النجوم

أسلفنا الكلام في عظمة الكون، فوصلنا إلى حدِّ الكلام على النجوم والكون، وها نحن أولاء نستطرد الحديث ونتابع القول، فنقول: ولقد تهيَّأ للفلكي الشهير والعلامة الكبير «هجنس» أن يستعمل السبكترسكوب عام ١٨٦٣، ونجح في تحليل النور المنبعث من النجوم، حتى إذا تهيأت له المعرفة المبتغاة وتحقق من تحليل هذا النوع التحقيقي أمكنه أن يعرف بُعْد هذه النجوم، ودرجة حرارتها الناشئة من سطحها، ذلك بأنه إذا تأكدنا من معرفة حرارة نجم من النجوم تمَّ لنا أن نعرف مقدار ما ينبعث من الحرارة من كلِّ بوصة مربعة من سطح النجم.

ذلك شأنهم في هذه السبيل، وهم يقولون مثلًا: إن كل بوصة مربعة من سطح الشمس تعطي من الحرارة في الدقيقة الواحدة ما يسخن ٣٦٠ ألف كيلو جرام من الماء — درجة من درجات سنتجراد — وهذا المقدار يحرك آلة بخارية قوتها خمسون حصانًا، على حين أن الفلكيين يقولون بأن ما وصل إليه علمهم، وما أنتجته بحوثهم وتجاريبهم؛ يدلهم على أن الشمس هذه ليست هي أشد النجوم أو الكواكب حرارة، وهناك ما تكون حرارته أكثر من الشمس بمقدار ألف مرة، ومعنى ذلك أن ما ينبعث من الحرارة، ومن كلِّ بوصة من سطح هاته النجوم الهائلة الشديدة الحرارة — في الدقيقة الواحدة — حرارة تسخن ٣٦٠٠ مليون كيلو جرام من الماء وقس على ذلك! فإذا تهيَّأ لنا أن نعرف مقدار الحرارة التي تحدثها كلُّ بوصة مربعة من سطح نجم من النجوم؛ ساقنا ذلك إلى معرفة درجة إشراقه ومسافة بعده، وقطر النجم وحجمه. آية ذلك أن قطر النجم المعروف باسم منكب الجوزاء ٣٠٠ قطر مثل قطر شمسنا، فحجمه يسع ٩ ملايين شمس مثل شمسنا، وأن قطر النجم الصغير التابع للشعرى نحو ٢٦ ألف ميل، ولقد تحقق ذلك من قانون النسبية، ومن القياس بآلة ميكلسن.

قالوا: وإنما يلزم مما يحدثنا به العلم أن تكون النجوم كلما اشتدت حرارتها كان هذا يدل على ما فيها من كهارب وقوى، وأن حركتها سريعة سرعة دقائق الغاز، ويكون غلبة حركتها السريعة هذه على ما تكون به الجواهر الفردة من قوة الجذب الكهربائي، وإن كانت حركتها أقل سرعة مما هي عليه، فتجمع الجواهر وتصبح دقائق. وفي سنة ١٦٤٤ قال ديكارت: إن الشمس والنجوم الثوابت إنما تتألف من مادة متحركة حركة سريعة، تجعلها من الشدة والسرعة تتجزأ أجزاء صغيرة إلى أصغر ما يمكن.

وفي سنة ١٩٠٧ قال الأستاذ «آمون»: إن الشمس والنجوم غازات في حالة توازن مثلها مثل الطبقات السفلى؛ لأنا نجد في الهواء مجاري كافية لحفظ غازاته في حالة امتزاج وتماسك.

ولقد رأى العلماء أنهم إذا رتبوا النجوم على حسب ما تعطي من الأشعة ونسبته إلى مادتها؛ فإنهم يجدون أن ترتيبها لا ينطبق على حرارتها، ولا على كثافتها، بل قد ينطبق على عمرها، فأحدثها عمرًا أشدها إضاءة بصرف النظر عن حرارة باطنها، مثلها مثل الإنسان إذا شاخ وتقدَّم في السن، وهاك بيانًا ببعضها:
  • النجوم بلاسكرت: درجة القوة ١٠٠٠، ودرجة الحرارة في الباطن ٥٠٠٠٠٠، وكثافة البطن شديدة جدًّا، والعمر بالمليون أقل من ١٠٠٠٠٠.
  • النجوم بوس: درجة القوة ٦٤٠، ودرجة الحرارة في الباطن ٣٠٠٠٠٠٠٠٠، وكثافة الباطن أكثر من مائة، والعمر بالمليون أقل من ١٠٠٠٠٠.
  • النجم قلب العقرب: درجة القوة ٣٢٠، ودرجة الحرارة في الباطن ١٠٠٠٠٠٠، وكثافة الباطن ٥، والعمر بالمليون أقل من ١٠٠٠٠٠.
  • النجم العبوق: درجة القوة ٥٠، ودرجة الحرارة في الباطن ٨٠٠٠٠٠٠، وكثافة الباطن ٥٠٠، والعمر بالمليون أقل من ١٠٠٠٠٠.
  • النجم الشعري: درجة القوة ٢١، ودرجة الحرارة في الباطن ١٥٠٠٠٠٠٠٠، وكثافة الباطن ١، والعمر بالمليون أقل من ١٠٠٠٠٠.
  • الشمس: درجة القوة ١٫٨٨، ودرجة الحرارة في الباطن ٧٠٠٠٠٠٠٠، وكثافة الباطن ٧٠٠٠٠٠٠، والعمر بالمليون أقل من ١٠٠٠٠.
  • تابع الشعري: درجة القوة ٣، ودرجة الحرارة في الباطن مجهولة، وكثافة الباطن ٣٠٠٠٠٠٠٠، والعمر بالمليون قليل جدًّا.

وأنت تجد أن كثافة باطن الشعري ألف وتابع الشعري ٣٠ ألفًا، وهو ما يدل على صدق ما ذهبوا إليه من القول بأن العمر هو العامل الوحيد في درجة الحرارة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤