث يقع السيرك.

كان السيرك يقع خارج العاصمة على مسيرة نصف ساعة بالسيارة، وعندما كانوا يمرون في الشوارع التي تسبح في الضوء وهم يرَون المطر وقد أصبح قليلًا الآن، كانوا يشعرون بالرغبة في الوقوف والذهاب إلى السينما؛ فقد قرأ «رشيد» إعلانًا عن فيلم «الداهية» الذي يقوم ببطولته «إدوارد روبنسون» الممثِّل الذي يُعجَب به الشياطين، إلا أن الوقت لم يكُن يسمح بشيء.

ومن بعيد ظهرت الأضواء الخارجية للسيرك؛ أضواء حمراء وصفراء وخضراء تجعل المكان كالمهرجان، فتوقَّفت «البورش» الصفراء، وأخذ الشياطين يرقبون المكان، ثم قال «أحمد»: هيَّا أيها الأصدقاء، إن لدينا موعدًا مع «ميمو».

ابتسم الشياطين، ونزلوا الواحد بعد الآخر، آخذين طريقهم إلى باب الدخول، إنه الباب الذي يدخلون منه إلى المُغامرة الجديدة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤