الفصل السادس

الموازنة بين العشاق الثلاثة

تمهيد

العواطف عند هؤلاء العشاق يقترب بعضُها من بعض، إذا راعينا تلاقيهم عند فكرة التوحيد في الحب، فهم بمنزلةٍ سواء في الصدق والإخلاص، بغَضِّ النظر عما نُسِبَ إلى كثيِّر من الرياء، وتلك تهمةٌ أضعف من أن يقام لها ميزان، فما يهتف الرجل بالحب ثلاثين سنةً وهو من المرائين.

ولكن الاختلاف الحق بين هؤلاء العشاق يرجع إلى النزعة الفنية في التعبير والأداء، وهو اختلافٌ جديرٌ بالعناية، لأنَّهُ يحدِّد مراحل من التاريخ الأدبي، ولأنه يرينا ألوانًا من طرائق الإفصاح، عن مآسي القلوب والأرواح.

أسلوبٌ جميل

أجمل الأساليب هو أسلوب جميل؛ لأنه ينساق مع الفطرة في أكثر الأحوال، فالرقة عنده طبيعية والجزالة عنده طبيعية، ومعنى هذا أنه يتخير لكل فكرة ما يلائمها من الشعر الجزل والشعر الرقيق، والشواهد الماضية تؤيد هذا الحكم الصحيح.

أسلوب كثيِّر

رأيتُ بعد طول البحث والدرس أن كثيِّرًا كانت له غاية لغوية لم يلتفت إليها النقاد القدماء، فما تلك الغاية اللغوية؟

الباقيات من قصائد كثيِّر ومقطوعاته وأبياته تشهد بأنَّه كان يريد تقييد الأوابد من شوارد اللغة العربية.

فإن كنتم في ريب من صحة هذا الحكم فراجعوا مُعجم أساس البلاغة ومعجم لسان العرب لتَرَوْا أن اسم كثيِّر يتخايل من حرف إلى حروف ومن باب إلى أبواب.

هذا القَزم كان يريد عامدًا متعمدًا أن تكون أشعاره سِجلَّات باقية لمفردات اللغة العربية، وقد وصل إلى ما يريد فسُطر اسمه في أكثر المعجمات اللغوية.

إن لم يكن هذا الحكم حقًّا فكيف جاز أن يكون اسمه في تلك المعاجم أَسْيَرَ من أسماء معاصريه من أمثال جميل وجرير والفرزدق؟

إن العصر الأموي عصرٌ ظلمه التاريخ الأدبي من الوجهة اللغوية والنحوية، مع أنه كان الذخيرة التي أمدَّت العصر العباسي بالقوة والحيوية، على نحو ما كان العصر الجاهلي بالنسبة إلى عصر النُّبوَّة.

واتجاهات كثيِّر — وهي اتجاهات إرادية لا فطرية — تؤيد ما قلت به في كتاب «النثر الفني» حين قررت أن النهضة الأدبية في بلاد العرب سبقت ظهور الإسلام بأجيال طوال، فما كان من الممكن أن تُوجَد ثروة الشعراء الجاهليين من العدم المطلق، ولا كان من الجائز أن يظهر كتابٌ مثل القرآن في أمَّة لا تملك التعبير عن دقائق المعاني الروحية والتشريعية، وهذا الرأي من الوضوح بمكان، وإن امترى فيه بعض الناس!

إن الباقيات من قصائد كثير ومقطوعاته وأبياته تشهد له بالأستاذية في اللغة العربية، ولو شئت لقلت إن فنَّه في القرن الأول يشابه فنَّ الحريري في القرن الخامس، من ناحية التصيُّد للمفردات الغريبة، المفردات المهجورة في الأحاديث اليومية، والمهجورة أيضًا في النثر الفصيح، والشعر البليغ.

وكيف نفسر التفاوت الواضح بين أسلوب كثير وأسلوب جميل؟

كيف نفسر هذه الظاهرة الغريبة في العصر الواحد والبيئة الواحدة، وهي الظاهرة التي تجعل من عمر بن أبي ربيعة شاعرًا لا يعرف غير الكلام المأنوس، وتجعل من كثيِّر شاعرًا لا يعرف غير الغريب؟

أستاذية كثير هي التي فرضت عليه أن يصنع ما صنع، وهي عند مؤرِّخي الأدب أستاذية وهمية، ولكنها عندي أستاذية حقيقية، فأنا موقنٌ بأنه كان يتعمَّد الإغراب، وهذا التعمُّد لا يُقبل إلا في بيئة مثقفة تدرك قيمة الإغراب، وهو من الوجهة اللغوية لونٌ من ألوان الاستقصاء.

والذي نقول به في الفرق بين عمر وكثيِّر له شواهد قريبة وشواهد بعيدة، فمن الشواهد القريبة لغة أبي العتاهية ولغة أبي نواس في القرن الثاني، فمن المؤكد أن أبا العتاهية لم يكن يلتفت إلى الإغراب اللغوي، ولا كذلك أبو نواس فقد كان يهمه أن يُغرب كما صنع في القصائد الطرَديَّات وقد أتى فيها بأغرب ألوان الإغراب.

ومن الشواهد البعيدة عن عصر عمر وكثيِّر ما صنع ابن المعتز في القرن الثالث، فقد أراد عامدًا متعمِّدًا أن يحيي فنَّ الرجز، وهو الفن الذي ازدهر في العصر الأموي، ثم ذبَل في العصر العباسي.

ومن الشواهد البعيدة أيضًا ما وقع بين شاعرين أحدهما أستاذ وثانيهما تلميذ، وهما أبو تمام والبحتري، فقد كان الأول يقصد في بعض مناحيه إلى الإغراب، وكان الثاني يؤثر السماحة في التعبير والأداء؛ ولهذا احتاج ديوان أبي تمام إلى شروح، ولم يحتج ديوان البحتري إلى شروح.

وكذلك نقول في الفرق بين المتنبي والرضيِّ، وهما يقتربان في الزمن بعض الاقتراب: فالمتنبي كان يُغرب، وكان يتشهَّى أن يكون من أساتذة الفقه اللغوي، ومن هنا كان ديوانه شُغل فريق من اللغويين والنحويين، أما ديوان الشريف الرضي فقد مرَّ سمحًا سهلًا لا يحتاج إلى شُرَّاح.

هذا كلامٌ إن أطلته طال، والمهمُّ هو أن أسجل أن كثيِّرًا كانت له غاية لغوية، غاية صريحة يدركها الباحث بالقليل من الإمعان.

ومن المحتمل أن يكون لكثيِّر تأثيرٌ على أبي نواس، ألم يتأثر ابن المعتز بأراجيز رؤبة وأراجيز العَجَّاج؟

هذه الفنون الشعرية تلتقي من وقت إلى وقت بإيحاءاتٍ بعضُها قريبٌ وبعضُها بعيد، ولكنها لا تلتقي عن طريق المصادفة، وإنما تلتقي بأواصرَ روحية لها وشائج من اطِّلاع المحدَثين على آثار القدماء.

فمن هو الأستاذ الذي نقل عنه كثيِّر تلك النزعة اللغوية؟

صحَّ عندي بعد البحث والدرس أن ذلك الأستاذ هو لَبيد.

ولكن كيف؟

عند النظر في معلقة لبيد نلاحظ أن الشاعر يحاول أن يجعل من معلقته وثيقة لغوية تسجِّل طوائف من الألفاظ الغرائب، ولهذه الملاحظة أسندة من حيوات الشعراء لذلك العهد، فقد كانوا ينشدون قصائدهم في الأسواق، وكانوا يتباهون بالثروة اللغوية، وتلك سُنَّةٌ يسير عليها الناس من حين إلى حين، وإن زعموا أنها لا تخطُر لهم في بال!

والغرام بالغريب له في كل زمن أشياع، وقد رأينا له شواهد في الزمن القريب، ألا تذكرون الفروق بين نثر حفني ناصف ونثر توفيق البكري؟

لا جدال في أن لغة البكري لم تكن لغة معاصريه في التخاطب أو الإنشاء، وإنما هي لغة مصنوعة أراد بها إحياء الغريب، كما أراد الحريري إحياء الغريب، وفي مقدمة «صهاريج اللؤلؤ» عبارة صريحة في تأييد هذا الرأي الصريح.

وخلاصة القول أن أسلوب كثيِّر لم يصدر في جميع أحواله عن الطبع، ولا يصلح شاهدًا على اللغة المأنوسة في ذلك العهد كما يصلح شعر عمر وشعر جميل، وإنما هو شعر أراد به صاحبه تقييد الأوابد اللغوية، وتلك إرادة جديرة بالاحترام والتبجيل.

يُضاف إلى هذا أن في أشعار كثير أبياتًا شغلت النحويين، فهل كان ذلك من المصادفات؟ وهل من الحق أن النحو لم يشغل الناس إلَّا في العصر العباسي؟

إننا نذكر قول الفرزدق:

وما مثلُهُ في الناس إلا مُمَلَّكًا
أبو أمه حيٌّ أبوه يقاربُهْ

ونذكر أن هذا البيت ورد في جميع كتب البلاغة شاهدًا على التعقيد، فهل نطق الفرزدق بهذا البيت عن غير عمد؟

أنا واثق بأنه تعمَّد هذه المراوغة اللفظية، وأنه قصد إلى إغاظة أشياخ كان لهم في النحو مراوغات!

وهنا تبدو مسألة جادلتُ فيها بعض الناس منذ سنين، مسألة خاصة بنشأة النحو العربي، حين قال الأستاذ على الجارم والأستاذ مصطفي أمين في كتابهما «النحو الواضح»: «أولُ من ألَّف في النحو سيبويه».

يومئذٍ قلت إن العبارة صحيحة من الوجهة النحوية، ولكنها عليلة من الوجهة التاريخية، فما يُعقَل أن يكون كتاب سيبويه أول كتاب في النحو؛ لأن فيه دقائق تشهد بأنه مسبوق بمؤلفات سبقت عصره بأزمان.

ماذا أريد أن أقول؟

أنا أريد النص على أن كثيِّرًا كانت له نوادر نحوية كما كانت له نوادر لغوية، وهو في هذه وتلك يجادل معاصريه بالرمز والإيماء، وسيسمح الزمن يومًا لأحد الباحثين بتعقب ما تفرَّد به كثيِّر من الألفاظ والتعابير، وهو تفرُّدٌ يغني في بيانه القليلُ من الاجتهاد.

كان كثيِّر يؤمن بالرجعة، وهي نزعة خرافية، ولكنها اليوم نزعة حقيقية، فلقد رجع كثيِّر إلى الحياة بكتابي هذا، وهو كتابٌ صدَر عن قلم يُحْيِي ويميت، فمن حق كثيِّر أن أخلع عليه ثوب الخلود.

أسلوب العباس

ذلك شاعرٌ تفرَّد بالجمع بين الرقة والجزالة، وبهذا التفرد شهد له القدماء.

ورقَّة العباس تأخذ زادها من الطبع، ولكني مع ذلك أراه يعمد إلى الرقة كأنها مذهب، وكأنه يتمرَّد على الوعورة التي غلبت على الأشعار في ذلك الزمان.

وديوان العباس في مجموعه يُريب الباحث؛ لأن الرقيق فيه قد يصل إلى حد التهافت، فمن المحتمل أن يكون المعجبون به أضافوا إليه أشياء، ويرجِّحُ هذا الاحتمال أن ما ورد من أشعاره في كتاب الأغاني يشهد بأن الرقة عنده لم تصل إلى الإسفاف الذي نراه في بعض ما يحتوي الديوان.

وقد استشهد أبو هلال العسكري في كتاب الصناعتين على الشعر الرقيق بقول العباس:

إليك أشكو ربِّ ما حلَّ بي
من ظلم هذا الظَّالم المذنبِ
صب بعصياني ولو قال لي
لا تشرب الباردَ لم أشرب
إن سيل لم يبذُل وإن قال لم
يفعل وإن عوتب لم يُعتب

وهي أبيات رقيقة جدًّا، ولكن رقتها لم تصل بها إلى الضعف؛ لأنها جيدة المعاني.

بين الجزل والرقيق

الجزالة كلمة غير مفهومة بجلاء، فلنمثِّل لها بقول كثير، وقد غاظته إحدى نساء الكوفة وهي قَطام التي عاونت على قتل أمير المؤمنين:

ديارُ ابنة الضمريِّ إذ حَبْلُ وَصْلِهَا
متينٌ وإذ معروفها لك واهنُ
متى تحسِروا عني العمامة تُبصروا
جميل المحيَّا أغفلته الدواهنُ
يروق العيونَ الناظرات كأنَّهُ
هِرَقْلِيُّ وزنٍ أحمرُ التبر وازنُ
رأتني كأنضاء اللجام وبعلُها
من الملء أبزَى عاجزٌ متباطنُ
رأت رجلًا أودى السِّفار بوجهه
فلم يبقَ إلا منظرٌ وجناجن
فإن أَكُ معروقَ العظام فإنني
إذا وُزِنَ الأقوام بالقوم وازنُ
وإني لما استودعتني من أمانةٍ
إذا ضاعت الأسرار للسر دافنُ
وما زلت من ليلى لَدُن طَرَّ شاربي
إلى اليوم أخفي حبها وأداجنُ
وأحملُ في ليلَى لقومٍ ضغينةً
وتُحمَل في ليلى عَلَيَّ الضغائن

فهذه القصيدة من الشعر الجزل، وتقُابلها من الرقيق بالنسبة إليه قصيدته التي تحدَّثنا عنها فيما سلف:

ترى الرجل النحيف فتزدريه
وفي أثوابه أسدٌ هَصورُ

والرقة والجزالة من المعاني النسبية، فهما تختلفان من شاعر إلى شاعر، ومن جيل إلى جيل، ومع هذا فمن السهل إدراك ما يصدُر من التفاوت في الأسلوب بموازنة البحور الشعرية؛ لأن لاختيار البحر دخلًا في التمييز بين الجزل والرقيق.

فقول بشار:

من راقبَ الناس لم يظفر بحاجتِهِ
وفاز بالطيبات الفاتكُ اللَّهِجُ

أجزل من قول سَلْم:

من راقب الناس مات غمًّا
وفاز باللذة الجَسورُ

وكان ذلك لأن البيت الأول ممدود النَّفَسِ، فهو يساعد على الجزالة، أما البيت الثاني فحركته السريعة توجب المرونة واللِّين.

أسباب الرقة عند العباس

من حياة هذا الشاعر نَعرف كيف آثر الرقة، فقد كان غَزِلًا في أكثر ما قال، والغزَل هو حُسن مخاطبة النساء، وإليه انصرف العباس.

لم يلتفت هذا الشاعر إلى المجتمع اللغوي أو النحوي، وإنما التفت إلى المجتمع الأدبي، المجتمع الذي يميل إلى الظُّرف واللُّطف والإيناس.

كان هذا الشاعر يخاطب معشوقاته بالشعر الذي يصل إلى الأفهام بدون عناء، ولهذا تفرَّد في ذلك العهد بوفرة المراسلات الغرامية، وهي مراسلاتٌ خَلَتْ من غرائب الألفاظ، وغَنِيَتْ بلطائف المعاني.

هو شاعرٌ بغداديٌّ عرفَ الظرف ولم يعرف القتال، وأهل بغداد ينقسمون إلى قسمين: مقاتلين وظرفاء.

المراسلات الغرامية هي الغرض الأول عند هذا الشاعر، وهي التي أوجبت أن يؤثر الرقيق، وهذه المراسلات شواهدُ صحيحةٌ على سهولة لغة التخاطب في المجتمع العراقي لذلك العهد، وتدلنا على أنَّ الوعورة في الشعر لم تكن تصدُر إلا عن رغبة محاكاة بعض القدماء.

ولنقرأ هذه الأبيات:

وصحيفة تحكي الضميـ
ـر مليحةٌ نَغَماتُها
جاءت وقد فرح الفؤا
دُ لطول ما استبطاتها
فضحكتُ حين رأيتها
وبكيتُ حين قراتُها
عيني رأت ما أنكرتْ
فتبادرتْ عَبَرَاتُها
أظَلومُ نفسي في يديْـ
ـك حياتها ومماتها

فهذه الأبيات حديثُ نَفْس، وليست جلجلة شاعر، وقد نُظمت بهذها لرقة لأنها جوابٌ عن خطاب، وقد أرسلها الشاعر إلى تلك الظَّلوم!

والرِّقة عند العباس لا تمنع من التماسك المُحكَم في بناء القصيد، كأن يقول:

رُبَّ ليلٍ قد شهدتُهْ
رُبَّ دمعٍ قد أفضتُهْ
رُبَّ حُزنِ لي طويلٍ
مع حُبٍّ لي كتمتُهْ
لو يذوق الموتَ أشجى النَّا
سِ بالحُبِّ لذُقْتُهْ
بأبي من لا يبالي
غبتُ عنهُ أو شهدتُهْ
أنا مِن أسخن خَلق الله
عينًا مُذْ عرفتُهْ

فهذه الأبيات غاية في التماسك، أو هي من الشعر القويِّ الأسْر، كما يعبِّر القدماء.

ومن أسباب رقة العباس أن يُكثر من العتاب، والعتاب يستوجب الرفق:

كتبتُ فليتني مُنِّيتُ وصلًا
ولم أكتب إليكم ما كتبتُ
كتبتُ وقد شربتُ الراح صِرفًا
فلا كان الشراب ولا شربتُ
فلا تستنكروا غضبي عليكم
فلو هُنْتُم عليَّ لما غضبتُ

وهو في هذه الأبيات يعاتب ويعتذر، والبيت الأخير وثبة من وثبات الخيال، وفيه تبريرٌ لثورة المحب الغضبان:

فَلا تَستَنكِروا غَضَبي عَلَيكُم
فَلَو هُنتُم عَلَي لَما غَضِبتُ

ومن أسباب رقة العباس فناؤه في الحب، وعَتْبُه الدامي على المحبوب:

نصيري الله منك إذا اعتديتِ
وقد عَذَّبْتِ قلبيَ إذْ جفوتِ
فإن يك ذا مغايَظةً لحقدٍ
فقد واللهِ يا أملي اشتفيتِ
قضى بالفتك حبُّك في عظامي
وصيَّرني هواك كما اشتهيتِ
فلو شاء الذي بكمُ ابتلاني
لعجَّل راحتي منكم بموتي

ولهذه الأبيات الحزينة نظائر كثيرة في أشعار العباس، وقد تصل إلى الصراخ، كأن يقول:

لعَمريَ ما حبسي كتابيَ عنكمُ
لهجرٍ ولكنْ كثرةُ الرُّسْلِ تفضحُ
وإن كنت لم أكتب إليكم فإنَّما
فؤادي إليكم حين أُمسي وأُصبح
أغرَّك تسليمي على بعض أهلكم
وما قلتُ بأسا إنما كنت أمزحُ
مخالطتي يا فوز أهلك فاعلمي
يقينًا بأني نَحو بيتك أطمح
إذا أنا لم أمنحكم الودَّ والهوى
فمن ذا الذي يا فوز أُهدي وأمنح
أُكاتِم خلق الله ما بي ورُبَّمَا
ذكرتكمُ حتى أكاد أصرِّح
فيا كبدي طالت إليكم رسائلي
وهذا رسولي أعجمٌ ليس يُفْصِحُ

هذه الأبيات من الشعر الجزل، وإن أمكنت إضافتها إلى الشعر الرقيق.

أما بعد فقد فصَّلنا الخصائص الأصيلة لهؤلاء العشاق، في الحدود التي تسمح بها ظروف الحرب، وأنا مع هذا واثق بأن إيجازي في الحديث عنهم يفوق في وضوحه كل إطناب.

ولن يستطيع قلمٌ أن يقول في هؤلاء العشاق كلامًا يفوق ما جاد به قلمي.

ولو صار الورق أرخص من التراب لما جاز عندي أن يضاف حرفٌ إلى هذا الكتاب.

تحدَّث عن هؤلاء العشاق فلانٌ وفلانٌ وفلان، وستذهب أحاديثهم أدراجَ الرياح، ولا يبقى غير كتابي، لأني قبسته من نار قلبي ونُور وجداني.

على العشاق الثلاثة تحية الشوق من العاشق الذي يقتله الشوق.

حُلوان تُقصيك عني وهي ظالمةٌ
مصرُ الجديدة تشكو بُعد حلوانِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤