الخير والشر

يقول فيلسوف اليونان الكبير أرسطو: «ليس في العالم شيء هو خير بذاته، ولا شيء هو شر بذاته، بل بالوضع، وقد ينقلب الخير شرًّا، والشر خيرًا، فلا تكون هنالك حقيقة.»

نقول: فالرأي عنده أن الخير والشر نسبيان، وأن كلَّ واحد منهما إنما يعتبر خيرًا أو شرًّا بالنسبة للمكان وللزمان والأحوال التي تحوطه، وليس هذا ببالغ بنا إلى ما نصبو إليه، وإنما نحن نريد أن نتمشَّى مع أصحاب المذهب المادي في القول بالخير والشر والثواب والعقاب، وفي الكلام على المسئولية وتوقيع العقوبة، فنقول إنهم يتساءلون: إذا كان الشر نتيجة نقائص في الإنسان، فلماذا خلقه الله ناقصًا؟ أما كان في وسعه — جلَّت قدرته — أن يبدعه كاملًا، فينتفي بذلك الشر، وينمحي وجوده من على الأرض؟

ونقول: ليس بغريب ولا بعيد أن نسمي الشر عدم الخير، فنقول إن عدم وجود الخير إنما هو وجود للشر، وامتناع الخير من مكان إنما هو إطلاق لدواعي الشر، كما نطلق مثلًا البرد على عدم وجود الحرارة، فإذا وجدت الحرارة انعدمت البرودة.

والله هو الخير المحض، فهو لا يريد إلا الخير، أما الشر فمصدره الإنسان، قالوا: ولماذا لا يكون الشر أثرًا من آثار الطبيعة، ونتيجة لازمة لها؟ قلنا: وهذا بعيد غير معقول ولا مقبول؛ لأنه لو كان الشر من نتائج الطبيعة لما أمكن الإنسان — مهما حاول — أن يتجنبه ونحن نعلم — علم اليقين — أن الإنسان بما فيه من مواهب واستعدادات يستطيع أن يحول الشر ويتفاداه ويقاومه، ويجد له مخرجًا ومفازة للنجاة من هلكته.

وإنما الوجه في ذلك والصواب المعقول أن الإنسان هو الذي يخلق الشر، وأنه مبعث المفاسد، وموئل الرذائل، ومصدر الظلم بحسب اتصافه به وظهوره منه.

أما أن يخلق الله — جلَّت حكمته — الناس كاملين خيرين بعيدين عن كلِّ نقيصة، فإنما هذا لا يكون مع الحكمة الإلهية العالية، وليس ما يساكن وجداننا، ويلازم أفكارنا من فكرات «وشطحات» ليس هذا من الحكمة في قليل ولا كثير، وإنما أراد الله بحكمته وعظمته وتدبيره أن لا يعطي المخلوق الكمال مجانًا وجزافًا، ولو فعل سبحانه وتعالى لما استطاع الإنسان أن يقدر هذه النعمة حقَّ قدْرها، ولا وجد فيها لذة صحيحة ممتعة.

فكما أنك لا تستطيع أن تقدر الصحة حق قدرها، وتعرف لها قيمتها — والصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى — فكذلك أيضًا أنت غير قادر على تقدير قدر هذه النعمة — نعمة الكمال — إلا بالكد والجد والنشاط للعمل.

بل لو كان المولى — جلَّ شأنه — قد وهبنا الكمال بادئ بدء، وتركنا في كمالنا على هذه الحال، إذن لتعطلت الحياة، ووقفت الحركة العامة الناتجة عن ترقي العوالم والكائنات، وأصبح هذا الكون خاثرًا بائرًا، لا حركة فيه ولا حياة.

وإنما أراد الله تعالى — بحكمته ولطفه — أن تكتسب النفس كمالها بجدها وعملها، وأطلق لها حرية مخيرة تميز بين الخير والشر، وتدرك غايتها بسعيها وجدها وكدها.

هذه حكمة المولى، ونحن ما زلنا في هذه الحياة نتلمس الحقيقة من منابع العلم ومناهله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤